الدرس العاشر

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

2966 12
الدرس العاشر

آداب المشي إلى الصلاة (3)

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على قائدِ الغُرِّ المحجَّلينَ، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أَيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دروس كتاب "آداب المشي إلى الصلاة"، ضيف هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عُضو هيئة كبار العلماء، وعُضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء، باسمكم جميعًا أيُّها السَّادة نُرحب بسماحته، ونشكر له تفضُّله بتلبية الدَّعوة في شرح هذا الكتاب، فأهلًا ومرحبًا بالشَّيخ صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{قبل أن نبدأ بقراءة المتن، ونحن نتحدَّث عَن فضل الدُّعاء؛ يزهد كثيرٌ من النَّاس بالدُّعاء ولا يتحيَّنون الإجابة، فما فضل الدُّعاء في الإسلام، وما هي آدابه مَأجورين؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الدُّعاء هو أعظم أنواع العبادة؛ بل سمَّاه الله عبادة، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر:60]، أي: يستكبرون عن دُعائي، فسمَّاه عبادة، وتوعَّد مَن استكبر عنه واستغنى عنه بالوعيد الشَّديد، وقد قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»[50]، فــ "لا إله إلا الله" كلمة الإخلاص، وهي أيضًا عبادة لله -سبحانه وتعالى- فهذا يدل على عِظَمِ الدُّعاء ومكانته عند الله -سُبْحَانَه وَتَعَالَى- وحاجة الخلق إلى ذلك.
 
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في الدُّعاء: (وَإِنْ شَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ)}.
هذا نوعٌ من أنواع الاستفتاح في أوَّل الصَّلاة بعد تكبيرةِ الإحرام وقبل قِراءة الفاتحة، ووردت أنواعٌ من الاستفتاحات عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكلها ثابتة عنه، فأيَّ نوعٍ من أنواع الاستفتاح أتى به فقد أتى بالسُّنَّة، ولكن الغالب أنَّ هذا الاستفتاح يجعله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قيام الليل «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[51].
 
{قال: (وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ تَهَجُّدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)}.
كما يُسنُّ أن يَسْتَفْتِحَ صلاته بهذا الدُّعاء، ويُسنُّ أن يَسْتَفْتِحَ تهجُّده، إذا كان يقوم من الليلِ ويتهجَّد، فإنَّ التَّهجُّدَ هو القيام بالليلِ تعبُّدًا لله، وهو مُستحبٌّ، وهو دأبُ الصَّالحين قبلنا -كما في الحديث- فيستفتح بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ...»، إلى آخر الحديث.
{قال: (وَأَنْ يَكُونَ لَهُ تَطَوُّعٌ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ)}.
يُستحبُّ أن يكونَ له تطوُّعٌ من الليل يُداوم عليه، ولا يفعله تارة ويتركه تارة، أو يُطيل ويُكثر في بعض الليالي ويترك التَّهجُّد في بعضها، فيعتدل في تهجُّده بينَ الإطالة والتَّخفيف -التَّقليل- فيعتدل ويُداوم على ذلك، و«إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ عِنْدَ اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»[52] كما في الحديث.
{قال: (وَإِذَا فَاتَهُ قَضَاهُ)}.
إذا فاته قيام الليل، كأن فاته أو انشغل عنه فإنَّه يقضيه بالنَّهار ما بين ارتفاع الشَّمس، أي: بعد طلوعها إلى دخول وقت الظُّهر؛ فكل هذا وقت لقضاء قيام الليل، وكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا فاته قيام الليل قضاه في هذه الفترة -ما بين ارتفاع الشَّمس إلى قيامها قبل الزَّوال -وهي وسط السَّماء- فكان يقضي قيامه الذي فاته بالليل، ولكنه يَشفعه، فيجعله شفعًا، فإذا كان يُوتر بإحدى عشرة يجعله ثنتي عشرة مثنى مثنى.
{قال: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ مَا وَرَدَ)}.
أي: يُستحب أن يقول هذا الدُّعاء عند الصَّباح والمساء: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ...»، إلى آخره، فيكون في ورده الصَّباحي وورده المسائي.
{قال: (وَكَذَلِكَ عِنْدَ النَّوْمِ وَالانْتِبَاهِ)}.
وكذلك يأتي به عندما يُريد النَّوم، فينام على هذا الورد، ويأتي به كذلك عند الانتباه من النَّوم.
{قال: (وَدُخُولِ المَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ)}.
يأتي به أيضًا عند دخول منزله، وعند خروجه من منزله.
{قال: (وَغَيْرِ ذَلِكَ)}.
وغير ذلك من الأوقات، كلَّما تيسَّرَ أن يدعوَ به فإنَّ ذلك مُستحب.
{قال: (وَالتَّطَوُّعُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ)}.
التَّطوع في البيت أفضل لفعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأمره بذلك، فكان يأمر أصحابه أن يصلوا صلاة الليل في بيوتهم، ولا يأتون إلى المسجد ليصلون التَّطوع؛ لأنَّ فعله بالبيت أفضل من فعله في المسجد، ليكون له أثرٌ على البيت وعلى مَن فيه، ويطرد الشَّياطين عن بيته.
{قال: (وَكَذَا الإِسْرَارُ بِهِ)}.
يُستحبُّ الإسرار به؛ لأنَّ هذا أقرب إلى الإخلاص مِن الجَهر بالدُّعاء.
{قال: (إِنْ كَانَ مِمَّا لاَ تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ)}.
إذا كان هذا الدُّعاء ممَّا لا تُشرَع له الجماعة، مثل: القنوت في آخر التَّراويح في رمضان، وفي آخر التَّهجُّد؛ فهذا تُشرَع له الجماعة في المسجد فيفعله في المسجد.
{قال: (وَلا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ جَمَاعَةً إِذَا لَمْ يُتَّخَذْ عَادَةً)}. 
لا بأس بالتَّطوع جماعةً إذا كان هذا صُدفَة ولم يكن عن ترتيب مُسبَق، وإنَّما اجتمعوا لأمرٍ من الأمور في البيت؛ فإنَّما يُستحبُّ لهم أن يُصلُّوا جماعة صلاة التَّهجُّد.
 
{قال: (وَيُسْتَحَبُّ الاسْتِغْفَارُ بِالسَّحَرِ)}.
الاستغفار: هو طلبُ المغفرة، فيُستحبُّ الإكثار منه في وقت السَّحر، لقوله تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ [آل عمران:17]
{قال: (وَالإِكْثَارُ مِنْهُ)}.
الإكثار من الاستغفار في الأوقات المناسِبَة، فيُكثر من الاستغفار -وهو طلب المغفرة- لأنَّه بحاجة إلى ذلك.
 
{قال: (وَمَنْ فَاتَهُ تَهَجُّدُهُ قَضَاهُ قَبْلَ الظُّهْرِ)}.
مَن فاته تهجُّده من الليلِ قضاه في الفترة ما بين ارتفاع الشَّمس إلى توسُّطها قبلَ الظُّهر في وسط السَّماء.
{قال: (وَلا يَصِحُّ التَّطَوُّعُ مِنْ مُضْطَجِعٍ)}.
لا يصح التَّطوع من مُضطجع إِلَّا للمريضِ والعاجزِ فيُصلي مُضطجعًا الفريضة والنَّافلة، ولا يترك التَّطوع، بل يأتي به ولو على جنبه، لقوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران:191]، فإذا لم يقدر على الإتيان به قائمًا أو جالسًا فيأتي به ولو على جنبه مُتوجِّهًا إلى القبلة على جنبه الأيمن.
 
{قال: (وَتُسَنُّ صَلاةُ الضُّحَى)}.
تُسنُّ صلاة الضُّحى، وهي التي يُسمِّيها الناس "صلاة الإشراق" وهي صلاة الضُّحى، ويبدأ وقتها من ارتفاع الشَّمس إلى توسُّطها وقت الظَّهيرة، فكل هذا وقتٌ لصلاة الضُّحى.
{قال: (وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ إِلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ)}.
من خروج وقت النَّهي -الذي بعد طلوع الشَّمس- وذلك بأن ترتفع قيدَ رُمح؛ وبهذا يخرج وقتَ النَّهي، فيدخل وقت صلاة الضُّحى ويستمر إلى قُبيل صلاة الظُّهر.
 
{قال: (وَفِعْلُهَا إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَفْضَلُ)}.
يعني صلاة الضُّحى في آخر وقتها أفضل عند اشتداد الحر؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةُ الأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ»[53]، يعني: صِغار الإبل، أي: تشتدُّ عليها حرارة الأرض مِنَ الرَّمضاء.
{قال: (وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَإِنْ زَادَ فَحَسَنٌ)}.
أقلُّ صلاة الضُّحى ركعتان، وأكثرها ثمانِ ركعات، كلُّ ركعتين بسلامٍ.
 
{شكرَ الله لكم سماحة الشَّيخ صالح على تفضُّلكم بشرحِ هذه الدُّروس المفيدة للأمَّة، والتي يُتابعها جمعٌ من المسلمين.
شكرًا لتواصلكم أيُّها الإخوة والخوات في هذه الدروس المباركة، وأشكر فريق العمل الذي قام بتسجيل هذه الدُّروس، كما أشكركم أنتم على تواصلكم مع هذا البرنامج، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-----------------------
[50] الترمذي برقم (3585)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3/184)، وفي الأحاديث الصحيحة (4/6).
[51] رواه مسلم (1341)
[52] البخاري(6010)
[53] رواه مسلم (1238) وفي رواية للإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ أَوْ دَخَلَ مَسْجِدَ قُبَاءَ بَعْدَمَا أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا هُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ: إِنَّ صَلاةَ الأَوَّابِينَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ. وفي رواية لمسلم عَنْ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ. صحيح مسلم 1237

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك