الدرس الأول

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

4737 11
الدرس الأول

الاجتهاد والفتوى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أما بعد.
فأرحب بكم، في لقاءات جديدةٍ، نتدارس فيها شيئًا مِنَ العلم الشرعي، الذي نتقرب به إلى رب العزة والجلال، هذا العلم يتعلق بأبواب الاجتهاد والتقليد والفتوى، وهذا العلم علمٌ مهمٌّ، فهو أولًا: مِن طلب العلم الشرعي، الذي يُتقرب به إلى رب العزة والجلال؛ فيدخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، رضًا بما يصنع»، وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من خرج يلتمس علمًا فهو في سبيل الله حتى يرجع».
ثم هو ثانيًا: طريقٌ إلى إعادة الأمة، إلى كتاب الله -عزَّ وجلَّ-، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الاجتهاد يعني استخراج الأحكام الشرعية، مِن كتاب الله، ومِن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومِن ثمَّ فهو عودةٌ إلى الله، عودةٌ إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم هو أيضًا طريقٌ للتفريق بين أنواع الناس.
مَنْ هُو المؤهل لأن يُستفتى ويُسأل؟
ومَن هو الصالح للفتوى والاجتهاد، ومَن هو مَن ليس كذلك؟
إذ إننا نجد أنَّ أشخاصًا تسوروا سور الاجتهاد والفتوى، إما رغبةً في المكانة الاجتماعية، ليكون لهم منزلةٌ بين الناس، وإما أنهم يظنون أنَّ هذا على جهة الإرث، فلما كان والده أو جده عالمًا، ظنَّ أنَّ المرء يستفيد العلم بالوراثة، وحينئذٍ نفرِّق بين من هو مؤهلٌ لأن يكون صالحًا لتعريف الناس بحكم الله، واستخراج الأحكام من كتاب الله، ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ليس كذلك؟.
فهنا نستفيد فائدةً أخرى، مِن هذه المباحث، ألا وهي:
التفريق بين العلماء الربانيين، العلماء الراسخين، ومن ليسوا كذلك، وخصوصًا عندما نعرفهم تنجو الأمة -بإذن الله عزَّ وجلَّ- من تلك المهالك والفتن، التي تُلم بها ما بين وقت وآخر، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، أي: لكان الفقهاء المجتهدون أهل الفتوى، الصالحون لها، هم الذين يتمكنون من استخراج الحكم الشرعي من الأدلة، وبالتالي يقي الله -عزَّ وجلَّ- بهم الأمة من أنواع الفتن.
ونحن نشاهد أن هناك وقفاتٍ عظيمةً، وَقَفَها علماء الشريعة، كانت مِن أسباب وقاية الأمة مِن فتنٍ مدلهمةٍ، سواءً في ما يتعلق بسفك الدماء، أو الاعتداء على الأموال والأعراض، أو في ما يتعلق بالهجوم على البدع، والخرافات، وما هو مخالفٌ لدين الله وشرعه.
وكذلك مِن فوائد دراسة هذا الباب، -باب الاجتهاد والفتوى-، أن يكون عندنا -بإذن الله عزَّ وجلَّ- معرفةٌ بالطريق الذي تصلح به أحوال الأمة، وتحذر من أنواع العقوبات الدنيوية، والأخروية، ولذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ ليَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
في دراسة هذا الباب، نتمكن من معرفة المسائل والنوازل الجديدة، التي تحدث في الأمة، فنحن ما بين وقتٍ وآخر، تَرِدُ علينا مسائل جديدةٌ، لم يكن الأوائل يعرفونها!
هذه التقنيات بأنواعها، وهذه العلوم الطبية والهندسية، هذه مسائل البناء والتشييد، وهذه مسائل التواصل الاجتماعي، ومسائل أدوات الاتصال والمواصلات، فيها مسائل كثيرةٌ فقهيةٌ، تحتاج إلى الفقهاء، الذين يُعرِّفون الناس بحكم الله؛ لأننا نجزم بأن الشريعة لم تُهمل حكمًا شرعيًّا في أي بابٍ أو في أي مسألةٍ، كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: 89] فعندما نعرِّف بأحكام الاجتهاد والفتوى، حينئذٍ نوجد الطريق الذي يوصلنا إلى معرفة حكم الله -عزَّ وجلَّ.
وخلاصة هذا القول: أنَّ مَن يُريد الله بهم خيرًا، هم أولئك الذين يكونون مقتدرين لاستخراج الأحكام من الأدلة، ويبذلون جهودهم في ذلك، وهذا يُفسر لنا مقالة الشيخ التي تأتي في مقدمة برنامجنا هذا، في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يُرد الله به خيرًا يفقه في الدين».
ثم ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- حكمًا آخر في هذا الحديث، الذي رواه الشيخان من حديث معاوية رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن يرد الله به خيرًا يفقه في الدين، ولا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين منصورين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، إلى قيام الساعة».
فحينئذٍ نعلم أنَّ الأمة في جميع الأزمنة تحتاج إلى هذا الباب، باب الاجتهاد، لماذا؟ لأنه هو الذي يحفظ الله به هذا الدين، ويعيد به الأمة إلى الأصول الشرعية، كتابًا وسنةً.
نحن لا نريد أن يكون هناك تبعيةٌ مطلقةٌ عمياء، بحيث يؤخذ القول بعواهنه، وإنما يُراد إيجاد المرشدين، الذين يرشدون الخلق إلى حكم الله -عزَّ وجلَّ-، ويعرِّفونه، وبالتالي نحن نحتاج إلى أن يكون هناك علماء فقهاء، يتمكنون من استخراج الأحكام مِن الأدلة.
إذا نظر الإنسان إلى أعداد المسلمين في عصرنا الحاضر، وجد أنهم أعدادٌ هائلةٌ، أكثر من المليار والنصف، هؤلاء ألا يحتاجون إلى مَن يُرشدهم إلى دين الله، ويعرِّفهم بأحكامه؟ نعم، الحاجة لهم شديدةٌ، ولذلك نجد أن في مشاكل الناس ما يظهر الحاجة لهؤلاء العلماء، وأننا في أشد الحاجة إليهم، فهناك مشاكل نفسيةٌ، إما بالاضطراب، وإما بالقلق والاكتئاب، أو بغيرها من أنواع المسائل، هذه الوساوس التي ترد على الناس، كيف نعالجها؟ نحتاج إلى أولئك الفقهاء، الذين يعيدون الناس إلى دين الله، لتصلح هذه النفوس، كما قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
والذكر كما يشمل الذكر القلبي، بأن تتذكر قدرة الله، وعلمه، وتتذكر مراقبته لك، وتتذكر أيضًا ما يجعلك تخاف منه، وترجوه، وتحبه، هو كذلك شاملٌ للذكر اللساني، وكذلك شاملٌ لذكر أحكام الله، التي تستخرج بواسطة هؤلاء الفقهاء، فهؤلاء الفقهاء تطمئن بهم النفوس.
ولذلك تجد مثلًا: أن الإنسان يجد لجاجةً في صدره بسبب مسألةٍ من المسائل، وحينئذٍ يكون قول الفقيه مما يزيل عنه ذلك الأمر، ويصفي له رؤيته، ويوضِّح له شرع الله -عزَّ وجلَّ.
وهكذا تلك المشاكل الأسرية، التي تقع بين الرجل وزوجته، في كتاب الله حلٌّ لها، ومخرجٌ شرعيٌّ منها، وهكذا يأتي الفقهاء فيستخرجون الحلول الشرعية في المسائل الأسرية ليطبقوها على الناس، فتصفو حياة الناس في أسرهم، وتصفو علاقة الزوج مع زوجته.
وهكذا في ما يتعلق بعلاقات المجتمع، سواءً كانوا من القرابة، أو من أي رابطٍ يربط الناس. وهكذا أيضًا في ما يتعلق بالعلاقات العامة التي تكون بين الناس، بين دولهم، بين مؤسساتهم. وهكذا في التعاملات المالية، نحتاج إلى فقهاء، يعرفوننا بحكم الله -عزَّ وجلَّ-، وفي كيفية التخلص من النزاع والشقاق؛ لأنه إذا وجد نزاع، فالحل الصحيح له، هو ما تضمنه كتاب رب العزة والجلال، كما قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 10]، وكما قال تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً﴾ [النساء: 59].
وهكذا بواسطة هذا العلم، نكتشف الفَرق بين أولئك الذين يتزيون بزي العِلم؛ ليخدعوا به الخلق، فإننا وجدنا مَن يَتظاهر بالعِلم والفتوى، مِن أجل تحقيق مقاصدَ دنيويةٍ له، وبالتالي نحتاج إلى معرفة المؤهلات، والصفات التي نستطيع بها أن نفرِّق بين مَن يقول بقول الله من العلماء، وبين أولئك المتزيين بزي العلماء، وهم ليسوا منهم، إنما يريدون مكاسب الدنيا.
وكذلك أيضًا من فوائد تعلم هذا الباب أيضًا:
أن يكون الاجتهاد منضبطًا بالضوابط الشرعية، والطرائق المرعية، وبالتالي يعرف الناس دين الله -سبحانه وتعالى.
إننا قد أُمرنا بمراجعة العلماء، كما في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]. فمن هم أهل الذكر؟ وما هي صفاتهم؟ وما هي أنواعهم؟ وما هي طرائقهم؟
وهكذا أيضًا نحتاج إلى معرفة طرائق التَّخلُّص عند وجود الاختلاف بين العلماء، فإذا أفتى مفتٍ بالجواز، وآخر بالتحريم، كيف نفعل؟ وما هي طرائق التَّخلُّص مِن مِثل ذلك؟ هذا مما يُبحث في هذا الباب، باب الاجتهاد والفتوى.
كيف يتأدب المستفتي مع المفتي؟
وما هي طرائق طرح سؤاله له؟
وما هي طرائق التعامل مع فتوى المفتين؟
وكيف يَضبط المفتي فتواه، لتكون موافقةً لأحكام الله -عزَّ وجلَّ-، وشرعه؟.
هذا مما نتدارسه في هذا الباب، وهذا يَدلك على الأهمية الكبيرة التي يشتمل عليها مدارسة باب الاجتهاد والفتوى.
الناس على صنفين، أهل الاجتهاد، وهم الذين يتمكنون من استخراج الأحكام من الأدلة، وهؤلاء يجب عليهم أن ينظروا في الأدلة، وأن يحكموا بها.
ويقابلهم أهل التقليد، وهم الذين لا يتمكنون من أخذ الأحكام من الأدلة؛ لأن أخذ الأحكام من الأدلة ليس أمرًا اعتباطيًا، وليس كل واحدٍ مِن الناس يتمكن منه، وعندما يأتي بعض الناس ويقول: أنا لا أحتاج إلى فتوى المفتين، أو يكفيني ما تتولد به قناعتي، نقول: قد خالفتَ شرع الله في هذا، وقد خالفتَ ما أمر الله -عزَّ وجلَّ- به، وما أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ليس في ما تَذكر طريقةٌ شرعيةٌ، بل الطريقة الشرعية مخالفةٌ لهذا.
قد يقول بعض الناس: إنه قد ورد في الحديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «استفتِ نفسك، وإن أفتاك المفتون، ثم أفتوك».
فنقول له: هذا لم تفهمه؛ لأنه لا توجد عندك أدوات فَهم الأدلة مِن كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فليس المراد أن يرجع الإنسان إلى ظنه المجرَّد، الذي لا يُبنى على دليلٍ، فإنَّ هذا مذمومٌ في الشريعة، كما قال تعالى: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 116] فهذا مذمومٌ، وممنوعٌ منه في الشرع، وإنما المراد بالحديث أنَّ الإنسان إذا اشتبهت عليه المسألة، ووجد مَن يُفتي بالجواز، لكن الإنسان مترددٌ فيها، فإن المشروع في حقه، أن يَتَوَّرع عنها، وأن لا يأخذ بها، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريك إلى ما لا يريبك»، وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيَّنٌ والحرام بيَّنٌ، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه»، وكما في الحديث الذي رواه الترمذي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لن يبلغ العبد درجة المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأسٌ».
إذن هذا الفهم خاطئٌ، ويدل عليه جزء الحديث الآخر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جئت تسألني عن البر والإثم» ثم قال: «الإثم ما حاك في صدرك، وكرهتَ أن يطلع عليه الناس»، فهذا الذي يتحشرج في الصدر، هذا هو المراد بقوله: «استفتِ قلبك»، أي: هذا الذي تستريب منه، اتركه، ولا تأخذ به؛ لوجود هذه الحشرجة التي في الصدر تجاه هذا الفعل.
وبالتالي لا يصح للإنسان أن يأخذ باعتقاداته، أو بآرائه، أو باجتهاداته وهو ليس من أهل الاجتهاد والعلم والفتوى، ويدلك على هذا أن فهم النصوص ليس من الأمور الاعتباطية، بل له قواعد، وضوابط، وأنواعٌ، وهناك نصوصٌ قد تخفى عليك، وهناك نصوصٌ قد لا تفهم المراد بها، وقد يكون هناك نصوصٌ يراد بها غير ظاهرها، وكم من محاولات الفهم من أناسٍ غير مختصين في الشريعة، فنزَّلوا كلام الله -عزَّ وجلَّ- في غير مراد الله، وحملوا الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية على معانٍ مخالفةٍ لشريعة الإسلام. إذن نحن في أشد الحاجة للفتوى وأهل الفتوى.
إذا نظر الإنسان إلى أثر الفتوى في حياة الناس، وكيف كان الاجتهاد الذي يبذله العلماء الربانيين له آثارٌ حميدةٌ في الأمة، بل في العالم أجمع، وأعطيكم أمثلةً:
أولئك الذين حاولوا أن يُظهروا اسم الإسلام، لكنهم يعملون مَا يُخالف أصول دين الإسلام، بِسفك الدماء، وانتهاك الحرمات، ونقض العهود، وعدم الالتزام بالمواثيق.
هؤلاء كيف نجابههم ونقف في وجوههم، إلا بواسطة جهود العلماء، الذين يبينون الحقيقة الصحيحة لدين الإسلام.
هذه الجريمة سواءً كانت اعتداءً على دمٍ، أو مالٍ، أو غيره.
هذه الجرائم التي تقع في العالم، كيف نحذِّر الناس منها، ونبين أنها محرمةٌ، مخالفةٌ لدين الله، وأنها من الإفساد في الأرض، المذموم شرعًا.
يكون هذا بواسطة الاجتهاد الذي يقوم به علماء الشريعة.
وهكذا في التحذير من البطالة والكسل، ومن جعل الحياة محل اللهو والعبث المجرَّد، والتحذير من عدم القيام بالمسئوليات المناطة بالذمم، من الذي يتولاه، ومن الذي يحذِّر الناس منه، ومن الذي يبيِّن حكمه في الشريعة، وهكذا في أبوابٍ متعددةٍ، نحتاج إلى علماء الشريعة، الفقهاء، المجتهدين، أهل الفتوى، الذين يجوز الاستناد إلى أقوالهم؛ لتعريف الناس بحكم رب العزة والجلال.
هؤلاء المليار والنصف كم يحتاجون إليه من المفتين والفقهاء؟!
لو قدَّرنا أن كل مليون شخصٍ يحتاج إلى مفتٍ، انظر كم؟ مع أنه لا يمكن أن يكفي إلا الخمسة آلافٍ والعشرة آلافٍ، أليس كذلك؟ والناس في وقائعهم أمورٌ متجددةٌ، وفي حياتهم نوازل، يحتاجون إلى الاجتهاد فيها، وإلى مدارسة الحكم الشرعي، ولذلك فإن الأمة في أشد الحاجة إلى تكوين الفقهاء، وتكوين العلماء، الذين يُرجع إليهم في باب الفتوى والاجتهاد، ليقود الناس إلى شرع الله ودينه، ولا يمكن لأفراد الناس أن يستخرجوا الحكم من الأدلة، فهم لا يعرفون الناسخ من المنسوخ، ولا يُفرِّقون بين المطلق والعام، وليس لديهم قدرةٌ على تطبيق قواعد الفهم والاستنباط، من الذين يستطيع أن يُفرِّق بين دلالة الإشارة، ودلالة الاقتضاء، ودلالة التنبيه، ودليل الخطاب، من الذي يُفرِّق بين هؤلاء؟ هم علماء الشريعة، الذين يكون لديهم قدرةٌ، هم الفقهاء، قدرة لاستخراج الأحكام من الأدلة، ومن ثَمَّ فإنا في أشد الحاجة إلى مدارسة باب الاجتهاد والفتوى.
قد يقول قائلٌ: هذا الحديث إنما يتعلق بالفقهاء، أما أفراد الناس فهم لا يحتاجون إلى معرفة ذلك.
نقول: لا، أخطأت، بل عامة الناس في أشد الحاجة إلى مدارسة هذا الباب، لماذا؟ لأنهم يحتاجون إلى معرفة مَن هو المؤهل للفتوى، ومن ليس كذلك، من الذي يجوز الاعتماد على قوله، ماذا نفعل عند اختلاف المفتين، واختلاف الفتوى، ما هي الطرائق الشرعية المتعلقة بهذا الباب، كيف نحذِّر عامة الناس من أن يقولوا على الله بلا علمٍ، هذا الذنب العظيم، الذي تواترت النصوص بالتشنيع على صاحبه، كما في قوله تعالى: ﴿وَيلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ [طه: 61، 62]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ [النحل: 116]، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبً﴾ [الأنعام: 21] ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 168، 169]، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً﴾ [الإسراء: 36]، فيه نصوصٌ كثيرةٌ متواترةٌ تدل على هذا المعنى، وتحذر الناس من أن يقولوا على الله بلا علمٍ، إذن جميع الناس في حاجةٍ شديدةٍ لمدارسة باب الاجتهاد والفتوى.
{ذكرتم حديث ابن عباس -رضي الله عنهما: «مَن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، هل هذا يعني أن عامة الناس يجب أن يكونوا على فهم المستوى في الفتوى؟ أن من لم يفقهه في الدين لم يرد الله به خيرًا}.
مَن لم يرد الله أن يفقهه في الدين، فلم يُرد الله به الخير في هذا الباب، في باب مسائل العلم والفتوى؛ لأنه أصبح تابعًا.
وهذا فيه أيضًا إشارةٌ إلى معنى آخر من معاني أهمية هذا الباب، ذلك المفتي وذلك المجتهد، لما دلَّ الخلق على حكم الله -عزَّ وجلَّ- كان هذا مِن أسباب تمسك الناس بدين الله، وبالتالي يكون له أجرٌ مماثلٌ لأجورهم في العمل بشريعة ربِّ العزة والجلال.
لما فُقِدَ العلماء في بعض المجتمعات، سَرتْ إليهم البدع، ودخلتْ عليهم النزاعات والخصومات، وكان هذا مِن أسباب وجود مخالفاتٍ عظيمةٍ لكتاب الله -عزَّ وجلَّ-، ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فهذا كله يدلك على أهمية هذا الباب، باب الاجتهاد والفتوى.
{سؤال ثان: هل الفتوى مقابل التغيير أم لا؟ هل يأتي هناك وقتٌ ثم يغيِّر الفتوى التي أفتاها من قبل}.
ما رأيكم؟
تغيير الفتوى هذا له أسبابٌ، من تلك الأسباب أن يكون الحكم مناطًا بوصفٍ، فيتغير ذلك الوصف، فيؤدي ذلك إلى تغير الحكم.
مثال ذلك: أفتيك اليوم أنه يجب عليك الزكاة، لماذا؟ لأنك تملك النِّصاب، بعد خمسة أشهرٍ أفتيتك بأنه لا تجب عليك الزكاة، لماذا؟ لأنك لم تعد مالكًا للنِّصاب، تغيرت الفتوى، ما يأتيني أحدٌ يقول: هذا تناقضٌ، لا، هذا ليس تناقضًا، هذا جري على سنةٍ واحدةٍ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
من أسباب تغير الحكم: عدم اطلاع الفقيه على دليلٍ في السابق، ثم اطلع عليه، قد يكون عنده دليلٌ عامٌّ، فيأخذ به، وحينئذٍ يتغير يكون عنده دليلٌ عامٌّ فيأخذ به، ثم بعد ذلك يصل إليه دليلٍ خاصٍّ في مسألةٍ بخصوصها، فيأخذ بذلك الدليل الخاص.
فتلاحظون هنا أن التغير هنا نتج لأسبابٍ، أن التغير لا يكون هذا مقابلًا للاجتهاد، بل الاجتهاد يتغير بتغير أسبابه أو ظروفه أو أحواله أو صفاته، ومن ثمَّ لا يُعد هذا قادحًا في ما يتعلق بالأحكام الشرعية.
إذن عرفنا أهمية هذا الباب، فننتقل إلى تعريف الاجتهاد، ما هو الاجتهاد؟
نقول: الاجتهاد هو استخراج الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، بعضهم حصره بالأحكام العملية، ولكن الذي يظهر أن الاجتهاد أعم من ذلك، وتلاحظون أيضًا أن بعض الناس قد يطلق لفظة مسائل الاجتهاد، ويريد بها المسائل التي ليس فيها دليلٌ قاطعٌ، يُجزم به، وإنما هو محل النظر، فهذا قد يسميه بعضهم مسائل الاجتهاد، لكن لفظة الاجتهاد عند العلماء يُراد بها أصالةً أعم ما هو من ذلك، بما يشمل المسائل فيها دليلٌ قاطعٌ، والمسائل التي فيها دليلٌ ظنيٌّ، متى كان استخراجًا للحكم الشرعي من أدلته التفصيلية، سميناه اجتهادًا.
وكما تقدم أنَّ الناس ينقسمون إلى أهل الاجتهاد، وهم الفقهاء الذين يأخذون الأحكام من الأدلة، وعندهم القدرة على ذلك، والصنف الثاني المقلدون، وهم الذين يراجعون العلماء فيأخذون بفتاواهم واجتهاداتهم، وتبرأ ذممهم بذلك.
وعندنا مسألتان: المسألة الأولى في شروط الاجتهاد، متى يُعدُّ الشخص مجتهدًا؟ ومتى لا يُعدُّ كذلك؟ ومن هو الشخص الذي يجب عليه أن يجتهد؟ ولا يجوز له أن يعمل بالتقليد؟
هناك أربع صفاتٍ، مَن وُجدت عنده فهو الفقيه الذي يجب عليه أن يَجتهد، ويَحرم أن يأخذ بقول غيره، مهما بلغت درجة ذلك الغير مِن العلم.
الصفة الأولى: معرفة الأدلة التفصيلية في المسألة المُجتهد فيها، بحيث يغلب على ظنه أنه لا يوجد دليلٌ غير ما هو حاضرٌ بين عينيه.
الصفة الثانية: أن يكون لديه القدرة على تطبيق قواعد الفهم والاستنباط المعروفة في علم الأصول، فمن لم يكن قادرًا على تحصيل الأحكام من الأدلة بواسطة هذه القواعد، فهذا لا يُعدُّ فقيهًا مجتهدًا.
الصفة الثالثة: أن يعرف مواطن الاجتماع والاختلاف؛ لئلا يجتهد في مسألةٍ فيها اتفاقٌ سابقٌ، وإجماعٌ سابقٌ.
الصفة الرابعة: أن يَعرف مِن لُغة العرب ما يُمكِّنه من فهم الأدلة الشرعية.
إذن، هذه هي شروط الاجتهاد، مَن وُجدت فيه هذه الشروط، وجب عليه أن يجتهد، ووجب عليه أن يعود إلى الكتاب والسنة، ولا يجوز له أن يأخذ بقول غيره، سواءً من المجتهدين الأئمة الأربعة، أو من غيرهم من الفقهاء، يجب عليه أن يجتهد، ويأخذ بالأحكام التي توصَّل إليها.
إذن، من وُجدتْ فيه هذه الشروط الأربعة، فهو مجتهدٌ، يجب عليه أن يجتهد، من لم توجد فيه هذه الشروط الأربعة، فهو مُقلِّدٌ، ينتقل إلى القسم الثاني.
ما الدليل على أن أهل الاجتهاد لا يُراجعون غيرهم؟
أولها: النصوص الآمرة بتحكيم الكتاب والسنة، والعمل بهما، قال الله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 3]، أمر باتباع ما أُنزل قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [محمد: 33]، وهذا بالعمل بما في الكتاب والسنة.
إذن الفقهاء يجب عليهم أن يعملوا بالاجتهاد؛ ولذا قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، أمَّا مَن كان يعلم، أو لديه أهلية التعلم، بحيث تصبح قوةٌ قريبةٌ، هذا لا يجوز له التقليد، بل يجب عليه أن يعمل باجتهاد نفسه.
مَن لم توجد فيه هذه الصفات، فإنه يراجع العلماء، ويسأل الفقهاء من الصنف الأول.
إذن المصطلح الشرعي عندنا الفقيه، وقد يسمونه المفتي، وهذا باعتبار ما يؤديه، وقد يسمونه المجتهد، باعتبار العمل المبتدأ من عمله، وهؤلاء كلهم يقال لهم هذا الاسم، وهؤلاء كلهم علماء.
العلماء والفقهاء يجب أن يجتهدوا في وقائع الناس، فيستخرجوا الأحكام الشرعية في ما تتعلق بالوقائع والنوازل الجديدة، وهكذا يجب عليهم أن يتقربوا إلى الله -عزَّ وجلَّ-، ببيان الحكم الشرعي وتوضيحه، وهذا حكمٌ في الجملة.
من هم العلماء الربانيون؟ وما هي صفاتهم؟ ومن هو العالم الذي تُقبل فتواه؟
إذن عندما مسألتان، من هو العالم الذي تُقبل فتواه ويُعمل بها؟
هو المجتهد، العدل؛ لأنه لو كان فاسقًا، لم يُجز العمل بفتواه؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، ومن ثمَّ يجب التبين، ومن ذلك في ما يتعلق بفتوى المفتين، مَن كان لديه أهليةٌ علميةٌ، ما يجوز الأخذ بقوله، ومن لم يكن عدلًا يوثق في كلامه، فإنه لا يجوز الاعتماد على قوله.
من هو العالم الرباني؟
فسَّره ابن عباس بأنه من يربي الناس على صِغار العلم قبل كباره، وبعض التابعين قال: هو من يُحبب الخلق في الله، ويُحبب الله في الخلق.
ما هي الصفات التي توجد في هذا العالم حتى يكون عالمًا ربانيًا؟
هناك عددٌ من الصفات:
الصفة الأولى من صفات العلماء الربانيين: أنه يُحذِّر من الآخرة؛ فيجعل الآخرة بين عيني المستفتي، فهو لا يقتصر على الحكم الدنيوي، وإنما يلتفت ويرتبط بأحكام الآخرة؛ فيذكِّر الناس بالله، وبمراقبته، وبالوقوف بين يديه -سبحانه وتعالى-، ليس همه الدنيا، وإنما همه الآخرة.
الصفة الثانية من صفات العلماء الربانيين: الاعتماد على النصوص الشرعية، فهو يرجع إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
الصفة الثالثة من صفات العلماء الربانيين: أنه لا يُضمر في صدره على أحدٍ، بل رغبته في وصول الخير للجميع، وابتعاد الشر عنهم، وهذا ينطلق من محبته لعباد الله، ومحبة الخير، ومحبة انتشار الخير بين الناس.
الصفة الرابعة من صفات العلماء الربانيين: أنه ينتقي مِنَ الألفاظ والأساليب ما يكون سببًا في التزام الخلق بدين رب العزة والجلال، فهذه هي صفات العالم الرباني، الذي يُصلح الله به أحوال الخلق، وتسعد به الأمة، ويبين أحكام النوازل.
ننتقل إلى مسألةٍ أخرى، وهي أن شروط الاجتهاد السابقة قد تكون متعلقةً بجميع مسائل الفقه، وقد تكون متعلقةً ببعض المسائل، سواءً بعض الأبواب، فيكون مجتهدًا جزئيًّا، فالأول عنده اجتهادٌ، وعنده أهليةٌ للنظر في جميع المسائل، والثاني مختصٌّ ببابٍ واحدٍ، تجد بعض الفقهاء يكون عنده إلمامٌ بباب المواريث، لكنك لو سألته في غيره من الأبواب قد لا يتمكن من الجواب، ولا يعرف الصواب فيه.
هناك بعض العلماء، قال: لابد أن يكون مجتهدًا في جميع الأبواب، وفي جميع المسائل، ولكن اشتراط مثل هذا أولًا يحتاج إلى دليلٍ، وثانيًا أن المقصود إعطاء المفاتيح التي يتمكن بها الإنسان من فهم الأدلة، فيستخرج الأحكام بناءً على ما في هذه الأدلة، ومن ثمَّ نعرف تبرير العلماء عندما تجده تُعرض عليه مسائل، كأربعين مسألةٍ مثلًا أو خمسين مسألةٍ، فيفتي في أربعةٍ منها، ويقول في غيرها لا أعلم، أو يقول: الله أعلم، أو نحو ذلك.
المجتهدون كما سبق قسَّمناهم إلى مجتهدٍ جزئيٍّ، ومجتهدٍ كليٍّ.
المجتهد الجزئي في بابٍ أو بعض المسائل.
والمجتهد الكلي في جميع المسائل.
هناك اجتهادٌ مفردٌ، وهناك اجتهادٌ مركبٌ، هذا مجتهدٌ مفردٌ، وهذا مجتهدٌ مركبٌ، قد تكون المسألة تتعلق بفنونٍ أخرى، فيكون الاجتهاد مُرَكَّبًا مِن علميْن، مثال ذلك: عندنا مسألةٌ مبنيةٌ على حديثٍ، هذا الحديث نحتاج إلى معرفة الإسناد، صحةً وضعفًا، فالاجتهاد مركَّبٌ من شيئين، من اجتهاد المحدِّث في تصحيح الحديث أو تضعيفه، والثاني في النظر الفقهي في المسألة، هو اجتهادٌ.
كذلك يمكن تقسيم الاجتهاد باعتباراتٍ أخرى، منها تقسيمه بحسب الاستقلال، فالمجتهدون خمسة أنواعٍ، هناك المجتهد المطلق، وهو الذي لا يتقيد بأصول مذهبٍ ولا بفروعه، فيكون عنده اجتهاداتٌ حتى في قواعد الأصول، وينبني عليها اجتهاداتٌ في المسائل الفقهية، هذا اسمه مجتهدٌ مطلقٌ، ما ينتسب إلى مذهبٍ.
وهناك الفقهاء المنتسبون، وأولهم أصحاب الوجوه، وهم الذين يوافقون في الأصول قواعد مذهبهم، لكنهم في الفروع قد يخالفون المذهب بناءً على قواعد المذهب، هذا يسمون أصحاب الوجوه.
النوع الثالث: أصحاب الترجيح، فيكون في المذهب عددٌ من الروايات، فيأتي هذا الفقيه فيرجِّح إحدى هذه الروايات على غيرها، هذا لا يأتي بقواعد أصوليةٍ جديدةٍ، ولا يأتي بأقوالٍ جديدةٍ، وإنما يختار أحد الأقوال السابقة، وهناك أصحاب التخريج، وهم الذين يقيسون المسائل الجديدة على الوارد عن الأئمة، وهناك أصحاب الحفظ، وهم الذين يحفظون ما يرد من أقوال الفقهاء السابقين.
هذه نماذج لمسائل الاجتهاد والتقليد، ولعلنا -إن شاء الله- أن نفصِّل القول في ذلك، بارك الله فيكم، ووفَّقكم لخيري الدنيا والآخرة، كما أسأله -جلَّ وعلَا- أن يعيد الأمة إلى كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، اللهم اجعل حالنا في الأمور كلها إلى خيرٍ، وأصلح أمر أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك