الدرس التاسع

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

10953 9
الدرس التاسع

كتاب التوحيد 2

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، وأسعد الله أيامكم وأوقاتكم بالخيرات والبركات، مرحبًا بكم في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج (جادة المتعلم) والذي نشرح فيه (كتاب التوحيد) للمستوى الثاني يصحبنا فيه فضيلة الشيخ/ الأستاذ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، باسمكم جميعا أرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله شيخ فهد}.
الله يحييكم ويحيي الجميع، طَيَّبَ الله أيامكم وأعمالكم بالخيرات والبركات.
{أمين وإياكم شيخنا الغالي، كنا قد توقفنا في اللقاء الماضي عند (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ)}.
على بركة الله.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
قال -رحمه الله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ، وَقَوْلُ اللَّه تعالى: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .
وقوله: ﴿قالوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ الآيَةَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن الرَسُول قال: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةٍ، وَلَا صَفَرَ» أَخْرَجَاهُ. زَادَ مُسْلِمُ: «وَلَا نَوْءَ، وَلَا غُولَ».
وَلَهُمَا: عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ، قالوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قال: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ»)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أمَّا بعد، فنسأل الله -جل وعلا- لنا ولكم ولجميع المسلمين، العلم النافع، والعمل الصالح، والتوفيق لِمَا يحبه الله ويرضاه.
ونستكمل القراءة في هذا الكتاب المبارك (كتاب التوحيد) الذي هو حق على العبيد للشيخ الإمام المجدد، الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- تعالى وغفر له. حيث يقول: (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ) وهذا الباب بعد (باب الكهانة)، وبعد (باب النشرة)، ومن قبله (السحر)، وهذه الأمور كلها فيها ادعاء علم الغيب.
وكذلك التطير وهو التشاؤم بالأشياء، سواء الأشياء المرئية أو الأشياء المسموعة، أو الأوقات أو الأماكن، وكذلك الأشخاص أو الحيوانات والطيور أو البقاع أو غير ذلك من جميع المخلوقات، فبعض الناس يتشاءم ويجعلها مُستقلة بالنحس والشر، ويجعل في هذه المخلوقات هذه الأمور من دون الله -عز وجل- ويعتقد أنها مُستقلة بذلك.
هذا من أمور الجاهلية، وهو منتشر انتشارًا كبيرًا جدًا قبل الإسلام، وكذلك في هذه الأزمنة، ولذلك حذر الشيخ منه، بما ورد فيه من خلال القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، فقال: (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ، وَقَوْلُ اللَّه تعالى: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ) هذه الآية الكريمة في سورة الأعراف يخبر الله -سبحانه وتعالى- عن قوم فرعون الكفرة، عندما أخبر الله عنهم بقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ ، فهم يجعلون نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أولي العزم من الرسل، وأرسل بالخير العظيم لهم، ولنجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، يجعلونه مصدرًا للشر، فيتطير ويقول: إذا جاءتنا مصائب فهي بسبب موسى ومن معه، يقصدون من مع موسى من المؤمنين الذين آمنوا معه، فردَّ الله -عز وجل- عليهم، وبَيَّنَ كذبهم فقال: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ﴾ أي: حظهم ونصيبهم وقدرهم وما يجري لهم من خير أو شر، وكذلك النحس الذي هم يتشاءمون بموسى، كل هذا من عند الله -عز وجل- أي: قدره الله -سبحانه وتعالى- فكل ما يجري على الخلق الآن، وقبل وبعد، كله بتقدير الله العزيز الحكيم، وليس لشخص أو لرجل من الناس أو لشجرة، أو لجني أو لملك من الملائكة، ليس له القدرة على أن يعطي الخير أو أن يمنع الشر، كلهم مربوبون مخلوقون، لا يملكون لأنفسهم فضلا عن غيرهم، نفعًا ولا ضرًا، ولهذا قال: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، وهذا حال الكفار والمشركين قبل الإسلام.
هذا النوع يعتبر من الكفرة الملاحدة، أي أنَّ فرعون وجماعته من الكفرة الملاحدة، ويدخل تحت هذا أمم لا حصر لها؛ لأنَّ الله -عز وجل- قال عن هؤلاء في سورة القصص: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ [القصص:41]، فهم أئمة في هذا الشر، ولهذا لا تستغرب أنَّ الملاحدة اليوم يسلكون هذا المسلك القديم، فيجعلون أهل الإيمان وأهل الإسلام، هم مصدر الشر، ومصدر الشؤم، ومصدر النحس، فهذا المسلك قديم وليس مسلكًا جديدًا.
قال: (وقوله: ﴿قالوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ الآيَةَ [يس:19]) هذه في سورة يس، وهؤلاء الرسل الكرام الذين أرسل الله -عز وجل- إلى أهل القرية اثنين ثم عزز بثالث ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس:16-18] خلاص أنتم مصدر الشؤم، هؤلاء رسل كرام، ينزل عليهم الوحي، يخبرون الناس بما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا وفي الآخرة، كيف يكون هكذا؟ ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ . فردَّ الرسل عليهم: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ ، الذي قُدِّرَ عليكم من عند الله -عز وجل- هو مصاحب لكم، يعني: قدرك لا يمكن أن ينفك عنك، وجميع الخلائق هكذا ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ .
ثم جاء الرد الثاني، قال: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ يعني: لَمَّا ذكرناكم بالله وإخلاص العبادة له، واتباع شرعه، والتمسك بدينه، هذا ردكم علينا؟ أنكم تقولون: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ ، هل هذا جزاؤنا؟ بدلاً من أن تدعون، وتشكرون، وتحمدون الله على هذه النعمة، تردونها بهذا الكلام ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ۚ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ ؛ لأنَّ غاية الإسراف هو التكذيب، ورد ما جاءت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام-.
إذًا ماذا نستفيد من هاتين الآيتين؟ نستفيد أنَّ أهل الكفر بشتى أصنافهم عندهم التطير، وعندهم التشاؤم، وأيضا انقلبت عندهم الموازين، حتى ظنوا الخير شرًا، نسأل الله السلامة والعافية.
{قال:)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن الرَسُول قال: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةٍ، وَلَا صَفَرَ» أَخْرَجَاهُ، زَادَ مُسْلِمُ: «وَلَا نَوْءَ، وَلَا غُولَ»)}.
هذه ستة ألفاظ، أبطلها كلها الرسول بهذا الكلام العظيم، وقد أُوتي جوامع الكلم «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةٍ، وَلَا صَفَرَ» وزيادة عند مسلم «وَلَا نَوْءَ، وَلَا غُولَ».
الأولى: العدوى، أي أنَّ العدوى ليست مُستقلة بنفسها، كما كان يظن أهل الجاهلية أنها تنتقل بدون قدر الله -عز وجل، وهذا خطأ؛ لأنَّ العدوى -المرض- من قدر الله -عز وجل-.
والعدوى هي انتقال المرض من شخص إلى شخص، أو من حيوان إلى شخص، أو من حيوان إلى حيوان، وهذا مثل: الجرب، وجاء رجل كما في سنن الترمذي إلى النبي لَمَّا سمعه يقول: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ» فقال: «يا رسول الله، فَما بالُ إبِلِي، تَكُونُ في الرَّمْلِ كَأنَّها الظِّباءُ، فَيَأْتي البَعِيرُ الأجْرَبُ فَيَدْخُلُ بيْنَها فيُجْرِبُها؟ فقالَ : فمَن أعْدَى الأوَّلَ؟» ؟ يفهمك أن معنى قوله: «لَا عَدْوَى» ليس لإنكار انتقال المرض من شخص إلى شخص، هذا لم ينكره النبي ، ولكن أنكر اعتقاد أنه ينتقل مُستقلاً، أو كما كان يعتقد أهل الجاهلية، أنَّ هذا من الأشياء التي لا يَقدر الله -عز وجل- عليها.
والصواب أنَّ العدوى تنتقل بقدر الله -عز وجل-، ولهذا قال : «فمَن أعْدَى الأوَّلَ؟» يعني: من الذي أصاب الأول بالجرب؟
الله -سبحانه وتعالى- قَدَّرَ ذلك، وكذلك يقدر الله -عز وجل- انتقال المرض من هذا إلى هذا.
{لكن قد يَرِدُ أنَّ الأول هو من أعداهم جميعًا}
نعم، فقوله: «لَا عَدْوَى» ليس إنكارًا لحقيقة وجود العدوى، ولكن هو إنكار لِمَا كان أهل الجاهلية يعتقدونه، من أنَّ العدوى مُستقلة، وليست بقدر الله.
قوله : (لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ) يُرادُ به إنكار ........
حقيقة وجود العدوى – استقلال العدوى وأنها ليست بقدر الله – غير ذلك
استقلال العدوى وأنها ليست بقدر الله


قال: («وَلَا طِيَرَةَ») ما معنى قوله : («وَلَا طِيَرَةَ»)؟
هذا إبطال لكل ما كان عليه أهل الجاهلية من التطير، ولهذا قال: (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ) إذًا النبي أبطل ماذا؟
أبطل التطير وأنكره، وبَيَّنَ أنَّه لا حقيقة له.
ما هو التطير؟
التطير هو التشاؤم، لَمَّا يطير طير، وأنت تريد السفر، تقول: سأسافر إلى البلدة الفلانية، ثم ترى طيرًا أمامك، طار يمنة أو يسرة، ثم تزعم أنَّ هذا دليلاً على أنَّ هذا السفرة هذه سيحدث فيه حادث، أو سيكون فيها وفاتك، أو سيكون فيها خطر عليك، أو سيتعرض لك اللصوص، كل هذا بناء على الطير، وهذه خرافة، وقد تشاءمت أنت من هذه الخرافة، وهذا باطل، وهذا ليس من باب العلم، وليس فيه هدى، وليس نورًا من الله -سبحانه وتعالى-، بل هذا كذب وإفك، وهذا الذي يفعله أهل الجاهلية كذب وإفك؛ فأبطله الإسلام.
وسمعت الآن أنَّ بعض الناس في المباريات يقول لك: والله هذه الدجاجة أو هذه الحمامة، إذا ذهبت إلى كذا، معناه: أن الفريق الفلاني سيفوز، وهذا من جسم ما يفعله أهل الجاهلية، الذي أبطله الرسول .
{شيخنا الفاضل، المراد من هذا ليس التطير يقع بماهية الطير، وإنما يقع بأشكال أخرى، يعني: يكون له صورًا مُتعددة، هذا هو القصد منه}.
التطير هو التشاؤم، سواء بالطيور أو بغيرها أو بالأرقام، يقول: رقم كذا أنا لا أحبه، هذا رقم مشؤوم، وهذا ليس له أساس.
وقد يكون في الطلاب أو في السيارات أو في الشوارع أو إذا قال: رأيت رجلاً به عاهة، والعاهة مثلا، رجل أصلع أو أقرع أو أعمى أو أعور أو أعرج أو أبرص أو كذا، فتراه يقول: ما دمت قد رأيت هذا، فسيصيبنا قارعة في الطريق. وهذا كله باطل، وهو من التطير.
والتطير صوره لا تحصى، التطير صوره كثيرة جدًا، كلها داخلة في قوله : («وَلَا طِيَرَةَ»)، و «لَيسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَو تُطيِّر له» .
قال: («وَلَا هَامَةٍ، وَلَا صَفَرَ»). الهامة ما هي؟ قيل: إنها معتقد جاهلي، يعني: أنَّ حية تخرج عند قبر المقتول، وتقول: اسقوني من دم القاتل. هذا أحد الأقوال، وفيه قول الشاعر:
يَا عمرُو إِنْ لا تَدَعْ شتْمِي ومَنْقَصَتِي ... أَضْرِبْكَ حتّى تقُولَ الهَامَةُ اسْقُونِي يعني: الدعوة إلى الثأر، بمثل هذه الخرافات.
وقيل: إنها مرض يُصيب، وقيل: إنها أيضًا البومة، والبومة طائر، فإذا طار وصاح قال: نعت إليَّ أحد أهل بيتي، يعني: تخبرني البومة بصياحها فوق البيت أنَّ واحدًا من أهل البيت سيموت، أو أنا سأموت، وهذا يسمى الهامة، وكذلك يدخل من جملة التشاؤم، خُصَّ لأنَّه مشهور عندهم.
فالبومة والغراب والحية، وكل هذا مخلوقات لا تملك لنفسها لشيء، ولا تعلم شيئًا، ولا تدبر شيئًا، ولا يُبنى على تصرفاتها شيء أبدًا.
قوله: («وَلَا صَفَرَ») هو شهر صفر المشهور والمعروف، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون فيه، فلا يسافرون فيه. وقيل: إنها دابة تخرج في البطن، يعني: مرض يصيب البطن، ولكن المشهور أنَّ شهر صفر يتشاءمون به، يقول: لا نسافر أو لا نتزوج فيه، والسبب -والله أعلم- إما أن يكون شيئًا قد حدث في وقت مؤقت، ثم سلكوا هذا المسلك، ومشوا عليه، والمهم أنه لا أصل له.
بعض الناس يقابل تصرفات هؤلاء فيقول: صفر الخير، هذا غلط، وما يجوز، لا خير ولا شر، شهر من الأزمنة، شهر من شهور الله -عز وجل.
رمضان شهر مبارك، لكن البركة فيه لأجل ما شرع الله -عز وجل- فيه من الصيام، وما جعل فيه من العبادات الخاصة، فهذه بركة مقصورة، ولكن من ناحية الزمان نفسه، ما نأتي ونقول: هذا الزمان الآن فيه بركة معينة أو فيه شر معين، إلا بدليل.
قال: («وَلَا نَوْءَ») النوء هو النجم والأبراج، يتعلقون بها، ويجعلونها مصدرًا لمعلومات، أو مصدرًا لمعرفة ماذا سيقع للإنسان من تجارة أو خسارة أو صداقة أو زواج أو غير ذلك، وكل هذا باطل.
وكذلك الاستسقاء بالأنواء، سيأتي له باب خاص، وهو نسبة المطر إلى النجوم.
قال: («وَلَا غُولَ») الغول نوع من الجن، قد تتشكل للناس في الصحاري، وخاصة في الليل وتروعهم، وتُصدر أصواتًا أو يرون أضواءً أو نارًا أو أنوارًا؛ فيخاف بعض المسافرين، وهذا جعلهم يعتقدون أنَّ الجنَّ سيفعل بهم كذا أو كذا، وأنَّ أنثى الجن، وتسمى: السُّلْعُوَّة، أو سعالي الجن، والغول يعني: يتغول أي: يظهر في الليل، أو يخيف المسافرين، وأنهم سوف يفعلون ويتركون، وينزلون بهم الضر، وأنهم كذا وكذا، والصواب أن يتوكل على الله، وألا يلقي بالاً لهذا، والله -عز وجل- سيحميه، وفي مسند الإمام أحمد: «وَإِذَا تَغَوَّلَتْ لَكُمْ الْغِيلَانُ، فَبَادِرُوا بِالأَذَانِ» ، وإن كان الحديث في سنده مقال، ولكن هذا مما يدفع شّرَّهم، أنك تؤذن، وتقرأ آية الكرسي، وتذكر الله -عز وجل-، وتتوكل على الله، وتمضي في أمورك، فلا تقف الجن تخبلك أو تروعك أو ترهبك، بل توكل على الله، وامض في حاجتك، ولا تعتقد ما يعتقده أهل الجاهلية، أنَّ عندها قدرات، وأنها ستفعل بك كذا، لا، بل توكل على الله -سبحانه وتعالى- وسارع بالذكر؛ لأنَّ الذكر يُبطلها ويذهبها -بإذن الله- ويحفظك الله، ولهذا لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح.
الحديث الذي بعده {قال: (وَلَهُمَا: عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أنَّه قال: قال رسول الله : «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ»، قالوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قال: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ»)}.
وقوله : («لَا عَدْوَى») كما تقدم هو إنكار لِمَا يعتقده أهل الجاهلية من أنَّ العدوى تُعدي بطبعها استقلالاً، وأنها هي التي تؤثر استقلالا، وأنَّ من خالط المريض عندهم لابد من أن يهلك، ولابد أن يُصيبه ما أصابهم، فنقول: لا، توكل على الله -سبحانه وتعالى-.
هل معنى هذا أننا نقول: خالطوا المرضى؟
لا، وإنما نقول: خذ بالأسباب، وابتعد عن المرضى الذين كان مرضهم مُعديًا، ولكن إذا وقعت العدوى، فهي قد وقعت بقدر الله -عز وجل-، وأحيانًا تكون المخالطة سببًا، وأحيانًا تنتقل العدوى دون مخالطة، كأن تنتقل بالريح مثلا أو تنتقل بأسباب الله أعلم بها، ولهذا فالمؤمن ماذا يفعل؟
يتوكل على الله سبحانه، ولهذا يُروى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ ثُمَّ قَالَ: «كُلْ بِسْمِ اللَّهِ، ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ»، وهو القائل نفسه: «فِرَّ من المجذومِ فراركَ من الأَسدِ» ، وقال: «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ» ، والممرض أي لا يورد، أو لا يأتي بإبله وفيها مرض، فتشرب من الماء، ثُمَّ يأتي صاحب الإبل المصح، يعني: صاحب الإبل الصحيحة فتشرب بعدها؛ لأنَّ هذا سببٌ في إمراضها، وهذا معنى قوله : «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ» يعني: أنها لا تنتقل استقلالاً.
قوله: («وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ») قالوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قال: («الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ») لاحظ أنَّ الفأل مُستحب، يعني: كان محبوبًا للنبي ، والفأل ليس من جنس الطيرة، بل هو عكس الطيرة، والفأل، أي أن تسمع دون فعل، أي لا تتقصد فعلا مُعينًا، وإنما كلمة تَعْبر وتسمعها أنت عرضًا لا قصدًا أيضا.
أمَّا القصد والتكلف لهذه الأمور هو من الابتداع في الدين، مثلاً يأتي من يقول: عندنا اختبار صعب، فيأتي شخص اسمه: "سهل"، فيقول: اللهم سهل علينا الاختبار، فتراه وقد انفرجت أساريره، وفرح بهذا الاسم لَمَّا سمعه؛ لأنَّه تذكر أنَّ الله هو الذي بيده تسهيل الأمور.
إذًا هنا ماذا قام بقلب الذي سمع الكلمة الطيبة؟ هل قام بقلبه سوء الظن أو قام بقلبه الشؤم والتقاعس؟ لا. بل قام بقلبه العكس، قام بقلبه الثقة بالله، والتوكل على الله، وحسن الظن بالله، ولهذا لَمَّا جاء سهيل بن عمرو، قال النبي : «لقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِن أمْرِكُمْ» ، وهكذا لو كان رجلا يسير بحثًا عن حاجة، فقابل رجلا فسأله عن اسمه، فقال: اسمي واجد، فقال: يا رب أجد ضالتي. هذه لا بأس بها ولا تضر، إذًا الكلمة الطيبة صدقة، وكذلك هي من الفأل، يسمعها الرجل أو تقال له، كما سيأتي إن شاء الله.
قال -رحمه الله: (وَلِأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قال: "ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقال: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدَكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ».
وعن ابن مسعود مرفوعًا قال: "الطِّيرةُ شِركٌ، الطِّيرةُ شِركٌ، الطِّيرةُ شِركٌ، وما منَّا إلَّا ولَكِنَّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ" رواه أبو داود، والترمذي، وبين أنَّ آخره من قول ابن مسعود.
وَلِأَحْمَدَ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرُو -رضي الله عنهما-: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجتِهِ؛ فَقَدْ أَشْرَكَ»، قالوا: فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قال: أَنْ تَقُولَ: «اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ». وَلَهُ: مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ، أَوْ رَدَّكَ»)
}.
حتى يُعَلِّمَ المسلم وطالب العلم، الكلمات العظيمة التي قالها الرسول .
قال : («أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ») يعني: أنَّ سماع الكلمات منه ما هو تطير، ومنه ما هو تفاؤل وحسن ظن بالله -عز وجل-.
ولهذا قال: («أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ») يعني: أنَّ الفأل ليس تطيرًا، ولكن هو نوع تأثر بكلام يُقال، لكنه يحمله على حسن الظن بالله، والتفاؤل والثقة بالله سبحانه، والمضي والعزيمة والإنجاز، ولذلك مدحه النبي ، ولهذا قال: «وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمً»؛ لأنَّ الطيرة وسوء الظن دائمًا ما يجعل الإنسان في اكتئاب، ويجعله متوقعًا للشرور، ومثل هذه النفسية غالبًا لا تُنتج، ولا تنجح في أمورها، حتى ولو كان الأمر سهلا يتأثر؛ لأنَّه يتوقع الأسوأ، ويقول عنها: سيحدث لي كذا، ويحدث لي كذا، وربما يمرض وهو بهذه الظنون الفاسدة، ولا تفيده، وربما حتى تصيبه أمراضًا أخرى بسبب هذه النفسية السيئة، ولهذا أبطلها الرسول ، فقال: («وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمً»).
ما معنى («وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمً»)؟ يعني: إذا جاءك هذا الهاجس، ووقع في قلبك فتوكل على الله. مثال: رجل سيسافر بعد صلاة الفجر مثلا، فصلى الفجر وركب السيارة، ثم رأى قطًا ميتا مثلا أو رأى حمامة أو بومة صاحت، فقال: لا، لن أسافر! ينهاك الرسول عن كل هذا، وعليك أن تتوكل على الله («وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمً») وامض في أمورك.
تفتح دكانك ورأيت شيئًا، وجاءك شيطان أو هاج الشيطان، فتوكل على الله، افتح وسترزق -إن شاء الله- وابحث عن الخير.
قال: («فَإِذَا رَأَى أَحَدَكُمْ مَا يَكْرَهُ») هذه من الأشياء التي تدفع الطيرة وتعالجها، ما هي؟ أنك تقول هذا الدعاء: «اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» وهذا مما يذهب هذه الهواجس، وهذه الوساوس عن القلب.
قال: وعن ابن مسعود مرفوعًا قال: («الطِّيرةُ شِركٌ، الطِّيرةُ شِركٌ، الطِّيرةُ شِركٌ»)، وقوله: (وما منَّا إلَّا ولَكِنَّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ) الصواب أن هذا من كلام ابن مسعود، يعني: أنه قد يصيب القلب كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في المسألة الثامنة: إنَّ الواقع في القلب من ذلك مع كراهته لا يضر بل يذهبه الله بالتوكل، يعني: ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "ما منا من أحد إلا وقد يأتيه مثل هذا التفكير"، فماذا نفعل؟ قال: (ولَكِنَّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ)، ما تترك الأمور، توكل على الله وامض في أمورك، فيذهب عنك هذا الهاجس، وهذا التفكير الشيطاني.
قال: (وَلِأَحْمَدَ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرُو -رضي الله عنهما-: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجتِهِ؛ فَقَدْ أَشْرَكَ»). وهذا يُبين أنَّ هذا من الشرك، نسأل الله العافية والسلامة.
هل الشرك هنا أكبر أم أصغر؟
إذا أعتقد أنَّ هذه الأمور مخلوقات، وأنها مصدر للشرِّ استقلالا من دون الله -عز وجل- فهذا شرك أكبر.
وأمَّا إذا أعتقد أنَّها أسباب، وأنَّ الأمر كله بيد الله، لكن وقع في هذا الشيء، فهذا من الشرك الأصغر.
(قالوا: فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قال: أَنْ تَقُولَ: «اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»): أي لا قدر، ولا حظَّ ولا نصيب إلا من عندك، يعني: الخير من عندك، والشر من عندك، وكل شيء بتقديرك، ولهذا نؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: (وَلَهُ: مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ، أَوْ رَدَّكَ») يعني: ما يقع في القلب دون أن تستجيب له، لا يعتبر من الطيرة، يعني: لا يضرك إذا تعوذت بالله منه.
ولهذا نختم هذا الباب، ونأخذ الباب الذي بعده.
{قال -رحمه الله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ.
قال البُخَارِيّ فِي صَحِيحِه: قال قَتَادَةُ: "خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: زِينَةً للسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ؛ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ به" انْتَهَى.
وَكَرِهَ قَتَادَةُ: تَعَلُّمَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ ابنُ عُيَيْنَةَ فِيهِ. ذَكَرَهُ حَرْبٌ عَنْهُمَا. وَرَخَّصَ فِي تَعَلُّمِ الْمَنَازِلِ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَعَن أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحْمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وابْن حِبَّان فِي صَحِيحِه)
}.
هذا الباب فيما يتعلق بالنجوم، قال -رحمه الله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ) أي: في الاعتقاد في النجوم أو التعامل مع النجوم، والتنجيم يطلق على أمرين: الأول: علم التسيير، والثاني: علم التأثير.
فإذا اعتَقَدَ في النجوم علم التسيير، يعني: أنَّ هذا النجم دائمًا في الجهة الشمالية، فإذا سرت في الطريق، أعرف أين اتجاهي، أعرف اتجاه القبلة، أعرف أوقات الزروع مثلاً، أعرف الجهات الأربع في البحر، وذلك من خلال معرفة النجوم، قال تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل:16] هذا يسمى علم التسيير، وهذا علم جائز، لا بأس به.
أمَّا الثاني: وهو علم التأثير، فهو كما عرَّفه العلماء: الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، الأحوال الفلكية مثل: هذا النجم وقع في المكان الفلاني، هذا النجم اقترن بهذا النجم، هذا في التسديس، هذا في التربيع، هذا في كذا، هذا المنزل المعين للقمر، هذا كذا، هذا دليل على أنَّ كارثة ستقع، أو كذا سيموت، أو كذا سيحيا، أو حربًا ستقوم، وهذا يعني أنَّ الحوادث الأرضية نتيجة لهذا الشيء. فما حدثت الحرب إلَّا لَمَّا انتقل هذا النجم إلى هذا المكان، وهذا استدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، وهذا منه ما هو كفر مخرج من الملة، وهو دين الصابئة الكفرة، الذين بُعث فيهم إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- وكانوا يعتقدون في النجوم، والاعتقاد في النجوم ليس خاصًا بهم، فدعاهم إبراهيم الخليل إلى الله -عز وجل- وإلى الإسلام والتوحيد، وإلى الكفر بهذا الباطل الذي يعتقدونه، وهذا موجود في أمم كثيرة.
وهناك بعض المنحرفين في الأمة الإسلامية، كحال ذلك الشخص الذي أَلَّف كتبًا في مخاطبة النجوم، فهم يخاطبون النجوم، ويعتقدون أنها ترد عليهم، وأنَّ بيدها شيء من التصرف، هذا يسمى علم التأثير، وهذا العلم من الكفر المخرج من الملة.
وعلم البرمجة اللغوية العصبية بعض الذين يدعون أنهم من المدربين أو كذا يضعون هذه الأشياء في مخاطبة النجوم، أو مخاطبة الشياطين، وهم في الحقيقة يعبدون الشياطين وليس النجوم؛ لأنَّ النجوم ليست إلا أجرام مخلوقة، مدبرة، مسيرة، لا تتكلم، ولا تخاطب، ولا تملك، ولا تنفع، ولا تضر، وإنما هي مُدبرة مسخرة من الله -عز وجل، خلقها ودبرها وسخرها، فهم يجعلونها مُؤثرة.
ومن الفلاسفة الكفرة كذلك من يعتقد فيها، ولهذا إذا رأيت هذا الشيء القديم موجود، فاعرف أنَّ في المعاصرين من يقول به، من أنواع أهل الملل وأنواع الكفار، وهذا يسمى علم التأثير، وكلتا الحالتين فيها كفر مخرج من الملة.
من علم التأثير أنه يقول: أنا أعتقد أنها سبب في حدوث الحرب، أو حدوث الغلاء، أو حدوث كذا، يقول: الآن هذه النجوم انعقدت، أو تحركت، أو جت في كذا، إذًا هذا سبب جعله الله -عز وجل- سببًا في حدوث الحرب، هذا نوع ثالث، وهذا يعتبر أيضًا من الكفر، كما ذكر ذلك شيخنا الشيخ/ صالح الفوزان -حفظه الله- وغيره من أهل العلم؛ لأنَّ هذا كذب وباطل، وجعل لهذه المخلوقات -النجوم- جعل لها تأثيرًا، وهذا مخالف، فليس لها أيتام. وليس لها تأثير أبدًا.
ممكن نقول: ثلاثة أقسام.
الأول: الصابئة ومن يعتقد فيها ومن يعبدها ويخاطبها.
الثاني: من يجعلها سببًا، وهي ليست بسبب.
الثالث: من يقول هي ليست بسبب، ولكن هذا النجم لَمَّا جاء هنا مطرنا به، فيتلفظ بهذه الألفاظ، فهذا من الشرك الأصغر، كما سيأتي في: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالْأَنْوَاءِ) له باب خاص، والنوعين الأولين كلهما كفر، هذا الذي يظهر، والله أعلم.
النوع الأول: واضح، والثاني الذي يظهر -والله أعلم- أنَّ من جعل هذه النجوم سببًا، وأنها هي مسببة للحروب، ومسببة للغلاء، ومسببة للفيضانات، ومسببة للكوارث، هذا يعتبر من الكفر، والله تعالى أعلم.
أمَّا النوع الأخير فقلنا: إنه هذا من المحرم، فالتنجيم يكون من الشرك الأصغر.
قوله: (قال البُخَارِيّ فِي صَحِيحِه: قال قَتَادَةُ: "خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: زِينَةً للسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ؛ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ به").
أي: أخطأ في ظنه، وأضاع نصيبه لَمَّا بنى دينه وعقيدته على هذا، وتكلف ما لا علم له به؛ أي: ليس عندهم يقين ولا ظن غالبًا، بل كلها من باب التخرصات.
قال: (وَكَرِهَ قَتَادَةُ) الكراهة عند السلف من الصحابة والتابعين بمعنى التحريم، وقتادة هو: قتادة بن دعامة السَّدوسي، من علماء التابعين، ومن العلماء المشهورين بالتفسير.
ماذا كره قتادة؟ كره (تَعَلُّمَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ).
(وَلَمْ يُرَخِّصْ ابنُ عُيَيْنَةَ فِيهِ) هو سفيان بن عيينة -رحمه الله-، وهو ممن لم يرخص في تعلم منازل القمر، ومنع منه.
ومنازل القمر يتم تعلمها لمعرفة الزروع، ومعرفة الأوقات، والحقيقة أنَّ هذا قول قتادة في الكراهة مجروح هنا، وعدم الترخيص قول مجروح، والصواب هو جواز ذلك لِمَا تقدم ذكره، من معرفة القبلة، والطرقات، وأوقات الصلوات. كيف يسير في الطريق، ومن أوقات الفصول الأربعة، أوقات الزروع، لكن الشيخ هنا ذكر هذا ليبين أنَّ السلف منهم من فطن لهذه الأمور، ومنعها منع احتياط وسد للذريعة.
قال: (ذَكَرَهُ حَرْبٌ عَنْهُمَ) هو حرب الكرماني، وذكر هذان القولان عن قتادة، وعن سفيان بن عيينة.
قال: (وَرَخَّصَ فِي تَعَلُّمِ الْمَنَازِلِ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ) وهما من كبار فقهاء أهل الحديث، فهما من أهل الحديث، ومن أهل العلم، وقد رخَّصَ أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه في ذلك؛ لأنَّه جائز، ولا حرج فيه، ولله الحمد.
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ ما دام أنَّ الله -عز وجل- ذكر هذه النعمة فلا تكون حرامًا، ويمنع منها، بل ينتفع منها.
قال: (وَعَن أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحْمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وابْن حِبَّان فِي صَحِيحِه).
هؤلاء الثلاثة أخبر النبي أنهم لا يدخلون الجنة، وهذا وعيد شديد، وألفاظ الوعيد تبقى على إطلاقها، حتى تكون رهبتها في نفوس المسلمين، ولا نأتي على طريقة المرجئة ونقول: لا، هؤلاء كذا، ونؤولها ونحرفها.
ولا على طريقة الخوارج ونقول: كلهم كفار، بل نعمل بمقتضى النصوص الشرعية، ونرد النصوص بعضها إلى بعض، فأصحاب الذنوب التي دون الشرك والكفر، هؤلاء تحت المشيئة، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء:116]، وأمَّا من مات منهم على توبة؛ فإنَّ الله يتوب عليه، وأمَّا من مات ولقي الله بهذا الذنب الذي هو دون الشرك، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله -عز وجل- عذبه، وإن شاء عفا عنه، وإنَّ عذبه الله فإنَّه لا يُخلد في النار، فقوله : «لَا يَدْخُلونَ الْجَنَّةَ» يعني: إمَّا من أول وهلة، أو أنَّ بعض هذه الصور يكون قد استحلها أصحابها، ويكونوا قد خرجوا من الملة باستحلالهم للخمر أو استحلالهم لقطع الرحم، ولكن المعنى الأول أقرب، وهو أنهم «لَا يَدْخُلونَ الْجَنَّةَ» من أول وهلة، وإنما يكونون في النار، يطهرون في النار، ثم يكون مآلهم إلى الجنة.
(«مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحْمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ»)
الخمر وشرب الخمر من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية والسلامة، ولهذا يجب على المسلمين الحذر منها أشد الحذر، وكذلك قطيعة الرحم، فهي من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية والسلامة.
الثالث: المصدق بالسحر، وهذا الذي يدخل في الكفر، إذا صدق به، واعتقد بصحة ما يقوله السحرة، فهذا يكون كفرا، نسأل الله العافية والسلامة، وأمَّا إذا صدق بالسحر وأنه موجود، وأنَّ له تأثيرًا، ولكنه حرام ومنكر، فهذا لا يعتبر مصدق بالسحر، وإنما المراد بالمصدق بالسحر، أي: ممن يزاوله ويعمل به، ويرضاه ويتعلق به، نسأل الله العافية والسلامة.
أين علاقة الحديث بالباب؟
الجواب: أنَّ السحرة من جنس المصدقين بالسحر، نسأل الله العافية والسلامة، ولهذا قال الشيخ: البشارة الرابعة: الوعيد فيمن صدق بشيء من السحر، ولو عرف أنه باطل، ولهم علاقة كذلك يعني في نعم؛ لأنَّه جاء في الحديث أيضًا: «مَن اقتبَسَ شُعبةً مِن النُّجومِ، فقدِ اقتبَسَ شُعبةً مِن السِّحرِ، زاد ما زادَ» ، وقد مرَّ معنا في (بَابُ بَيَانِ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ)
{قال -رحمه الله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالْأَنْوَاءِ.
وَقَوْلُ اللَّهِ تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ .
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ س أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قال: «أَرْبَعَةٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ».
وقال: «النّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا؛ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانَ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمُ.
وَلَهُمَا عَنْ زَيْدٍ بنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه- قال: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَّةَ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَاَنَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ؛ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقال: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ؟!» قالوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قال: «قال: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ: فَأَمَّا مَنْ قال: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ؛ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمَّا مَنْ قال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا؛ فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَكِبِ».
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَعْنَاهُ، وَفِيهِ: «قال بَعْضُهُمْ لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا؛ فَأنَزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ »)
}.
قال -رحمه الله تعالى: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالْأَنْوَاءِ) الاستسقاء، أي: طلب السقيا، أي: طلب نزول السقيا، وهي المطر، وطلب الغيث والاستسقاء.
وشَرَعَ الله -عز وجل- لأهل الإسلام أن يصلون صلاة تسمى: "صلاة الاستسقاء"، فيطلبون من الله -عز وجل- ويستغيثون بالله، ويستغفرونه، ويرفعون أكف الضر إليه، فهو الذي يغيث، وهو الذي ينزل الغيث، وليست النجوم هي التي تغيث، ولا الأنواء، ولا الشمس، ولا القمر، ولا الأشياء التي يظنها الناس مثل: الرياح، أو حركة السحب، أو غيرها، فكل هذه الأشياء أسباب، وكلها مخلوقات، والذي يُنزل الغيث ويُغيث العباد هو الله -سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ، فأهل الجاهلية تركوا هذا، وكذلك من شابههم فصاروا يستسقون بماذا؟
بالأنواء، يعني: يطلبون من النجوم، أو يعتقدون في النجوم أنها هي السبب في نزول المطر، والأنواء ثمان وعشرين منزلة، أو ثمانية وعشرين نوعًا، ينزل فيها القمر طوال السنة، كل ثلاث عشرة ليلة، هناك نوع، ثم ينتقل بعدها في نوع، وهكذا أشياء معروفة، ونجوم محفوظة، يعرفها أهل الخبرة، وتوجد الآن في هذه التوقيتات، هذه مثل الرزنامات هذه، مثل: أم القرى وغيرها، يكتبون هذه الأسماء، يعرفها أهل الخبرة.
فهذه الأنواع التي تقع فيها منازل القمر، ومنازل الشمس، لا علاقة لها. كمْ سنة علينا كل، وما ينزل ولا قطرة، وكم سنة يمر في هذا، أو في هذا؟ فكيف تأتي وتقول: هذا بسبب النجم الفلاني! حتى لو لم تقله بلسانك، واعتقدته بقلبك، هذا اعتقاد باطل، هذا النجم، هذا مخلوق مدبر، الذي أرسل هذه الرياح، وكون حتى الآن متابع في مثل: التصوير الجوي الآن للمنخفض الجوي، أو الرياح أو الكتلة الباردة، والكتلة الدافئة، أو إلى آخره، هذه الأشياء هي أسباب، من الذي أوجدها؟ من الذي حركها؟
حتى الرياح، وهي تنزل من أعلى إلى أسفل، أو السحب هذا الذي أرسلها وأنشأها هو الله -سبحانه وتعالى-، والذي سيرها حتى تأتي فوق هذه الصحاري والمفازات، فأنزل الله -عز وجل- فيها هذه المياه فوق رأسك، ثم تأتي تقول: "والله كذا وكذا" وتذكر الأسباب، وتنسى الخالق -جل جلاله- هذا من أعظم المنكر، نسأل الله العافية والسلامة.
قال: (وَقَوْلُ اللَّهِ تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ ) أَي: تنسبون المطر إليها، وتنسون الله -عز وجل- ولا تنسبونها إليه، هذا رزقكم، يعني: حظكم ونصيبكم من هذا المطر، ومن قيامكم بأمر الله تعكسونه، وتتركون الشكر، تتركون الثناء على الله، تتركون نسبة الأمور، ماذا صار رزقكم؟
صار أنكم تكذبون، تقولون: بنوء كذا، وبنوء كذا، صدق نوء كذا، صدق نوء كذا، هذا رزقكم من المطر، هذا حظكم، نسأل الله العافية والسلامة.
فالمؤمنون يحذرون من هذا، فلا يكذبون، إذًا هذا تكذيب، انظر كيف أنكم تكذبون!
إذًا من القرآن نأخذ هذا، أنَّ من نَسَبَ المطر إلى الأنواء فقد كذب، وَكَذَّبَ بما أخبر الله -عز وجل- به.
قال: (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ س أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قال: «أَرْبَعَةٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ»)
هذا من صيغ التحذير والإنكار، وبيان أنه من كبائر الذنوب؛ لأنَّ هذه الأوصاف هي أوصاف أهل الجاهلية، لكن وجودها في الأمة، هذا غيب أخبر به النبي ، وقد وقع كما أخبر به ، فإذا رأينا ذلك عرفنا أنه من الأشياء التي يجب أن نحذرها.
الأول: («الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ»).
الثاني: («الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ»).
الأحساب يعني: المآثر، نحن كذا، نحن صنعنا كذا، وآباؤنا وأجدادنا، هذا الفخر بالأحساب، وهو مقام على الإساءة، على المعاصي، أو على المنكرات، ويفخر بأحسابه.
وأمَّا الطعن في الأنساب، فهو إيذاء الآخرين، أنت لست كذا، أنت لست بأصيل، أنت من أراذل البشر، أنت كذا، أنت كذا، هذا من أمور الجاهلية، وهو موجود في هذه الأمة تقريبًا، يعني: مثل العنصرية، فالعنصرية نوع من الفخر والذم وانتقاص الآخرين.
الثالث: («وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ») وهذا هو الذي لأجله استشهد بالحديث كما تقدم، «مُطرْنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَ».
الرابع قال: («وَالنِّيَاحَةُ») قال: («النَّائِحَةُ إذا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِه» )، انظر فضل الله -عز وجل؛ لأنَّ التوبة تجب ما قبلها، وما قبلها يعني: مهما فعل الإنسان بالزوج إذا تاب تاب الله عليه.
نسأل الله أن يرزقنا توبةً نصوحًا، نسأل الله أن يرزق جميع إخواننا المسلمين توبةً نصوحًا يا رب.
قال: («قَبْلَ مَوْتِها، تُقامُ يَومَ القِيامَةِ وعليها سِرْبالٌ مِن قَطِرانٍ، ودِرْعٌ مِن جَرَبٍ») جزاءً وفاقًا لِمَا كانت تفعله، فهي كانت تذرف الدموع، وترفع الأصوات بالصياح، فعوقبت بهذا العقاب الشديد، نسأل الله العافية والسلامة.
والنبي قال: «أَنَا بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ والحَالِقَةِ والشَّاقَّةِ» ، وقال: «ليسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ، أوْ شَقَّ الجُيُوبَ، أوْ دَعا بدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ» ، فالصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة تحلق شعر رأسها، والشاقة تشق ثوب درعها عند المصيبة، كل هذا من أمور الجاهلية.
والواجب على المؤمن والمؤمنة الحذر من هذا، والبعد عنه؛ لأنَّ النياحة من كبائر الذنوب.
وأما دمع العين والبكاء من غير رفع صوت، فهذا لا يعد من النياحة، وإنما هو رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
وقال: (وَلَهُمَا عَنْ زَيْدٍ بنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه- قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَّةَ) الحديبية مكان معروف، وهو قريب من مكة. (عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَاَنَتْ مِنَ اللَّيْلِ) يعني: على إثر مطر كانت من الليل، (فَلَمَّا انْصَرَفَ؛ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) وهذا فيه استحباب الموعظة والتعليم بعد صلاة الفجر، («هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ؟!») قال الصحابة: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) وهذا من الأدب، انظر إلى آداب الصحابة، ما يتكلم أحد منهم إلا بعلم، يقول: لا أدري، لا أعلم، الله أعلم.
قال الله -عز وجل: («قال: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي») هذا وحي من الله، ينزل على النبي ، وانظر إلى هذه النعمة، نعمة بالليل والصباح، صار كفرًا لبعض الناس، («قال: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ: فَأَمَّا مَنْ قال: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ؛ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ») إذًا الإيمان بالكوكب هذا من الكفر، ومن صوره أن تقول: («مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَ»)، أو بالكوكب، وعلى هذا فلا يجوز أن نضيف للكوكب أي تأثير في الأرض؛ لأنَّ كل هذا من الباطل، لا مطر ولا غير المطر، وهذا من الكفر بالله -جل وعلا-.
ومن الإيمان بالله، انظر الإيمان أحيانًا قد بكون بسبب النعمة، وكذلك الكفر يكون أحيانًا بسبب النعمة، فالله -عز وجل- إذا أنعم على العباد، منهم من يعمل بطاعة الله، فتزيده النعمة إيمانًا، ومنهم من تكون فتنة له واستدراجًا وكفرًا، ونعوذ بالله من الخذلان، ونسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا شكر نعمته، وحسن عبادته، آمين إخواننا المسلمين.
قال: (وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَعْنَاهُ) يعني: ورد عن زيد بن خالد الجهني، وورد عن ابن عباس.
قال بعضهم: («قال بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَ») يعني قوله: مؤمنا بالكوكب، يعني: صيغة ليس معناه أنا آمنت، هذا هو الكافر، لا حتى لو قال: صدق النوء والله، النوء كاتبين عنه أنه غزير مطره، والله صدق النوء، فصار الشكر لهذا للنوء، وتصديق لِمَا كتبه هؤلاء عن النوء، كل هذا من الباطل فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ حظكم من الشكر، وحظكم من القيام بأمر الله، أنكم تكذبون بنعمه وتنسبونها لغيره، فالواجب الاعتراف بفضل الله، والثناء على الله، سواء في نزول المطر، أو في السلامة من الشرور، أو في دفع الحروب عن البلاد، أو الأشرار عن البلاد، أو في القبض على المجرمين، أو في حصول العافية من الأوبئة والأمراض، مثل ما رفع الله كورونا وأذهبها، وكذلك جميع النعم، من حصول الخيرات، واندفاع الشرور، نضيفها إلى الله -سبحانه وتعالى- ونشكر الله -عز وجل- عليها، ولا نضيفها للمخلوق، وننسى الخالق، هذا من التكذيب، نسأل الله العافية والسلامة، فالواجب على المسلم أن يحفظ لسانه، وأن ينتبه للإيمان، في هذا أصبح من عبادي ماذا؟ خطير الأمر، يكون ليلا مؤمنًا ثم يصبح كافرًا بسبب.
اللهم احفظنا، واحفظ ديننا، والإنسان ما يقول: والله خلاص أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، خلاص لا الواحد يخاف على نفسه، ويثبت على دينه، وأسأل الله المزيد من الثبات، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ ، وبهذا نختم هذا المجلس، ونسأل الله -جل وعلا- لنا ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأنَّ يحفظنا وإياكم بالإسلام قائمين، وقاعدين، وراقدين، ولا يشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{حفظكم الله لكم شيخنا المفضال، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفتح لنا لكم، وأن يزيدكم من فضله، والشكر موصولاً لكم مُشاهدينا الكرام، على طيب وحسن المتابعة والاستماع، نلتقي بكم -بإذن الله تبارك وتعالى- في لقاءات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك