الدرس الثالث

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

23291 6
الدرس الثالث

كتاب التوحيد

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم أيُّها الإخوة والأخوات من مشاهدينا والمشاهدات في هذا الدرس العلمي الجديد، وهو شرح (كتاب التوحيد) من برنامجكم (جادة المتعلم) والذي تقدمه جمعية هداة الخيرية.
معنا في هذه الحلقة فضيلة الشيخ/ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، ليشرح لنا (كتاب التوحيد)، أسأل الله عز وجل أن يُبارك فيه، فنرحب بشيخنا الفاضل، حياك الله يا شيخ}.
حياكم الله، وحيَّا الله الإخوة جميعًا.
{يا مرحبًا، بارك الله فيك، وصلنا شيخنا عند (بَاب الدُّعَاءِ إلى شَهَادَةِ أن لَا آله إلا اللَّهُ)}. على بركة الله نبدأ.
{الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بَابُ الدُّعَاءِ إلى شَهَادَةِ أن لَا آله إلا اللَّهُ، وقول اللَّه تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ )}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد؛ فأسأل الله -سبحانه وتعالى- لنا ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح والتوفيق لِمَا يحبه الله ويرضاه.
نشرح الآن الباب الخامس من أبواب (كتاب التوحيد)، والشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- رَتَّبَ الكتاب ترتيبًا حسنًا، فبدأ بتعريف التوحيد بذكر الآيات في أول الكتاب، ثم ذكر فضله، ثم ذكر تحقيقه وجزاء المحققين له، ثم ذكر الخوف من ضده وهو الشرك، ثم في هذا الباب -الخامس- يُذَكِّرُ بأصل عظيم وهو الدعوة إليه، فإنَّ معرفة التوحيد والعمل به والاهتداء إليه لا تكفي وحدها، بل لابد أن يُضيف إليها المسلم الدعوة إلى هذا الأمر العظيم الذي وُفِّقَ المسلم إليه، والدعوة إلى الله عز وجل، أول ما يتبادر إلى هذا اللفظ الشريف هو الدعوة إلى توحيده، أو الدعوة إلى عبادته أو الدعوة إلى الإيمان بأسمائه وصفاته وربوبيته، فالدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- هي دعوة إلى التوحيد، وإلى اتباع الرسول الذي أرسله الله وهو محمد ﷺ، ولهذا قال الشيخ: (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله) يعني: وقرينتها وأنَّ محمدًا رسول الله، هذا مقصود عند أهل العلم؛ فإنَّ (الدعوة إلى شهادة (أن لا إله إلا الله)) يتضمن (الدعوة إلى شهادة أنَّ محمدًا رسول ﷺ).
إذًا الدعوة إلى الله هي دعوة إلى هذا الدين الإسلامي، هذا أمر واجب، يجب أن يقوم به من يكفي، يجب أن يكون هناك طائفة تدعو إلى الله عز وجل، يدعون الناس إلى الخير، يدعون الناس إلى الإسلام، وهذا واجب مُتحتم على ولاة الأمور، وواجب على كل من كان له قُدرة ومعرفة وعلم شرعي، وواجب على المسلمين كلهم أيضًا أن يتعاونوا لتحقيق هذا العلم؛ بتعليم أبنائهم والبحث عن العلماء الراسخين في العلم وتمكينهم من التدريس، وأيضًا معرفة أحكام الله عز وجل، والأحكام التي بينها الرسول الكريم ﷺ، والدليل على ذلك هذه الآيات وهذه الأحاديث، يعني: لو قال أحد الناس: ما الدليل على أنه واجب على ولاة الأمور أو واجب على طائفة من أهل العلم أو على أهل العلم أو على عموم المؤمنين؟
نقول: الدليل هذه الآيات والأحاديث، فلنستمع إلى هذه الآية ولنقرأها، قال الله عز وجل: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ إذًا الله -عز وجل- يأمر نبيه محمدًا ﷺ أن يقول ذلك وأن يعلنه، ما هو؟ ﴿هَذِهِ سَبِيلِي﴾ ، هذه طريقتي، هذه شريعتي، هذا منهجي، هذا ديني.
ما هو السبيل الذي كان عليه الرسول ﷺ؟
الإسلام، وأعظم ما في الإسلام توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له، واتباع رسوله، ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ ولهذا ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ هو من سبيل النبي ﷺ.
ثم قال: ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ هنا سؤال ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ معطوف على ﴿أَنَ﴾ ، أو ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ معطوف على ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ ؟
هذا محتمل، يعني: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ومن اتبعني أنا على بصيرة، ومن اتبعني هذا الاحتمال الأول.
الاحتمال الثاني: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ أنا وأتباعي كلنا على هذا الطريق، وهذان المعنيان ذكرهما المفسرون، وكلا المعنيين صحيحان، فالأول صحيح، والثاني صحيح.
الأول ما معناه؟ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة وأتباعي على سبيلي يدعون إلى الله على بصيرة، هذا المعنى الأول، إذًا الأتباع يدعون إلى الله كما أنَّ الرسول ﷺ يدعو إلى الله، ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ ، وأدعو صيغة مفرد -المضارع- ولم يقل: ندعو، وإنما قال: أدعوا، يعني: الرسول.
فلما قال: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ يعني: يدعون إلى الله مثلي ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ مثلي أيضًا.
الاحتمال الثاني وهو تفسير صحيح أيضًا عند أهل العلم، ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ يعني: أنا وأتباعي على البصيرة في حال الدعوة إلى الله، يعني: هم أهل البصائر.
ما الفرق بين المعنيين؟ الفرق يسير جدًا، لكنهما في كلا المعنيين صحيحان، وكلا المعنيين يُؤدي إلى أنه لابد أن ندعو إلى الله -هذا واحد- ولابد أن نكون على بصيرة، ما هي البصيرة؟
البصيرة هي العلم الشرعي، العلم بكلام الله وكلام رسوله ﷺ، والعلم بكلام العرب أيضًا، بفهم المراد وفهم الخطاب، فالأعجمي أو الأعاجم عليهم لذلك أن ينبروا لذلك، يعني: لا يرضى الأعجمي لنفسه بالجهل، ولا يفهم كلام الله ولا كلام الرسول ﷺ، بل ينفر منهم طائفة ليفقهونهم، ولو بلغتهم ولو بلهجاتهم.
إذًا النبي ﷺ وأتباع النبي ﷺ إلى يوم القيامة على بصيرة، وكلهم يدعون إلى الله كما دعا الرسول ﷺ؛ ولذلك يقول الشوكاني -رحمه الله- في تفسيره: "حق على أتباع الرسول أن يدعو إلى ما دعا إليه الرسول ﷺ، أخذًا من هذه الآية الكريمة".
وقوله: ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ فيه الإخلاص، يعني: لا أدعو إلى نفسي، ولا أدعو إلى تمجيد اسمي أو شخصي أو قبيلتي أو وطني أو بلدي أو جنسيتي، أو لوني أو عرقي أو غير ذلك مما يتعصب له المتعصبون، إنَّما الدعوة تكون إلى الله -عز وجل- وهذا فيه الإخلاص، والشيخ محمد بن عبد الوهاب قال في المسائل: فيه تنبيه على الإخلاص؛ لأنَّ كثيرًا ممن يدعو إنما يدعو إلى نفسه، ولا يرضى أنَّ أتباعه يأخذون من قول غيره إذا ترجح لهم بالدليل، ولا يرضى لأتباعه أن يذكروا اسمًا غير اسمه، وهذا نخالف للإخلاص، فالدعوة تكون إلى الله -عزَّ وجل- وإلى دينه.
تقدَّم أنَّ الدعوة إلى الله، يعني إلى توحيده، ومعرفته بأسمائه وصفاته وربوبيته، والتوحيد المراد به هنا توحيد الألوهية.
الدعوة إلى الله أيضًا تشمل الدعوة إلى شريعته، والإيمان بالرسول ﷺ، والإيمان بالفرائض التي فرضها الله عز وجل، والعمل بمقتضى ذلك، كل هذا من الدعوة إلى الله ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ إذًا هذا اللفظ الشريف -الدعوة إلى الله- لفظ عظيم، يشمل الدعوة إلى الدين كله، فبعض الناس يأخذه بأخذ جزئي ولا يلتفت إلى الأصل الكبير الذي تضمنه هذا المعنى.
هذا معنى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ والبصيرة هي العلم، والدعوة إلى الله لابد فيها من علم، ولكن هذا العلم لا يشترط أن يكون جامعًا لكل المعلومات، هذا لا يمكن، لكن العلم الأساسي، هو علم الأصول، علم العقيدة، علم الحديث، يأخذ منه ما تيسر حتى يدعو إلى الله -عز وجل- على علم شرعي، حتى يشهد له أهل العلم بذلك.
فرق كبير بين أمرين: تبليغ ما علمك الله عز وجل إياه، وبين الدعوة إلى الله، فالأول: التبليغ لعلم مرَّ عليك، لنفرض أنَّ شخصًا في البادية تعلم الوضوء عن النبي ﷺ وعرف صفة الوضوء، ثم وجد آخر لا يعرف الوضوء، ما الواجب عليه؟
يجب عليه -وجوبًا عينيًا- أن يُعَلِّمَ هذا الجاهل الوضوء، لا يقول أنا ما لي دخل فيه، ولست مسؤولا عنه، أو لست عالما، لا، عليه أن يعلمه الوضوء لكن لا يتكلم في غير الوضوء؛ لأنه لا يعرف إلا الوضوء، فلا يجلس وينبري للناس بالفتوى، هذه مسألة التبليغ.
عرفت الفاتحة لقنها من لا يعرفها، إذا وجدت من يحتاج إليها وهكذا. هذا معنى: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آَيَةً» بعض الجهلة من الجماعات الضالة يأخذ قوله: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آَيَةً» ويجعل الجاهل مفتيًا وخطيبًا وواعظًا ومتحدثًا في كل شيء، هذا منهج فاسد.
لكن المقصود هنا أنَّ الدعوة إلى الله مقام شريف، أن يقوم وأن يعلم الناس وينبري للتدريس أو الخطابة أو الفتوى، هذا لا يقوم به إلا من شهد له أهل العلم بالكفاءة في ذلك، ولابد أيضًا من الصبر في الدعوة؛ لأنَّ الدعوة إلى الله تحتاج إلى صبر، وسيجد عنتًا أو سيجد صعوبات سواء في نفسه أو في أسرته أو في المدعوين، ولابد أيضًا من رفق وحلم على المدعوين حتى يهديهم الله عز وجل.
{أحسن الله إليكم، حتى في المعنى الذي ذكرته في الآية، بناء عليه يكون الوقف والابتداء ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ والوقف الآخر الجائز في المعنى الثاني ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ }.
{قال -رحمه الله تعالى: (وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ قال لَهُ: «إِنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَلْيَكُنْ أوَّلَ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ»، وفِي رِوَايَةْ: «إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ، فَإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِم خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ اَفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائهِم. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلَومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» أَخْرَجَاهُ)}.
هذا الحديث العظيم في بعث النبي ﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن، داعيًا إلى الله وقاضيًا وجابيًا للزكاة، وعاملاً على أهل اليمن، والعامل أي: الأمير، فالنبي ﷺ يختار الخيرة من أصحابه، وممن يتوسم ويرى فيهم الكفاءة، ومعاذ بن جل من شباب الصحابة لكنه من علمائهم، ومن كبار الفقهاء والعباد -رضي الله عنه- وهو صحابي جليل له شأن عظيم، وتوفي سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس -كما تقدم في درس سابق، ومعاذ بعد وفاة النبي ﷺ جلس للتدريس والتعليم، فتعلم منه خلق عظيم من الناس -رضي الله عنه وأرضاه-.
هذا الحديث فيه فوائده كثيرة جدا، لكن نأخذ منها ما تيسر.
أولاً: الأمر نعرف منه أهمية التوحيد، النبي ﷺ إذا عين أمراء يبدأ بالتوحيد، وهذا فيه تنبيه لجميع ولاة أمور المسلمين، النبي ﷺ هو قدوتهم وقدوتنا جميعًا، فالنبي ﷺ إذا بعث عاملا أو أميرًا يذكره بالأصل الكبير، يذكره بأمور الدين، فهذا يؤكد على ولاة الأمور الاهتمام بموضوع التوحيد وإخلاص العبادة لله، ما يقول سنترك الناس يفعلون ما يشاؤون، بل فيه دعوة وفيه بيان.
قال: («فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ») إذًا هنا في اهتمامات وفي أولويات، فبدأ النبي ﷺ وهو ولي أمر المسلمين بماذا؟ بدأ بالتوحيد، وهو قدوة لكل من جاء بعده من الخلفاء والملوك والأمراء عليه الصلاة والسلام.
قال: «إِنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» هنا: «قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» قال العلماء: فيه كشف الشبهة عن المتعلم؛ ما معنى أهل الكتاب؟ أي: معهم التوراة أو الإنجيل، أي: معهم علوم ومعهم إشكالات، فهم إذا أردت أن تدعوهم سيقولون كذا، ويقولون لك كذا، أي: عندهم إشكالات كثيرة، منعتهم وصدتهم عن الدين الإسلامي، فأنت يا أيها الداعي إلى الله تنتبه لهذا الشيء، وتستعد لكشف الشبهة عن المتعلم، والشيخ جعل هذه المسألة في المسائل، وبعض الناس إذا قرأها يقول: من أين أخذها الشيخ؟ من هنا «إِنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» يعني: استعد لهم، عندهم كتاب، يعني عندهم أشياء يدرسونها وعندهم إشكالات يجادلونك، سيقولون لك: كذا ويقولون لك كذا، ولذا كن مستعدًا، فطالب العلم والداعي إلى الله -عز وجل- يعرف كل بيئة وكل مجتمع وما ينتشر فيها من شبهات وضلالات وأفكار منحرفة، يعني: أديان فاسدة، فيستعد لذلك بما مكنه الله ويسر الله له مع الدعاء، وليسأل الله التوفيق.
قال: («فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ») طيب هنا سؤال، أهل الكتاب يعني: باقي معهم من آثار النبوة ما بقي، وكل الأنبياء يقولون لأقوامهم: (لا إله إلا الله) إذًا هُم يقولونها لفظًا، لكن حقيقة الأمر وواقعهم أنهم بدلوا وغيروا وحرفوا حتى وصل وانتشر فيهم الشرك، ولهذا النبي ﷺ أراد أن يعيد الأمر على الأصل الكبير الذي اتفقت عليه الرسل وهو التوحيد.
(«فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ») إذًا لابد من شهادة ونطق أنه (لا إله إلا الله) ما معنى لا إله إلا الله؟
أي: لا معبود حق إلا الله، ولم يقل لهم: أن تقروا بأن الله خالق.
(«فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ») أن تعرفهم أنَّ الله هو الذي خلق السماوات والأرض، لا، هذا أمر معروف عند هؤلاء وعند غيرهم، معروف إجمالا، لكن المراد هنا الذي وقع فيه الشرك ما هو؟ عَبَدوا العزير، وعبدوا المسيح، وعبدوا أمه ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ ثم قال في آخر الآيات: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ فهذا هو الذي جرى فيه النزاع عند الأمم الضالة وصرف العبادة لغير الله.
قال: (وفِي رِوَايَةْ: «إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ»).
الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عانى من أناس يزعمون أنه يكفي مجرد التلفظ بـ (لا إله إلا الله) حتى لو لم يوحد الله بفعله، فصار يدعو أصحاب الأضرحة ومن يتعلق بالنجوم ويستغيث بالجن ويفعل أشياء من هذا القبيل.
ويقول: أنا أقول: (لا إله إلا الله) وهذا يكفي، نقول: لا! الروايات الواردة عن النبي ﷺ يفسر بعضها بعضًا، يعني قوله: (وفِي رِوَايَةْ: «إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ») هو تأكيد لمعنى (لا إله إلا الله) وأنه ليس مجرد قول باللسان فقط لابد من عمل، وهذا فيه أيضًا رد على المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول واعتقاد فقط دون العمل، فلابد أن تكون العبادة خالصة لله عز وجل.
قال: («فَإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِم خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ») الله أكبر، ما عظم شأن الصلاة! صارت في المرتبة الثانية بعد التوحيد؛ ولهذا يجب علينا أن نعرف أهمية التوحيد، وأن نذكر أنفسنا وأولادنا بذلك، والمشرك والكافر يُدعى إلى التوحيد قبل أن يدعى إلى الصَّلاة، ما يقال تعال صل أولا، بل يُعَلَّمُ التوحيد، ويبين له، ويجب عليه أن يعرف معناه، وأن يتبرأ من الشرك، وبهذا تنفعه الصلاة والزكاة، أمَّا بدون هذا فهو باق على الشرك.
طيب لو سألنا سائل وقال: لو جئنا عند جماعة من المسلمين الموحدين ولكنهم مقصرون في الصلاة، هل لا ندعوهم إلى الصلاة؟
الجواب: لا، ما دام التوحيد موجود، فيشجعون عليه ويذكرون به.
ومن آثار قوة الإيمان بتوحيد الله -عز وجل- والتعلق به ماذا يفعل في القلب؟ يستجيب للأوامر كلها، فإذا قوي الإيمان في القلب، وقوي توحيد الله؛ قام بالصلاة وبغيرها، ولهذا يُذَكَّر بالصلاة ويُؤمر بها، فلو جاء الداعي إلى الله، وقال: وجدت أناسا موحدين ولكنهم مقصرين في الصلاة. قلنا لا مانع من أن تبدأ بالصلاة، لكن الخطاب في المشرك الذي ليس بموحد، لكن لابد أن ننتبه أيضًا إلى أنَّ قوة التوحيد تُعين على العمل الصالح، وعلى أداء الواجبات.
قال: («فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ اَفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائهِم») هذه بعد الصلاة، وهذا فيه فرض الزكاة، ووجوب أخذ الزكاة من قبل ولاة الأمور، وأنَّ هذه المصلحة للزكاة مصلحة في الدين والآخرة، ومصلحة أيضًا في الدنيا، فترد في فقرائهم، وفيه نوع من التعليل وبيان الحكمة، وفيه أيضًا تعليم لولاة الأمور والأمراء والمسؤولين أنهم إذا ذكروا بعض الأمور، يذكرون المصالح المترتبة عليها حتى يشجعوا الناس على طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ.
وقوله: («فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائهِم») فيه تشجيع لهم، يعني: فقراؤكم منكم وفيكم، وهذا خير لكم ولمجتمعكم.
وقال: («فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلَومِ») المال أنواع، في وسط، وفي جيد، وفي هزيل، يعني: فيه ناقة جيدة ووسط وهزيلة، ماذا يأخذ الجابي للزكاة والعامل على الصدقات؟ يأخذ الوسط ولا يأخذ الكريمة إلا إذا طابت نفس المتصدق بذلك.
قال: («وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلَومِ»)؛ لأنَّ هذا أمير، ومن المتوقع أن يقع في زيادة أو نحو ذلك، فحذره النبي ﷺ من الظلم، وتحذيره لم يقل: "لا تظلم"، بل قال: "إذا ظلمت سوف يدعو عليك المظلوم"، والمظلوم ولو كان كافرًا فدعوته مستجابة، («وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلَومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»)، وهذا تحذير بليغ حقيقة من الظلم، نسأل الله جل وعلا أن يعافينا منه وجميع إخواننا المسلمين.
طيب لماذا لم يذكر الصوم والزكاة؟ العلماء ذكروا عدة تعليلات، لعلها والله أعلم أنه إذا أتى بهذه الأمهات للعبادات الثلاثة: التوحيد واتباع الرسول ﷺ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، أتى ببقية الواجبات الأخرى.
قال: («فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ») هذا الحديث الأول، وقال: (أَخْرَجَاهُ) يعني: أخرجه البخاري ومسلم.
{أحسن الله إليكم شيخنا، قوله: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ» كأن فيه شيء من الإجبار؟}.
نعم، يجب أخذ الزكاة وإذا امتنع من بذلها تُؤخذ منه قسرًا، والزكاة فريضة فرضها الله عز وجل على كل مسلم يملك مالاً حال عليه الحول وبلغ النصاب.
{نعم أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله تعالى: (وَلَهُمَا: عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال يَوْمَ خَيْبَرٍ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ»، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ؛ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا؛ غَدَوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقال: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟» فَقِيلَ: هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ به، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تنَزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُم إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِم مِنْ حَقِّ اللَّهِ تعالى فِيهِ، فَوَاللَّهِ! لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»)
}.
هذا حديث سهل بن سعد الساعدي الأنصاري رضي الله عنه، وقوله: (ولهم) أي: للبخاري ومسلم.
ماذا في هذا الحديث؟ فيه الدعوة إلى الله، كما أنَّ في الحديث الأول الدعوة إلى الله أيضًا في هذا الحديث الدعوة إلى الله.
قوله: (قال يَوْمَ خَيْبَرٍ) خيبر مكان شمال المدينة معروف إلى الآن، عبارة عن مزارع، وكانت هذه المنطقة يقطنها قبائل من اليهود، فغزاهم النبي ﷺ؛ لأنهم غدروا وخانوا الله ورسوله، ونقضوا العهد بينهم وبين النبي ﷺ، ومالئو أعداء الإسلام على الرسول ﷺ وعلى المسلمين؛ فغزاهم النبي ﷺ في سنة سبع من الهجرة، وفتحها الله عليه، وأقرهم النبي ﷺ في خيبر، وكانت المزارع لهم؛ فصارت للمسلمين فيئا، وأقرهم النبي ﷺ أن يعملوا فيها مزارعين فلاحين على نفس الثمر ونصف ما ينتج، ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه إلى الشام؛ لأنه جاء في الحديث: «نقركم على ذلك ما شئن» فلمَّا أغنى الله عز وجل المسلمين أجلاهم عمر رضي الله عنه، هذا موضوع خيبر، وكانت خيبر حصونًا، فحاصرهم النبي ﷺ شهرًا كاملاً، وكان المسلمون من قبل في حال صعبة من الجوع والجهد، وكانت هذه الأمور العادية بسبب قلة المزارع في المدينة، فلمَّا فتحت خيبر على المسلمين توسع المسلمون وأفاء الله عز وجل عليهم هذه الخيرات، وفتح خيبر بالنسبة للمسلمين كان فيه نصرة للدين وفيه توسعة في الدنيا أيضًا، فانظر في هذا الحديث لتعرف مقدار وأهمية الدعوة إلى الله، وتأمل معي أخي الكريم في هذا الحديث ستجد اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بالدعوة وأمر الدين أعظم من اهتمامهم بأمر الدنيا، فالصحابة كانوا في شدة وظلف عيش وقلة ذات يد، وهذه إذا فتحت سيحصل منها خيرات كثيرة جدًا.
قال: («لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُل») يعني: بعد شهر كامل من الحصار، والراية: البيرق الذي فيه العلم، («رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ») هنا تعيين، وكل مؤمن ومؤمنة الله عز وجل يحبه ورسوله يحبه، فالله يحب المؤمنين، ويحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، لكن ما الفائدة التي جعلت الصحابة يتشوفون لهذا التعيين؟
لأنَّ التعيين يشجع ويجعله يفرح بنعمة الله.
الفائدة الثانية: («يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ») فالصحابة انشغلوا، (فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ؛ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟) من هذا الذي يحوز هذا الشرف؟! وصار فيه بشارتان، بشارة لشخص وبشارة للمجموعة كلها أنَّ غدًا الفتح وانتهاء الغزوة، (فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ) يسهرون في هذا الخير بالتفكير ويدعون الله عز وجل.
(أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟) كلهم حتى قال عمر رضي الله عنه: ما تساورت نفسي للإمارة إلا يومئذ؛ لماذا؟ لأنَّ طلب الإمارة منهي عنه؛ لأنه أمانة وفيه مسؤولية، ولكن هذا يختلف؛ لأنه في هذا الفضل الشريف والعزيز.
(فَلَمَّا أَصْبَحُو) يعني: صلوا الفجر، (غَدَوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَ) طلبًا لهذا الفضل، فقال النبي ﷺ: أين علي بن أبي طالب؟ وهذا فيه الإيمان بالقدر، كيف الإيمان بالقدر؟
علي رضي الله عنه مريض، وهو في المدينة، وليس معهم في المكان الذي هم فيه قرب خيبر، فيعني من الأشياء البعيدة جدا في الظن الصحابة أن يكون واحد مريض لا يرى سبب الرمد على عينيه، وأيضًا بعيد أن يكون هو الذي يحوز على هذا الفضل، وكانوا يتوقعون أن واحدًا من الموجودين في الموقع قبال خيبر، وليس واحدًا في المدينة، وهذا فيه الإيمان بالقدر أن الله عز وجل، إذا قدر لك الخير يسوقه لك، ولو كان حالك بعيدا من الله، ولو قدر الله عز وجل أنه يصرف عنك هذا الخير لو كان في متناول يدك ما أتاك.
فقيل: هو يشتكي عينيه، يعني: الرمد، فأرسلوا إليه، (فَأُتِيَ به) كلمة فأوتي به تدل على أنه يُقاد، ما يملك من شدة الرمد لا يرى الطريق، فصار يقاد رضي الله عنه، فبصق رسول الله ﷺ في عينيه، (وَدَعَا لَهُ) أي: دعا الله عز وجل له، وهذا فيه التوحيد.
قال: (فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ) وهذه من علامات النبوة، ومن آيات الله الدالة على أنَّ محمدًا رسول الله حقًا، ونبي الله صدقا ﷺ، (فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ) وجاء هذا الدال على قدرته سبحانه وتعالى، الله عز وجل هو الذي يشفي، والله عز وجل هو الذي يُعافي ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِيْنِ﴾ ، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ ، والرسول ﷺ دعا ربه وبصق، وهذه من بركات النبي ﷺ، ومن علامات نبوته ﷺ أنَّ ريقه مبارك وشريف ﷺ، ودعواته استجيبت.
(فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ») يعني: امشي أو سر، و «عَلَى رِسْلِكَ» يعني: على مهلك «حَتَّى تنَزِلَ بِسَاحَتِهِمْ» الساحة هي المكان الواسع أمام الحصون حتى يسمعوا صوتك، ولا تنزل بعيدًا فلا يرونك ولا يسمعونك، ولكن انزل قريبًا حتى يكون ذلك أقوى وأشجع وأرهب في نفوس العدو.
«ثُمَّ ادْعُهُم إِلَى الْإِسْلَامِ» هنا نقف وقفة، ماذا لو أسلموا؟ لو أسلموا لصارت الأموال لهم وليست للمسلمين، ولست فيئًا، لو أسلموا لا يأخذ المسلمون شيئًا منها البتة إلا الزكاة، والزكاة ستكون يسيرة جدًا أمام هذه الأموال، فقدم النبي ﷺ الدعوة، «ثُمَّ ادْعُهُم إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِم مِنْ حَقِّ اللَّهِ تعالى فِيهِ»
طيب قوله ﷺ: («ثُمَّ ادْعُهُم إِلَى الْإِسْلَامِ») إذًا الدعوة قبل القتال، هنا النبي ﷺ دعا، لكن هل هذا واجب، قل هذا مستحب، إذا بلغتهم الدعوة من قبل يجوز القتال؛ لأنه لا بد عليهم أن يستجيبوا ولا يعلنوا، أمَّا إذا لم يُدعَو أبدا ولم يسمعوا؛ فلا يجوز أن يبادروا بالقتال حتى يدعوا إلى الإسلام.
قوله ﷺ: («ثُمَّ ادْعُهُم إِلَى الْإِسْلَامِ») يُبين حرص النبي ﷺ وحرص الصحابة على هداية الخلق ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ ، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ .
قال: («وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِم مِنْ حَقِّ اللَّهِ تعالى فِيهِ») الإسلام له حقوق، لابد أن يبلغ المدعو أنه لا بد في الإسلام أن يقوم بما أوجب الله عليه وأن يترك ما حرم الله عليه، وأعظم ذلك إخلاص العبادة لله، والبراءة من الشرك وأهله، اتباع الرسول ﷺ، أن تقوم بالصلاة وتتوضأ وتغتسل، يبلغ بالواجبات إجمالا، لكن بطريقة محببة وليست بطريقة منفرة، فبعض الأمور قد تذكر له فيما بعد مثل: التفاصيل، لكن الأصل الكبير يعني: إذا علمه وعرفه فهذا هو الواجب.
قال: («فَوَاللَّهِ! لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ») هنا فضل الدعوة إلى الله عز وجل، وهو أنَّ الهداية واحد منهم فقط، واليهود كانوا ألوفًا، واحد يهتدي منهم خير من حمر النعم، لا تقل: (حُمُرْ) بضم الميم؛ لأنَّ (حُمُرْ) بضم الميم جمع (حمار)، والمراد: «حُمْر النِّعم» أي: الإبل، و (حُمْر) أي: حمراء اللون، فإذا قلت: المراد حمر النِّعام، أي: الإبل الحمراء، وهي أثمن وأغلى أموال العرب، والمراد التقريب، وإلا فهو خير من الدنيا وما فيها، فهذا يُبينُ لنا الواجب على الداعي إلى الله عز وجل، وأن يحرص على هداية الناس بغض النظر عن الدنيا وما فيها.
هنا أيضًا نقف وقفة أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه فضائله كثيرة، وهو الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين، لكن غلا بعض طوائف الشيعة، وضلوا ضلالا عظيمًا، حتى وصل الأمر ببعضهم أنهم عبدوا عليًا من دون الله، نسأل الله العافية والسلامة، وهذا باطل، ومما يبين بطلانه أنه كان مريضًا، كان يُصيبه الرمد، ودعا له الرسول ﷺ بالشفاء، فهو بشر من البشر، صحابي جليل من بني آدم، يصيبه ما يصيبهم، يمرض ويصح، تصيبه الأوجاع ولم يدفع عن نفسه حتى الموت، استشهد رضي الله عنه من قبل أحد الخوارج، فإنه قتل رضي الله عنه وهو في الصلاة، وهذا يدل على بشريته، وأنه لا يجوز أن يُدعى من دون الله، ولا يدفع عن نفسه الضر، ولا يملك النفع، ولكنه يعرف فضله ومناقبه ومنزلته من دون غلو ومن دون شرك، لكن الرافضة لا يعقلون هذه الأمور، نسأل الله العافية والسلامة، هذا هو ما يتيسر على هذا الباب العظيم.
{أحسن الله إليكم.
قال المؤلف رحمه الله: (بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَوْلُ اللَّه تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهُم الْوَسِيلَةَ أَيُّهُم أَقْرَبُ﴾ )}.
قال: (بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهادَةِ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) هذا باب عظيم، وهو يعتبر تقريبًا خاتمة للمقدمة؛ لأنَّ الأبواب الخمسة وهذا السادس ستكون هذه الأبواب الستة كالمقدمة للكتاب؛ لأنه قال في نهاية هذا الباب: (وَشَرْحُ هَذِهِ التَّرْجُمَةِ مَا بَعْدَها مِنَ الْأَبْوابِ)، يعني: ما الحاجة إلى أن نقول: (بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهادَةِ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)؟)
الواجب على طالب العلم أن ينتبه؛ لأنَّ هناك طوائف وفرق ضلت في معنى التوحيد، وظنوا أنَّ التوحيد هو بالربوبية فقط، فهذا غلط، لا بد أن يفهم كل مسلم أنِّ التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وإخلاص العبادة لله عز وجل، وكان من ضمن الأغلاط أيضًا أنَّ بعض الناس يظن أنَّ دعاء الصالحين والاستغاثة بالأولياء أو الملائكة أو الأنبياء هذا لا يضر وليس بشرك، فالشيخ ذكر في هذا الباب الآيات الصريحة الدالة على أنَّ صرف العبادة لغير الله حتى لو كانوا من الصالحين أنَّ هذا من الشرك، هذا فيه تفسير للتوحيد.
(بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهادَةِ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) لابد أن تعرف أنَّ (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود حق إلا الله، وأيضًا مما يتعلق بهذا المعنى، اقرأ هذه الآية ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورً﴾ طيب نقرأ الآية التي قبلها، ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ ، وإذا قرأنا الآية التي قبلها فهمنا قوله: ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ وهذا يشمل كل مدعو، ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ الآن الذي ينازع في التوحيد من دعاة الشرك والخرافة ليقول الناس اتجهوا للقبور ماذا يقولون؟ يقولون: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ المراد بها الربوبية، أمَّا الذين يتعلقون بالعبادة لغير الله للأنبياء والصالحين فهذا ليس داخل في الآية بزعمهم، ونحن نرد عليهم من الآية، ولهذا قال الشيخ: (بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهادَةِ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) من هذه الآية، كيف؟ ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ الآن هم يدعون من؟ انظر، ﴿فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلً﴾ .
﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ من هم الآن الذين يدعون؟
هذا سؤال مهم، قال أهل العلم بالتفسير: هذه الآية تشمل كل من كان معبوده عابدًا لله، مثل: مَن عَبَدَ عيسى، ومثل من عبد عزيرًا، ومثل من عبد مريم، ومثل من عبد الملائكة، ومثل من عبد الجن المسلمين، ومثل من عبد الأولياء والصالحين، كيف؟ لأنها صريحة في هذا، ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ الخطاب للمشركين، يدعون من؟ قال ابن مسعود وجماعة: بعض الجن كانوا يُدعون في الجاهلية، ثم أسلم الجن واستمر بعض المشركين في قريش على دعاء الجن مع أنَّ الجن قد أسلموا واهتدوا، انظر ماذا صار يعبد؟ صار يعبد واحدًا عابدًا لله، فقال الله عز وجل: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ ماذا حالهم؟ ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ يعني: حالهم تحول، يعبدونهم وهم جن كفار، ثم أسلم الجن فصار الجن مشغولون بعبادة الله -عز وجل- والتقرب إلى الله، ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورً﴾ .
وقال بعض أهل العلم: المراد النصارى، يعبدون عيسى عليه السلام، ما حال عيسى؟ يبتغي إلى ربه الوسيلة، وكذلك أم عيسى مريم بنت عمران، وكذلك كل من عبد من هو عابد لله عز وجل.
{أحسن الله إليكم.
يعني: أولئك الخطاب فيما لمن؟}
الخطاب للمشركين الذين يدعون أقوامًا من أهل التوحيد، من العابدين لله عز وجل.
{إذن ﴿يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ راجعة إلى من يُعبد؟}
ابن مسعود قال: نزلت في أقوم بمكة يدعون أناسًا من الجن، ثم لَمَّا بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم أسلم الجن، فصار الجن يدعون الله -عز وجل- ويبتغون إليه الوسيلة، يعني: يتقربون إلى الله، ويخافون من الله، ويرجون رحمته، والمشركون على حالهم لا زالوا يدعون هؤلاء الجن.
نقرأ الآيات مرة أخرى، ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ يعني: يجتهدون في طاعته، وهذا فيه الجمع بين الخوف والرجاء -هذه من المواضع في القرآن الكريم التي تجمع بين الخوف والرجاء- وأنَّ الله – عز وجل- يمدح أهل ذلك المقام، وليس كما يقول بعض الصوفية أنَّ الرجاء مقام بارد، وأنَّ الخوف عبادة العبيد بالسوط، وأنَّ المقام الأعلى هو الحب فقط. نقول: لا، بل هذا مقام ممدوح محبوب إلى الله -عز وجل-.
ما معنى الوسيلة في قوله: ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ ؟ الوسيلة هي القربى بالعمل الصالح.
وهكذا نفهم من الآية أنَّ من عبد صالحًا فإنه يُعَدُّ مُشركًا، فأي شخص يعبد وليا أو رجلا صالحًا يعتبر مُشركًا. ولا يجوز أن يقول: هذا صالح وأنا لم أعبد صنمًا ولم أعبد حجرًا؛ لأن العبادة إذا صرفت لغير الله تعالى كائنًا من كان المعبود فهذا شرك بالله -عز وجل.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
{وقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذْ قال إِبْرَاهِيَمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ الآيَةَ}.
هذا صريحٌ جدًا في تفسير التوحيد من عدة جهات:
أولاً: كلمة التوحيد فيها نفيٌ وإثبات ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ يعني: إلا الذي أوجدني وخلقني، إذًا هذا نفيٌ وإثبات، ﴿بَرَاءٌ مِمَا تَعْبُدُونَ﴾ نفيٌ، ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ إثبات.
الثاني: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مما .... ﴾ تعتقدون أو تعرفون أو تعبدون؟
نقول: هنا تفسير (لا إله إلا الله)؛ لأن الله يقول: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً﴾ ما هي الكلمة الباقية في ذريته؟
قال ابن عباس وجماعة من أهل التفسير: هي كلمة (لا إله إلا الله) باقية في ذريته إلى يوم القيامة، ولا يزال في ذريته من يقولها حتى جاء النبي ﷺ وجدَّد الدين، ودعا إلى الله -عز وجل- وجدَّد التوحيد، ودعا إلى الله، ودعا إلى الإسلام، وهذا أصل الإسلام.
إذًا، (لا إله إلا الله) معناها براء ممَّا تعبدون إلا الذي فطرني، وكلمة تعبدون في قوله: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَا تَعْبُدُونَ﴾ نركز عليها؛ لأنها معنى قولك: (لا إله إلا الله)، أي: لا معبود حق إلا الله.
إذًا نحن استعملنا اللفظ القرآني، ولَمَّا يقول قائل: لِمَ تقولون: إن (لا إله إلا الله) تعني: لا معبود حق إلا الله؟ نقول: هذا من القرآن من قوله: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَا تَعْبُدُونَ﴾ ولم يقل: مما تعرفون أو تعتقدون، ما الفرق بينهم؟
الاعتقاد مع جانب الربوبية ومعرفة الأسماء إجمالاً، وهذا لا يكفي حتى تدخل العبادة، تكون عبادتك أنت لله وحده، ولا تصرف منها شيء لغير الله؛ إذًا فسرنا التوحيد من الآية الكريمة.
{أحسن الله إليكم.
وقَوْلُهُ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُم وَرُهْبَاَنَهُم أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الآية}
وهذا فيه أنَّ التوحيد يقتضي طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، وعدم تعظيم الأحبار والرهبان حتى تصرف لهم العبادة، فإنَّ هذا من الشرك.
وكيف تكون عبادتهم؟ قال النبي ﷺ لعدي: «أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه» قال: بلى، قال: «فتلك عبادته» وهذا يبين لك معنى التوحيد، ويفسر لك التوحيد، وأنك لا تحلل أو تحرم بناء على أقوال أناس مخالفين لكلام الله وكلام رسوله ﷺ.
{أحسن الله إليكم.
قال: (وقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ﴾ )}.
هذه الآية الكريمة تبين أنَّ من أعظم تفسير التوحيد هذه المحبة، وهي حب العبادة، وأنَّ الكفار لم يكونوا يجهلون الخالق أو لا يعرفونه، بل كانوا يحبونه، ﴿يُحِبُّونَهُم﴾ يعني: يحبون الأنداد، مثل: محبة الله، يعني: لو قلت لك يا شيخ ريان الآن -حفظك الله- رجل يحب صنمًا، ولا يعرف الله عز وجل، هذا نوع من الكفار، لكن الذين ذكرهم الله -عز وجل- في القرآن هنا قال: ﴿أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ﴾ يعني: هم يحبون الله ويحبون الأنداد، إذًا هذا يُبين لك أنَّ معرفتهم لله لم تنفعهم، وهذا فيه تفسير للتوحيد وأنه صرف العبادة للأنداد مثل: الأولياء أو الصالحين أو يعظمونهم ويقدسونهم، يعلم الغيب، ويتصرف في الكون أو يسمع الدعاء في صرف لها المحبة، محبة العبادة نعم.
{قال رحمه الله تعالى: (وفي الصحيح: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أَنَّهُ قال: «مَنْ قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»).
قال رحمه الله: (وَشَرْحُ هَذِهِ التَّرْجُمَةِ مَا بَعْدَها مِنَ الْأَبْوابِ)}.
ختم الشيخ -رحمه الله- هذا الباب (باب تفسير التوحيد) بهذا الحديث الذي يُفسر التوحيد تفسيرًا واضحًا جدًا، حديث طارق الأشجعي أنَّ النبي ﷺ قال: «مَنْ قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، هنا لم يكتف باللفظ، بل قال: «وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ» وهذا يدعونا إلى أننا نقف مع فضائل (لا إله إلا الله) التي وردت في أحاديث كثيرة، ويُضَمُّ بعضها إلى بعض، ويعرف المقصود لَمَّا تجمع الأحاديث وتجمع النصوص، وهذه طريقة الراسخين من أهل العلم، وليست الطريقة هي أنك تأخذ نصًا وتهمل البقية، فهذا الحديث يبين أنه من مقتضى (لا إله إلا الله) الكفر بما يعبد من دون الله عز وجل.
إذًا لا يدخل الجنة ويكون ناجيًا من النار إلا إذا حقق هذا القيد العظيم.
من الذي ذكر هذا القيد؟
الرسول ﷺ هو الذي ذكر هذا القيد، قال: «وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ»، وقولك: (لا إله) في الحقيقة يتضمن ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ تتضمن الكفر بما يعبد من دون الله، لكن هنا يعتبر عند العلماء هذا من ذكر الخاص بعد العام للتأكيد والتنبيه، مثل قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ امنوا يقتضي العمل، والإيمان فيه عمل، ولكنه ذكر لأهميته وللتنبيه عليه، فالنبي ﷺ بَيَّنَ وجوب الكفر بكل ما يعبد من دون الله عز وجل، وهذا يبين لك بيانًا واضحًا شافيًا معنى التوحيد، وانه يقتضي الكفر بما يعبد من دون الله.
«حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ» صار معصوم المال ومعصوم الدم، له حكم المسلمين، «وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» هذا فيه التنبيه على الصدق مع الله؛ لأنَّ بعض الناس يدخل في الإسلام نفاقًا، يظهر هذا الشيء نفاقًا، وفي الباطن هو على الشرك وعلى الكفر، نعوذ بالله.
لكن ما ينجو عند الله ويكون من أهل السعادة الدائمة في الجنة إلا من صدق مع الله في الظاهر وفي الباطن.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من السعداء، وبهذا نصل إلى ختام هذا الباب، ونسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم حُسن التحقيق للتوحيد، وحُسن العمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{أحسن الله إليكم شيخنا، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خيرًا.
وأنتم أيضًا أيُّها المشاهدون والمشاهدات جزاكم الله عنا خيرًا، وتقبل الله منا ومنكم، وإلى لقاء قريب في الدرس القادم بإذن الله وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك