الدرس السادس

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

6603 11
الدرس السادس

كتاب التوحيد (2)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى.
ضيف هذا الدرس هو فضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.}
حيَّاكم الله وبارك فيكم.

{قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(باب ما جاء في قول الله -تبارك وتعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ [فصلت:50])}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الواجب على من أنعم الله عليه بنعمةٍ أن يشكر الله عليها، وأن يعترف بفضل الله عليه، وأمَّا من ينسب النِّعمة إلى استحقاقه، وأنه مستحقٌّ لها، وأنها واجبةٌ له على الله -سبحانه وتعالى، فهذه مقولةٌ شنيعةٌ، وجحودٌ لنعمة الله، وقد جاء في هذا الباب ما يُفسر هذه الآية الكريمة؛ فلنستمع إليه.


{(قالَ مُجاهِدٌ: هذا بِعَمَلي وأَنا مَحْقوقٌ بهِ)}
قال مجاهد بن جبر -وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهما، ومن أئمة التفسير- في معنى هذه الآية: ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ ، أي: أنا مستحقٌّ لهذا، وأنا جديرٌ به، ولا يعترف أنه من فضل الله عليه، هذا جحودٌ لنعمة الله، واغترارٌ بالشخص بنفسه، ولا يجوز هذا.

{(وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: (يريدُ من عِنْدي))}
وقال ابن عباس ترجمان القرآن -رضي الله تعالى عنهما: يريد من عندي وليس من عند الله -عزَّ وجلَّ، هذا الفضل أنا الذي حصّلته، وأنا الذي تعبت فيه، وليس هو فضل مِن الله عليّ، وهذا أيضًا جحودٌ بفضل الله عليه.

{قال: (وقوله: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ قالَ قَتادةُ: (على عِلْمٍ مِنّي بِوجُوهِ المكاسِبِ))}
وهذا وجهٌ آخر من وجوه تفسير هذه الآية، ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ ، أي: حصلته بخبرتي ومعرفتي بوجوه المكاسب، وهذا جحودٌ لنعمة الله، واغترارٌ بمجهود الشخص، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

{(وقالَ آخَرونَ: (عَلى عِلْمٍ مِنَ اللهِ أنّي لَهُ أهْلٌ))}
قال آخرون من المفسرين: على علمٍ عندي، أي: على علمٍ من الله أني أهلٌ لهذا الفضل، فهو يزكي نفسه، وينسب هذا إلى مكانته عند الله عزَّ وجلَّ، وليس في هذا شكرٌ لله، وإنما هو إعجابٌ بالنفس، وتقوُّلٌ على الله بغير علمٍ، وهذه المقالة قالها قارون حينما خرج على قومه في زينته، ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ﴾ [القصص:79-80].

{(هَذا مَعنى قوْلِ مُجاهِدٍ: (أُوتِيتُهُ علَى شَرَف))}
وهذا معنى قول مجاهد السَّابق: على شرفٍ، أي: على أهليةٍ فيَّ لهذا الشيء.

{(وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا فَقَالَ أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ» شك إسحاق «فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَ»)}
ثلاثةٌ من بني إسرائيل، الرسول يحدث عن الماضيين لما في ذلك من العبرة والتحذير مما أصابهم بسبب ما صنعوا، يحذرنا صلى الله عليه وسلم مما حصل لبني إسرائيل، ويحذرنا كذلك من أفعالهم وصفاتهم.
حدّث عن هؤلاء الثلاثة أبرص، وهو الذي ذهب لون جلده، وصار أبرص بالبياض الذي من آثار المرض، وأعمى ذاهب البصر، وأقرع وهو الذي لم ينبت على رأسه شعرٌ.
هذه آفاتٌ في بني إسرائيل، وقد امتحنهم الله وابتلاهم، فمنهم من اعترف بنعمة الله، ومنهم من جحدها.

{قال: «وَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَ».
قال: «وَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ».
ثم قال: «ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ».
ثم قال: «وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ».
قال: «وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي؛ فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ.
فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ»
، أخرجاه)}.
نعم، هذا حديثٌ عظيمٌ، قَصَّ فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- خبر هؤلاء من بني إسرائيل، أبرص، وأقرع، وأعمى، وما هم فيه من الفقر والفاقة.
أرسل الله إليهم مَلكًا من الملائكة، فأتى عليهم، واحدًا واحدًا، وقد أنزل الله مع هذا الملك البركة عليهم، وأعطاهم المال، وأذهب عنهم العاهات التي كانت بهم.
فأما الأعمى قد اعترف بنعمة الله عليه، وبذل المال الذي سأله الملك، فقال: "خذ ما شئتَ، ودعْ ما شئتَ".
وأما الأقرع الأبرص، فكل منهما رد هذا الملك، الذي جاء في صورة إنسانٍ، رده ولم يعطه شيئًا من المال، ونسب المال إلى آبائه، وأنه ورثه كابرًا عن كابرٍ، فهذا المال ميراثٌ من آبائه، ليس من الله -سبحانه وتعالى، والآخر يقول: إنما أوتيته كابرًا عن كابرٍ، فهذا المال ميراثٌ من آبائه، وجحد نعمة الله -عزَّ وجلَّ؛ فغضب الله عليهما، ورضي عن الأعمى، الذي اعترف بنعمة الله.
فهذا فيه الاعتراف بنعمة الله -عزَّ وجلَّ، وشُكْر الله على النعم، وأن يعترف الإنسان أنه لم يحصل على هذه الأموال، أو هذا المال الكثير أو القليل، لم يحصل عليه بكدِّه وكسبه، وإنما بنعمة الله وتيسير الله -عزَّ وجلَّ، وإنما الكد والكسب سببٌ، قد ينفع الله به، وقد لا ينفع به.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (في هذا الباب مسائل عظيمةٌ:
أولاها: ما معنى: ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ [فصلت:50])
؟}.
هذا لي، أي: أنا استحقه على الله -عزَّ وجلَّ، ليس لله فضلٌ فيه.

{( الثّانيةُ: ما مَعْنى قولِه: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص: 78])؟}.
على علمٍ عندي، يعني بمعرفتي، وخبرتي بالمكاسب، وليس من فضل الله علي.

{(الثّالِثَةُ: ما في هَذِهِ القِصّةِ العجيبة مِنَ العِبَرِ العَظيمةِ)}.
العبر العظيمة كثيرةٌ في هذه القصة، وهي حاصلها وَمُحَصَّلُهَا أنْ مَن أنعم الله عليه بنعمةٍ، فعليه أن يعترف بفضل الله عليه، وأنها فضلٌ من الله، ليست بكده، ولا بكسبه، وأن يبذل منها في سبيل الله -عزَّ وجلَّ- ويتصدق على المحتاجين، ويُخرج ما يجب فيها من حق الله فيها، وهذا هو الواجب، على كل من آتاه الله مالًا.

{فضيلة الشيخ، بعض الناس أعطاه الله، وأمده بالنعم الكثيرة، ولكنه قليل الشكر}.
نعم، هذا دليلٌ على ضعف الإيمان، وعلى الغرور بالنفس.
الإنسان ضعيفٌ، فقيرٌ إلى الله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15].
فالواجب على من أعطاه الله نعمةً، أن يشكر الله عليها، والشكر له ثلاثة أركانٍ:
الاعتراف أنها من الله -سبحانه وتعالى، التحدث بها باللسان ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، يتحدث بها بلسانه، ويعترف بها بقلبه، وينفقها في طاعة الله ورضوانه، هذه أركان الشكر.
فمن نقص منها واحدًا، فإنه لم يشكر الله -عزَّ وجلَّ- على نعمته.

{أخيرًا يا شيخ، ماذا نستفيد من هذه القصص التي نزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأخبر بها؟}.
نستفيد منها الفوائد العظيمة، الاعتبار والاتعاظ، والاعتراف بنعمة الله -عزَّ وجلَّ، والتصدق منها، والإنفاق منها في سبيل الله -عزَّ وجلَّ.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ صالح، على ما بيَّنتم وأفضتم في هذه الدروس، والتي يتابعها كثيرٌ من الإخوة والأخوات في إذاعة القرآن الكريم، جزاكم الله عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء، على ما بينتم وشرحتم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك