الدرس السابع

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

10962 9
الدرس السابع

كتاب التوحيد 2

{بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم صلَّ وسلِّم على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، مرحبًا بطلاب العلم حيَّاكم الله وبيَّاكم، وأسعد الله أيامكم بالبركات والخيرات، نرحب بكم في برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثاني، والذي نشرح فيه (كتاب التوحيد) للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يصحبنا بشرحه فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد. باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ؛ حيَّاكم الله وبيَّاكم شيخ فهد}.
حيَّاكم الله وحيَّا الله الإخوة جميعًا وبارك الله فيكم، على بركة الله نبدأ.
{توقفنا في اللقاء الماضي عند باب ما جاء في السحر، قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بابُ مَا جاءَ فِي السِّحْرِ. وَقَوْلُ اللَّهِ تعالَى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102].
وَقَوْلُهُ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51].
قالَ عُمَرُ: "الجِبتُ السِّحْرُ، والطَّاغُوتُ الشَّيْطانُ".
وقالَ جابرُ: "الطَّواغِيتُ كُهَّانٌ كانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فِي كُلّ حَيٍّ واحِدٌ".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنّ رَسُولَ اللَّهُ قالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقاتِ»، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهُ وما هنَّ؟ قالَ: «الشِّركُ باللَّهُ، والسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبا، وَأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَناتِ الغَافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ»)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حيَّاكم الله أيها الإخوة جميعًا في هذا الدرس الذي نقرأ فيه من (كتاب التوحيد) الذي هو حق الله على العبيد للشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، يقول فيه: (بابُ مَا جاءَ فِي السِّحْرِ. وَقَوْلُ اللَّهِ تعالَى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102].
وَقَوْلُهُ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51].
قالَ عُمَرُ: "الجِبتُ السِّحْرُ، والطَّاغُوتُ الشَّيْطانُ".
وقالَ جابرُ: "الطَّواغِيتُ كُهَّانٌ كانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فِي كُلّ حَيٍّ واحِدٌ")
.
هذا الباب لماذا عقده المصنف في هذا الموضع؟
السحر وكذلك ما سيأتي من الكهانة والتنجيم، ونحو ذلك من الأمور التي هي من علوم الكفار والمشركين، وعلوم كفرة الفلاسفة، فإنَّهم وقعوا في علوم ضارة وخطيرة، هذا أمر مجمع عليه بين أهل الإسلام وعلماء الإسلام في التحذير من السحر والتنفير منه، وكذلك الكهانة، وبيان أنَّها من المحرمات والممنوعات في الشريعة الإسلامية، فلماذا أتى بها المصنف في هذا الموضع؟
والجواب والله تعالى أعلم: أنَّه لأمرين:
الأمر الأول: ما فيها من منافاة التوحيد ومناقضته والإخلال به، وهذا الكتاب معقود في أمر التوحيد، وهي مخلة بالتوحيد.
الأمر الثاني: هو أن أعداء التوحيد وأعداء الدعوة إلى التوحيد من الخرافيين والقبوريين وأئمتهم وشيوخ طرقهم وزعمائهم يقومون بالسحر، وهذا شيء عجيب، فلو نظرت في أحوال شيوخ بعض هؤلاء الطرقيَّة وأئمتهم ومراجعهم لوجدت أنهم في واقعهم هم معترفون بل يتفاخرون بالسحر، بل بعضهم يقول: شيخنا أو شيخ طريقتنا سحره أقوى من شيخ طريقتكم! وهذا موجود إلى الآن، ويكثر هذا في الرافضة، ويكثر هذا في الخرافيين من المتصوفة والطرقية، وهذا بيان واضح من الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ-، لما يكتب كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ويبين التوحيد ويبين الشرك ويحذر منه ثم يذكر التحذير من السحر والكهانة والتنجيم، والقارئ إذا كان ممن تأثر بهؤلاء يعرف أن أولياءه ومن يعظمهم يقومون بالسحر المخالف لكلام الله وكلام رسوله ، فهذا مما يضيء الطريق لمن أراد الهداية، ولمن أراد معرفة الفرقان بين الحق والباطل وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فكيف أكون وليًّا لله من يزاول السحر الذي حرمه الله؟! وكيف يكون مرضيا عند الله من هو من أهل الكهانة وزمزمة المنجمين والكهان ومصدقي الجن؟! كيف يكون هذا وليا لله؟ هذا ولي للشيطان فاحذر منه، واعرف أنَّه داعي الضلالة وإمام ضلالة فلا تصدقه، وهذا من أسباب وضع هذا الباب في هذا الكتاب.
قال: (بابُ مَا جاءَ فِي السِّحْرِ)، السحر في اللغة: كل ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السَّحر آخر الليل، لأنه في أخفى ما يكون من الظلمة وشدة الليل.
والمراد به في الشرع وفي الاصطلاح: هو عُقَدٌ ورقى وعزائم يقوم بها الساحر مستغيثًا أو مستعينًا بالشياطين، فينعقد السحر بقدر الله وإذنه الكوني لا الشرعي، فيعقد عُقدًا من خيوط أو من شعر أو من غيرها، وينفث في ذلك، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ ، يعقدن العقدة ثم ينفثن فيها، فتستجيب لهم الشياطين وتلبي لهم رغبتهم، ويحصل للساحر ما يريد من شرٍّ وأذى، فيقتل ويمرض ويفرق بين المرء وزوجه، قال -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ، يعني هذا قدر الله، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- قدر في هذا الكون أن يقع أمور لا يرضاها، لكن قدرها لحكم بالغة، فالكفر لا يرضاه الله -عَزَّ وَجَلَّ-، قال تعالى: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: 7]، والشرك لا يرضاه الله -عَزَّ وَجَلَّ- والردة والنفاق، وكذلك القتل والجرائم، وأهل الإفساد في الأرض، وأهل الفجور والزنا والفواحش؛ كل هذه الأمور لا يرضاها الله -جَلَّ وَعَلَا- لكن كل ما يقع في الكون فهو بقدر الله الكوني وإذنه الكوني لا الإذن الشرعي ولا الأمر الشرعي.
إذًا؛ السحر يقع، وهذا يدل على أنَّه حقيقة، إذا قلنا إنَّه يقتل أو يمرض أو يفرق بين المرء وزوجه، هذه أمور حقيقية، الخيال يقع على صاحبه، يخيل على صاحبه أو على عينه، لكن لا يؤثر، أما السحر فيؤثر، لكنه لا يقلب الأعيان، فإنَّ قلب الأعيان، يعني مثلا الإنسان يجعله حمارًا أو يقلب هذا لا يمكن، هذه أمور يخسأ السحرة عنها ولا يقدرون عليها، ولكن قد يغيرون العين، يضرون العين أو يظهرون لعين الرائي أشياء مختلفة عن الحقيقة لكنها مؤقتة، كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66]، وهم دهنوا الحبال والعصي بالزئبق في الضحى صارت كأنها حيَّات، قال تعالى: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ﴾ [الشعراء: 45]، عصا عادية لكنها آية من آيات الله، فإذا هي حية تسعى، فالتقمت كل هذا العصي والحبال، التقمتها كلها وأكلتها، أمام مرأى الناس كلهم، فعرفوا وآمنوا -أعني السحرة- وهذا فيه بيان أن الساحر قد يتوب، وقد يسلم ويرجع من كفره، ولا ييأس الإنسان من هداية أحد حتى الساحر قد يهتدي.
إذًا السحر: هو عقد ورقى وعزائم يقوم بها الساحر، ويستغيث بالشياطين ويستعين بهم، حتى يلبوا له حاجته فيمرض ويقتل ويفرق بين مرء وزوجه، وكل هذا يقع بإذن الله الكوني لا إذنه الشرعي.
وهذه الآية الكريمة في سورة البقرة نقرأ أولها فيما حكى الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن كفرة أهل الكتاب، قال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ، فهذه الآية أورد الشيخ طرفًا منها ليقرأها المسلم ويتدبرها، فقوله: ﴿وَاتَّبَعُو﴾ يعني اليهود وأهل الكتاب.
قوله: ﴿مَا تَتْلُو﴾ ، أي: تنسب وتضيفه إلى سليمان، كفرة اليهود من قبحهم وخبثهم صاروا يفعلون السحر ويفعلون الباطل ويقولون: هذا أخذناه من سليمان، يضيفون كفرهم إلى سليمان، ويضيفون ما يفعلونه من أمور السحر والشياطين إلى سليمان.
قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ نبي كريم من رسل الله.
قال: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ ، هم الذين افتروا هذا الكذب.
قال: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ ، إذًا تعليم السحر كفر، ليس كما يقول بعضهم إنَّه يجوز تعليمه وتعلمه للحذر منه، لا فمن يعلم السحر لابد أن يقرهم على ما هم فيه من الكفريات واستغاثات وشركيات واعتقاد بالغيب.
قال: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ ، هذا ابتلاء من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنَّه جعل ملكين وهما هاروت وماروت أُنزل عليهم أمور صار يتعلمها هؤلاء.
قال: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ﴾ بابل من أرض العراق.
قال: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ﴾ ، يعني هاروت وماروت الملكان.
قال: ﴿مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ ، هذا قدر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وقدَّر وقضَى، فيأتي هؤلاء يحتجون بسليمان أو يحتجون بالملائكة، كل هذا ليس لهم حجة، فحتى أن الملكين يحذران، قال: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ ، لكن هذا أمر قدَّره الله لحكمة بالغة، يعلمها -جَلَّ وَعَلَا.
قال: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ ، يكون الرجل مع امرأته في حال استقرار وأُنس، ثم يأتي هذا الساحر فيستغيث بالشياطين، ويتعلَّم هذا العلم الخبيث، وينفُث ويدعو، فتستجيب له الشياطين، فتتكيف له الشياطين، فتقوم بتنفيذ هذا الأمر فيحصل التفريق، وهذا أحد أنواع السحر، ويسمى سحر التفريق، وعكسه يسمى العطف والمحبة أو جلب الحبيب -كما يسمونه- فهؤلاء كلهم كفار مشركون، أي: الذين يفعلون هذا الشيء من السحرة، ومن يأتيهم مصدقًا بهم أيضًا يكفر -نسأل الله العافية والسلامة.
قال: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ المؤمن يتوكل على الله ولا يخاف إلا الله وما يخاف منهم، لا يخاف من الشياطين، ولا يخاف من السحرة، وإنَّما يخاف من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لأن الأمور بيد الله سبحانه، وإذا الله -عَزَّ وَجَلَّ- قدر عليك مرضًا فلن يرده أحد، وإذا قدر عليك الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يصيبك الوباء أو العدوى فلن يرده أحد، وإذا الله -عَزَّ وَجَلَّ- قدر عليك أن يصيبك شيئًا من هذا البلاء من السحر فلا يرده أحد، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- هو الذي قدَّر، إذا توكل عليه والجأ إليه، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا لا يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ورفعت الأقلام، وجفت الصحف، عليك أن تلجأ إلى الله وتدعوه.
قال: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ ، وهذا امر مشاهد كما أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ-، لا يمكن أن يكون وراء السحرة أي فائدة ونفع، حتى الأشياء التي يحقِّقونها هي نادرة وقليلة ومؤقَّتة، وتنقلب عليهم أضدادًا، تنقلب المنافع أضرار، فبعض الناس يزين له الشيطان ويقول: أريد أن أفك السحر بسحر، قال: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ ، أنت تروج للسَّحرة وتزيد من الشَّر، كمن يزيد النار وقودًا، هكذا تفعل، لكن الجأ إلى الله، وتوكل على الله وادعُ الله.
قال: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ من الذين علموا؟ الذين يعلمون هم هؤلاء الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين، كفرة اليهود والنصارى، وكذلك الشياطين علموا، وكذلك من يأتيهم ويطلب هذا السحر عَلِمَ.
قال: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ يعني: اعتاده، هم لا يخدمون أحدًا مجانًا في الغالب، هؤلاء السحرة على أنهم كفر وشرك وعبادة لغير الله، واعتقادات فاسدة وأعمال ضارَّة؛ مع هذا كله لا يقدمون هذه الأمور إلا بثمن، إمَّا أن يسجد لغير الله، وإمَّا أن يعطيهم أموالًا طائلة، وإمَّا أن يفعل أشياء محرمة ويهين المصحف، أو يلقيه في القاذورات، أو يفعل أشياء من القبائح.
قال: ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ ، ما له نصيب في الآخرة، الذي يقع في السحر.
ولهذا نقول: إن هذه الآية دلَّت على كفر الساحر من عدة أوجه:
- لقوله: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ .
- ومن قوله: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ .
- ومن قوله: ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ .
وأيضًا نستفيد كفر الساحر من قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: 69]، فلو كان فيه ذرة إسلام أو بقي معه الدين؛ لصار فيه نوع فلاح ولو قليل، لكن الله قال: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ ، فليس فيه فلاح أبدًا، ما هو إلا ضرر وهلاك وخسارة في الدنيا وفي الآخرة. هذا تعليق على الآية الأولى.
{الشيخ قد يورد إشكال أو ينقدح في ذهن المشاهد، ما الفرق بين المس والسحر؟ هل بينهما تلازم؟ أم هما شيء واحد؟ أم لكل منهما حقيقة مختلفة عن الآخر؟}.
المس: هو مس الجني يتلبس بالإنسان، وهذا يقع كما أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن أهل الربا يوم القيامة: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَ﴾ [البقرة: 275]، فهؤلاء هذا حالهم -نعوذ بالله- حال خبيثة مكروهة ومذمومة، فالمس يقع وهو أن يتلبس الجني بالإنس، وهذا حرام على الجني، إن كان يدعي الإسلام فهو آثم وعاصٍ ومعتدٍ، وقد يكون هذا الإنسي قد تسبب في أذى له، ولكن هذا ليس بعذر له على فعل الحرام، فمن عاملك بشيء لا يجوز فلا تعامله بالمثل، ولكن قل: حسبنا الله ونعم الوكيل، يكفيك الله شره، هذا الخطاب للجني الذي يريد أن يؤذي إنسيا بسبب غلط من إنسي أو اعتداء من إنسي.
وبالنسبة للمس يكون من الجن كما تقدم، ولكن لا نعلمه نحن حقيقة، أحيَّانا بعض الناس إذا أصابه مرض قال: هذا السحر، أو قال: هذا عين، أو قال: هذا مس، والواجب على المؤمن أن لا يتكلم بغير علم، فهذه أمور غيبية وخفية، إذا ظهر الشيء بينا بقرائنه الواضحة فلا مانع، مثل أن يتكلم الجني على لسان الإنسي بكلام لا يعرفه الإنسي، يعني الإنسي مثلا يعرف أنَّه لا ينطق مثلا باللغة الأعجمية، أو بلهجة معينة، ثم يقوم الجني بالحديث فيعرف عن هذا بالمس، هذا لا بأس أن نقول: هذا يظهر والله أعلم أنَّه مس، أما القطع إذا جاءه إنسان مريض وقرأ عليه القرآن أو حاول أن يعالجه قال: أنت فيك عين، أنت فيك سحر، أنت فيك كذا، هذه أمور غيبية خفية، كثير من الناس يؤذي بعض المرضى حقيقة، ويجعلهم يعني في حيرة، وربما يعني الأمر أهون من ذلك، فنوصي إخواننا إذا رقوا أنفسهم أن يرقوا أنفسهم بكلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- كسورة الفاتحة والمعوذات، وآية الكرسي، وآخر آيتين سورة البقرة؛ فإنَّ لها أثرها عظيم جدًّا، سنأتي إلى هذا بعد قليل إن شاء الله فيما يتعلق بعلاج السحر.
السحر: هو التأثير بالمرض أو القتل أو التفريق، أو غير ذلك من الأنواع، كأن يأتي له بمال، قد يأتي له بشخص يريد أن يفعل به الفاحشة، قد يفعل أشياء محرمة، قد يسرق مالًا من آخرين عن طريق الجن؛ فهذه أمور تعتبر من السحر، لكن السحر ينقسم إلى قسمين:
- منه ما هو حقيقة كما هذه الأمثلة.
- ومنه ما هو خيال وشعوذة، كما يقولون في اللغة العامية: يُقمِّر الأعين، يعني يخدع الأعين، فهذا يجب الحذر منه أيضًا.
هناك من السحرة من يستعمل أدوية وتبخيرات فيحاول يؤثر الآخرين بها، يأتي ببودرة على عينه حتى يفقد الشعور ثم يسرقه ويهرب، وهذه أشياء تقع من هؤلاء السحرة، وعلومهم كلها علوم مخزية، علوم ضارة، علوم محرمة، ولا يتعلم هذا إلا مخذول ضال عن سواء السبيل -نسأل الله العافية والسلامة.
{شيخ هذا يجرنا إلى أمر: هل يعني يجوز للإنسان مثلًا أن يقرأ كتب السحرة كشمس المعارف؟}.
هذه الكتب كلها حرام، لا يجوز النظر في هذه الكتب ولا تداولها، بل يجب تمزيقها وإحراقها، ويجب على ولاة الأمور منع هذه الكتب عن أن تكون بين أيدي المسلمين، ومعاقبة من يروجها أشد المعاقبة، وكذلك الترويج للسحرة في القنوات أو في وسائل التواصل، والآن صار هذا الأمر كثيرًا بسبب سهولة الأمر، فبعضهم يفتح قنوات ويبدأ ينشر هذا الشيء، فيجب محاربتهم والقضاء عليهم، ولا يجوز الاستماع لهم، ولا الدخول عليهم، ولا متابعتهم، ولا النظر في كلامهم أو أحوالهم، إلا لمن أراد القضاء عليهم من ولاة الأمور أو رجال الأمن أو رجال الهيئة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، للقضاء على هؤلاء المجرمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
وقوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ ، هذا في كفرة أهل الكتاب، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ ، جاء تفسيرها كما قال عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "الجبت: السحر"، فهذا موجود في كفرة اليهود، حتى يقال إن أقوى أنواع السحر سحر اليهود -كفانا الله شرهم.
قال عمر: "والطاغوت: الشيطان".
وقالَ جابرُ: " الطَّواغِيتُ كُهَّانٌ كانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فِي كُلّ حَيٍّ واحِدٌ "، الحي: هو القبيلة، الكهان كان ينزل عليهم في وقت الجاهلية هذا الشيء، فهذا يبين لك حال أهل الكتاب.
فالجبت يؤمنون به، وهو: كل ما لا خير فيه، ومنه السحر والصنم، كل شيء لا خير فيه.
والطاغوت: هو من فعلوت من الطغيان، طغى يطغى طغيانا.
فسره ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- بأنه: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع؛ فمن عبد وهو راضٍ ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ومَن حكم بغير ما أنزل الله، وإبليس هو رأس الطواغيت، وأيضًا كهان هم من جملة الطواغيت، لأنهم خرجوا عن حدهم، فالمسلم يجب عليه أن يلزم حده، ويستقيم على شرع الله، ولا يؤذي غيره، ولا يعبد غير الله، ولا يدعو إلى عبادة غير الله، ولا إلى عبادة نفسه؛ كل هذا من فعل الطواغيت نعوذ بالله من حالهم.
قال: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنّ رَسُولَ اللَّهُ قالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقاتِ»)، هذا دليل على أن هناك كبائر وهناك صغائر.
وقوله: «السَّبْعَ» ليس تحديدًا لها، فالكبائر أكثر من سبع، حتى قال ابن عباس: "هس إلى السبعين أقرب من السبع"، ولكن ذكرها لأنها عظيمة الإهلاك، موبقة: أي مهلكة.
فقال: «الشِّركُ باللَّهُ، والسِّحْرُ»، الشرك بالله: هو صرف العبادة لغير الله.
والسحر: لأن السحر من الشرك فثنَّى به، فأول الموبقات: الشرك، ثم الثاني: هو السحر، فالسحر هو من الشرك؛ لأن السحر كفر، وسبب كون السحر كفرًا أمران:
الأول: أنَّه فيه استغاثة بالشياطين واستعانة بهم، وطلب منهم.
الثاني: أن فيه ادِّعاء لعلم الغيب.
وهذان الأمران لا ينفكان عن الساحر، وكل واحد منهما مخرج من الملة، ولهذا فإنَّ الساحر كافر؛ لأنه يستغيث بالشياطين؛ ولأنه يدعي علم الغيب -نسأل الله العافية والسلامة.
أضف إلى جرائمه الأخرى كالقتل والإمراض التفريق والإفساد بين الناس، وأكل أموال الناس بالباطل.
قال: «وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبا، وَأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَناتِ الغَافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ»، كل هذا من كبائر الذنوب -نسأل الله العافية والسلامة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» رواهُ التَّرْمَذِيُّ وقالَ: الصَّحيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
وَفِي صَحِيحِ البُخاريِّ عَنْ بجالةَ بنِ عَبَدَةَ قَال: " كَتَبَ عُمَرُ بنُ الْخَطابِ أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَساحِرَةٍ، قال: فَقَتَلْنَا ثَلاثَ سَواحِر".
وَصَحّ عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّها أَمَرَتْ بِقَتْلِ جَارِيَةٍ لَها سَحَرَتْهَا، فَقُتِلَتْ. وَكَذَا صَحَّ عَنْ جُنْدَبٍ.
قالَ أَحْمَد: "عَنْ ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ ")
}.
يبين الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- ما ورد من أحاديث وآثار في حكم الساحر وما الواجب على ولاة الأمور تجاه السحرة؛ فذكر هذا الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعًا -يعني إلى النبي - عن جندب-َضِيَ اللهُ عَنْهُ.
واختلف هل هو مرفوع أو موقوف؟
والصواب أنَّه موقوف ولكن له حكم الرفع، لأن مثله لا يقال من جهة الرأي -والله تعالى أعلم- ويعرف من خلاله منهج الصحابة تجاه السحرة.
قال: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» أو «ضربة بِالسَّيْفِ»، وهذا يبين عقوبة الساحر، أما الواجب تجاه الساحر إذا ثبت سحره وذلك عن طريق القضاء الشرعي، فإنَّه يرفع أمره إلى ولي الأمر لينفِّذ فيه الحد.
وهل تقبل توبته ويُعفا عنه ويُسامح ويُترك؟
الجواب: أنَّه -كما تقدم في أول اللقاء- أن السحرة في وقت فرعون كانوا كفارًا أول النهار، وفي آخر النهار صاروا أبرارًا أتقياء من أهل الجنة، تابوا وأسلموا وتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليهم، يدل على أنَّه من تابَ تاب الله عليه ساحرًا كان أو مشركًا أو غيرهما، فباب التوبة مفتوح لجميع أهل الأرض بجميع أحوالهم وأعمالهم.
لكن العلماء يقولون: الساحر لا تقبل توبته فيما بينه وبين الناس، يعني في الظاهر يُقام عليه الحد ويعاقب، ويؤمر بالتوبة هو، يقال له: تُبْ حتى تموت على الإسلام، لكن ولي الأمر لابد أن يقتله ويقيم عليه الحد، وحده القتل، لأن شره عظيم جدًّا، يمرض عشرات البيوت ويفسد في الأرض.
ولو قيل: إنَّ توبته تقبل لتظاهر بالتوبة ثم رجعَ إلى صنيعه، وأيضًا قتله ردعٌ لأمثاله، فهناك عشرات يفكرون أن يصنعون مثل صنيعه، فإذا رأوه قد قُتل وعوقب من قبل ولي الأمر ارتدعوا وخافوا، ولهذا لا تقبل توبته -أي ظاهرًا- لكن فيما بينه وبين الله من تاب تاب الله عليه.
{الآن وجه قتل الساحر إنَّما هو من باب العقوبة وكذلك من باب الردع}.
وتنفيذًا كان عليه السلف الصالح من الصحابة، هذا جندب وحفصة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أم المؤمنين أمرت بقتل جارية سحرتها، وهذه حفصة بنت عمر بن الخطاب، وجارية: يعني خادمة، وهذا يبين لك أنَّ السحرة والسواحر دائمًا يستخدمون أضعف الناس، مثل من خدم أو جارية أو عامل، هؤلاء يقع عندهم هذا الشيء بكثرة، ونفس رؤوس السحرة كاليهود هم أهل ذلة وخضوع، وهم أيضًا مستضعفون، فاليهود إلى يومنا هذا الذل في أوجههم كبيرهم وصغيرهم وصغار، ولهذا يلجؤون إلى مثل هذه الدسائس، ومثل هذه التصرفات الدالة على خبث النفس وخبث الطوية، فحفصة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قتلتها.
أيضًا يعني بجالة بن عبدة يقول: إن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كتب إلى عماله -وهو خليفة الثاني للمسلمين- كتب إلى الأمراء في المناطق: "أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَساحِرَةٍ، قال: فَقَتَلْنَا ثَلاثَ سَواحِر"، هذه تصرفات ولاة الأمور، فلا يفتات الناس، يقول: أنا أقتل، قد يقع هذا في غير محله وقد يفسد في الأرض وقد يدَّعي أحدٌ على أحدٍ زورًا، لابد أن تضبط الأمور، ولا يجوز الافتيات على ولاة الأمور. وهذا يبين لنا حكم الساحر.
أما نفس السحر كيف علاجه؟
الجواب: أن علاج السحر بالأدوية الطبيعية المعروفة المجربة، وبالأدعية وبالرقية، وبكل ما هو مباح؛ أما أن نذهب إلى الساحر ليفك الساحر فلا، هذا باطل وهو من ترويج السحر.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بابُ بيانِ شَيْءٍ مِنْ أَنْواعِ السِّحْرِ.
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرَ حَدَّثَنا عَوْفٌ حدثنا حَيَّان بنُ العلاءِ حَدَّثَنا قَطَنُ بنُ قَبيصةَ عَنْ أَبِيه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ قالَ: «إِنَّ العِيافَةَ، وَالطَّرْق، وَالطِّيَرةَ؛ مِنَ الْجِبْتِ»
قالَ عَوْفٌ: "العيافَةُ: زَجْرُ الطَّيْرِ، وَالطرقُ: الخَطُّ يُخُطُّ بِالأَرْضِ، وَالجِبْتُ: قالَ الْحَسَنُ: رَنَّةُ الشَّيْطانِ".
إِسنادُهُ جَيِّدٌ، وَلأبي داودَ والنَّسائِيِّ وابْنِ حِبّانَ فِي صَحيحِهِ الْمُسْنَدُ مِنْهُ.
وَعَن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ : «مَنِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ النُّجومِ فَقَد اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السّحْرِ زادَ ما زادَ»)
}.
هنا المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- بعدما حذَّر من السحر وبيَّن حكمه وخطره، قال: (بابُ بيانِ شَيْءٍ مِنْ أَنْواعِ السِّحْرِ)، ليحذرها المسلم، وليحذر جميع أنواع السحر، ولا يقع في شيء منها، وأيضًا بعضها يسمى سحرًا من جهة الضرر الذي فيها، وان كانت لا تأخذ حكم السحر بالكامل، والسحر تقدَّم أنَّه فيه استغاثة بالشياطين وادعاء علم الغيب، وهذه الأمور المذكورة هنا بعضها هكذا وبعضها أقل، لكنها يطلق عليها سحر لما فيها من الضرر ولما فيها من الخفاء ولما فيها من الأذى والإيذاء.
قال: (قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرَ حَدَّثَنا عَوْفٌ حدثنا حَيَّان بنُ العلاءِ حَدَّثَنا قَطَنُ بنُ قَبيصةَ عَنْ أَبِيه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ قالَ: «إِنَّ العِيافَةَ، وَالطَّرْق، وَالطِّيَرةَ؛ مِنَ الْجِبْتِ»)، ثم فسرها عوف أحد الرواة، وهو عوف بن أبي جبيلة، قال: (قالَ عَوْفٌ: " العيافَةُ: زَجْرُ الطَّيْرِ، وَالطرقُ: الخَطُّ يُخُطُّ بِالأَرْضِ، وَالجِبْتُ: قالَ الْحَسَنُ: إنَّه الشَّيْطانِ") وفي بعض النُّسخ: (رَنَّةُ الشَّيطان)، والذي في المسند (إنَّه الشَّيْطانِ). قال: (إِسنادُهُ جَيِّدٌ، وَلأبي داودَ والنَّسائِيِّ وابْنِ حِبّانَ فِي صَحيحِهِ الْمُسْنَدُ مِنْهُ).
هنا قوله «مِنَ الْجِبْتِ»، يعني: من السحر، كما تقدم أن الجبت يطلق على السحر ويطلق على كل ما لا خير، هذه الأمور لا خير فيها وهي من السحر.
إذًا هذه أنواع بينها الرسول أنَّها من السحر لما فيها من الضرر ولما فيها من ادعاء علم الغيب ولما فيها من الشَّر، فيجب الحذر منها.
قال: (العيافَةُ: زَجْرُ الطَّيْرِ)، هذا أمر كان مشهورًا في الجاهلية، إذا أراد أحد منهم أن يسافر أو يفعل فعلًا مثل زواج أو نحوه؛ فيأتي عند شخص يُعرف بهذا الأمر وبهذه المهنة، إذًا هذا يعتبر من أفعال السحرة، ومن علوم السحرة، ماذا يفعل الشخص؟ يأتي عنده ويقول: أنا أريد كذا وكذا؛ فما ترى لي؟ فيكون عنده طير فيزجر الطير، أو يأتي عند طير يزجرها. كيف يزجرها؟ يعني: يهيجها، فيحدث حركة ويضرب في الأرض حتى تطير، فإنَّ طارت يمينا؛ قال: سافر أو تزوج، وإن طارت يسارًا؛ قال: لا تسافر ولا تتزوج، فيعلق أمره على الطير، وهذا كله من التطير ومن الشرك ومن أمور السحر.
والآن صاروا يضعون هذا في معرفة من سيفوز من اللاعبين أو الفِرَق، إذا تبارت فِرَق وصارت هناك مباريات من كرة قدم أو غير ذلك ويأتون بمثل هذا؛ فهؤلاء يفعلون فعل أهل الجاهلية الذي حذر منه النبي تمامًا، وبعض الناس يتخذ هذه الأمور من باب الضَّحك والهزل والهزوء، ونقول: أمور العقيدة وأمور التوحيد لا يجوز الاستهزاء بها ولا الضَّحك بها ولا التنكيت بها؛ بل هذي أمور يجب أن نقف منها موقفًا صارمًا، ونحذر منها المسلمين.
الطرق: هو الخط يخط بالأرض، أيضًا نفس الطريقة: يأتون عند شخص يخط في رمل في الأرض خطوطًا ثم يمسح بعضها، ثم يقول: أنت سيحدث لك كذا وكذا، يخبرك عما يكون في المستقبل، وهذا أيضًا من أمور الجاهلية ومن السحر، فهذا من ادعاء علم الغيب عبر الخطوط.
أما حديث: «كانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فمَن وافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» ، هذا دليل على أنَّه لا يمكن لأحد أن يعرف موافقة خط ذلك النَّبي، فالنبي إذا كان يخط خطًّا فهذا وحي من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- له، فيأتي هؤلاء الشياطين والسحرة والدجالون قديمًا وحديثًا يزعمون أنهم يريدون معرفة الغيب بمثل بهذه الطريقة، نقول: هذا الذي جاء للنبي وحي، أما أنتم فلا يوحى إليكم، أو لا يوحى إليكم إلا الشياطين التي توحي إليكم، وهو خاص بذلك النبي.
قال: «وَالطِّيَرةَ مِنَ الْجِبْتِ» الطيرة سيأتي لها باب خاص، وهي: التشاؤم بالأشياء، وكلها من الجبت.
قال: (قالَ الْحَسَنُ: إنَّه الشَّيْطانِ)، يعني السحر، والسحر مصدره من الشيطان.
قال: (وَلأبي داودَ والنَّسائِيِّ وابْنِ حِبّانَ فِي صَحيحِهِ الْمُسْنَدُ مِنْهُ)، يعني دون تفسير عوف بن أبي جبيلة.
قال: (وَعَن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ : «مَنِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ النُّجومِ فَقَد اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السّحْرِ زادَ ما زادَ» رواهُ أَبو داود وإسنادُهُ صَحيحٌ).
علم نجوم ينقسم إلى قسمين:
- علم تسيير.
- وعلم تأثير.
فعلم التسيير: معرفة أوقات الفصول الأربعة، ومعرفة أوقات الزروع، ومعرفة الجهات الأربعة -الشمال والجنوب والشرق والغرب- ومعرفة متى تطلع هذه النجوم ومتى تغيب؛ هذا يسمى علم تسيير، ولا يستدل به على علم غيب، وإنَّما يُعرف ما أجرى الله -عَزَّ وَجَلَّ- به سُنن هذا الكون من وقت خاص بالصيف ووقت خاص بالزرع وقت خاص كذا وكذا؛ فهذا لا يؤثر تعلمه، لأن الله قال: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: 16]، يعني يعرفون الطرق، فيعرف أين يسير في البحر إذا كان في البحر، وإذا كان في البر وقد ضاع الطريق فيعرف.
أمَّا العلم الثاني من علم التنجيم فهو علم التأثير، حيث يعتقد أنَّ النجوم تؤثر في الأرض، وأنَّ الحرب الذي تقع أو الغلاء أو الفيضانات أو أمور تقع في الأرض هو بسبب النجوم، فهذا الذي يقتبس هذا العلم إنما يقتبس من السحر، لقوله: وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.
ولذلك فإنَّ أهل السحر كثير من سحرهم يجعلونه مُتعلقا بالنجوم وحركات النجوم والبرج، أنت برجك كذا فيضعونه في ضمن حساباتهم، ثم يحكمون على علم الغيب بما يعني يظنونه، ولهذا فإن علم التنجيم أو الأبراج والحكم على أحوال الناس بأبراجهم من علوم التنجيم المحرمة وعلم التأثير، وهو من السحر، وهو ادعاء علم الغيب -نسأل الله العافية والسلامة- ويسمى عند العلماء الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية.
أمَّا الاستدلال بما أرى الله -عَزَّ وَجَلَّ- به مثل أن يرى حركة الرياح فيستبشر، كما قال تعالى: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: 22]، فيعرف أنَّه يسير في البحر سيرًا جيدًا، أو يعرف أن هذه الريح -بإذن الله- تأتي معها الأمطار والخيرات، لكن يعرف أن المطر من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا يقطع ولا يجزم، هذا بالآلات أو بالدراسات هذا لا يظهر، لأنه لا يدَّعي علم الغيب وإنَّما يخبر عما هو من خلق الله -عَزَّ وَجَلَّ- يراه، ويصوره بالأجهزة التي أتاحها الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهم، فهذا ليس محرمًا وإنَّما المحرم هو ادِّعاء ما سيكون في الغد من علوم لا يعلمها إلا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وللنَّسائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيها فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ».
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسولَ اللَّهِ قالَ: «ألا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ما العَضْه؟ هِيَ النَّمِيمَةُ: القالَةُ بَيْنَ النَّاسِ» رواه مسلم.
وَلَهُما عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قالَ: «إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرً»)
}.
هذا أيضًا تكميل لبيان أنواع السحر، فحديث أبي هريرة أخرجه النسائي أنَّ النبي قال: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيها فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»، وهذا أوضح أمور السحرة، السحر يعتمد على العُقَد والنَّفث فيها، يعقد العقدة ثم ينفث بأمور شركية، يستغيث بالشياطين ويناديهم ويدعوهم من دون الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فتخدمه الشياطين، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: 128]، هذا الاستمتاع هو الذي يكون بين الساحر وبين من يأتيه يطلب منه السحر، وبين الساحر وبين الشيطان الذي يناديه من دون الله -عز وجل- ويطلب منه الطلبات، فيقع السحر بقدر الله الكوني،.
وقوله : «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيها فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، ولهذا أمرنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن نستعيذ بالله من شرهم، قال: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4].
وقوله: «فَقَدْ أَشْرَكَ» دليل على كفر من فعل هذا الفعل، وأنه أشرك بالله -عَزَّ وَجَلَّ- وهذا لا يكون إلا بعبادة الشياطين كما تقدَّم معنا. فهذا معنى الحديث وهو نوع من أنواع السحر.
الجملة الأخيرة، قوله: «وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»، وهذه قاعدة كبرى فمن تعلق بالسحرة ضاع ووكل إليهم، ووُكل إلى أشر الناس وأخبث الناس وأحقد الناس وأمرض الناس وأكذب الناس وأكثرهم أكلًا لأموال الناس بالباطل، فماذا عندهم؟! ما عندهم إلا الضَّرر المحض، فهو الذي يداوي نفسه بهلاكها، وخروجه عن ملة الإسلام، ومَن تعلق بالله الحي القيوم فمَن يتوكل على الله فهو حسبه، فالمؤمن يتعلق بالله -جَلَّ وَعَلَا- ويتَّقيه ويعبده ويلجأ إليه.
قال في حديث ابن مسعود: «ألا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ما العَضْه؟» "العَضْهُ" ضبطت بسكون الضاد وضم الهاء، وتطلق على معنيين في اللغة العربية:
- الكذب.
- والسحر.
فهذا أمر معروف، ثم النبي نقلهم إلى أمر قد لا ينتبهون له وهو مؤثر تأثير السحر، وهو القالة بين الناس، والنميمة هي القالة بين الناس، يعني نقل الكلام بالأقوال، والنميمة تسمى عضْهًا يعني كأنها سحر، ولهذا قال بعض السلف: "يفعل النمام في ساعة ما لا يفعله الساحر في سنة"، إذًا النميمة شرها عظيم، يحذر منها النبي لأنَّها تشبه السحر في الإفساد بين الناس، هذا يفسد بين الزوجين أو بين الأقارب بالكلام، أخوك يقول كذا، وزوجتك تقول كذا؛ فيتغير القلب! نعوذ بالله، قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم 10 - 11]، وقال : «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتّاتٌ» ، يعني: نمام.
الحديث الأخير حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: قال رسول الله : «إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرً»، البيان الذي هو الفصاحة والبلاغة والتأثير في السامعين، سبحان الله! النبي حكم عليه بهذا، البيان والفصاحة والبلاغة يؤثر في الحضور وفيمن يستمع، وهذا شيء مشاهَد ومجرَّب ويراه الإنسان بنفسه، يأتي شخص يتكلَّم بمحتوى معين من الكلام ولكن يعرضه بصورة ضعيفة وليس فيها بلاغة، ويأتي آخر بنفس المحتوى فيؤثِّر فيك تأثيرًا بالغًا، هذا التأثير قال النبي عنه: «إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرً».
وهل هذا مدح أو ذم؟
قال جمهور العلماء: إنَّه مدح، أن الإنسان يكون كلامه طيب وفي نصرة الحق، وفي بيان الحق والدفاع عنه.
قال آخرون: بل هو ذم، لأنه شبهه بشيء مذموم وهو السحر، والذم هنا ليس على كل بيان، وإنَّما على ما يقوله الكاذبون المفترون كشعراء باطل أو المتحدِّثون بالباطل أو المروِّجون للكفر أو المروِّجون للشبهات، فعملهم يشبه عمل السحر، فهذا أمر محتمل.
والحقيقة الجمهور على أنَّه للمدح والثناء على حسن البيان وحسن المنطق.
تقول: "هذا مجاج النحل" تمدحه وان تشاء قلت ذا قيء الزنابيل هو العسل
مدحا وذما وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير
فالإنسان يحرص على أن يبين الحق بالكلام الطيب والفصاحة لأجل أن يؤثِّر في الناس بالخير، ويوصل إليهم كلام الله وكلام رسوله ، والأحكام الشرعية بالطريقة الصحيحة، ويحذر كل الحذر ممن يقوم ويستخدم هذه نعمة البيان في نقلِ الباطل ونشر الباطل والترويج للباطل -نسأل الله العافية والسلامة.
{قبل أن نختم شيخنا، الحديث اليوم كان عن السحر وأنواع السحرة، نريد أن نختم بأمر، ألا وهو: قضية الذكر في حيَّاة الإنسان، وأن الإنسان يتشبث بالذكر حتى يعصمه الله تبارك وتعالى من شر السحرة ومن شر كل كيد يحصل له}.
الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: 36]، وذكر الرحمن هو القرآن، والقرآن شفاء وعلاج وهداية وبصيرة ونجاة وسعادة وحياة، فالقرآن كله خير وبركة، والمؤمن إذا ابتلي بشيء من الأمراض هذه أو السحر أو غيره يلجأ إلى الله ويدعوه ويتضرَّع إليه، ويقرأ سورة الفاتحة ويكررها، ويرقي نفسه بها، ويقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين وآخر آيتين من سورة البقرة وآية الكرسي، ويتوكل على -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا يتوكل على غيره، ونبينا محمد ابتُلي بشيء من هذا، في شيء يتعلق بأمور الدنيا طبعًا في أمور البيت، فماذا فعل؟ وماذا حصل منه؟ حصل منه اللجوء إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والدعاء، حتى أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليه ملكين ورأى رؤيا، وتكلم بما وقع وأن السحر مكانه في المكان الفلاني، والحديث في الصحيحين، فرقى نفسه «باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ» ، «اللهم رب الناس اذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك لا يغادر سقم»، « أسأَلُ اللهَ العَظيمَ رَبَّ العَرشِ العَظيمِ أنْ يَشفيَكَ» ، سبع مرات تضع يدك على موضع «باسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ باللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» ، وهكذا، أدعية واردة عن النبي تقولها وتكررها، وتلجأ إلى الله وتدعوه في السجود وفي أوقات الإجابة، والله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يخيب من رجاه، لكن إذا ابتلى عبدًا فعلى العبد أن يصبر ويعلم أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يقضي قضاءً إلا خيرًا؛ فيلجأ إلى الله ويحسِن الظَّن بالله ويتوكل على الله ويبشر بالخير والعاقبة للمتقين.
والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
{نشكركم شيخنا المبارك، نسأل الله تبارك وتعالى أن يفتح لكم وأن يزيدكم من فضله، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة، نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم في لقاءات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك