الدرس الثاني عشر

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

3175 12
الدرس الثاني عشر

العقيدة الطحاوية (2)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رَسولِ اللهِ، وعلى آله وأصحابِهِ وَمَن اهتدى بِهُدَاه، أَمَّا بَعدُ:
حَيَّاكُمُ اللهُ أيُّها الإخوة الكرام فِي هَذَا الدَّرسِ مِن دُرُوسِ العَقِيدَة الطحاوية، ونسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يُفقهنا وإِيَّاكم في الدِّينِ، وأن يُثَبتْنَا على طريقة أهل السنة والجماعة.
نبدأ في القراءة مُتوكلين على الله -سبحانه وتعالى.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اللهمَّ اغفر لَنا وَلِشَيخِنَا وللحاضرين والمُشَاهِدين.
قال المصنف -رحمه الله وإيانا: (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلًا.
وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ عَنْ: رَبِّهِ، وَدِينِهِ، وَنَبِيِّهِ، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ)
}.
يقول -رحمه الله: (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ)، هذا معطوف على الجملة السَّابقة (وَنُؤمِنُ بِمَلَكِ المَوتِ)، أي: نؤمن بعذاب القبر.
قال: (لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلًا. وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ عَنْ: رَبِّهِ، وَدِينِهِ، وَنَبِيِّهِ).
الإيمان بعذاب القَبرِ وَنَعِيمِه هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، الإيمان بالفتنة التي تكون في القبر -وهي الاختبار- وبعدها إِمَّا نَعيمٌ وَإِمَّا عَذابٌ إلى قيام الساعة، فهذا مِن عَقِيدة أَهلِ السُّنَّة والجماعة، دلَّ على هذا الأمر القُرآن وَسُنَّة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وأجمع على هذا أهل السنة والجماعة.
أمَّا القُرآن العَظيم فقد دَلَّ على وُقُوع عذابِ القَبر في مواضع كثيرة مِن كِتابِ اللهِ، مِنهَا قول الله -جلَّ وعَلا- عن فروعون وقومه: ﴿سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر:46].
إذن النَّار يُعرضون عليها غُدوًّا وَعَشيًّا هذا قبل قيام الساعة. كيف هذا؟
الله أعلم، لا يجوز أن ندخل مُتوهمين بآرائنا، ولا مُتخرصين بأهوائنا، فهذه أمور غيبية، فخبر ربنا حقٌّ لا ريب فيه ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ .
وفي سورة الطور قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الطور:47].
قال بعض العلماء: إنَّه القتل في الدنيا.
وقال بعضهم: إنَّ المراد به عذاب البرزخ.
وَمِن الأَدَلةِ على عَذابِ القَبرِ مِن القُرآنِ الكريمِ مَا قَصَّه اللهُ على قَوم نوحٍ، فقال:  ﴿مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارً﴾ [نوح:25]، فهذا دليل على أنهم مُباشرة بعد الغرق أُدخلوا النَّار، فالفاء تدل على التعقيب بسرعة، وهذا يدل على ثُبوتِ عذاب القبر لهؤلاء.
وأيضًا في سورة إبراهيم قال الله -جلَّ وعَلا:  ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم:27]، فالتثبيت هذا في الدنيا بأن يثبته على الإسلام حتى يموت، وفي الآخرة في القبر عندما يُسأل: مَن ربُّه؟ وما دينه؟ ومَن نبيُّه؟.
وفي سورة الرعد قال تعالى: ﴿لهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾ [الرعد:34].
قال بعض العلماء: المقصود بقوله: ﴿لهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَ﴾ هذا يكون في القبر إذا ماتوا.
وبعضهم قال: هو بالعقوبة والقتل إذا قام الجهاد في الدنيا، ومنه قوله تعالى: ﴿سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة:101].
المرة الأولى: إذا قام الجهاد، لما كان في غزوة بدر وغيرها، فيعذبون بالقتل والأسر.
والمرة الثانية: عذاب القبر.
﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ أي: عذاب جهنم.
فهذه مواضع مِن القُرآن، وهناك مَواضِع أُخرى دَلَّت على أنَّ هناك عذاب يكون في القبر.
وإذا ثبت أنَّ هُناك عذاب للكفار في القبر، فيدل ذلك بمفهوم المخالفة على أنَّ المؤمنين يُنعَّمون في قبورهم إذا ماتوا.
أَمَّا مِن السُّنة فقد جاءت أحاديث كثيرة جدًّا عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وفي السنن وفي المسانيد عن عدد كبير من أصحاب النَّبي -صلى الله عليه وسلم.
ففي الحديث: قال -صلى الله عليه وسلم: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ»[185].
وفي صحيح البخاري ومسلم: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».
وفي الصحيح أيضًا قال  -صلى الله عليه وسلم: «يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَ»[186].
وفي مسند الإمام أحمد وغيره بسند صحيح ثابت من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- وهو حديث مشهور، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقعد وقعدنا حول كأن على رؤوسنا الطير، وهو يُلحد له، فقال: «اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ؛ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ -عَلَيْهِ السَّلام- حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٍ».
قَالَ: «فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ».
قَالَ: «فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلا يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا- عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟! فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ؛ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ؛ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ؛ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى».
قَالَ: «فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِه، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلامُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ».
قَالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ».
قَالَ: «وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ!. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ؛ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي».
غاية الفرح، وغاية السرور في نعيم القبر.
قَالَ: «وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمْ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللهِ وَغَضَبٍ».
قَالَ: «فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟! فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ؛ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف:40]. فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى. فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج:31] فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ؛ فَأَفْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ. فَيَقُول:ُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ! فَيَقُولُ: رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ»[187].
عَرَفَ أنَّ العذاب في الآخرة أشد من العذاب الذي لقيه في هذا القبر، ونسأل الله أن يحسن لنا الخاتمة، وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا المسلمين ممَّن يثنعَّم في قبره ولا يُعذَّب.
وممَّا جاء أيضًا في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ»، وفي رواية أخرى «بَلَى إِنَّه كَبِير»، يعني: ذنب كبير، ولكن ليس بكبير تركه، تساهلوا حتى استحقوا تلك العقوبة، قال: «أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ»، وفي رواية «لا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ».
قال: «وَأَمَّا الْآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَ» رواه البخاري ومسلم.
فعَدَّ النَّميمة والتَّنَزُّه مِنَ البَولِ مِن كَبَائِرِ الذُّنُوب، وأنها موجبة لعذابِ القبرِ، وَأَنَّه من السَّهل على الإنسان ترك هذا الشيء، قال: «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ»، يعني: سهل أن يتنظَّف الإنسان ويستنجي بالماء أو بالأحجار.
وكذلك مِنَ السَّهل أن يترك النميمية، ولكن -نسأل الله العافية والسلامة- تساهلوا حتى استحقوا هذه العقوبة.
لكن لا يُشرع أَن نَشُقَّ جريدة ونضعها في القبور، أو أن نضع وَردًا؛ بل هذا من الابتداع في الدين، وما فعله النَّبي -صلى الله عليه وسلم- هذا خاص به، فقال: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَ»، فهذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يُقاس عليه غيره،  وهو يُوحى إليه  -صلى الله عليه وسلم.
فلا يُشرع لأحدٍ أن يضع مثل ذلك عند القبور:
أولًا: لأنه لا يعلم هل يعذَّب أو يُنعَّم.
ثانيًا: لأنه  -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك في جميع القبور.
ثالثًا: الصحابة لم يفعلوا ذلك مع قبور المسلمين.
ولهذا فإنَّ مَن وضع هذا الشيء كالورد أو إكليل زهور؛ فهذه من عادات النَّصارى، ولا يجوز تقليدهم، وأمَّا النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو يُوحى إليه -صلوات الله وسلامه عليه.
فالأخبار عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في عذاب القبر ونعيمه تواترت.
قال المصنف: (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلً)، يعني: يُعذَّب مَن كان مُستحق للعذاب، ولا يظلم ربك أحدًا.
والنَّعيم لمَن كان له أهلًا، فهناك مَن يُنعَّم، وهناك مَن يُعذَّب، فمَن يُنعَّم فبفضل من الله -جلَّ وعَلا- ثم بأعماله التي وفقه الله لها، فهو أهل لذلك.
وكذلك يُعذَّب مَن كان أهلًا للعذاب، يعني: مستحقٌ للعذاب.
فعذاب القبر ونعيمه من عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي مبنية على الآيات القرآنية، وعلى الأحاديث النبوية.
وأمَّا المعتزلة العقلانيون فإنهم يُنكرون هذا بالتَّأويلات والتحريفات.
ولهذا نقول: مَن أنكر عذاب القبر ونعيمه فهو كافرٌ إن كذَّب خبر الله وخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا من الجحد والتَّكذيب، فالجحد للشريعة كفر مخرج من الملة.
أمَّا مَن سَلَكَ سبيل التَّأويلِ والتَّحريفِ للنصوص فأنكر عذاب القبر من باب تحريف النصوص، ويقول: النصوص لا تدل عليه؛ فهذا مُبتدعٌ ضالٌّ عَن سَواءِ السَّبيلِ، وهذا دليلٌ على انحرافه وضلاله.
وهذه الأمور ليس مَرَدُّها العقل، هذه أمور غيب، فالجنَّةُ والنَّارُ غيبٌ، وكذلك العذاب في البرزخ غيبٌ، ومن صفات المؤمنين: أنهم يؤمنون بالغيب، فما دام أنَّ الله أخبرنا بهذا، وأخبرنا رسوله -صلى الله عليه وسلم- فنحن نُؤمِنُ بذلك وإن لم نشهد ذلك بأعييننا.
قد يقول قائل: قد يأتي السَّيل ويُخرج بعض أطراف الموتى مِن قُبُورِهم وَنَرَى عِظَامَهم. هل معنى هذا أنه ليس هناك عذاب؟
نقول: لا، العذاب  أو النَّعيم مَخفِيٌ عَن العِبادِ، قَد أَخفَاهُ الله عنَّا.
وفي الصحيح قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِى أَسْمَعُ مِنْهُ»[188].
معنى الحديث: لو كان شخص واحد في المقبرة الكبيرة يُعذَّب في قبره ونحن نسمعه وهو يُعذَّب لهربنا أشد الهرب، ولم نستطع أن نَدفن ميِّتًا.
«لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِى أَسْمَعُ مِنْهُ»، فهذا من حِكمة الله -عزَّ وجلَّ- أن يتدافن الناس، وإلا لَما استطاعوا أن يدفنوا.
أيضًا من الحكم: أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يستر على العاصي، حتى وإن عُذِّب في قبره فهو مُستتر، ولو كان يُعذَّب وأهله يعلمون لكان هذا مِن أَشَدِّ الخزي عليهم.
وأيضًا فإنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يَبْتَلي العباد بأمور أخفاها عنهم، هل يصدقون أم يكذبون؟
ونحن لم نبنِ عذاب القبر أو نعيمه على خرافة، ولم نبنِ عذاب القبر ونعيمه على رؤيا، ولا نبنِ عذاب القبر ونعيمه على تخرُّصٍ، لا؛ فنحن على حقٍّ ووحي كلام رب العالمين، قال تعالى: ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ ، وقد سمعتم الأحاديث التي تقدمت قبل قليل، أحاديث ثابتة مُتواترة، ثم إنَّ الصَّحابةَ قد قبلوا كل ذلك آمنوا به، فنترك هذا ونتبع داعية ضلالة؟!
داعية فاسد، داعية خبيث، داعية إلى الشرك، داعية إلى إنكار ما جاء في الكتاب والسنة؟!
هذا نقول له: تبًّا له!
نحن لا نترك ما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- لتخرصات هؤلاء، ثم إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- على كل شيء قدير، فالله -عزَّ وجلَّ- يصل للعبد وإن تفرقت أجزاؤه ، وإن أكلته السِّباع، أو أكلته الأسماك في البحر، فإنَّ الله على كل شيء قدير، يوصل إليه من العذاب ومن النعيم ما يستحقه، والله على كل شيء قدير.
وتعرفون قصة الرجل الذي قال لأولاده: "إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا من العالمين"[189].
فَلَمَّا فَعَلوا بِهِ ذَلكَ، قال الله -عزَّ وجلَّ- لأجزائه: كن؛ فكان"، واجتمع كله، قال تعالى:  ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117]، فالله خلق السماوات والأرض من عدم، وخلقنا وخلق كل شيء، أيعجز عن إعادتنا؟
لا يعجز -سبحانه وتعالى.
فكيف نعترض عليه ونقول: لا يقع عذاب ولا يقع نعيم!
ثم انظر إلى الإنسان في الدنيا الآن وهو حي ليس بميِّت، ينام الرجل، وينام بجانبه امرأته أو ولده أو أحد إخوانه، ثم يقوم مَذعورًا يبكي من أمور رآها، وبعضهم يقوم يصيح ويصرخ من أشياء رآها. وهذا أمامنا الآن، ولكن روحه أراها الله أشياء جعلته يفزع أو يبكي، أو يجوع، أو يركض؛ فهذا آية من آيات الله -عزَّ وجلَّ- لا نراها، والنوم موتة صغرى.
والله -عزَّ وجلَّ- في هذه الدنيا أرانا أشياءً لو قلناها للمتقدمين ما صدقونا، فكيف ننكر أمورًا أخبرنا الله عنها في كتابه.
هذا الآن رجل في شرق الأرض يُكَلِّمُ الرجلَ في غَربِ الأرض ويرى وجهه ويسمع صوته، ويتحدثان كأنهما بجوار بعضهما، بينهما الصحاري والبحار والأنهار والمسافات الهائلة؛ وهو يراه أمامه ويتكلم معه، فالله على كل شيء قدير، فإذا قَدِرَ العبادُ على أشياءٍ يسيرةٍ، فما عند الله أعظم، والله على كل شيء قدير، فكيف ندخل بعقولنا نرد أخبار الله وأخبار رسوله -صلى الله عليه وسلم.
ثم اعلم أنَّ الدُّور ثلاثة:
- دار الدنيا: هي الحياة الدنيا.
- دار البرزخ: وهي مؤقتة.
- والدار الآخرة: وهي دار المقام.
فدار الدنيا: تكون الأحكام فيها مُتعلقة بالجسدِ والروح تبع.
والبرزخ: تكون الأحكام من عقوبة ونعيم متعلقة بالروح والجسد تبع.
وفي الآخرة: يكون تمام الأمر للروح وللجسد سواء، فيصل إليهما من النعيم أو من العذاب ما يستحقه العبد.
فنسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يجعلنا وإيَّاكم ممَّن يثنعَّم في قبره، ونسأل الله أن يعيذنا من عذاب القبر.
فمن الضلالات العظيمة إنكار عذاب القبر أو تحريفه كما صنع المبتدعة.
وكذلك لا يجوز تصديق الخرافات، ولا المبالغات، فبعض الناس يفتري الكذب على الأموات، أو يُسيء الظَّن، ومن الأغلاط التي تقع عند بعض المغسلين للموتى: أنه يقول: اسودَّ وجهه، أو ابيضَّ وجهه عند الموت، أو بعد الموت، ويجعل هذا دليلٌ على العقوبة أو النعيم. وهذا غير صحيح؛ لأن هذه أمور غيبية.
فقد يبيض وجه الإنسان إذا كان مرتاحًا حتى ولو كان كافرًا، وقد يسود وجهه وهو مؤمن تقي لانقباض الدم، فينقبض الدم فيسود الوجه، وليس هذا دليلٌ على سُوء الخاتمة.
فهذا من الأغلاط التي تنتشر -مع الأسف- عند بعض الناس، يقول: لمَّا مات ابيضَّ وجهه. وآخر يقول: لمَّا مات اسودَّ وجهه -نسأل الله العافية.
لا، هذه أشياء ما يُستدل بها لا على نعيم ولا على عذاب، وما يُستدلُّ به هو العمل الصالح، مثل: لو قال: "لا إله إلا الله" ثم مات، أو مات وهو على عمل صالح، أو مات وهو مسلم على التقوى وعلى الطاعة، فهذا على خير -إن شاء الله.
هذا ما يتعلق بشرح هذه الجملة: (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلً)، يعني: نؤمن بعذاب القبر.
قال: (وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ عَنْ: رَبِّهِ، وَدِينِهِ، وَنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم)
هذا أيضًا ممَّا نؤمن به، أنَّه يأتي مَلكان فيسألان العبد عن رَبِّه، وَعَن دِينِه، وَعَن نَبيه، وقد سمعتم حديث البراء بن عازب، وقد جاء أيضًا في الصحيح مثله في السؤال هذا.
وتسمى "فتنة القبر" يعني: اختبار، وهذا المشار إليه في قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم:27]، فجاء في السنة تفسير قوله: ﴿وَفِي الْآخِرَةِ﴾ أنَّه عندما يوضع في قبره، يأتيه ملكان فيقعدانه، ويقولان له: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
قال: (عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ)، هذا في الصحيحين، لكن تسمية الملكين بـ "منكر ونكير" لم ترد في الصحيحين.
الذي في صحيح البخاري حديث أنس بن مالك: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ».
انتبه! هذا ليس سماعًا مُطلقًا، ولكنَّ الله يُسمِعَهُ قَرعَ النِّعالِ؛ ليبين له انقطاعه عن الأهل وانقطاعه عن الدنيا، وإلا فمعلوم أنَّ الإنسان إذا دُفنَ في اللحد يُوضع فوقه اللَّبِن، ويغلق اللَّبِن بالطين، ثم يوضع فوق الطين واللَّبِن التراب الكثير مسافة متر ونصف -أو نحو ذلك- ثم يوضع فوق ذلك الحصباء -الحجارة الصغيرة- حتى تمسك التراب ولا يتفرق، فَقَدْ فَقَدَ الشُّعور هنا وذهب إلى الدار الآخرة، فلو جلسنا نتكلم فلن يسمعنا، لكنَّ الله -عزَّ وجلَّ- من آياته البينات الباهرات يُسمعه قرع نعالِ أهله إذا فارقوه.
وكذلك يُسمعه السَّلام إذا سلَّم المسَلِّم عليه، وهذا ورد في السنَّة.
وكذلك قتلى بدر مِنَ الكُفار، ناداهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم في القليب، فقالوا: يا رسول الله، كيف تنادي أقوامًا إنما هم جيف قد أنتنت؟!
فقال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ».
فالله -عزَّ وجلَّ- أسمعهم آية من آياته.
نرجع للحديث، قال: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ»، ما قال: "منكر ونكير".
قال: «أَتَاهُ مَلَكَانِ  فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعً».
لكن الذي جاء فيه ذكر "منكر ونكير" حديث في سنن الترمذي، وبعض العلماء يقول: إنه حسن، والحسن من درجات الحديث الصحيح الثابت، ففي الحديث: «إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ»[190]، والأمر في هذا سهل، ما دام أنه ورد في الترمذي فلا حرج في تسميتهما بمنكر ونكير؛ لأن الحديث الحسن -كما تقدم- يعتبر من الحديث الصحيح.
فهذا سؤال منكر ونكير، فنحن نؤمن بعذاب القبر ونعيمه، ونؤمن بفتنة القبر -وهي السؤال والاختبار- وهي آخر فتنة تعرض للمؤمن، ولهذا أنت تقول: اللهم ثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ويُشرع للمسلمين إذا قبروا الميت أن ينتظروا قليلًا بعد الدفن، فيقولون: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ثبته على القول الثابت"، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من دفن الميت قال: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ»[191]، ولكن أنت لا تقول "إنه الآن يُسأل"، لأنك ما تدري، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يُوحى إليه، فأنت لا تدري أهو يُسأل الآن أم بعد قليل، الله أعلم، فتقول مثلما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ»، فتقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبته".
والقيام على القبر سنَّة، قال تعالى:  ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة:84]، فهذا للمنافقين، أمَّا المؤمنون فنصلي عليهم إذا ماتوا، ونقوم على قبورهم.
أيشٍ نسوِّي إذا قمنا على قبورهم؟
ندعوا لهم، ونسأل الله أن يثبتهم.
وبهذا نعرف أنَّ التَّلقين بدعة، فتلقين الميت بدعة وليس سُنَّة، فبعض الناس يأتي عند القبر بعد الدفن ويقول: يا فلان -ويناديه باسمه- سيأتيك ملكان ويقولان لك: كذا، فقل لهم: كذا!!
هو الآن لا يسمعك، وكونه يسمع قرع النِّعال فهذا آية من آيات الله حتى يُبيِّن له انقطاعه عن الدُّنيا، أمَّا أنَّه يسمع كل شيءٍ فلا ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ﴾ [الروم:52]  ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر:22]، فهؤلاء رأوا أهوالًا عظيمة فلا يسمعونك!
ولو كان التَّلقين سُنَّة لفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعلها الصحابة، ولكن لم يرد هذا، وما نُقل في هذا المقام فهو ضعيف غير ثابت.
قال: (عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
إيماننا بعذاب القبر وبنعيم القبر وفتنة القبر نعتمد فيه على ما جاءت به الأخبار، يعني: الأحاديث والنُّصوص الشَّرعيَّة، وليس على الآراء أو الرُّؤى والمنامات، وليس على الأهواء، وليس تخرصًا، وليس ظنًّا، وليس قياسًا عقليًّا؛ لا، هذه أمور غيبيَّة، قال: (عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
انتبه لهذا النَّص في المتن، واقرأه مرة بعد مرة، (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلًا.
وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ عَنْ: رَبِّهِ، وَدِينِهِ، وَنَبِيِّهِ، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ)
.
هذه طريقة أهل السنة والجماعة، فهم لا يؤمنون بهذه الأشياء بناءً على استدلالاتٍ عقليَّةٍ، ولا بتوهُّماتٍ، ولا أقوالٍ، ولا كقولهم: حدثني فلان عن جدته عن خالته...!
ولهذا فإنَّ بعض الضُّلال من المتصوفة يقولون: إنَّ فلانًا جئناه في قبره فمدَّ إلينا يده وسلَّم علينا!
هذا كذب، حتى لو تحدث به الكثير من هؤلاء، فإن هذه الخرافات لا تُقبل من أقاويل الناس، فلان، علان...، وأخبار الولي الفلاني...!
لا، عندنا ميزان قسطٍ، وهو ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة -رضي الله عنهم.
قال: (وَالْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ).
نسأل الله العافية والسلامة.
هذه آخر جملة في هذه الدروس المباركة، نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يتقبل منَّا ومنكم، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يجعل قبورنا وقبور والدينا ووالديهم روضة من رياض الجنة، وألا يجعلها حفرة من حفر النيران.
ثبت في السنن أنَّ القَبرَ إِمَّا أن يكون روضة من رياض الجنة، وأنه يُفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، وكذلك يُفسح له في قبره مدَّ البصر، فيصير المكان فسيحًا بالنسبة له، مع أنه مكان ضيق؛ لأنَّ هذه الأمور متعلقة بالأرواح -كما تقدم- لأنها دار برزخ.
دارُ البرزخ ليست دارًا مستمرَّة، إنما هي محلُّ انتقالٍ، ولهذا قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر:1]، يعني: موتكم وبقاؤكم فيها مثل: الزيارة، وبعدها تنتقلون للدار الآخرة إذا قامت القيامة الكبرى.
فالروضة من رياض الجنة قبر المؤمن، يُفسح له سبعون ذراعًا، ويُفتح له باب إلى الجنة.
وفي المقابل: الكافر والمنافق والفاجر يكون حفرة من حفر النيران، ويُفتح له بابٌ إلى النَّار يأتيه من سمومها وحميمها -نسأل الله العافية والسلامة.
وكما تقدَّم أن هذه أمور غيبية، لا ندخل فيها بآرائنا ولا بعقولنا.
لو قال واحد من العقلانيين: هذا الشيء ما رأيناه!
نقول: حتى لو لم تره فإنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أخبرنا عنه، وما أخبرنا الله عنه فهو حق وصدق ويقع.
ما هو أصل الإيمان؟
أصل الإيمان: هو قبول ما جاء عن الله، والتصديق بما أخبر الله -عزَّ وجلَّ- به.
فإذا أنت اعترضت على الله خرجت من الإسلام والإيمان ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:36]، إذا قضى الله شيئًا أو أخبرك بشيءٍ تقول: آمنا وصدقنا، وسمعنا وأطعنا.
قال تعالى:  ﴿الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [البقرة:1-2]، فما غيَّبه الله عنَّا وأخفاه يجب أن نؤمن به، أمَّا أن ندخل بعقولنا؛ فالقعول ليس له مدخل في الدار الآخرة، كيف تتكلم في شيء أخفاه الله عنك؟!
إنما أنت تتكلم بعقلك فيما تحسنه بالتجربة أو الاستقراء في أمور الدنيا فقط، أمَّا أمور الاخرة فلا مدخل للعقل فيها، فلهذا يجب علينا أن نحذر من منهج العقلانيين الذين يردون كلام الله أو يحرفونه، أو يردون كلام الرسول  -صلى الله عليه وسلم- أو يحرفونه، وما معهم  إلا التَّخرُّصات وادِّعاء أنَّهم أهل عقول.
والعقل الصحيح يدعوك لأن تسلِّم للخالق -جل جلاله- وهذا كتابه الحق المبين، وهذا رسوله محمد الأمين -صلى الله عليه وسلم-  ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النازعات:40]، وهؤلاء أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقيَّة العشرة؛ فهم الذين نقلوا هذه الأخبار، وهذه كتب الحديث الثابتة الصحيحة.
أمَّا هذا العقلاني مَن معه؟ ومَن فرقه؟ ومَن شيوخه؟
شيوخه الزَّنادقة وأهل البدع والضلالات، فهؤلاء أحقر وأزل من أن يعارضوا القرآن ويعارضوا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفهامهم مغلوطة ومحرَّفة، وهم تناقضون فيما بينهم، فالحمد لله أن عافنا الله من هذه البدع.
ولهذا فإنَّ هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، اثبت عليها يا مسلم، فنؤمن بملك الموت، ونؤمن بعذاب القبر، ونؤمن بسؤال منكر ونكير، ونؤمن بأن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.
إلى هنا ينتهي المقدار المحدد حسب التَّقسيمات في هذه الدروس في الأكاديمية الإسلامية المباركة.
جزاكم الله خيرًا، وجزى الله القائمين عليها خير الجزاء، ونسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يثبتنا على طريقة أهل السنة والجماعة.
وأوصي نفسي وإخواني المسلمين بمزيد  التعلم، ومزيد النظر في كلام الله حفظًا وتدبُّرًا وتفهُّمًا وعملًا وامتثالًا بالقرآن العظيم، وكذلك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم.
وأوصي نفسي وإخواني المسلمين في كل الأرض بأن يتعلموا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا صحيح البخاري، وهذا صحيح مسلم، وهذه السنن يقرؤونها ويدرسونها على فهم العلماء المأمونين الراسخين في العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة، يستفيدون منهم ومن شروحهم.
وكذلك أوصي إخواني المسلمين في كل الأرض بأن يلزموا عقيدة أهل السنة والجماعة، عقيدة السلف الصالح، فهذه الطحاوية عقيدة مباركة، وكذلك العقيدة الواسطية، وكذلك كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وكذلك الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، وكذلك العقيدة التدمرية، والعقيدة الحموية، وكذلك كتب السنة المتقدمة مثل: كتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل، و "أصول السنة" للإمام أحمد، وشرح "أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" لللالكائي، وكذلك ما ذكره البخاري في كتاب التوحيد في صحيحه، وفي كتاب الفتن، وفي أول كتاب الإيمان، وكذلك ما ذكره مسلم في مقدمته في أول الصحيح، وكذلك ما ذكره أئمة السنة؛ فمن هنا تعرف العقيدة، وهؤلاء أئمتنا وقاداتنا وسساداتنا، أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن تبعهم من العلماء الذين ساروا على هذا المنهج الصحيح، منهج السلف الصالح. فيجب علينا أن نلزم هذا المهنج، وأن نستقيم على هذا المهنج ولا نحيد عنه.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ»[192]، قوله «خَذَلَهُمْ» و«خَالَفَهُمْ»، انتبه لهاتين الجملتين!
هناك أناس معك على السُّنَّة ودرسوا، ثم خذلوا أهل السنة، ونقضوا العهد الذي أخذه الله عليهم، وزاغوا يمينًا وشمالًا إمَّا لطمع في دنيا، أو لطمع في منصب، أو طمع في جاهٍ، أو لرضى مسؤول، أو لغير ذلك من الأغراض الدنيوية؛ فتنازلوا عن العقيدة، وفسد دينهم، وأفسدوا دين غيرهم.
لكن أهل السنة والجماعة ثابتون، لا يضرهم هؤلاء الذين خذلوهم.
الطائفة الثانية «خَالَفَهُمْ»، هم المخالفون، وهم أهل البدع والكفر، وأهل الإلحاج، وأهل الإلحاد، لا يضرون أهل الحق شيئًا، فلا تغرك كثرتهم.
على سبيل المثال: ابن الفارض، هذا من غُلاة الصوفية الضلال الاتحاديَّة.
هذا شاعر متقن له قصائد خبيثة في المعنى، حتى إن بعض قصائده تسمى: "نظم السلوك" يقول ابن تيمية: "ما أجدر أن تسمى نظم الشكوك". وفيها الاتحاد ووحدة الوجود، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد.
يقول ابن تيمية: "هذه القصيدة نفقت وراجت في أهل العصر، واستحسنها أهل العصر، وبالغوا في مدحها".
وابن تيمية واحد ومعه مجموعة من أهل العلم قلَّة، والأغلب يمدحون هؤلاء الملاحدة الصوفية.
أين ابن الفارض وأين هؤلاء الملاحدة؟
ذهبوا هباءً منثورًا، مع أنهم في زمنهم طار بهم افعلام في ذلك الوقت!
اليوم نفس الشيء، لا يهولنَّكَ ما عليه الكفار من جلبتهم بخيلهم ورجلهم وإعلامهم، اثبت على الحق، واثبت على طريق السنة، اثبت على طريقة أهل السنة والجماعة، ما عليك، اصبر وصابر، حتى لو خالفك أهل الأرض كله؛ اثبت على القرآأن والسنة يا مسلم.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم في الدجال: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةِ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ, فَيَعِيثُ يَمِينًا وَيَعِيثُ شِمَالًا, عِبَادَ اللَّهِ اثْبُتُوا... » هذه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم.
فأنت يا مسلمون اثبتوا على الحق، واثبتوا على الصراط المستقيم، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم.
فيه شبهات، وفيه شهوات، وفيه فتن، وفيه مُضلات الفتن وهي خطيرة جدًّا، ولا مخرج لنا إِلَّا أن نلجأ إلى ربنا سبحانه ونعتصم به، ونلجأ إلى العلم الشرعي ندرسه ونتذاكر فيما بيننا، إن وجدت أهل العلم الثِّقات المأمونين فأتِ إليهم في المسجد أو في البيت، أو في المدرسة، أو في الجامعة؛ بشرط أن يكونوا مأمونين في عقيدتهم ومنهجهم، فإن لم تجدهم فابحث عن تسجيلاتهم التي تُنشر هنا وهناك لعلماء الأمة الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة.
إذا لم تجدها فاجلس مع إخوانك تذاكر العلم على قدر علمكما، ولا تتكلف ما لا تُحسن، ولا تفتِ بغير علم، حسبك أن تقرأ العلم وتتذاكره مع إخوانك، حتى يأخذ الله روحك وأنت على السنَّة، وعلى الصراط المستقيم.
اللهم ثبتنا على الإسلام والسنة، ولا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
بهذا -أيُّها الإخوة- نختم هذه الدروس المباركة، ونسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يحفظنا وإياكم بالإسلام قائمين، وبالإسلام قاعدين، وبالإسلام راقدين، وألا يشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 --------------------
 [185] رواه النسائي 1293عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وفي صحيح مسلم 588 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ [وفي رواية : إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ] فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.
[186] البخاري (1309)
[187] مسند أحمد وصحيح أبي داود
[188] مسلم (160)
[189] البخاري (3294)
[190] الترمذي (1071) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[191] رواه أبو داود, وصححه الحاكم. وإسناده جيد حسن
[192] مسلم (1037).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك