الدرس الثالث

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

2970 12
الدرس الثالث

آداب المشي إلى الصلاة (3)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغُرِّ المحجَّلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أَيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ مِن كتاب "آداب المشي إلى الصَّلاة".
ضيفُ هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بكم شيخ صالح مع الإخوة والأخوات}.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركة.
 
{ما زلنا نقرأ في متن "آداب المشي إلى الصلاة" فصل في آكد التَّطوع وأوقاته وما يُقرأ فيه وأوقات النَّهي:
قال المؤلفُ -رحمه الله تعالى: (وَالسُّنَنُ الرَّاتِبَةُ عَشْرٌ، وَفِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
السُنَنُ الرواتب هي السُّنن التي تُفعل مع الفرائض، إمَّا قبلها وإمَّا بعدها، وهي عشر ركعات:
-  ركعتان قبل الظهر.
- ركعتان بعد الظهر.
- ركعتان بعد المغرب.
- ركعتان قبل الفجر.
وأمَّا العصر فليس لها راتبة لا قبلها ولا بعدها، وفي رواية "ثنتا عشرة ركعة"[12]، ركعتان قبل الظُّهر، وركعتان بعد الظُّهر، فيكون المجموع اثنتي عشرة ركعة، وأفضلها راتبة الفجر؛ لأنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يَدَعَها لا حَضرًا ولا سَفرًا، أمَّا الرواتب الأخرى فكان -صلى الله عليه وسلم- لا يُصليها إذا قَصَرَ الصَّلاة، قال ابن عمر -رضي الله عنهما- "وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ"[13]، يعني: لو كنت مُصَليًا الصبح -وهو الراتبة- لأتممت الصَّلاة.
 
{ورد حديث «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعً»[14]}.
نعم، ولكن هذه ليست راتبة، إنما هي من السنن المُطلقة.
 
{قال المؤلف: (وَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا بِسُورَةِ الإِخْلاصِ)}.
يُخفف راتبة الفجر، تقول عائشة -رضي الله عنها- في وصف صلاة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاته لراتبة الفجر: "لا أدري هل قرأ فيها أو لا"[15]، وذلك لتخفيفه لها -صلى الله عليه وسلم.
 
{قال: (أَوْ يَقْرَأُ فِي الأُولَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَ﴾ الآيةَ)}.
فإمَّا أن يَقرأَ في راتبةِ الفجر بـ "سورة الكافرون" في الركعة الأولى، و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في الركعة الثَّانية، أو يقرأ في الركعة الأُولى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَ﴾ مِن سُورة البقرة، وَفِي الثَّانِيَةِ: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئً﴾.
فالركعة الأولى نقرأ فيها ما كان في توحيد الربوبية، وفي الركعة الثانية نقرأ فيها ما كان في توحيد الألوهية.
فقوله: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ﴾ في توحيد الربوبية، وقوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ﴾ في توحيد الألوهية.
 
{بعض الناس يَقول: أنا سأحافظ على الصَّلوات والفروض في أوقاتها، وَأَدَعُ هذه السُّنن. فما رأيكم؟}.
هذا مُخالفٌ لِسُنة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه ما كان يَدَعَها، وإنما كان يُحافظ عليها، وقد حَثَّ -صلى الله عليه وسلم- على السُّنن الرواتب؛ بل حثَّ على صلاة التَّطوع مُطلقًا، فقال: إنها تكمَّل بها الفرائض يوم القيامة، إذا لم يكن أتمَّها.
 
{قال: (وَلا سُنَّةَ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَهَ)}.
أمَّا صلاةُ الجمعة فلا سُنَّة قبلها، ولكن إذا جاء إلى المسجد الجامع لينتظر صلاة الجمعة فإنه يُصلي ما تيسَّر له، ولو على الأقل يُصلي تحيَّة المسجد ثم يجلس ينتظر الإمام، وإن كان مبكِّرًا زاد من الصلوات ما تيسَّر له حتى يحضر الإمام، ولو استمرَّ يصلِّي من دخوله إلى أن يحضر الإمام لكان أفضل.
 
{وأيهما أفضل: التنفل بركعات أو قراءة القرآن؟}.
الصَّلاة تجمع بين الصَّلاة وقراءة القرآن، فهذا أفضل.
 
قال: (وَلا سُنَّةَ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ)}.
أمَّا سُنَّة الجُمعة فهي بعدها، فإنْ صَلَّاها في المسجد فإنَّه يُصليها ركعتين فقط، وإن صلَّاها في بيته فإنه يزيد على الركعتين، فتكون أربع ركعات أو ست ركعتان، فأقلها ركعتان وأكثرها ست.
 
{قال: (وَتُجْزِئُ السُّنَّةُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ)}.
تُجزئ السنَّة الرَّاتبة إذا صلاها عند دخوله عن تحية المسجد؛ لأنه صلى ركعتين.
 
{قال: (وَيُسَنُّ لَهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ بِكَلامٍ أَوْ قِيَامٍ)}.
لابد أن يفصل بين صلاة النافلة أو صلاة الفريضة إمَّا بكلام يتكلم به مع من جانبه، أو بانتقال من مكانه إلى مكانٍ آخرٍ، لِئلا يُظنُّ أنَّ هذا من الفريضة.
 
{قال: (لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ)}.
لحديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تُشبَّه بالفريضة[16].
 
{قال: (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا اسْتُحِبَّ لَهُ قَضَاؤُهُ)}.
مَنْ فَاتَه شيءٌ مِنَ السُّننِ الرواتب استُّحبَّ له قضاؤه؛ لأنها سُنَّة مُؤكَّدة ينبغي المحافظة عليها.
 
{قال: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ)}.
يُستحب أن يتنفل بين الأذان والإقامة بما تيسر له زائدًا عن تحية المسجد.
 
{قال: (وَالتَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ)}.
أفضل النَّوافل صلاة الكسوف، ثُمَّ صلاةُ التراويح؛ لأنها تُفعل جماعة في المساجد في شهر رمضان.
 
{قال: (وَفِعْلُهَا جَمَاعَةً أَفْضَلُ)}.
فِعْلُ صلاةِ التَّراويح جماعة أفضل، وإن صَلَّاها في بيته جاز له ذلك.
 
{قال: (وَيَجْهَرُ الإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ)}.
يجهر الإمام في صلاة التروايح بالقراءة كما نقله الخلف من الأمة عن السَّلف أنهم كانوا يُصلونها في المساجد مع إمامٍ واحدٍ، ويجهر بالقراءة حتى يُسمع مَن خلفه.
 
{قال: (وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ)}.
صلاة النَّافلة -ومنها صلاة التَّراويح- يُصليها مَثْنَى مَثْنَى، فَيُسَلِّم مِن كُلِّ ركعتين، ولا يُسردها سردًا كما يُفعل بالوتر.
 
{قال: (لِحَدِيثِ «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»)}.
لما جاء في الأحاديث أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»[17]، يعني: ركعتين ركعتين.
 
{قال: (وَوَقْتُهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ)}.
وقت صلاة التَّراويح بعد صلاةِ العشاءِ براتبتها، والأفضل أن تكون في أَوَّل الليل.
 
{قال: (وَوَقْتُهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسُنَّتُهَا قَبْلَ الْوِتْرِ)}.
يعني: يَختم صَلاة التَّراويح بالوتر.
 
{قال: (فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ جَعَلَ الْوِتْرَ بَعْدَهُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرً»)}.
إذا كان له تهجد في آخرِ الليل في رمضان فإنَّه يُصلي الوتر بعد التَّراويح، وإِذا قَام مِن آَخِر الليل فإنَّه يُصلي مَا تَيَسَّر له، ولا يُكرر الوتر في آخر الليل، فيكفي الوتر مِن أَوَّلِ الليلِ، لقوله -صلى الله عليه وسلم: «لا وِتْرانِ فِي لَيلةٍ»[18].
 
{قال: (فَإِنْ أَحَبَّ مَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ مُتَابَعَةَ الإِمَامِ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَجَاءَ بِرَكْعَةٍ)}.
إذا أحبَّ مَن له تهجُّدٌ في آخر الليل وأحب أن يُتَابع الإمام في صلاة التراويح؛ فإنَّه إذا سلم الإمام من صلاة الوتر يقومُ ويأتي بركعة؛ ليشفع الوتر الذي صلَّاه، ويجعل الوتر في آخر الليل.
{قال: (لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ». صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ)}.
الذي له تهجد مِن آَخِرِ الليلِ لا يَنصرف حَتَّى ينصرف الإمام، فَيُصَلي مَعه الوتر في أَول الليل، فَإذِا قَامَ مِن آَخر الليل فإنَّه يُصلِّي مَا تَيَسَّر له من التَّهجد ولا يأتي بالوِتْر مَرةً ثانيةً، فَيكفي الذي صَلَّاه مَع الإمامِ فِي أَوَّلِ الليلِ.
 
{شَكَرَ الله لكم شيخ صالح على ما بيَّنتم وشرحتم في هذا المتن ومن كتابِ "آداب المشي إلى الصلاة" جَعَل الله ذَلك في ميزانِ حسناتكم، وبارك في أوقاتكم.
وشكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات على تفضلكم بمتابعة هذه الشروح المفيدة من كتاب "آداب المشي إلى الصلاة"، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
--------------------
[12] «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ»" صحيح: رواه الترمذي (415) وصححه الألباني
[13] روه مسلم (689) ونصه: عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ يَعُودُنِي، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ السُّبْحَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ فَمَا رَأَيْتُهُ يُسَبِّحُ وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
[14] أخرجه أبو داود (1271)، والترمذي (430)، وأحمد (2/117).
[15] رواه البخاري (1112) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ؟"
[16] رواه مسلم في صحيحه (1463) عن معاوية رضي الله عنه قال: (إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ)
[17] رواه البخاري(946)، ومسلم (749)، ولفظه: عَنْ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى»
[18] رواه الترمذي (470) والنسائي (1679) وأبو داود (1439)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" ( 7567 ).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك