الدرس الثاني

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

13899 11
الدرس الثاني

كتاب التوحيد (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ضيف هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.}
حياكم الله وبارك فيكم.
{قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23]}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
من أبواب العقيدة أو من أنواع العبادة، التوكل، وهو تفويض الأمور إلى الله سبحانه وتعالى، فالتوكيل هو التفويض، والتوكل على الله هو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى فيما يريده العبد.
﴿ وَعَلَى اللَّهِ ﴾ لا على غيره، ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا ﴾ يعني تقديم المعمول يفيد الحصر، يعني لا تتوكلوا على غير الله سبحانه وتعالى، لأن هذا التوكل من أنواع العبادة، والعبادات بأنواعها كلها لله سبحانه وتعالى.
أما التوكيل وهو أن تفوض إلى عبدٍ تصرفًا معينًا، فهذا من المعاملات، لا من العبادات، وهو جائز التوكيل، وباب الوكالة معروفٌ في كتب الفقه وغيرها.
{وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال: 2]}.
قال الله جلَّ وعلَا: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ﴾ هذا حصرٌ ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي خافتْ منه، خافتْ من الله سبحانه وتعالى، ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾ [الأنفال: 2]، إذا تُلي القرآن على المسلم فإنه يزيده إيمانًا بالله عزَّ وجلَّ، لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وهو نور البصائر، وهو مبعث اليقين في قلب العبد، فالقرآن كلام الله سبحانه، ﴿ تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾ هذا فيه دليلٌ على أن الإيمان يزيد، وليس إيمان الناس سواءً، فمنهم من هو قوي الإيمان، ومنهم من هو متوسط الإيمان، ومنهم من هو ضعيف الإيمان، حتى قد يكون الإيمان قدر حبة خردلٍ، وزن حبة خردلٍ في قلب الإنسان، يضعف جدًا.
وهذا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
وقال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، أدناها، أدنى شعب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق، «والحياء شعبةٌ من الإيمان»، فدل على أن الإيمان ذو شعبٍ، وذو خصالٍ، فمن استكمل هذه الخصال تكامل إيمانه، ومن فقد شيئًا منها ضعف إيمانه بحسب ذلك، فالإيمان يزيد وينقص، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، خلافًا للمرجئة، الذين يقولون: الإيمان شيءٌ واحدٌ، لا يزيد ولا ينقص.
فهذه قاعدةٌ عظيمةٌ، نعم.
{وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 64]}.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ هذا خطابٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، والله جلَّ وعلَا إذا ناداه، لا يقول له يا محمد، كما يقول للأنبياء: يا موسى، يا نوح، وإنما خص محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه لا يناديه باسمه، وإنما يقول يا أيها النبي، يا أيها الرسول، ولا يقول يا محمد، إنما يأتي اسم محمدٍ في باب الإخبار عنه صلى الله عليه وسلم، ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 40]، هذا من باب الإخبار لا من باب النداء، فهذا تشريفٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، نعم.
{جزاكم الله خير يا شيخ، وقال تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]}
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ لا على غيره، ﴿ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ يعني كافيه، وفي الآية التي قبلها: ﴿ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 64] ، أي ومن اتبعك من المؤمنين فالله حسبهم سبحانه وتعالى، فهو حسب الجميع. نعم.
{وعن ابن عباس قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها محمدٌ صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا»، رواه البخاري والنسائي.}
هذه الكلمة العظيمة حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها الخليلان، إبراهيم عليه السلام لما أُلقي في النار، وذلك أنه لما عاب آلهتهم، وحذرهم من الشرك بالله عزَّ وجلَّ، قالوا: ﴿حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 68] ، فأوقدوا نارًا عظيمةً لا يقدر أحدٌ أن يقرب منها، فأخذوا إبراهيم -عليه السلام- ووضعوه في المنجنيق، آلة القذف، آلةٌ كبيرةٌ قاذفةٌ، فلما وضعوه وقذفوه إلى النار، قال: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173] أي: هو كافيني -سبحانه وتعالى-، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: 69]، وقال هذه الكلمة الخليل الثاني، محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، حينما قال له المشركون يتهددونه بعد أحدٍ ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ يعني يرجعون إليكم، فأمر أصحابه، وخرجوا وفيهم الجراح، فلما خرجوا انذعر المشركون، وقالوا: ما خرجوا إلا وفيهم قوةٌ، فهربوا مدبرين إلى مكة، وانهزموا بعزم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقوة إيمانهم، قالوا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]، ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾، يريدون أن يغزوكم، يقاتلوكم ﴿فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران: 173]، ماذا أجابوا؟ قالوا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، نحن عندنا ومعنا ربنا -سبحانه وتعالى-، فخرجوا وفيهم الجراح، فالله حماهم ووقاهم.
﴿فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: 174].
{في هذا الباب الحقيقة عدة مسائل، المسألة الأولى: أن التوكل من الفرائض}.
نعم، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾ [المائدة: 23]، هذا أمرٌ من الله -جلَّ وعلَا-، والأمر من الله يفيد الوجوب.
{المسألة الثانية: أن أيضًا التوكل من شروط الإيمان}.
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23] هذا شرطٌ، يعني إن كنتم صادقين في إيمانكم فتوكلوا على الله، دل على أن الذي لا يتوكل على الله ليس بمؤمنٍ.
{المسألة الأخرى في هذا الباب: في أن التوكل، وعِظم شأن هذه الكلمة، وأنها قول إبراهيم -عليه السلام-، ومحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وخُصت في الشدائد}.
نعم، هذه الكلمة "حسبنا الله ونعم الوكيل" خُصت بالخليلين، إبراهيم ومحمدٍ -عليهما الصلاة والسلام-، قالاها في وقت الشدائد، فهي كلمةٌ تقال في الشدائد، ويفرج الله عن من قالها إذا قالها باعتقادٍ وإيمانٍ وصدقٍ.
{فضيلة الشيخ، الأخذ بالأسباب هل ينافي التوكل؟}.
لا، نحن مأمورون بالتوكل، ومأمورون باتخاذ الأسباب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان أعظم الناس توكلًا على الله، ومع هذا كان يتخذ الأسباب، كان يلبس المغفر على رأسه؛ ليتوقى به من السلاح، وكان يلبس الدرع -درع الحديد- على جسمه، توقيًّا للسلاح، واتخاذ الأسباب لا ينافي التوكل، ونحن مأمورون بهذا، لو كانا يتنافيان ما أمرنا الله بهما، فقال -سبحانه وتعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23].
قال الله -تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾، فأمرنا بالتوكل، ومع هذا أمرنا باتخاذ الأسباب، فقال -جلَّ وعلَا: ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: 102]، يعني من الكفار، فتأهبوا لصدهم، وكف عدوانهم، فهذا من اتخاذ الأسباب، أمرَ الله به، مع أنه أمرَ بالتوكل، فدل على أنه لا تنافي بين التوكل على الله، وبين اتخاذ الأسباب المباحة.
{لماذا ضعف الإيمان عند بعض الناس في وقتنا الحاضر؟}.
الناس يكون فيهم ضعيف الإيمان بلا شكٍ، وذلك لأنه لم يتمكن الإيمان من قلبه، وأيضًا عنده خوفٌ، فيضعف توكله على الله، هذه سبب الخوف الذي يصيبه، والهلع الذي يصيبه، ولا ينهزم المؤمن أمام الشدائد، ويضعف أمامها، إلا لضعف إيمانه.
{نريد أن نختم هذا الباب العظيم -باب التوكل- هل إضافة في ذلك؟}.
هذا الباب بابٌ عظيمٌ، وهو باب التوكل على الله -سبحانه-، لاسيما عند الشدائد، وكما سبق، التوكل على الله مع اتخاذ الأسباب الواقية، فنجمع بين الأمرين، نتوكل على الله، ونعتمد على الله، وأيضًا نتخذ الأسباب الواقية والنافعة، ولا تنافٍ بينهما، وهذا من الإيمان، فالذي يقول إنه متوكلٌ على الله، ويهمل الأسباب، هذا مخطئٌ جدًّا، وعنده ضعف إيمانٍ، وضعف يقينٍ، والذي يعتمد على الأسباب، ولا يتوكل على الله، هذا أيضًا على النقيض، هو أيضًا ناقص الإيمان، ومختل العقيدة.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ صالح، وبارك الله فيكم، وفي علمكم على ما بينتم لنا، وشرحتم في هذه الدروس المهمة في كتاب التوحيد، أشكر أيضًا بقية الزملاء الذين شاركوا في تنفيذ هذا البرنامج، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك