الدرس السابع

فضيلة الشيخ د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

12333 11
الدرس السابع

ملحة الإعراب (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد..

فسلامُ اللهُ عليكمُ ورحمتُهُ وبركاته، وحياكم الله وبياكم في هذه الليلة الطيبة، ليلة الأربعاء، السادس عشر من شهر صفر، من سنة ثمانٍ وثلاثين وأربعمائةٍ وألف من هجرة الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام.

ونحن في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، لنعقد بحمد الله وتوفيقه، الدَّرسَ السَّابِعَ من دروس شرح "مُلْحَةِ الإِعرَابِ"، للحريري البصري، وهذا الدرس نعرضه في مدينة الرياض -حفظها الله، وفي بداية هذا الدَّرس سنكمل ما كنا توقفنا عليه في الدرس الماضي، من الكلام على "أركان إعراب الاسم والفعل المضارع".

وعرفنا أنَّ لإعراب الاسم والفعل المضارع ثلاثة أركانٍ:

الأول: أن نبدأ إعراب المضارع ببيان نوعه، فنقول: فعلٌ مضارعٌ، وأن نبدأ إعراب الاسم ببيان موقعه في الجملة، ثم بعد ذلك نفرق بين المعرب من الأسماء والمضارع، والمبنيّ منهما، فنقول مع المعربات: مرفوعٌ، منصوبٌ، مجرورٌ، مجزومٌ، ونبين علامة الإعراب، ونقول في المبنيّات:

  • في محل رفعٍ.
  • في محل نصبٍ.
  • في محل جرٍّ.
  • في محل جزمٍ.

ونبين حركة البناء، فإذا أردنا أن نعرب مثلًا قولنا: "محمدٌ يرحم الفقير"، فنقول: "محمدٌ": مبتدأٌ، وهو اسمٌ مُعربٌ، فنقول: مبتدأٌ مرفوعٌ أو في محل رفعٍ؟

نقول: مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة.

"يرحم": خبرٌ أم فعلٌ مضارعٌ؟ نقول: فعلٌ مضارعٌ، ما نقول خبرٌ، فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ؛ لأنه مُعربٌ، لم تتصل به نون النِّسوة، ولا نون التوكيد، إذن فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة، سنعرف أنَّ لكل فعلٍ فاعلًا بعده، فإن ظهر، وإلا فهو ضميرٌ مُستترٌ، لم يظهر الفاعل؛ لأنَّ الفاعل هو: "محمدٌ"، لم يظهر بعد الفعل، فنقول: إنَّ الفاعل ضميرٌ مستترٌ تقديره "هو"، يعود إلى محمد، والجملة الفعلية من الفعل: "يرحم"، والفاعل مُستترٌ، خبر المبتدأ.

"الفقير": مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة.

لو قلنا: "هذا يرحم الفقير"، من يعرب هذا يا شباب؟

هذا مبتدأٌ، من يُعربه؟

{هذا مبتدأ في محل رفعٍ مبنيٌّ على السكون}.

اعتد أن تُعرب بإعراب، مبتدأ في محل رفعٍ مبنيٌّ على السكون، لماذا قلت في محل رفعٍ ولم تقل مرفوعٌ؟

{لأن المبنيّات دائمًا تكون في محل}.

لأنه مبنيٌّ، أحسنت.

هذا مبتدأٌ في محل رفعٍ.

لو قلت: "رحمتُ الفقيرَ"، من يعرب "التاء" تاء المتكلم في رحمتُ؟

{التاء فاعلٌ مبنيٌّ على الضم في محل رفعٍ}.

أحسنت، تاء المتكلم رحمتُ تاء المتكلم فاعلٌ، في محل رفعٍ مبنيٌّ على الضم.

أنبه هنا على أنَّ هذه الأركان الثلاثة، الترتيب بينها ليس بواجبٍ، لك أن تقدم بعضها على بعضٍ، المطلوب أن تأتي بها كاملةً وافيةً، ولو قدمت بعضها على بعضٍ لا بأس، يعني: لا إشكال في أن تقول في "رحمتُ": التاء فاعلٌ، مبنيٌّ على الضم في محل رفعٍ، أو تقول: تاء المتكلم فاعلٌ، في محل رفعٍ، مبنيٌّ على الضم، لا إشكال في ذلك، بل لك أن تقول مثلًا: في "ذهب هؤلاء"، تقول: هؤلاء فاعلٌ، مبنيٌّ على الكسر، في محل رفعٍ، أو تقول: فاعل مبنيٌّ على الكسر في محل كسر، أو تقول: هؤلاء مبنيٌّ على الكسر، فاعلٌ في محل رفعٍ، أو تقول: هؤلاء مبنيٌّ على الكسر، في محل رفعٍ بكسرتين، فاعلٌ بضمتين، تريد فاعلٌ في محل رفعٍ، لكن لو قدمت وأخرت، وقلت: في محل رفعٍ فاعل، فاعلم أن في محل جملةٌ، وفاعلٌ جملةٌ، يعني هو فاعلٌ، يعني أن العبارة ليست في محل رفعٍ فاعل إضافة، لا، في محل رفعٍ، يعني هو في محل هو فاعلٌ.

لو قلنا: "هل ترحمنَّ الفقيرَ".

"ترحم": فعلٌ مضارعٌ، لم يُسبق بناصبٍ، ولا جازمٍ، من يُعرب ترحم؟

ترحم في قولك: "هل ترحمنَّ"، ترحم: فعلٌ مضارعٌ، نبدأ إعرابه فنقول ماذا؟

{فعلٌ مضارعٌ}.

حكمه الرفع أم النصب أم الجزم؟ سبق بناصب أن، لن، كي، إذن؟

{لا}.

سبق بجازمٍ؟ لم، لما، لام الأمر، لا النهي، أدوات الشرط الجازمة؟

{لا}.

لم يسبق بناصبٍ ولا بجازمٍ، إذن حُكمُه الرَّفع، لكن نقول: مرفوعٌ أم في محل رفعٍ؟

{في محل رفعٍ}.

مبنيٌّ في محل رفعٍ، معربٌ مرفوعٌ، المضارع هنا مبنيٌّ أم معربٌ؟

{مبنيٌّ}.

مبنيٌّ لاتصاله بنون التوكيد، "هل ترحمنَّ الفقيرَ".

إذن نقول: فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على الفتح، في محل رفعٍ.

لو قلنا مثلًا: "المؤمناتُ لن يهملن أولادهن".

"المؤمناتُ": مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة.

"لن": حرف نصبٍ، مبنيٌّ على السكون لا محل له من الإعراب.

"يهمل" أعرب الفعل يهمل؟ يهمل في قولك: "المؤمناتُ لن يهملن".

نبدأ إعراب الفعل المضارع، فنبين نوعه فنقول.

{فعلٌ مضارعٌ}.

مَا حُكمُ الفعل المضارع الإعرابي هنا؟ الرفع أم النصب أم الجزم؟

{النصب}.

النصب؛ لأنه مسبوقٌ بناصب لن.

حكمه النصب، هل نقول منصوبٌ معربٌ؟ أم نقول في محل نصبٍ مبنيٌّ؟

{في محل نصبٍ}.

هنا في محل نصبٍ؛ لأنه مبنيٌّ لاتصاله بنون النسوة، فهو مبنيٌّ على السكون، لن يهملن.

نعيد الإعراب كاملًا، فنقول: فعلٌ مضارعٌ، مبنيٌّ على السكون، في محل نصبٍ، ونون النسوة في "يهملن" ضمير إعرابها فاعلٌ، مبنيٌّ على الفتح، في محل رفعٍ، نعربه إعراب المبنيّات؛ لأنه ضميرٌ، والضمائر مبنيّاتٌ، لن يهملن، فاعلٌ في محل رفعٍ، مبنيٌّ على الفتح.

لو قلنا: "سلمتُ على الأستاذِ وسلمت عليك".

سلمتُ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح الظاهر أم المقدر؟

المقدر، منع من ظهوره السكون المجلوب للتخلص من أربعة متحركاتٍ، وتاء المتكلم في سلمتُ فاعلٌ في محل رفعٍ مبنيٌّ على الضم، وعلى حرف جر مبنيٌّ على السكون، لا محل له من الإعراب.

الأستاذِ: اسمٌ مجرورٌ أم في محل جرٍّ؟

{اسمٌ مجرورٌ في محل الجر}.

ما يصير مجرور في محل الجر.

{اسمٌ مجرورٌ مبنيٌّ}.

ما يُقال مجرور مبنيٌّ، هذه ما تجتمع، مجرورٌ يعني مُعربٌ.

{اسمٌ مجرورٌ}.

مجرورٌ، تبينها حركة الجر، علامة الجر.

{وعلامة الجر الكسرة}.

إذن: اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الكسرة.

فهمتم من شرحنا أن هناك أشياءً متلازمةً، وأشياءً ممتنعةً، فيه أشياءٌ متلازمةٌ، مهما قلت مرفوعٌ، ماذا تقول بعده؟.. وعلامة رفعه كذا، إذا قلت: منصوبٌ، وعلامة نصبه كذا، مجرورٌ وعلامة جره كذا، مجزومٌ وعلامة جزمه كذا، هذه متلازماتٌ. لكن لو قلنا: في محل نصبٍ، في محل جرٍّ، في محل جزمٍ، مباشرةً تقول معها: مبنيٌّ على كذا، هذه متلازمات.

هل يمكن أن تقول: مرفوعٌ مبنيٌّ؟

ما يأتي، مرفوعٌ يعني معربٌ، ما تقول مرفوعٌ مبنيٌّ على الضم، ما يأتي، مجرورٌ مبنيٌّ، ما يأتي، هل تقول: في محل رفعٍ، وعلامة رفعه؟ لا، في محل رفعٍ يعني مبنيٌّ، وعلامة رفعه العلامة للمعربات، هذه الأشياء ما تأتي مع بعضٍ.

لو قلنا: "لا تعبث"، و "لا تعبثن"، "لا تعبث"، لا ناهيةٌ، جازمةٌ للفعل المضارع، إذن فالمضارع مسبوقٌ بجازمٍ، فحكمه الجزم، كيف نعرب "تعبث" في: "لا تعبث؟"

فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ أو في محل جزمٍ؟

مجزومٌ وعلامة جزمه السكون، لكن "لا تعبثن"، تعبث في قولك: تعبثن، فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ أو في محل جزمٍ؟ في محل جزمٍ، مبنيٌّ على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد.

من هذا الشرح للأحكام الإعرابية والمعربات والمبنيّات، وخط الإعراب، وما ذكرناه من أركان إعراب الحروف والماضي والأمر قبل خط الإعراب، والأسماء والمضارع بعد خط الإعراب، من كل ذلك نلخص فنقول: إن الحروف والأفعال الماضية وأفعال الأمر هذه الثلاثة دائمًا مبنيٌّة، ليس فيها شيءٌ مُعربًا، تدخلها الأحكام الإعرابية أو لا تدخلها الأحكام الإعرابية؟ لا يدخلها شيءٌ من الأحكام الإعرابية، فلهذا ماذا نقول في بيان حكمها الإعرابي؟ هذه ما لها حكمٌ إعرابيٌّ، نقول: لا محل له من الإعراب، نقول: لا محل له من الإعراب مع هذه الثلاثة، لأنه ليس لها حكمٌ إعرابيٌّ، انتهينا منها.

وأيضًا تُبين لنا أن الأفعال المضارعة والأسماء، هذه لابد أن تدخل عليهما حكمٌ إعرابيٌّ، كل فعلٍ مضارعٍ، لابد له من حكمٍ إعرابيٍّ، رفعٍ أو نصبٍ أو جزمٍ، كل اسمٍ لابد له من حكمٍ إعرابيٍّ، رفعٍ أو نصبٍ أو جرٍّ، يعني لا يصح بحالٍ أن تقول عن مضارعٍ أي مضارع عن اسمٍ أي اسمٍ، أن تقول معهما لا محل له من الإعراب، ما معنى لا محل له من الإعراب؟ يعني ما له حكمٌ إعرابيٌّ، الأسماء والأفعال المضارعة، هذه لابد لها من حكمٍ إعرابيٍّ، فلهذا لا يمكن أن تقول معهما لا محل له من الإعراب، هذه لابد لها من حكمٍ إعرابيٍّ، فإن كانت الأفعال المضارعة والأسماء معربةً، فإنك تقول في بيان حكمها الإعرابي: مرفوعٌ، منصوبٌ، مجرورٌ، مجزومٌ، وإن كانت الأفعال المضارعة والأسماء مبنيٌّة، فإنك تقول في بيان حكمها الإعرابي: في محل رفعٍ، في محل نصبٍ، في محل جرٍّ، في محل جزمٍ، هذه الخلاصة مما سبق.

الآن نريد أن نعرف موقعنا من النحو، ماذا درسنا؟ وماذا بقي؟ ماذا سندرس؟

كل ما يتعلق بالحروف انتهينا منه، ولم يبق شيءٌ في نحوها يُدرس، خلاص انتهينا منها، وكذلك الأفعال الماضية، وكذلك أفعال الأمر، هذه الثلاثة، ما قبل خط الإعراب انتهينا منها تمامًا، لن نعود إليها بعد ذلك، إذن باقي النحو في ماذا؟

للأسماء والأفعال المضارعة، ما بعد خط الإعراب، الأفعال المضارعة والأسماء عرفنا أن لإعرابها ثلاثة أركانٍ، الركن الثاني: وهو الحكم الإعرابي درسناه، ما الأحكام الإعرابية التي تدخل على الأسماء؟ الرفع، والنصب، والجر، ما الأحكام الإعرابية التي تدخل على المضارع؟ الرفع، والنصب، والجزم، درسناها، بقي أن ندرس باقي النحو، الذي باقي في النحو كله أن ندرس الركن الأول في إعراب الأسماء، لأن الركن الأول في المضارع أيضًا درسناه.

بقي الركن الأول في إعراب الأسماء، الذي هو مواضع الاسم في الجملة، مواقعه، إذا وقع في الابتداء ما حكمه، إذا وقع مخبرًا به ما حكمه، إذا وقع دالًّا على الفاعل ما حكمه، إذا وقع دالًّا على الهيئة والحالة ما حكمه، إذا وقع دالًّا على الزمان أو المكان ما حكمه، إذا وقع بعد حرف عطفٍ ما حكمه، إذا وقع بعد أداة نداءٍ ما حكمه، وهكذا، مواقعه في الجملة.

وقي الركن الثالث، وهو: علامات الإعراب، علامات الإعراب خاصةٌ بالأسماء المعربة والمضارع المعرب، أما الأسماء المبنيّة والمضارع المبنيّ، فقد درسنا أيضًا حركات بنائهما، فالأسماء كلها مبنيّةٌ على حركات أواخرها، سيبويه، مبنيٌّ على الكسر، أين مبنيٌّ على الفتح، حيث مبنيٌّ على الضم، الأسماء المبنيّة كلها مبنيّةٌ على حركة أواخرها، والمضارع المبنيّ درسناه أيضًا، المضارع المبنيّ إما أن يبنى على السكون إذا اتصلت به نون النسوة، أو على الفتح، إذا اتصلت به نون التوكيد، درسناه، يعني كل باقي النحو ماذا سندرس فيه؟ سندرس فيه نصف الركن الأول، لماذا نقول نصف الركن الأول؟ لأن بيان نوع المضارع درسناه، بقي فقط مواضع الاسم، والركن الثالث بقي الثالث.. حركة بناء درسناها، وإن كانت علامة الإعراب هي التي لم تدرس، الآن سندرس علامات الإعراب، فإذا انتهينا منها سننتقل إلى مواضع إعراب الاسم، ومواضع إعراب المضارع. هذا الباقي في النحو، فلهذا ستعرفون لماذا سينتقل الحريري الآن إلى الكلام على أبواب علامات الإعراب الفرعية، سيذكر الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم إلى آخره، لأنه يريد أن يبين لنا علامات الإعراب، فإذا انتهى سيبدأ بمواضع إعراب الاسم، الفاعل، ونائب الفاعل، والمبتدأ والخبر إلى آخره.

بهذا نكون بحمد الله قد انتهينا من الكلام على الأحكام الإعرابية، وما يتعلق بها من طريقة بيان الإعراب بأركانه، وفي الطريق شرحنا وعرفنا خط الإعراب، وأهميته في ضبط الإعراب.

إذن عرفنا أننا سنتكلم الآن على سنبدأ الكلام على علامات الإعراب.

ذكر الحريري في الباب الذي شرحناه الأحكام الإعرابية، ذكر علامات الإعراب الأصلية، إن كنتم تذكرون، فذكر أن علامة الرفع الأصلية الضمة، وعلامة النصب الأصلية الفتحة، وأن علامة الجر الأصلية الكسرة، وأن علامة الجزم الأصلية السكون، فقال:

فالرفع ضم آخر الحروف
 

 

والنصب بالفتح بلا وقوف
 

والجر بالكسـرة للتبيين
 

 

والجزم في السالم بالتسكين
 

فذكر أنَّ علامات الإعراب الأصلية هي الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر، والسكون للجزم.

الآن سيذكر أن الأصل في الاسم الذي يُعرب بالعلامات أنه منونٌ، الأصل في الاسم أن ترفعه بالضمة وتنونه، جاء محمدٌ أن تنصبه بالفتحة وتنونه، أكرمتُ محمدًا، أن تجره بالكسرة وتنونه، سلمتُ على محمدٍ، فعقد هذا الباب الذي سماه إعراب الاسم الفريد المنصرف.

نريد أن نظهر الأبيات من الملحة على الشاشة، لكي يقرأها الأخ الكريم على مسامعنا.

تفضل اقرأ، باب إعراب الاسم الفريد أو المفرد المنصرف.

{بسم الله الرحمن الرحيم.

قال المصنف -رحمه الله: باب إعراب الاسم المفرد المنصرف: (

ونَوِّنِ الاسمَ الفَريدَ المُنصَرِفْ
 

 

إذا انْدَرَجْتَ قَائلاً ولم تَقِفْ
 

وقِفْ على المنصوبِ منهُ بالألفْ
 

 

كمِثلِ ما تَكتُبُهُ لا يَختَلفْ
 

تَقولُ عَمرٌو قد أضَافَ زيدًا
 

 

وخَالدٌ صَادَ الغَدَاةَ صَيدًا
 

وتُسقِطُ التَّنوينَ إنْ أضَفتَهْ
 

 

وإنْ يَكنْ باللامِ قَدْ عَرَّفتَهْ
 

مِثَالُهُ جاءَ غُلامُ الوَالي
 

 

وأقبَلَ الغُلامُ كَالغَزَالِ)}.
 

ذكر -رحمه الله تعالى- في هذا الباب أن من خصائص الاسم التنوين، وهذا كنا قد أشرنا إليه عندما تكلمنا عن العلامات المميزة للاسم، من علاماته التي يختص بها عن الفعل والحرف: التنوين، فلهذا قال: ونَوِّنِ الاسمَ، يعني: أن التنوين خاصٌّ بالاسم، دون الفعل والحرف.

نعم الفعل والحرف لا ينونان، بل الذي ينون هو الاسم.

قالوا في ذلك: إن التنوين زينة الأسماء، فأنت إذا قلت: جاء محمدٌ، فـ "محمدٌ" فاعلٌ، وما علامة رفعه؟ الضمة، "جاء محمدُ"، علامة رفعه الضمة، جاء محمدُ، إلا أنَّ العرب لا تقل: جاء محمدُ..، نونًا ساكنة، "جاء محمدٌ"، هذه النون الساكنة هي التي نسميها التنوين.

إذن ما تعريف التنوين؟

التنوين: نونٌ ساكنةٌ، ماذا تلحق من الكلمات؟ تلحق الأسماء فقط، دون الأفعال والحروف.

تلحقها في الوقف أم في الوصل؟ تلحقها في الوصل، "جاء محمدٌ مسرعًا"؛ لأنك إذا وقفت، فإن الوقوف كما نعرف الأصل فيه التسكين، ستحذف التنوين، وستحذف الضمة، فستقول: "جاء محمد"، كما سيأتي بعد قليلٍ.

فهذا التنوين وضعوها للأسماء، قالوا: لأن الأسماء أشرف من الأفعال والحروف، فلهذا ميزت وزينت بالتنوين، فهذا قوله: (ونَوِّنِ الاسمَ.)

تقول: "بنى محمدٌ بيتًا"، محمدٌ اسمٌ، بيتًا اسمٌ، لكن بنى فعلٌ.

وتقول: إن صالحًا مجتهدٌ، {أتعلمون أن صالحًا مرسلٌ}، و "زرت خالدًا صباحًا"، وهكذا، الأصل في الأسماء أنها تنون، إلا أن الاسم لا ينون في حالات، هناك حالاتٌ لا ينون فيها الاسم، ما الحالات التي لا ينون فيها الاسم؟

الحالات التي لا ينون فيها الاسم: إذا كان الاسم مثنى، فإنه لا ينون، وكذلك لو كان جمعًا، والجمع فيه تفصيل سيأتي.

إذن إذا أردت أن تنون، فإن التنوين، يكون للاسم المفرد.

الحالة الثانية التي لا ينون فيها الاسم: ألا يكون ممنوعًا من الصرف، وسيأتي الكلام عليه في باب عقده الحريري بعنوان: ما لا ينصرف.

الحالة الثالثة: عند الوقف، إذا وقفت على الاسم فإنك لا تنون؛ لأن الوقف كما هو معلومٌ، إنما يكون بالسكون، تقول: جاء محمدٌ، فتقف، إن صالحًا مرسلٌ، فتقف، وهكذا.

إلا أنك إن وقفت على مرفوعٍ أو مجرورٍ سكنت مطلقًا، فتقول في جاء محمدٌ، جاء محمد، وسلمت على محمدٍ، سلمت على محمد، أما إذا وقفت على منصوبٍ منونٍ، كأكرمت محمدًا، أو جلست جلوسًا، فإنك ستسكن وتقلب التنوين ألفًا، فتقول: أكرمت محمدا، وجلست جلوسا، وهكذا.

والحالة الرابعة التي لا ينون فيها الاسم: إذا كان الاسم محلى بـ"ال"، ال لا تجامع التنوين، تقول: قلمٌ، فإذا عرفت بالألف ذهب التنوين، القلم، علمٌ العلم، كتابٌ الكتاب، وهكذا.

الحالة الخامسة: إذا وقع الاسم مُضافًا، وبعده مضافٌ إليه، يقولون: التنوين والإضافة لا تجتمع، تقول: كتابٌ، كتابُ الطالبِ، قلمٌ، قلمُ الأستاذِ، بابٌ، بابُ المسجدِ، مسجدٌ، مسجدُ الحيِّ، وهكذا.

وهذا هو قول الحريري:

ونَوِّنِ الاسمَ الفَريدَ المُنصَرِفْ
 

 

إذا انْدَرَجْتَ قَائلاً ولم تَقِفْ
 

ما معنى قوله: (ونَوِّنِ الاسمَ الفَريدَ) ماذا يريد بالفريد؟

يعني: المفرد، يعني: أن الأصل في التنوين أنه يكون للاسم المفرد، وأما المثنى فإنه لا ينون.

ما مثنى قلم؟ قلمان.

مسلم: مسلمان.

ننظر في قلم، هي "قلمٌ" عليه الضمة علامة الإعراب، وعليه التنوين، وعرفنا أنه نونٌ ساكنةٌ، قلمٌ، نثني "قلمٌ"، قلمان، أما الألف في قلمان، فهي كما تعرفون، وكما سيأتي في باب المثنى، الألف علامة الرفع، يعني تقابل الضمة علامة الرفع في المفرد، فالألف علامة الرفع تقابل الضمة علامة الرفع، والنون في مثنى قلمان، قالوا: تقابل التنوين، فلهذا لا تجمع نون تقابل التنوين وتنوين أيضًا، فلا يمكن أن تنون المثنى.

طيب هذا المثنى، والجمع؟

الجموع ثلاثة أنواعٍ: جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، وجمع التكسير.

أما جمع المذكر السالم فـ كالمثنى لا ينون، فأنت تجمع مسلم، فتقول: مسلمون، ومجتهد، مجتهدون.

مسلمٌ المفرد عليها ضمةٌ، وعليها تنوين، والجمع مسلمون؟ مسلمون هذه الواو علامة الرفع في جمع المذكر السالم، علامة الرفع إذن تقابل الضمة، والنون في مسلمون في جمع المذكر السالم، تقابل التنوين، فلهذا لا يمكن أن تنون جمع المذكر السالم.

وَسَيُعِدُّ الحريري بابًا خاصًا بجمع المذكر السالم، ويتكلم فيه عن علامات إعرابه.

النوع الثاني من الجموع: جمع المؤنث السالم، نحو مسلماتٌ، مجتهداتٌ، فهي كما ترون تنون، مسلماتٌ مسلماتٍ، تنون، لكن جمع المؤنث السالم يحتاج إلى كلامٍ خاصٍّ على علامات إعرابه، فلهذا سيعقد الحريري بابًا خاصًا بجمع المؤنث السالم أيضًا.

والنوع الثالث من الجموع: جمع التكسير، جموع التكسير الأصل في جموع التكسير أنها تنون، تقول: رجالٌ، أطفالٌ، جبالٌ، قلوبٌ، وهكذا، إلا ما كان منها على صيغ منتهى الجموع، يعني على: "مفاعل ومفاعيل"، مثل: "مساجد، مصانع، قناديل، مناديل"، فهذه ستدخل في الممنوع من الصرف، فلا تنون، ومع ذلك هي تحتاج إلى كلامٍ خاصٍّ لبيان علامات إعرابها، وتحتاج إلى كلامٍ خاصٍّ كذلك لبيان ما يدخل منها وما لا يدخل في الممنوع من الصرف، وقد عقد الحريري بابًا خاصًا لجمع التكسير، وسيتكلم على إعرابه.

ثم قال -رحمه الله: "ونَوِّنِ الاسمَ الفَريدَ المُنصَرِفْ" ماذا يعني بقوله: المُنصَرِفْ؟ نَوِّنِ المنصرف، يعني: غير المنصرف، الاسم الذي لا ينصرف ما لا ينصرف هذا لا ينون.

الممنوع من الصرف، المراد بالصرف هنا التنوين، هناك أسماءٌ في اللغة العربية لا تصرف، لا معنى لا تصرف؟ يعني لا تنون، وتجر بالفتحة، لا بالكسرة، وهي أحد عشر اسمًا.

الأسماء الممنوعة من الصرف كم عددها؟ أحد عشر اسمًا، العلاقة بينها أنها أسماءٌ ذهبت تتشبه بالأفعال، فحرمت من زينة الأسماء التنوين، لأنها ذهبت تتشبه بالأفعال، فلهذا نزعت منها زينة وخاصية الأسماء، التنوين.

سيذكرها الحريري في بابٍ خاصٍ، سيعقده بعد منتصف ملحة الإعراب، سماه باب ما لا ينصرف، سيذكر هذه الأسماء، وليس من غرضنا الآن أن نذكرها، ولكن الغرض بيان حركات إعرابها، كان ينبغي أن يذكر الحريري هنا علامات إعرابها، لكنه لم يفعل -رحمه الله-، ولكنه فعل في ذلك الباب، الذي بعد منتصف الملحة، ذكر هناك أيضًا علامات إعرابها، فقال في باب ما لا ينصرف:

هَذَا وَفِي الأَسْمَاءِ مَا لاَ يَنْصَرِفْ
 

 

فَجَرُّهُ كَنَصْبِهِ لاَ يَخْتَلِفْ
 

وَلَيسَ للتَّنْوِينِ فِيهِ مَدْخَلُ
 

 

لِشَبَهِ الفِعْلَ الَّذِي يُسْتَثقَلُ
 

هذه الأسماء الممنوعة من الصرف، هذه لا تنون؛ لأنها تشبه الأفعال الثقيلة.

لا تنون وجرها كيف يكون؟ كنصبها، يعني أنها تجر بالفتحة، وتنصب بالفتحة.

قلنا ليس الغرض بيانها الآن، ولكن نذكر منها مثلًا من الأسماء التي لا تنصرف، الممنوعة من الصرف.

قلنا الأسماء التي على وزن مفاعل أو مفاعيل، مثل: مساجد، منابر، مصانع، قناديل، مناديل، مفاتيح.

ومن الممنوع من الصرف: العلم الأعجمي، سوى الثلاثي، مثلًا إبراهيم، إسحاق، يوسف، ومن الممنوع من الصرف المؤنث سوى الثلاثي، سوى الثلاثي، مثل فاطمة، وخديجة، وسعاد، وزينب، ومكة، فهذه من الأسماء الممنوعة من الصرف.

تقول العرب: "جاءَ إبراهيمُ"، و "أكرمتُ إبراهيمَ"، و "سلمتُ على إبراهيمَ"، أعربته، يعني غيرته بتغير الإعراب.

  • في الرفع تضع ضمةً، لكن بلا تنوينٍ: جاءَ إبراهيمُ، ما تقول: إبراهيمٌ.
  • وفي النصب فتحةً، أكرمتُ إبراهيمَ، ما تقول: إبراهيمًا.
  • وفي الجر أيضًا فتحةً، سلمتُ على إبراهيمَ، إذن علامة رفعه الضمة، وعلامة نصبه الفتحة، الضمة للرفع أصليةٌ، والفتحة للنصب أصليةٌ، وعلامة جره "سلمتُ على إبراهيمَ" الفتحة وهي فرعيةٌ، وكان ينبغي أن يذكرها في العلامات الفرعية التي سيعقد لكل منها بابًا، "سلمتُ على إبراهيمَ"، على حرف جرٍّ، وإبراهيمَ اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الفتحة.

تقول: هذه مساجدُ، خبرٌ مرفوعٌ، بنيت مساجدَ، مفعولٌ به منصوبٌ، وصليت في مساجدَ، فتجره بالفتحة، ولا تنون شيئًا من ذلك.

تقول: "صلى الله وسلم على محمدٍ"، مجرورٌ، وعلامة جره الكسرة.

اعطف عليه أباه إبراهيم، سلمتُ على محمدٍ وإبراهيمَ، وصالحٌ، وإسماعيلَ، وشعيبٍ، وإسحاقَ، وهكذا، كل اسمٍ تعطيه حقه من علامات الإعراب، وقلنا إن الحريري ذكر هذه العلامات، لكن في باب ما لا ينصرف.

ثم قال الحريري -رحمه الله تعالى: (إذا انْدَرَجْتَ قَائلًا ولم تَقِفْ) إذا انْدَرَجْتَ درج الكلام يعني وصل الكلام، إذا وصلت الكلام بعضه ببعضٍ ولم تقف، فإنك حينئذٍ تنون، جاءَ محمدٌ، وأكرمتُ محمدًا، وسلمتُ على محمدٍ اليوم، وأما إذا وقفت، لا، إذا وقفت حينئذٍ لا تنون، هذا من مواضع امتناع التنوين، الذي ذكرناها قبل قليلٍ، فقال: ولا تقف، بيان لهذا الموضع.

فإن وقفت، كيف تقف على المنونات؟

أما المنون المرفوع، والمنون المجرور، فتقف عليه بالسكون، جاءَ محمدْ، وسلمتُ على محمدْ، وأما المنون المنصوب كأكرمت محمدًا، فتقف عليه بقلب التنوين ألفًا، تقول: أكرمت محمدا، وهذا هو قول الحريري:

وقِفْ على المنصوبِ منهُ بالألفْ
 

 

كمِثلِ ما تَكتُبُهُ لا يَختَلفْ
 

إذا أردتَ أن تكتب: أكرمتُ محمدًا، تكتبه بألف، اعتبارًا بالوقف، ثم يمثِّل لذلك فيقول: "تَقولُ عَمرٌو قد أضَافَ زيدًا" ما تقول: زيدْ لأنك وقفت، "وخَالدٌ صَادَ الغَدَاةَ صَيدًا" ما تقول: صيدْ؛ لأنك وقفت.

وقوله -رحمه الله: (وتُسقِطُ التَّنوينَ إنْ أضَفتَهْ) يعني أن التنوين يزول إذا أضفت الاسم، إذا جعلته مضافًا، وبعده مضافٌ إليه، تقول: قلمٌ فتنون، فإن أضفت: قلمُ الطالب، فإنك تحذف وتزيل التنوين، وتقول: كتابٌ، فإذا أضفته، تحذف وتزيل التنوين، كتابُ المعلمِ، كتابُ محمدٍ، وتقول: هذا مسجدٌ، تنون، فإذا أضفت تحذف التنوين وتزيله، هذا مسجدُ الحيِّ، يريد أن يذكر لنا هنا موضعًا من امتناع التنوين، وذلك إذا كان الاسم مضافًا.

ثم قال: (وإنْ يَكنْ باللامِ قَدْ عَرَّفتَهْ) يعني أن التنوين يسقط أيضًا إذا عرَّفته باللام، يعني أن التنوين يزول إذا عرَّفت الاسم بـ"ال"؛ لأن التنوين و"ال" لا يجتمعان، تقول: هذا قلمٌ، بالتنوين، فإن أتيت بـ"ال" فتقول: هذا القلمُ، فتزيل التنوين، اشتريت كتابًا، بالتنوين، فإن أتيت بـ"ال"، تقول: اشتريتُ الكتابَ، فتحذف التنوين، وهكذا.

ثم مثَّل للمضاف وللمعرف بـ"ال" فقال:

مِثَالُهُ جاءَ غُلامُ الوَالي
 

 

وأقبَلَ الغُلامُ كَالغَزَالِ.
 

فغلام الوالي مثالٌ للمضاف، والغلام مثال للمعرَّف بـ"ال" فظهر من ذلك أن التنوين يمتنع في المثنى وجمع المذكر السالم، وفي الاسم الممنوع من الصرف، وفي الموقوف عليه، وفي الاسم إذا وقع مضافًا، وفي الاسم المعرَّف بـ"ال"، نضيف إليها سادسًا إذا شئتم، وهي الأسماء المبنيّة، فإن الأصل في الأسماء المبنيّة أن تلزم حركات بنائها، ولا تتغير، الذين، وحيث، وأين، بلا تنوين، قد يدخلها تنوين يسمى تنوين التنكير، في بعض حالاتها، لكن هذا -إن شاء الله- سيأتي في النحو الكبير، فليس موضعه في شرح الملحة.

ما سؤالك يا فتى؟

{الاسم المضاف المنون في قوله: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾ [النجم:50]، ما تخريجك لهذه الآية}.

﴿أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾ أَهْلَكَ: فعل ماضٍ، والفاعل تقدير مستتر، يعود إلى الله -جل جلاله.

وعاد: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.

أهلك عادًا، كقولك: أكرمت محمدًا، أما الأولى فنعت، وليس مضافًا إليه، نَعَتَ عَادًا بأنها عاد الأولى، أهلك عاد الأولى، ويدل على ذلك أن عاد علم، والعلم لا يقع مُضافًا، التركيب الإضافي مضاف ومضاف إليه، المضاف لابد أن يكون نكرة، وأما المضاف إليه فقد يكون نكرةً، كقلم طالب، أو معرفةً، كقلم الطالب.

فالخلاصة أن الآية ليس فيها إضافةٌ، هذا نعتٌ ومنعوتٌ، كقولك: أكرمتُ زيدًا الكريمَ.

{ذكرتم أنه علمٌ، المعلوم أن العلم لا ينون}.

لا، ينون، الأصل في الأسماء التنوين، جاءَ محمدٌ، جاءَ خالدٌ، تنون.

انتهى الوقت، وأشكركم كثيرًا على حسن حضوركم، وأشكر المشاهدين والمشاهدات على استماعهم، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يلقي الفائدة والبركة والنفع في هذا الدرس، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك