الدرس السادس

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

8520 13
الدرس السادس

الأربعون النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أمَّا بعد..
فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يشرح صدورنا، وأن يَزِيدَ طُمَأنينة نفوسنا، وأن يُذْهِبَ غمومنا وهمومنا، وأن يعقبنا الخير والهدى، والبر والتقى، وصلاح الحال والمآل لنا ولأحبابنا، وللمسلمين.
أيها الإخوة المشاهدون وأيها الإخوة الحاضرون، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتم علينا وعليكم النعمة، وأن يزيدنا وإياكم من الهدى.
لم يزل الحديث متتاليًا، والكلام متتابعا، في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فنعم الحديث هو، ونعمت الوقفات، وما أحسن ما يُقضى فيه من الأوقات، فطيبوا بذلك وقتًا، وطيبوا بذلك نفسًا، واستعينوا على ذلك فيما تستقبلون من حياتكم، فإن الأيام تنقضي، والساعات تذهب، ولا يبقى للإنسان إلا مثل هذه الدقائق التي يرجو بِرَّهَا عند الله -سبحانه وتعالى، فنسأل الله الإخلاص في القول والعمل.
حتى لا يذهب بنا الحديث والأحاديث متتاليةٌ، والحاجة إلى إتمام هذا المختصر أو هذه الأربعين ماسةٌ؛ فننطلق بإذن الله -جلَّ وعلَا- إلى ما كنا توقفنا عنده وهو الحديث الثامن، حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة».
أظن أنه أمام أعينكم ونظركم وبين أيديكم في كتبكم، وكذلك الإخوة المشاهدين أرجو أن يكون بين أيديهم هذا الحديث.
كنا استهللنا الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ماذا؟
من جهة الإبانة عن عظم توحيد الله -سبحانه وتعالى، وأنه أعظم المهمات، وأعظم الواجبات، وأول ما ينبغي للمكلف أن ينقاد إليه، وأن يمتثل له هو توحيد الله سبحانه وتعالى.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»، وكما قلنا في الدرس الماضي في قوله -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، أن الغاية مِن خلق العباد هو توحيد الله -سبحانه وتعالى.
فمن تخلف عن التوحيد فإن حياته لا فائدة منها، فلذلك أُزهقت الأنفس، وأُريقت الدماء؛ لأجل تحقيق هذه الكلمة والدعوة إليها.
هذه مقدمةٌ تذهب بأناسٍ كثيرين إلى مسائل متنوعةٍ، وهي مزلة قدمٍ من جهة أن بعض الناس قد يأتي على دين الإسلام وعلى سنة نبينا -عليه الصلاة والسلام- بشيءٍ من إرادة الطعن أو أن ينفث سمومه، أو يريد أن يُدخل الشبه على دين الله -سبحانه وتعالى، فلأجل ذلك من أهم ما ينبغي أن يقال هنا: إنه يتفرع على هذا الكلام مسائل.
أولها: أنه لا إكراه في دين الله -جلَّ وعلَا، ألم يقل الله -سبحانه وتعالى- آية تتلى إلى يوم القيامة: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ﴾ [البقرة: 256].
النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرةٍ ومن أشهرها حديث ثوبان، «اغدُ فإنك تأتي قومًا أهل كتابٍ، فإما أن يجيبوا إلى لا إله إلا الله، وإما العهد والجزية، وإما أن تقاتلهم».
فمن عاهد على أن يبذل الجزية، وأن يترك القتال، ويبقى على دينه وعلى معتقده وعلى هويته، فإن ذلك مقرٌّ عليه في دين الإسلام.
ومن أبهر الأمثلة على ذلك أن اليهود الذين كانوا أشد مناكفةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلما بصدق دعوته، ومعرفة بما جاء في كتبهم عنه من المبشرات به، ومع ذلك كانوا بجواره في المدينة، هل أطرهم على الإسلام أطرًا، هل قهرهم على ذلك قهرًا.
بل إنهم بقوا ومعاهدين للنبي صلى الله عليه وسلم، أهل ذمةٍ، ومع ما حصلت منهم من الممارسات حتى نقض العهد منهم من نقض، وجرت في قصصهم باعتبار قبائلهم ما تعرفونه وتحفظونه مثل:
بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، ولكل حادثٌ جاءت به السنة، ودلت على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن من حيث الأصل فلقد جاورهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يجيب دعواتهم، وكان يبايعهم ويشاريهم، أيضًا دخلوا في أمانه، فيجب على أهل الإسلام أن يدفعوا عنهم إلى غير ذلك.
المسألة الثانية: قوله: «أمرتُ أن أقاتل الناس»، هل في الشرع قتالٌ؟ هل في دين الإسلام قتالٌ؟
نقول: نعم، جاء فيه قتالٌ، لكن هل هذا القتال قتال جاء في الشرع ملقى على عواهنه، ولا خطام له ولا زمام، وكلٌ يفعله كما يشاء، وكلٌ يستحق القتل؟
لا، وكلا، بل ثم شريعةٌ مفصلةٌ، وأحكامٌ منزلةٌ، وتفاصيل مبينةٌ جاءت بها السنن، ودلت عليها الأحاديث، وتكلم عليها فقهاء الإسلام، وَدُوِّنَ في كلِ كتاب من كتب الفقه على اختلاف المذاهب واختلاف الأزمان والأماكن.
لا يؤتى هذا إلا على وجهٍ صحيحٍ، ولا يتحمله إلا من أُذن له بتحمله، ولأجل ذلك جاء في هذا الحديث قوله: «أمرتُ أن أقاتل الناس»، فالآمر هو الله والمأمور هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أهل العلم: فإنه مما ينبغي أن يتبين أن الجهاد إنما يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من ينوب منابه ممن له الإمامة العظمى، وتقرر ذلك عند أهل السنة والجماعة أن القتال مع كل إمامٍ برٍّ أو فاجرٍ.
أما أن يأتي بعض المسلمين ويقول: نحن نقاتل هنا، وهؤلاء يقاتلون هنا، وهؤلاء ينقضون عهدًا، فكل ذلك ليس مأمورًا به، ولذلك ما يحصل الآن من بعض ممارسات جهلة المسلمين وسفهائهم ومن غرهم بعض أهل الأهواء والشبه في التصدي لما يسمونه بالأعمال القتالية والانتحارية وما يتبع ذلك، فإنما هذا على غير أصلٍ صحيحٍ، وعلى غير وجهٍ سليمٍ.
كما أنه مما يتقرر عند أهل العلم أن الجهاد إنما مبدأه الإمام، ودولة الإسلام، فلا يمكن أن يبدأ القتال من جهة آحاد الناس في دولةٍ بقوا فيها معاهدين، وأتوها آمنين، وأتموا عهدًا بينهم وبين من دخلوا في ديارهم، وآووا إليهم، فكل ذلك مما ينبغي أن يُعلم أنه من أعظم المسائل التي جاء بها الشرع ودلت عليها الأدلة، ونص عليها هذا الحديث الذي هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «أمرتُ أن أقاتل الناس».
فإذن لا يمكن أن نقول ليس في الشرع قتالٌ، فيه قتالٌ، وقتال طلبٍ، وقتال دفعٍ، وهذا مقررٌ، لكن على أصولٍ صحيحةٍ، ولأجل ذلك تجد أن كل الدول، يوجد عندها وزارات دفاعٍ، وجيوشٍ، وترسانة أسلحةٍ، ونحوها، هل نقول أن من فعلت ذلك فهي ناويةٌ للشر، مريدةٌ للسوء؟
كلٌ يدفع عن ذلك على حسب ما يراد من دفع شرٍّ، أو إذهاب بلاءٍ، أو نحو ذلك مما يستوجب نصرة المظلوم، والقيام مع الضعيف، وغير ذلك من الأمور التي هي معروفةٌ، فما دام أن الأمر على أصلٍ صحيحٍ، وعلى منهاجٍ قويمٍ، فإن ذلك لا غضاضة فيه.
ولذلك حتى في غير دين الإسلام، سواء في النصرانية أو في اليهودية أو في غيرها، فإن ذلك متقررٌ، ومع ذلك لم يوجد ما وجد في شريعة الإسلام من التفاصيل التي في ابتداء القتال، وفي توجهه، وفي احترام العهود، وفي النظر في المواثيق، وفي عدم الإكراه، وفي النظر إلى تفاصيل المسائل في أحكام القتال حال قيامه، والبعد عن قتل من لا يقاتل، والنساء، والضعفة، والصغار، والعباد، وأهل الصوامع ونحوها.
وأيضًا ما يكون بعد انتهاء المعارك من مسائل في الأسرى وأحكامهم، والوفاء بالعهود أو الهُدَن ونحو ذلك، فكل ذلك مبينٌ في دين الإسلام، ظاهرٌ في شريعتنا، فعلم به أن هذا من أعظم ما جاءت به هذه الشريعة، فليس هذا مما ترمى به، بل مزيةٌ من مزاياها، مما نفاخر به، ونعلم أنه لم يأت شرعةٌ بمثل ما جاءت به شرعة الإسلام.
أيضًا من المسائل التي تتعلق بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، لما قال: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»، فيه إشارةٌ إلى ما يحصل به الإسلام، هو تحصيل الشهادة.
فإن قال قائلٌ: ظاهر الحديث أنه لا يتأتى ذلك إلا بقوله: «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة»، فهل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شرطٌ لحصول الإسلام أم لا؟
المتقرر عند أهل العلم أن الدخول في الإسلام يحصل بالشهادتين، شهادة لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولذلك جاءت في روايات حديث ابن عمر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقه»، وعلى ذلك تدل دلائل الأدلة الأخرى، ففي حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ إلى اليمن لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك إلى ذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في اليوم والليلة ..»، إلى آخر الحديث.
فإن قال قائلٌ كيف نجيب عن هذا الحديث؟
نجيب عن هذا الحديث بما ذكرنا في الرواية الثانية ثم إن المقصود هنا إما أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من مكملات تحقيق الشهادتين.
ولذلك قال بعض أهل العلم -وهو معروفٌ وقد تكلمنا عليه-: أن تارك الصلاة يكفر، وإما أن يقال وهذا أولى؛ لأنه يأتي الإشكال في الزكاة، والزكاة تاركها لا يكفر.
وإما أن يقال: المقصود هنا هو التزامها، فإن من شروط لا إله إلا الله القبول والانقياد والاستسلام، فكان ذلك معنى صحيحًا ولا إشكال فيه.
إذن قوله: «ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام»، فيه إشارةٌ إلى المسألة المتقررة عند أهل العلم، وهي أنَّ من امتنع من أهل الإسلام عن شعيرةٍ من شعائره الظاهرة، وفريضةٍ من فرائضه المتحققة، فإنه يقاتل.
وهذه تنبهوا لها، فإنه إجماعٌ عند العلماء أن من ترك واجبًا من الواجبات الظاهرة، سواءً كان فرضًا عينيًّا، أو فرضًا كفائيًّا، فإنه يقاتل، وهذا يؤخذ من ماذا؟
من مثل هذه الدلالة، قال: «عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام».
فمن حق الإسلام أن يقيموها، فلأجل ذلك قد ينبعث إلى قتالهم الإمام، ومع ذلك لا يكون قتالهم على سبيل الكفر، وإنما إقامة هذه الشعيرة والالتزام بها.
ولذلك جاء عند البخاري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يُغير على قوم انتظر، فإن سمع مؤذنًا أو مناديًا وقف، وإلا أغار عليهم، فمن هذا أخذ أهل العلم.
لو تَركوا سُنةً أو تمالئوا على ترك سُنةٍ من السنن، لأهل العلم فيه خلافٌ، إذا تمالئوا على تركها، والإعراض عنها، فبعضهم يقول: بالقتال، وبعضهم لا يقول، لكن المتقرر ما يتعلق بالوجوب، سواءً كان وجوبًا عينيًّا، أو وجوبًا كفائيًّا.
ولأجل ذلك كان هذا الحديث من أعظم الأحاديث التي استدل بها فيما يتعلق بقتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق، وقتال مانعي الزكاة.
طبعًا من العرب من ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فيصدق عليهم هذا الحديث: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ..»، ولأنه جاء في حديث ابن مسعود: «لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ، التارك لدينه المفارق للجماعة» فاندرجوا في هذا الحديث.
وأيضًا من منع الزكاة، ومن منع الزكاة منع فريضةً قد يكون مع بقائه على أصل الملة والدين، لكن هو ممانعٌ، فاستحق القتال من أجل هذا الحديث، ولأهل العلم في ذلك تفاصيل معروفةٌ، فلأجل ذلك كان قتالهم ظاهرًا، وهذا أيضًا مستقرٌ عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيض الله له أبا بكر حتى استقر ذلك عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا، لما قال: "لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة".
فكأنه جعل -كما يقول ابن رجب وغيره- محل إجماعٍ في أن من تركها يقاتل، وهذا أيضًا عند عامة الفقهاء كما هو معلومٌ وتقدم هذا معنا.
ثم قال: "من فرَّق بين الصلاة والزكاة"، ويأتي هذا الحديث في الاستدلال به.
بعض أهل العلم -وهذه لطيفةٌ تحتاج للتنبيه- كأنهم استغربوا هذا الحديث، وقالوا: لم لم يستدل به أبو بكر ولم غاب عن عمر في مراجعته مع أبي بكر؟
فنقول: لا يدل ذلك على شيءٍ، بل هذا في الصحيح، وهو أصح ما جاء بعد كتاب الله في البخاري، وجاء أيضًا ما يسنده من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وإنما كما يقول أهل العلم: إن بعض الأحاديث أو بعض المسائل قد يحفظها الصغير وتخفى على الأكابر، فكان ابن عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- ممن حفظه، وجاء به، وأفاد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا ينبغي أن نقف عند مسألةٍ مهمةٍ وهي: حرمة دم المسلم.
فمن أسلم فقد عصم دمه وحفظه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم»، الله -جلَّ وعلَا- في كتابه يقول: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾ [النساء: 93]، وقبلها: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئ﴾ [النساء: 92].
الأحاديث الدالة على ذلك، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «زوال الدنيا برمتها أهون من إراقة دم مسلمٍ»، ولما قال عن حرمة الكعبة: «ما أعظم حرمتك على الله -جلَّ وعلَا- ولحرمة دم المسلم أعظم عند الله منك».
فكل هذا يدل على حرمة دم المسلم، ولأجل هذا يتفرع الحديث عن بعض سفهاء المسلمين في هذه الأزمنة، الذين استباحوا الدماء عبر جماعاتٍ أو منظماتٍ، غاية ما جمعوه بعض الدلالات أو الأحاديث أو الأهواء وبدأوا يثورون على المسلمين، ويسيرون فيهم قتلًا وإراقةً لدمائهم واستباحةً لأنفسهم، كل ذلك من الأهواء الشيطانية، والبلايا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من أولئك وهم الخوارج، الذين يخرجون على الأمة، يقتلون برها وفاجرها، ولا يترفعون عن استباحة دماء المسلمين.
لأجل ذلك أنا أوصي الإخوة طلبة العلم وأوصيكم وأوصي كل من وصل إليه كلامي هذا أن يعلموا أن الشرع عظيمٌ، وأن الدين منزلته كبيرةٌ، والله -جلَّ وعلَا- يقول: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيل﴾ [المزمل: 5]، يقولها لنبيه صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لطالبٍ في أول طلبه، ولا لمن ابتدأ العلم في أول مراحله، ولا من قطع في ذلك شوطًا، أن يفتات على المسلمين في هذه المسائل الكبار وفي مثل هذه المسائل العظام.
فهذا هو عمر رضي الله عنه وأرضاه مع جلالة قدره لما خفيت عليه المسألة في أول الأمر لم يكن له لينازع أبا بكر وإنما راجعه، ولم يكن له ليخالفه، بل سأله، يقول: "فلما زلت حتى شرح الله صدري لذلك".
فيُعلم من هذا أن المسائل الكبار إنما لها الأئمة الكبار والعلماء، لا ينبغي لها الصغار أو الطلاب، أو المتهاونون بالدماء، المسرعون إلى الفتن، الفرحون بالضلالات والمحن نسأل الله السلامة والعافية.
فينبغي الحذر، فإن في هذا الحديث من أعظم الدلالات على هذا الأمر.
هنا أيضًا مسألةٌ مهمةٌ وهي: أن تعلقات الأحكام في الشريعة إنما هي بالظاهر، «فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله -جلَّ وعلَ»، فإذا كانت سرائرهم نظيفةً صحيحةً فهذا إلى الله، وهم مقبولون على الله، وإن كان دون ذلك فأمرهم إلى الله.
ولذلك قبل النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين، واستدل بهذا الحديث بعض أهل العلم كما نص على ذلك ابن رجب وغيره أن توبة الزنديق مقبولةٌ، بناءً على هذا الحديث وهو أنه من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فقد عصم دمه وحسابه على الله -جلَّ وعلَا-.
هذه أهم المسائل على شيءٍ من الاستعجال؛ لأننا بحاجةٍ إلى الإتيان على جميع هذه الأربعين قدر الاستطاعة، والله نسأل أن يوفقنا لذلك، وهي جملةٌ من المسائل التي عرضت على عجلٍ، فأرجو أن أكون قد وفقنا في الكلام عليها، وأتينا بما يحتاج إليه منها.
ننتقل إلى الحديث التاسع، لعله تقرأه يا صهيب بارك الله فيك..

{قال المصنف: (الحديث التاسع:
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم». رواه البخاري ومسلم)
}
هذا حديثٌ من الأحاديث العظام أيضًا، التي لها معانٍ كبيرةٌ، ودلالاتٌ نافعةٌ مفيدةٌ لكل مسلمٍ ومسلمةٍ، وأحوج ما يكون إليه طالب العلم في العناية به.
فأول ما يمكن أن نتكلم عليه في هذا الحديث، طبعًا أبو هريرة حيث إنه من المكثرين من الرواية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ حينما بسط رداءه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من جملة حملة الأحاديث الصحيحة، وكانت السنن في كل من جمعها تعود في كثير من الأحاديث إلى أحاديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فنسأل الله أن يجعلنا من حفظة العلم والناقلين له، والقائمين به، والداعين إليه، والمهتدين به، وأن يجعلنا من المعلمين لذلك به نحى وعليه نلقى الله -سبحانه وتعالى.
المسألة التي نبتدئ بها هي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»، في هذا الحديث أول ما يمكن أن نقف عنده وهو العلم، بأن الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصول أهل الإسلام، ولا يصح لعبدٍ الإيمانُ حتى يكون مُستجيبًا مُهتديًا مُقتديًا مُستنًّا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه»، فدل على أنَّ الاستجابة لرسول الله هي في معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، وأن من مقتضياتها التصديق لأخباره، والإئتمار بأوامره، والانتهاء عن زواجره.
هذه مسألةٌ، ولأجل ذلك من جاء في هذه الأزمنة من ضلال المسلمين، أو من المنحرفين نسأل الله السلامة والعافية، فقال: لا نقبل إلا ما في القرآن، فأولئك مخالفون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكتاب الله، ففي كتاب الله الأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أكثر من ثلاثين آية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: 59]، ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِين﴾ [الأحزاب: 36]، ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وَجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيل﴾ [الأحزاب: 66، 67].
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك، وهم الذين يسمون بالقرآنيين، في أن أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الخبر مني، فيقول: ما كان في كتاب الله أخذته، وما كان دون ذلك فلا، أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأولئك الذين حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث دالٌّ دلالةً ظاهرةً على الاستجابة والاستقامة على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثالثة التي تتعلق بهذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه» وهنا مسائل تتعلق بالنواهي، وهي أن النهي الذي نهى عنه الله -جلَّ وعلَا، أو نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن في امتثاله أجرًا، وفي البعد عنه ثوابًا، إذا كان للعبد فيه نيةٌ، وإذا كان له فيه قصدٌ بالبعد عن المحرم؛ لأن النهي من الرسول صلى الله عليه وسلم، والامتثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم طاعةٌ، فكان ترك النهي طاعةً لله -جلَّ وعلَا، وطاعةً لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فكان العبد إذا نوى بذلك الامتثال مُطيعًا لله -سبحانه وتعالى- ومطيعًا لرسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا من أهم المسائل، طبعًا قوله: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه» يدخل في هذا جميع النواهي سواءً أن كانت نهي تحريمٍ كالسبع الموبقات مثلًا، الشرك والسحر والزنا والخمر ونحوها، أو كان ذلك من المحرمات الأخرى كالكذب ونحوه، وبعضهم عدى شيئًا من هذه في الكبائر، وبعضهم لم يعدها، على كل حالٍ سواءً من المحرمات التي هي دون الكبائر من الصغائر أو كان ذلك مما نهيه نهي كراهةٍ، بمعنى أنه يثاب التارك ولا يستحق العقاب من فعل ذلك، فهذه من الأشياء ولأهل العلم تفاصيل فيما يتعلق بما كان نهيه نهي كراهةٍ وما كان نهيه نهي تحريمٍ، وبعضها ظاهرٌ بيِّنٌ في الحرمة وبعضها دون ذلك، وبعضها مترددٌ وقد سبق الإشارة إلى شيءٍ من ذلك في حديث المشتبهات.
ومن أكثر النواهي التي تدخل في المكروهات ولا تصل إلى المحرمات، ما يتعلق بالآداب الشرعية كما نص على ذلك أهل العلم، فإنهم قالوا: إن كونه من الآداب قرينةً صارفةً له من الحرام إلى الكراهة، مثل: الأكل بالشمال، والشرب بالشمال ونحو ذلك، فقد دلت السنة على أنه من الآداب سيكون مكروهًا غير محرمٍ.
قال: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»، طبعًا الاجتناب هو المجانبة والمباعدة ولذلك قال الله -جلَّ وعلَا-: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]، ثم قال: «وما أمرتكم به فأتوا به ما استطعتم»، والله -جلَّ وعلَا- في كتابه يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16] وفي ذلك أحاديث ودلالاتٌ كثيرةٌ بأوامر الله وبأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم- ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النور: 54] إلى غير ذلك من الأدلة، لكن ما ينبغي الوقوف معه هنا، لما قيد الأوامر بالاستطاعة وأطلق النواهي في الاجتناب مطلقًا، هذه المسألة كبيرةٌ ولأهل العلم فيها كلامٌ، منهم من قال بناءً على هذا الحديث أن اجتناب النواهي أعظم من امتثال الأوامر، وذلك لأنها مطلقةٌ ليست مقيدةً بالاستطاعة، وهذا مال إليه أحمد، ومال إليه الحسن البصري وجاء عنه فيه كلامٌ، وجاء عن جماعةٍ من السلف، ولذلك بعضهم يقول مثلًا: ترك دانقٍ من المحرم خير من خمسمائة حجةً، دانق هذه مبلغ بسيط عندهم من الفلوس النافقة التي لا اعتبار بها، ولأجل ذلك قال بعضهم: لن يترك أحد المحارم حتى يكون من أعبد الناس، ويقول بعضهم أيضًا إن الأوامر والنواهي يأتي بها البار والفاجر، لكن المعاصي لا ينتهي عنها إلا الصلحاء والأتقياء، فهذا قولٌ لبعض أهل العلم وهو معتبرٌ، ولأجل ذلك حتى ابن رجب كأن عنده ليس مثل التردد وإنما محاولة الجمع بين ذلك، لكنه قال ويشبه هذا ما جاء عن أحمد أن النواهي جاءت صعبةً ومطلقةً، وأن الأوامر جاءت مقيدةً بالاستطاعة.
بعض أهل العلم نحا منحًا آخر وقال: إن الأوامر أعظم لكن لما كانت النواهي لا يحتاج فيها إلى عملٍ وإنما غايتها تركٌ، والعمل هو الذي يحتاج فيه إلى كلفةٍ ومشقةٍ وطاقةٍ، فلأجل ذلك هي التي قيدت بالاستطاعة، لأنها فيها انبعاثًا وعملًا أما النواهي فيها تركٌ، وهذا له وجهٌ وإن كان ابن رجب -رحمه الله- كان رد ذلك وقال: حتى النواهي إذا انبعثت النفس وتطلعت إلى شهوةٍ من الشهوات كشرب خمرٍ أو إتيان محرمٍ من النساء أو نحو ذلك، فإنه لا يكاد يسعف النفس ويحجبها إلا شيئًا يضطر فيها كبيرٌ من الإيمان بالله -جلَّ وعلَا- والخوف منه وهكذا.
فعلى كل حالٍ يحتمل هذا وهذا، ومما ذكروه فيما يتعلق بذلك أن بعضهم يقول: إن اجتناب النواهي هنا متعلقٌ أو مقارنٌ بنوافل العبادات فهو أعظم، وأما الأوامر من حيث هي أوامر فإنها أعظم من كونها مقصودةٌ بذاتها، ولكونها ترك جنس العمل، أي: لا يعمل الإنسان عملًا يذهب إيمانه، لكن النواهي فعلها لا يقتضي ذهاب الإيمان.
أيضًا الأوامر مقصودةٌ لذاتها، وأما النواهي مقصودةٌ لغيرها لما يترتب عليها من المصالح الشرعية، حتى الشرك بالله -جلَّ وعلَا- تحقيقًا للتوحيد، فعلى كل حالٍ هي متأرجحةٌ بين هذا وذاك، من أهل العلم -كما ذكرنا- من غلَّب جانب النهي وأنه أعظم، ومنهم من قال: الأوامر وفيما ذكرناه من أحاديث ما يدل على عظم الأوامر، ولا يتأتى للإنسان صلاحٌ إلا بالإتيان للأمرين، اجتنابٍ للنواهي ومباعدةٍ لها وحمل نفسه على ذلك، والإتيان بالأوامر، وأن يتقي الله ما استطاع، لأنه مهما بلغ فإنه لابد أن يكون مقصرًا ولذلك من رحمة الله أنه أنزل في كتابه ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 286]، وجاء في الحديث الذي في الصحيح أن الله -جلَّ وعلَا- قال: «قد فعلتُ»، ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾، قال الله -جلَّ وعلَا-: قد فعلتُ، فهذا من رحمة الله -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين.
ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «فإنما أهلك من كان قبلكم، الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم»، كثرة المسائل هنا قال كثرة المسائل ولم يقل السؤال، لأن السؤال قد جاء الأمر به في قول الله -جلَّ وعلَا- ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، وجاء من يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى جاء جبريل، وجاء ذلك كما تقدم بنا، والصحابة أيضًا كانوا يفعلون ذلك، إن لاقوا العدو غدًا وأنه ليس معنا سكاكين، أفنذبح القصب، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يدلهم عليه، كل هذا يدل على إباحة السؤال إذا احتيج إليه، فمن منهي عنه؟ المنهي عنه الكثرة، والكثرة المقصود بها هنا إن ما يكون فيه دعوةٌ إلى التعنت أو تشريع ما يكون فيه مشقةٌ على المسلمين، ولذلك جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أكثر المسلمين جرمًا من يسأل المسألة فتحرم لأجل مسألته» كما في الحديث الذي في الصحيح، وسكت عن أشياء رحمةً بكم فلا تبحثوا عنها أو تسألوا عنها، فهذا من المسائل المهمة وهو عدم التشقيق أو التعنت في المسألة، ولذلك بنو إسرائيل إنما أهلكهم تعنتهم في المسألة كما في قصة البقرة وذبحهم حتى جعل الله -جلَّ وعلَا- عليهم في ذلك من الكلفة كادوا أن لا يستطيعوا حمله.
والثاني أيضًا مما يدل على هذا ما جاء في الحديث حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «إنما الله فرض عليكم الحج»، قال رجلٌ: يا رسول الله أفي كل عامٍ؟ فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- غضبًا شديدًا، قال: «لو قلتُ نعم لوجبتْ، الحج مرةً فما زاد فهو تطوعٌ»، يقولون: ثم قال: «ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» وأنزل الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101].
وإن مما جاء أيضًا مما داخل في هذا الحديث وإن كان هذا أيضًا مختصًّا بزمن النبوة وزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن بعضهم كان يسأل أسئلةً لا فائدة فيها، من أبي؟ أين ناقتي؟ كما جاء ذلك في البخاري، فأنزل الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾، ولذلك كان المهاجرون لا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- بل كانوا ممنوعين من ذلك، لذلك يقول النواس بن سمعان: جلست مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سنةً ما منعني من الهجرة إلا أن المهاجر لا يسأل، ولذلك كان الصحابة يقولون: كنا نفرح بالرجل يأتي من البادية يكون عاقلًا يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المسألة.
على كل حالٍ جماع ذلك أن المنهي عنه هو كثرة الأسئلة، سواءٌ تعلق ذلك بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يكون فيه تعنتٌ أو يكون فيه نوع استهزاءٍ أو ما لا فائدة فيه، أو ما يكون بعد زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يحصل فيه اتباعٌ للأهواء، وتشقيقٌ للأمور، وتكلفٌ فيها، وتعنتٌ منها، ولذلك ذكر شراح الحديث أن كثرة الأسئلة تمنع الانتهال، ولذلك ذكر هذه المسألة بعد ما أمرتكم به فاستطعتم، فكثرة التشقيق ونحو ذلك كم تحمل على ذلك، ولأجل هذا جاء عن الصحابة النهي عن هذا، لما سألوا أُبي بن كعب، قال: أرحنا من هذا حتى يقع فننظر ألك رأيًا، وجاء نحوٌ من ذلك عن بن عمر لما ذكر .. الحجر، قال: أرأيت أن زاحمت، قال: اجعل أرأيت باليمن، يعني لا تتكلم، وجاء عن السلف وذكر في الأثر النهي عن الأغلوطات، ما الأغلوطات؟ هي كثرة المسائل إذا حصل كذا، إذا حصل كذا.
وجاء عن عليّ -رضي الله تعالى عنه- أن من علامات الساعة والأمور.. وتعلم الدين بغير العنت، إنما يتعلم الدين للدنيا وللنقاشات والجدال، كان الإمام مالك لما سئل قال: تكون عندي سنةٌ أجادل عليها، قال: لا، أخبر بها فإن قبلت وإلا فاسكت، ولم يكن ديننا دين جدلٍ ولا دين مراءٍ ولا من أخذٍ وردٍّ، وإنما هو دين استسلامٍ وانقيادٍ وقبولٍ وطمأنينةٍ واهتداءٍ بسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث من أعظم الأحاديث وكثرة المسائل، وإن هذا إذا كان ابن وهب ذكر عن مالك يقول: أدركت أهل هذه البلدة، أي المدينة، وكانوا يكرهون المسألة ليس كحال الناس اليوم، إذا كان هذا في حال الإمام مالك فكيف بالناس اليوم وهم يتشدقون بالأسئلة ويشققون المسائل، ويسألون عما لا حاجة لهم.
لابن القيم -رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين كلامٌ جميلٌ في هذا، فيقول: المسائل إما إن كانت من المسائل التي دل عليها الدليل فالسؤال عنها صحيحٌ، حتى ولو لم تقع لأنه من الفقه في ديننا، ومثل ذلك المسائل التي لم تقع ولم يأتِ بها دليلٌ لكن مما يظن وقوعها، فيحتاج إليها، كمسألة الجمع لو كانت السماء ملبدةً بالغيوم، ولذلك قالوا: إن لاقوا العدو غدًا وإنا لا نجد سكاكين، فماذا نفعل فيما يذبحون به.
قالوا والثالثة هي التي جاء عن السلف النهي عنها، وهي المسألة التي لم يأتِ بها نصٌّ ولا يظن وقوعها، فيكون السؤال عنها تكلفًا وتحمل على ذلك كراهية السلف وأحاديثهم.
هذا إذن ما يتعلق بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «وكثرة مسائهم واختلافهم على أنبيائهم»، ما أهلك الناس بأعظم من المخالفة للأنبياء، وترك أوامرهم ومشاقتهم فيما جاء عنهم، الناس اليوم قدموا العقود، الناس اليوم ذهبوا إلى الآراء، الناس اليوم قنعوا بما عند فلانٍ الشرقي أو فلانٍ الغربي أو في النظريات، أو في الأمور التجريبية أو غيرها، حتى خالفوا أقاويل الأنبياء والمرسلين وما جاء في الكتاب وما جاء في السنة، فذلك عنوان البلاء وسبب الفساد وحصول الشر في الأرض، والله -جلَّ وعلَا- يقول: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56]، من أعظم الفساد هو مخالفة أنبياء الله -جلَّ وعلَا- والرسل، فما دعا الناس إلى غير سنةٍ إلا دعوا إلى ضلالٍ، ودعوا إلى بلاءٍ، ودعوا إلى شرٍّ، جاء به شرقيٌّ أو غربيٌّ، والناس اليوم مولعون بتراجم ما عند أهل الغرب وما عندهم في النظريات، وما يقرروهم في العلوم التي مبناها انكباح العقول وما ظهر في الأفكار، وما تلقوه مما على أصلٍ صحيحٍ أو كان دون ذلك، وهو أكثر الأمر وأعظمه، وما يحصل به فساد الناس في دينهم ودنياهم، فلذلك قننوا قوانين وجعلوا الدساتير، ونحوا منحى الديمقراطية والتعددية والرأي والرأي الآخر، كل ذلك ليس على أصلٍ صحيحٍ، فالأصل، الشرع على الاستسلام والاهتداء، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رأيت شحًّا مطاعًا وهوى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصة نفسك»، لا تعظم رأيك فالأمر ليس في تعظيم الآراء ولا في الانقداح والمشي إليها.
هذا من أعظم الأمور التي ينبغي لطالب العلم الذي يريد التلقي، يريد الخير، يريد الانتفاع، يريد أن يترقى في العلم أن لا يكون كذلك، فمتى ما فكر الإنسان نفسه وأبعد رأيه، وُفق للهدى، ولذلك كان في وصف أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم- وأقلهم تكلفًا، فهذه من الأمور العظيمة التي ينبغي لنا أن نتنبه لها، وقد نبه عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فيا خيرة من استقام على ذلك واستجاب له، واهتدى بهديه، واستمسك بسنته، فإنه يوشك أن يكون على خيرٍ عظيمٍ.
هذه جملةٌ من المسائل التي تتعلق بهذا الحديث، وهو الحديث التاسع ما نريد الإطالة لعل ما ذكرناه كفايةً، ننتقل بعد ذلك إلى الحديث العاشر.

{(الحديث العاشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله -تعالى- أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر: أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يارب. يارب. ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذي بالحرامٌ، فأنى يستجاب له» رواه مسلم)}.
هذا الحديث وهو حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- من الأحاديث العظيمة التي اشتمل على مسائل مهمةٍ، مما قام عليه دين الإسلام وأن كل ما اشتملت عليه الشرائع هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- وشعائر دينه، فإنها طيبةٌ في اعتقاداتها وفي أقوالها وفي أفعالها، مستمدةٌ من كمل لله -جلَّ وعلَا- من الصفات وتم له من الصفات -سبحانه وتعالى- ونزه عنه من النقائص، لأنه لما قال: «إن الله طيبٌ» إشارةٌ إلى أن الشيء إذا طاب ثمره وتم، وتنزه عما ينقصه وعما يعكره، فكان تمام الكمال للأسماء والصفات وتنزه عن النقائص كلها.
ومناسبة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبً» أن من آثار كمال الله -جلَّ وعلَا- تنزهه عن النقائص كمال هذه الملة، وكمال هذه الشرعة، ثم أنه لا يقبل من العمل إلا ما كان طيبًا تامًّا مكتملًا بشروطه وقيوده وإتيانه على ما جاءت به الأدلة، لما قال: «إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبً»، ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ [إبراهيم: 24] أي كلمةٍ أعظم من كلمة التوحيد؟
بها يصفو القلب، وبها يلتفت عن الخلق، وأي خلدٍ حينما تتوجه النفس إلى صلاةٍ، أو إلى قبرٍ أو إلى عبدٍ من العباد أو إلى بهيمةٍ من البهائم، هل بينهما مقاربةٌ؟
أعظم ما يكون بينهم من المقاربة، فلذلك كانت كلمةً طيبةً وكان تحقيقها طيبًا وكان ضدها خبيثًا.
تأمل قول الله -جلَّ وعلَا- ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10] الكلم الطيب والعمل الصالح، فما كان من الكلام فيه إحسانًا، ما كان من الكلام فيه نصحٌ، ما كان منه سلامٌ، ما كان منه دعاءٌ، ما كان فيه تخفيفًا لمصاب مريضٍ أو تعزية مصابٍ أو غير ذلك فهو طيبٌ فهو مقبولٌ، وما كان دون ذلك من صفات: الغيبة، النميمة فلا يكون مقبولًا، أي شرعةٍ أعظم من ذلك؟
كل في ذلك الذين تتوفاهم الملائكة طيبين، طيبين بماذا؟ بالإسلام، بالاستقامة على شرائعه، بالاستمساك بحبله، بالائتمار بأوامره، بالابتعاد عن نواهيه، وضده من يكون على الخبث وظلموا أنفسهم، فتقبضهم الملائكة على أسوء حالٍ وأسوء خاتمةٍ، نسأل الله السلامة والعافية.
فلأجل هذا قال: «إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبً»، وكان أن هذه الشرعة طيبةٌ في كل أحكامها، ومن كمال طيبها أنها خففت على المعسر ويسرت على ما كان فيه مشقةٌ، ورفع الحرج ولم يكن فيها شيءٌ يكون على العباد فيه بلاءٌ ومحنةٌ لا يطيقونها ولا يحتملونها، وإلا فما يكون في التكاليف من تكاليف هذا ابتلاء الله -جلَّ وعلَا- ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 141].
فإذن إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وقوله: «لا يقبل» هنا ما المراد بنفي القبول هنا؟
نقل ابن رجب وغيره ممن شرحوا هذا الحديث، أنَّ المقصود هو:
أولاً: إِمَّا أن يكون النفي لقبول العمل مطلقًا فيلزم القضاء.
ثانيًا: وإما أن يكون نفيًا للثواب كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- «إن الله لا يقبل صلاة العبد الآبق» أي: الذي هرب من سيده، وإن كانت الفريضة قد أديت عنه، لكنه لا يقبل له عملٌ.
ثالثًا: الثناء وتحصيل الأجر والمثوبة عند الله -جلَّ وعلَا، وكثير من أهل العلم قال: إن المقصود هنا هو نفي حصول الثواب والثناء على صاحب ذلك بالعمل؛ لأن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27] على أن هذه المسألة فيما يتعلق به نفيٌ العمل من حيث الصحة أو عدمه ونفي القبول، يعني له تفاصيل عند أهل الأصول بحسب العبادات، لكن هنا لما قال: «لا يقبل» الظاهر تعلقه بالثواب والثناء على الفاعل كما نقل ذلك أهل العلم.
فيندرج على ذلك مثلًا من حج بمالٍ غير مباحٍ، محرمٌ أو مسروقٌ أو مغصوبٌ أو نحوه، أيضًا من صلى صلاةً في مكانٍ مغصوبٍ أو في ثيابٍ مغصوبةٍ، ولأهل العلم في ذلك تفاصيل لا يسع الحديث عنها على وجه التفصيل.
هنا قال: «وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين» فقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾. وقال -تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبً﴾ [البقرة: 168]، كل ذلك جاءت به آيات الله -جلَّ وعلَا- ونطق به كتابه، فكان أعظم ما في هذه الشرعة أنها جاءت بكل ما يكون فيه طيبٌ تطيب به النفوس، وتطيب به القلوب، وتطيب به الحياة ويطيب به الحال، ويطيب به العبد بعد الممات كما قلنا في الآية التي تتوفاهم الملائكة طيبين، فنعم ما جاء به كتاب الله وجاءت به سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وحقيقٌ بنا أن نفرح بهذه الشرعة وأن نستمسك بهذه الطيبات، وأن نستقيم عليها، وليعلم العبد أنه مهما انتقل مما جاء به الشرع إلى غيره إلا وقع وارتكس في الخبائث، الذي يترك النكاح إلى الزنا، فهو يتلطخ بالمحرمات ويتلطخ بالدنس ولا ينفك من بلاء ذلك وعاره وبلائه في الدنيا وفي الآخرة، والذي يتخلف عن مجالس الخير والبر والإحسان، فإنما ينتقل إلى مجالس السوء والشر والسباب والشتائم، والذي ينتقل من أكل الطيبات والمباحات فإنما ينتقل إلى المحرمات والنجاسات وغيرها أيا كان انتقاله.
هذا من الأمور التي جاء به الحديث «ثم ذكر الرجل يطيل السفر: أشعث، أغبر، ثم يمد يديه إلى السماء: يا رب. يا رب. ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له»، هذا بابٌ من أهم الأبواب التي جاء فيها طلب الطيب من القول، وهو عبادةٌ من العبادات وطلب أسباب القبول فيها والبعد عما يكون مناعًا منها، ولما كان من أعظم ما يحتاج إليه العباد في هذه الدنيا التعلق بالله ورجاء الله ودعاء الله والتوجه إلى الله -جلَّ وعلَا- أحوج ما يكون إليه العبد في كل أحواله، منكسرًا بين يدي الله، مخبتا لله، خاضعًا لله، مهما علا قدره، فإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الحال فمن دونه أحوج ما يكون إلى الله، وإلى دعاء الله -جلَّ وعلَا- إن كان ملكًا أو أميرًا أو وزيرًا أو رفيعًا أو تاجرًا وبيعًا أو حقيرًا، كلهم لا يستغني عن الله -سبحانه وتعالى.
فلأجل ذلك جاء هذا الحديث في ذكر أسباب الإجابة وتحصيل ما يتعلق بالتعلق بالله -جلَّ وعلَا- والأسباب المعينة على ذلك والبعد عما يكون مانعًا منه، الحديث في مثل هذا يطول أرى الوقت قد أزف وانتهى، لكن لعل فيما ذكرناه كفايةً، ولعلنا نقف على بقية هذا الحديث في مستهل اللقاء القادم بإذن الله -جلَّ وعلَا-.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا وأن يرفعنا وأن يهدينا وأن يوقفنا لكل خيرٍ وهدى، والإخوة والمشاهدين والمستمعين جميعًا، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعقبنا والمسلمين خيرًا في أنفسهم وأهليهم ومجتمعاتهم وبلدانهم، وأن يؤمن المؤمنين ويرد أو يجمع المتفرقين، وأن يعقبنا صلاح الحال والمآل، إن ربنا جواد كريم، كما نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجزي الإخوة الذين كانوا سببًا في مثل هذه اللقاءات خير الجزاء، إن كانوا معنا ناقلين ومصورين ونحو ذلك، أو كانوا أيضًا قائمين على هذا البناء الموفق بإذن الله -جلَّ وعلَا- أو داعمين له، أن يجعل ذلك في ميزان حسنات الجميع.
والله نسأله أن نلتقي وإياكم على خيرٍ وهدى، وصلى الله وسلم وبارك على النبي المصطفى، وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اقتفى.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك