الدرس العاشر

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

10369 11
الدرس العاشر

القواعد الفقهية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أما بعد..
أرحب بكم في هذا اللقاء من لقاءاتنا في مقرر القواعد الفقهية، أخذنا فيما مضى عددًا من القواعد الكلية التي تدخل في أبوابٍ متعددةٍ وإن لم تكن تدخل في جميع الأبواب، ولعلنا إن شاء الله نواصل الحديث في ذلك.
اليوم سنذكر ضابطًا فقهيًّا، هذا الضابط يتعلق ببابٍ واحدٍ، لكن له أيضًا متعلقاتٌ بعددٍ من الأبواب، هذا الضابط هو ضابط: "كل قرضٍ جر نفعًا فهو ربا".
ما المراد بالقرض؟
القرض أخذ مالٍ للغير مع رد بدله، أنا أخذ منك ألف ريال وبعد أسبوعٍ رددتُ لك ألفًا أخرى، ليس الألف الأولى أليس كذلك؟، هذا قرضٌ.
مثال ذلك: آخذ منك عشرة آصع أرز، وبعد أسبوعٍ أرد لك عشرة آصع أرز آخر غير الأول، هذا يقال له قرضٌ.

ما الفرق بين القرض والوديعة؟
هناك فرقان:
الفرق الأول: القرض ترد بدله، وفي الوديعة ترد عينه.
مثال: أعطيته الكمبيوتر يحفظه لي وديعةً، بعد أسبوعٍ آخذ نفس الكمبيوتر، بينما في القرض لو كان قرضًا تأخذ كمبيوتر وترد لي كمبيوتر مماثلًا له. واضحٌ هذا الفرق الأول.
الفرق الثاني في الوديعة، المودع لا يستعمل الوديعة ولا ينتفع بها، يحفظها فقط، وفي القرض المقترض ينتفع بالقرض، ولذلك ما يضعه الناس من الأموال في البنوك، هل هو قرضٌ أو وديعةٌ؟ ما رأيكم؟
{أنا اعتبره وديعةً}
يستعملونه ولا ما يستعملونه؟
{هم يستعملونه}
هل يردون مثله أم يردون بدله.
{يردون بدله}
إذن هذا قرضٌ، صح أم لا؟
{صح}

الأموال التي توضع في البنوك على نوعين:
ما يوضع في الصناديق، عندهم صندوقٌ تأتي بنقودك أو تأتي بذهبك أو تأتي بصكوكك، وتضعها في الصندوق وتغلقها، وتأخذ المفتاح معك، هذا وديعةٌ، ما يستعملونه ويردون عينه، هذا وديعةٌ.
لكن ما يوضع في الحساب، هو قرضٌ؛ لأنهم يردون بدله وينتفعون بهذا المال الذي يوضع لديهم، فهذا هو قرضٌ، تسمية الودائع البنيكة، نقول: هذه شرعًا لا تسمى ودائع بل تسمى قروضًا.
ما الفرق بين القرض والعارية؟
العارية ينتفعون بها أليس كذلك؟ العارية يرد عين ما أخذ، وفي القرض يرد بدله عينًا أخرى.

ما الفرق بين الإجارة والقرض؟
الإجارة يرد عينه، وينتفع به كما في القرض، لكن يرد عينه، في القرض يرد بدله، في الإجارة يدفع أجرةً، في القرض ما يجوز يدفع أجرةً.

لماذا شرع القرض؟
للإحسان إلى الآخرين، فالله -عزَّ وجلَّ- يحب المحسنين، ومن الأعمال الصالحة التي يؤجر عليها، وفي الحديث أنَّ من أقرض مرتين كان له ثواب صدقةٍ واحدةٍ وبالتالي مقصود الشارع بالقرض أن يكون إحسانًا، فإذا انقلب إلى أن يؤخذ منه فوائد تغير المعنى فيه، ولذلك قلنا:
"كل قرضٍ جر نفعًا فهو ربا" لئلا يتحول من الإحسان إلى أن يكون عقد معاوضةٍ.
"كل قرضٍ" ما معنى القرض؟ عقد يؤخذ فيه مالٌ على أن يرد بدله، وينتفع به المقترض.
جَرَّ: أي: سحب نفعًا: فإنه يعتبر ربا.

ما هو الربا؟
هو الزيادة في المعاوضة التي منعها الشارع.
نريد أن نذكر الأدلة على هذه القاعدة.
أولًا: الأدلة التي وردت بتحريم الربا، فإن الربا في اللغة هو الزيادة، وهذا القرض الذي جَرَّ نفعًا هو مِن أنواع الزيادة، مثل ماذا أدلة التحريم؟
- ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ﴾ [البقرة: 275].
- وقوله -عزَّ وجلَّ : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 278، 279].
قوله -عزَّ وجلَّ : ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276].
والأحاديث في السنة كثيرةٌ، مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» وذكر منها «أكل الرب».
أيضًا يدل على هذه القاعدة إجماع الصحابة، فقد أجمع الصحابة على أن كل قرضٍ جر نفعًا فإنه يكون ربا، وورد حديث: «كل قرضٍ جر نفعًا فهو رب»، لكن هذا الحديث ضعيفٌ الإسناد، لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنه تأيد بالإجماع، أي: إجماع الصحابة.
وقد وردت أحاديث تشهد لهذا المعنى منها ما ورد في سنن ابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أقرض أحدكم قرضًا فأُهدي له أو حُمل على دابةٍ فلا يقبل، ولا يركب إلا إن جرى بينه وبينه شيءٌ قبل ذلك».
وهذه القاعدة كل قرضٍ جر نفعًا فهو ربا، قاعدةٌ لها تطبيقاتٌ كثيرةٌ عديدةٌ، ونورد لها أمثلةً.
القرض الربوي أو المعاملة الربوية التي تكون بزيادةٍ، تضع في البنك مالًا مائة ألفٍ وتأتي السنة القادمة وتأخذ مائةً وثلاثةً، قرضٌ جر نفعًا فيكون ربا، ما حكمه؟
محرمٌ من كبائر الذنوب.
إذا نظر الإنسان في مثل هذا العقد يجد أنه مضرةٌ للجميع، كيف يكون مضرةً للجميع؟
صاحب المال صحيح انتفع بـ 3% أو جاءه 3% لكن إذا نظرت إلى الأسعار وقيم السلع، وجدت أنها ترتفع أكثر من هذا المقدار، وبالتالي هو في الحقيقة خسرانٌ.
كذلك أيضًا إذا نظرت إلى إمكانية عمله بهذا المال، سيجلب مَرْبَحًا أكثر.
كذلك أيضًا إذا نظرت بالنسبة للمجتمع، هذا المال بدل من أن يستعمل في قروضٍ، من قرضٍ في قرضٍ، وآخرها شخصٌ يستهلك هذا القرض لنفسه فحينئذٍ لا تنتفع الأمة، خلاف ما لو أخذ هذا المال فوضع في مشاريع، أحدهم في مبانٍ، والآخر في تجارةٍ، والثالث في زراعةٍ، فحينئذٍ ينتعش الاقتصاد، وتصلح أحوال الناس.
وبالتالي نعرف أنَّ مثل هذا العقد هو في الحقيقة مَضرةٌ للجميع، ولا ينتفع به، وهذا من حكم الشارع في النهي عن الربا، وإذا نظرت إلى كثيرٍ من الأزمات المالية التي حلت بالناس، وجدت أنها نشأت من هذه العقود الربوية المخالفة لشرع رب العزة والجلال.
إذن من أمثلة هذه القاعدة أيضًا هدايا المقترضين، الهدايا التي تقدمها البنوك إذا كان المقرض هو المنتفع، بخلاف ما لو كانت هدايا دعائيةً الذي ينتفع هو البنك.
وكذلك من تطبيقات هذه القاعدة ما يسمي بعضهم "بيع الأمانة"، صفة هذا البيع: أن يضع له سلعةً بقيمةٍ على أنه بعد سنةٍ يرد القيمة فيرد السلعة.
مثال ذلك: آخذ منك سيارةً وأعطيك قرضًا مائة ألفٍ مثلًا، إذا جاء بعد سنةٍ ترد لي المائة ألفًا وأرد لك السيارة، هنا قرض مائة ألفٍ مقابل مائة ألفٍ، في هذه المدة انتفع بركوب السيارة واستعمال السيارة، فهنا قرضٌ جر نفعًا فيكون ربا.
بعضهم يفعله في البيوت، وبعضهم يفعله في سلعٍ أخرى، هذا من تطبيقات القاعدة.

كذلك من تطبيقات القاعدة بيع العينة، بيع العينة وضع سلعةٍ على أنها قيمةٌ للنقود وهي ليست قيمةً حقيقيةً، مثال ذلك: هذا كأسٌ بكم؟ ما رأيكم أبيع لك الكأس بمائةٍ وعشر ألفًا تسددونها بعد سنةٍ، ثم أشتري منكم الكأس بمائة ألفٍ أعطيها لكم الآن، هذا الكأس لا قيمة له، حقيقةً التعامل أنني أعطيك مائة ألفٍ وآخذ بعد سنةٍ مائةً وعشرةً.
فكان قرضًا جر نفعًا، هذا حقيقةً بيع العينة، ومثله أيضًا العكس، بعتك الكأس بمائة ألفٍ ثم اشتريته منك بمائةٍ وعشرين مؤجلةً، فهذا جمهور أهل العلم يرون أنه محرمٌ ولا يجوز، وهو من تطبيقات هذه القاعدة "قرضٌ جر نفعًا"، وهو حيلةٌ ربويةٌ للتوصل إلى مقصودٍ ربويٍّ، وبالتالي قالوا بمنع ذلك، ويدل عليه النصوص التي وردت بتحريم الربا، وقد جاء في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».

إذن هذه كلها صورٌ من تطبيقات هذه القاعدة، نعم عندك سؤالٌ؟
{أما ما يتعلق ببيع السيارة قيمتها مثلًا مائة ألفٍ، وواحد يأتي ما عنده مائة ألفٍ يسدد الآن فيباع له بمائةٍ وعشرين ألفًا، على أن تسد على أقساطٍ، لكن لو كان هو يشتري ويدفع مباشرةً يشتري بمائة ألفٍ، لكن بما أنه سيأخذ ويسدد الدين شيئًا فشيئًا ويأخذ بمائةٍ وعشرين ألفًا}
سيستعمل السيارة لنفسه؟
{نعم، أو يستخدمه}
إذن هل يجوز الزيادة في الثمن من أجل التأجيل؟ هذا سؤالك، يقول الله -عزَّ وجلَّ : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282]، الدين هذا قيمة السلعة إذا كان مؤجلًا، ثمن السلعة المؤجلة نسميه ديْنًا، فأجاز الشرع الديْن في المعاملات وفي البيوع، ولا يكون هناك ديْنٌ إلا بزيادةٍ لا يرضى صاحب السلعة أن يؤجل إلا بزيادةٍ، فدل هذا على أن الزيادة في الثمن من أجل التأجيل جائزٌ.
أيضًا من المسائل التي قد تشتبه، مسائل التورق، التورق مثل: العينة لكنه يبيعها على شخصٍ آخر، في العينة اشتريت السلعة منك، ثم بعتها عليك، بثمنيْن متفاوتيْن، أحدهما حاضرٌ والآخر مؤجلٌ، هذا عينةٌ، لكن في التورق أبيعها على شخصٍ آخر، هل التورق جائزٌ؟
نقول: يجوز بثلاثة شروطٍ:
الشرط الأول: أن تكون السلعة مملوكةٌ للبائع الأول، مرةً تبيع سلعةً وما بعد مَلَكها، نقول: ما يجوز، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تبع ما لا تملك، أو ما ليس عندك»، يأتي للبنك ويشتري منه سيارة النوع الفلاني، الشكل الفلاني الموديل الفلاني الموجودة عند المعرض الفلاني، ما بعد مَلكَ السيارة، نقول: هذا ما يجوز، حتى يملك السيارة.
الشرط الثاني: أنه إذا اشتراها فلا يبيعها على البنك، لئلا تكون عينةً، العينة محرمةٌ، ولا يبيعها على موزعٍ أو تابعٍ للبنك، أو وكيلٍ للبنك، وكذلك لا يوكل البنك في بيع السلعة، وهذا يسمونه التورق المنظم.
مثال ذلك: تأتي للبنك وتقول: أنا أبغي تمويلًا لمشروعي، قال: أنا أعطيك مائة ألفٍ لكن اشتري سلعةً، وإيش هذه السلعة؟ قال حديدٌ موجودٌ في القاهرة، ثم بعد ذلك تقوم بتوكيلنا ببيع هذا الحديد، وإذا بعنا نزلنا المبلغ في حسابك، في هذه الصورة نقول: ما يجوز مثل هذا، لماذا؟
أولًا: الحديد هذا لا يملكه البنك والمصرف، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تبع ما لا تملك»، بالتالي لا يجوز له أن يبيع الحديد وهو لم يملكه بعد.
وأشد منه إذا كان طعامًا، كيس أرز، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الطعام قبل قبضه.
الملاحظة الثانية: أنه يوكل البنك في بيع السلعة، وهذا تورقٌ منظمٌ، ولا يجوز ذلك، تفاديًا للحيل الربوية.
وبالتالي هناك شرطٌ ثالثٌ: وهو ألا يشترطوا عليه الزيادة في الأقساط عند التأخر عن السداد، يقول: ترى كل شهرٍ تدفع لي ألف وخمسمائةً، لكن إذا تأخرت أسبوعًا أزيد عليك عشرين ريالًا ثلاثين ريالًا، مراتٍ يسمونها مصاريف إداريةً، ومراتٍ يسمونها غرامة تأخيرٍ، ومراتٍ يسمونها مساهمةً في مشاريع البر، أو نحو ذلك، كل هذه التسميات ما تجوز، هذا إيش؟ من بيعتين في بيعةٍ، ومن الثمن المجهول في السلع.
ماذا يفعل هؤلاء؟ يشتري السلعة من الأول بالثمن المؤجل ويبيعها على آخر لا علاقة له بالأول بثمنٍ حالٍ، إذا كان محتاجًا للنقود، ومن أمثلة هذا مثلًا في أسهم الشركات، البنك يملك أسهمًا فيقوم ببيعها عليك بثمنٍ مؤجلٍ، ثم تبيعها في الشاشة، لا توكل البنك، تبيعها في الشاشة على من يشتري، فحينئذٍ نقول هذا جائزٌ.
البنك كان يملك الأسهم، لم يبع الأسهم على البنك، ولا على موكلٍ له أو موزعٍ، ولم يوكل البنك في بيعها، لم يشترط عليه البنك الزيادة في الأقساط عند التأخر عن السداد في الوقت المحدد.
بمناسبة الكلام عن هذه القاعدة: كل قرضٍ جر نفعًا فهو ربا، ما رأيكم أن نشرح لكم عقود الربا، وأنواع الربا.
أنتم تعرفون أن الربا نوعان: ربا فضلٍ وربا نسيئةٍ.
ربا الفضل بيعٌ ربويٌّ بجنسه متفاضلًا، متى تكون السلعة ربويةً، إذا كانت ثمنًا أو كانت مكيلةً مطعومةً أو موزونةً مطعومةً، على الراجح من أقوال أهل العلم، فإذا كانت من هذه الأنواع الثلاثة سميت سلعةً ربويةً، نرى السلع الربوية، كمبيوتر سلعةٌ ربويةٌ؟ ليس ثمنًا ولا مكيلًا مطعومًا ولا موزونًا مطعومًا، معدودٌ وليس بمطعومٍ، لا يجري فيه الربا، الكتاب؟ كذلك، ليس ثمنًا، ولا مطعومًا مكيلًا ولا موزونًا مطعومًا، بالتالي لا يجوز فيه الربا.
الثياب، لا يجري فيها الربا، الأرز، مكيلٌ مطعومٌ فيجري فيه الربا، النقود الورقية ثمنٌ تعد ثمنًا للأشياء وبالتالي من السلع الربوية، الذهب، ثمنٌ، يكون من السلع الربوية، الطماطم ليس بمكيلٍ ولا موزونٍ، وبالتالي ليس سلعةً ربويةً.
إذن النوع الأول بيعٌ ربويٌّ، ما معنى ربويٌّ؟ ثمنٌ أو مكيلٌ مطعومٌ أو موزونٌ، بجنسه، متى يسمى بجنسه؟ إذا شاركه في الاسم، متفاضلًا، يعني أحدها أكثر من الآخر، مثال ذلك:
باع صاعًا من تمرٍ سكريٍّ بصاعٍ ونصفٍ تمرًا خلاصًا، التمر ربويٌّ ولا ما ربويٌّ؟
مطعومٌ مكيلٌ، فهو ربويٌّ، باعه هنا بجنسه، هذا تمرٌ وهذا تمرٌ، فإذن من نفس الجنس وإن اختلف النوع، هل هنا تفاضلٌ؟ هذا صاعٌ وهذا صاعٌ ونصف، وبالتالي هذا ربا، ولو كان كل واحدٍ منهما يسلم للآخر.
واضح ربا الفضل، طيب باع صاعًا تمرًا سكريًّا مقابل صاعٍ ونصفٍ من الأرز، ربا ولا ليس بربا فضلٍ، مقبوضٌ، اختلف الجنس فلا يكون من ربا الفضل.
لو باع ألف ريالٍ مقابل ستين جنيهًا من الذهب، العلة واحدةٌ، كلاهما ثمنٌ، لكن الجنس مختلفٌ، كلاهما ربويٌّ لأنه ثمنٌ، ولكن الجنس مختلفٌ، هذا نقودٌ وهذا ذهبٌ، نقدٌ ورقيٌّ وهذا ذهبٌ، وبالتالي يجوز التفاضل إذا لم يكن هناك تأخيرٌ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ».

النوع الثاني: ربا النسيئة.
النسيئة يعني التأخير، ما هو ربا النسيئة؟ بيعٌ ربويٌّ بربوي يشاركه في العلة، أحدهما مؤجلٌ، أو كلاهما.
مثال ذلك: بيع ذهبٍ بريالاتٍ ورقيةٍ، أحدهما مؤجلٌ، ما حكمه؟ ربا نسيئةٍ، لماذا؟ لأنه بيعٌ ربويٌّ بربويٍّ يشاركه في العلة كلاهما ثمنٌ، أحدهما مؤجلٌ.
ومن أمثلة ذلك: يشتري ذهبًا ويسدد بالبطاقة التأمينية التي لا يستلمون الثمن فيها إلا بعد يومين، فهنا ذهب مقابل نقدٍ ورقيٍّ مؤجلٍ، ولو بعد يومين، لابد من التقابض في نفس المجلس، لقوله: «إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ».
الأرز ربويٌّ، لماذا؟ لأنه مكيلٌ مطعومٌ.
والذهب ربويٌّ، نعم لأنه ثمنٌ.
لو اشترى أرزًا بذهبٍ مؤجلٍ، لا ليس ربا النسيئة، اختلاف العلة، ربا النسيئة بيعٌ ربويٌّ بربويٍّ يشاركه في العلة، أحدهما مؤجلٌ، وهنا لا توجد مشاركةٌ في العلة، أحدهما ثمنٌ والآخر مطعومٌ مكيلٌ، فلما اختلفت العلة حينئذٍ جاز التأجيل فيه. واضح هذا.
طيب، ربا القرض من أي النوعين؟
قلنا: كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربا، أعطيك ألفًا، وتعطيني بعد شهر ألفًا ومائةً، ربا قرضٍ هذا، هل هو ربا فضلٍ؟ أم هو ربا نسيئةٍ؟ كلاهما، ربا الفضل قلنا: بيعٌ ربويٌّ بجنسه متفاضلًا، الألف مقابل ألفٍ ومائةٍ، فهو ربا فضل، وفي نفس الوقت، هو ربا نسيئةٍ؛ لأنه بيعٌ ربويٌّ بربويٍّ يشاركه في العلة، أحدهما مؤجلٌ، فاشترك فيه النوعان من أنواع الربا، ربا الفضل، وربا النسيئة.
ومن خلال ما سبق، نعرف أن الأوراق النقدية التي قد يستعملها الناس، أنها مما يجري فيها الربا؛ لأنها ثمنٌ للأشياء وبالتالي تجب الزكاة فيها، ويحرم التفاضل فيما بينها، ولكن كل نوعٍ من أنواع النقود جنسٌ مستقلٌ، الريال السعودي جنسٌ، الجنيه المصري جنسٌ، الدينار الكويتي جنسٌ ثالثٌ، الدينار البحريني جنسٌ رابعٌ، الريال القطري جنسٌ آخر، الدرهم الإماراتي جنسٌ آخر، وهكذا، كل نوع من أنواع العملة يعتبر جنسًا مستقلًا، وبالتالي نعرف أحكام هذه التعاملات فيما يتعلق بالأوراق النقدية. كثيرٌ من الناس يستشكل أبواب الربا.
ننتقل إلى قاعدةٍ أخرى، وهي قاعدة: "الغرر مؤثرٌ في التصرفات".
ما هو المراد بالغرر؟ الغرر ما يُجهل حاله، أو مآله، أبيعك ما يوجد في جيبي بألف ريالٍ، ما يوجد في الجيب مجهول الحال، هذا يكون بيعه من أنواع الغرر، وهكذا ما تُجهل عاقبته، قال: أبيعك هذا الطير في الهواء، تشاهد ولا ما تشاهده؟
يقول: أشاهده، فهو يعرف حاله في الحال، لكنه يجهل عاقبته، يمكن يصيده، ويمكن لا يصيده، فحينئذٍ نقول: هذا غررٌ، لماذا؟
لأننا جهلنا عاقبته ومآله.
الغرر يؤثر في التصرفات، ما المراد بالتصرفات؟
هي الأفعال التي تؤثر على ملكية العين، أو الانتفاع بها، سواءً في الحال أو في المآل. مثل البيع، هذا تصرف، يعني يؤثر في ملكية العين، الإجارة يؤثر في الانتفاع، بالتالي يكون من أنواع التصرفات، ومثله أيضًا الوصية، تنقل الملك بعد وفاة الموصي، فهذا تصرف لأنه ينقل الملكية أو يؤثر في الملكية بعد الموت.
إذن ما هي القاعدة؟ "الغرر يؤثر"، كيف يؤثر في التصرفات؟ إما أنه يبطلها، أو يلغي الإلزام بها، تصبح تصرفاتٍ غير ملزمةٍ.

ما هو الدليل على هذه القاعدة؟
هناك عددٌ من الأدلة، منها: قول الله -عزَّ وجلَّ : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29]، فالنهي عن أكل المال بالباطل، يشمل التصرفات التي فيها غررٌ، ما يدرى ما هي، وما يدرى حقيقتها.
وكذلك من الأدلة، ما ورد في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر.
وكذلك ما ورد في الحديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الثنيا في البيع إلا أن تُعلم، الثنيا يعني الاستثناء والشرط، لابد أن تكون معلومةً، إذا لم تكن معلومةً، فحينئذٍ لا يصح العقد.
الحديث السابق نهى عن بيع الغرر، لم يقل: نهى عن الغرر في البيع، لو قال: نهى عن الغرر في البيع، لكان أي غررٍ يؤثر في التصرفات، ولو كان قليلًا يسيرًا، لكن لما قال: نهى عن بيع الغرر، معناه، البيع الذي يكون أكثره غررٌ.

ولذلك، لهذه القاعدة شروطٌ:
الشرط الأول: ألا يكون الغرر تابعًا، فإذا كان الغرر تابعًا، فإنه لا يؤثر على التصرفات.
مثال: يأتي ويشتري البيت، ولا يدري عن أساسات البيت، يمكن الحديد الذي داخل الصبة متهالكٌ، هذا غررٌ، لكنه غررٌ تابعٌ، والغرر التابع يُغتفر. وسبق أن مثلنا بأمثلةٍ لهذا في قاعدة: التابع تابعٌ، نقول: لو باع الحمل وحده لم يجز، لكن لو باع الشاة بحملها، حينئذٍ جاز، وصح العقد، لماذا منعنا الأولى، ولم يمنع الثانية؟
الأولى غررٌ غالبٌ، والثاني غررٌ تابعٌ، والغرر التابع يغتفر عنه. مثله أيضاً: لو باع الثمرة قبل بدو الصلاح، ما الحكم؟
لا يصح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، لكن لو باع النخلة، بثمرتها التي لم يبدو صلاحها، قال: أشتري منك النخلة بثمرتها التي عليها، ولو لم يبدُ صلاحها، في هذه الحال نقول صح، لماذا؟ لأن الغرر هنا تابعٌ، والغرر التابع معفوٌّ عنه.
إذن، من شروط القاعدة: أن يكون الغرر أصليًّا لا تابعًا، أما التابع فإنه يُغتفر، فيه مرات تشتري صندوق تمرٍ، أو صندوق أي سلعةٍ، أنت تشاهد الذي في الأعلى، قد يكون في الأسفل أشياء مغايرةٌ له، نقول يصح مثل هذا العقد، مع أنك تجهل، ممكن يكون وممكن لا، لا يجوز للبائع أن يغش، وأن يضع سلعًا مخالفةً لما في الأعلى، لكن هذا المشتري لا يدري، فهذا غررٌ بالنسبة له، لكنه غررٌ تابعٌ، فيغتفر، وشرط القاعدة: أن يكون الغرر متبوعًا أصليًّا، لا تابعًا، هذا هو الغرر المؤثر.

كذلك من شروط القاعدة: ألا يكون الغرر مُنهيًا للنزاع، مثال ذلك: أنا لي عليك ديْنٌ، لكن جهلنا مقدار هذا الديْن، قلت: أبرأتك منه، هذا الإبراء تصرُّفٌ، لأنه ينقل الملكية، أليس كذلك؟ هنا غررٌ، ما يُدرى كم الديْن، لكنه لما كان التصرف هنا ينهي النزاع، فأجزناه ولو كان فيه غررٌ. اثنان بينهما شركةٌ، قال: عندنا الشركات، والحين كل واحدٍ يفصل، ولا ندري كم المقدار الجازم، ما رأيك أنت تأخذ الشركة الفلانية، وأنا آخذ الشركة الفلانية، مع أنه ما يوجد تساوٍ، فيه غررٌ، لكن لما كان هذا التصرف مُنهيًا للنزاع، أجزناه بما فيه من الغرر.
إذن هناك شرطان للقاعدة:
الشرط الأول: ألا يكون الغرر تابعًا.
والشرط الثاني: ألا يكون التصرف مُنهيًا للنزاع.
هذا يجعلنا نسعى في التفريق بين الغرر، وبعض المصطلحات التي لها أثرٌ بها، مثلًا: مصطلح الغَبن، ما هو الغَبن؟ الزيادة الفاحشة في الثمن، هذا الكمبيوتر في السوق بألف ريالٍ، بعتني هذا الكمبيوتر بثلاثة آلافٍ، زيادةٌ فاحشةٌ، هذا يسمى غبنًا، الغبن ماذا يؤهلني؟ يؤهلني بيع الخيار، حق الخيار، أقول: أرجع لك السلعة، وآخذ الثمن، لكن بالخيار، أنا يا أيها المشتري أنا بالخيار، إن أردت أن أرد السلعة، وآخذ الثمن، أو لا، هذا يسمى غبنًا.
ما الفرق بين الغبن والغرر؟
الغبن في الثمن، والغرر في المثمن، في السلعة. الغرر جهلٌ بحقيقة الشيء، وفي الغبن جهلٌ بمقارنته، هو يعرف السعر لكن ما يعرف أن هذا سعرها في السوق، أو ليس كذلك، فإذن هذا الفرق بين الغرر والغبن.

ما الفرق بين الغرر والعيب؟
العيب نقصٌ في السلعة، صفةٌ تؤدي نقص ثمنها، هذا يسمى عيبًا، لكن الغرر جهالةٌ، ما يُدرى. مثال ذلك: سيارةٌ اشتريتها، فوجدت أن الماكينة قد عمل فيها وحركت، فهذا عيبٌ ينقص الثمن، ما يقال له غررٌ، بينما الغرر الجهالة بحقيقة الشيء، أو بعاقبته. فرقنا بين العيب وبين الغرر. والتدليس؟ التدليس إظهار السلعة بغير حقيقتها، فرقٌ بين التدليس والعيب. مثال ذلك: عندي سيارةٌ، وفي مؤخرتها رمزٌ لنوع السيارة، رفعتَ هذا الرمز، ووضعتَ رمز شركةٍ أغلى، أو أعلى، هذا تدليسٌ، ليس فيها صفةٌ معيبةٌ، وإنما أظهرت السلعة بغير حقيقتها، فزاد الثمن، هذا يسمى تدليسًا، بخلاف الغرر، فهو جهلٌ بالحقيقة، أو جهلٌ بالمآل. الغرر يبطل العقد، أما العيب والتدليس فهذه لا تبطل العقد، وإنما تجعل من فات غرضه ومقصوده، له حق الخيار، بين إمضاء العقد، وبين فسخه.
إذن فرقنا يبن الغبن، والعيب، والضرر، والتدليس. الضرر ما هو؟ الضرر يشمل هذه الأشياء، هذا يكون في السلعة، يؤثر عليها.
إذن، عرفنا الفرق بين الغرر، وبين بعض التصرفات التي تكون مؤثرةً فيها.
نريد أن نأخذ أمثلةً وتطبيقاتٍ على الغرر. من يعطينا؟
{بيع بعض الأطعمة أو النباتات، التي يكون ثمرتها في جوف الأرض}.
هذه تُعلم صفتها من العلم بما يظهر، مثلاً الجزر، يكون في الأرض، أو الفجل، هذا الفجل، أصحاب الخبرة، يرى الورق الخارج في الأعلى، يعرفون مقدار هذا الفجل أو الجزر، وبالتالي هذا ليس من باب الغرر. من أمثلة بيع الغرر، بيع الثمرة قبل بدو الصلاح، بيع الحمل في البطن، هذا غررٌ، وسبق بيع السمك في الماء، بيع الطير في الهواء، بيع الجمل الشارد، ما يُدرى، نستطيع رده، أو لا نستطيعه، أيضًا من أنواعه: بيع المنابذة، يقول: أي ثوبٍ طرحته لك فهو بعشرةٍ، قد يطرح الثوب الثمين، أو قد يطرح الثوب القليل، أو يقول: سألقي هذه الحجارة وأنبذها، فما وصلت إليه، فهو لك بعشرة آلافٍ، ما وصلت إليه من الأرض فهو لك بعشرة آلافٍ، قليلةً أو كثيرةً، هذا بيع غررٍ، مثله أيضًا بيع الملامسة، أي ثوب لمسته، فهو لك بعشرةٍ، فهذا بيع غررٍ، يمكن يلمس الثوب الغالي، ويمكن يلمس الثوب الأقل. مثله أيضًا: استثناء المجهول، قال: أبيعك الشاة، بشرط أن الشحم يكون لي، الشحم ما يُدرى ما هو، قليلٌ أو كثيرٌ، وبالتالي لا يجوز هذا البيع، لماذا؟ لجهالة الاستثناء، ومثله أيضًا: لو باعه الشاة واشترط الحمل في بطنها، الحمل مجهولٌ، وبالتالي غررٌ، الاستثناء يكون غررًا.
من صور هذه المسائل أيضًا القمار، يأتي ويضع ألفًا، يمكن تعود له عشرين ألفًا، وممكن تروح الألف، فهذا قمارٌ، هذا من أنواع الغرر، وقد نهى الشرع عنه، مثله بيع اليانصيب، نكون نحن ألف واحدٍ، وكل واحدٍ يسلم ريالًا، ثم نضع قرعةً، من طلعت له القرعة يأخذ تسعمائة، والمائة للمنظمين، هذا من أنواع الغرر، لأنه قمارٌ، ما هو القمار؟ غرمٌ محققٌ معلومٌ متأكدٌ منه، وغنمٌ مشكوكٌ فيه، هذا القمار، فكل ما كان كذلك، فإنه يكون من القمار، ومن أمثلته أيضًا بعض المسابقات التي تكون في بعض القنوات، كل من اتصل يؤخذ منه خمسة ريالاتٍ قيمة المكالمة، ثم بعد ذلك، يضعون قرعةً لهؤلاء المتصلين، من خرجت القرعة له أعطي الجائزة، فهذه أيضًا من الأنواع المحرمة، لشيئين: لأنه أكل مالٍ بالباطل، لأنهم يأخذون من الناس عشرات الملايين، ثم يدفعون ثلاثة ملايين أربعة ملايين، هذا أكل مال بالباطل، ومثله هذه المسابقات التي تجري بالتصويت، سواءً سموه فراش المليون، أو سموه بأي تسميةٍ، موظف المليار، كل هذه التسميات، يأخذون من أموال الناس، ثم يضعون جزءًا قليلًا يسيرًا في الجائزة، والباقي يأكلونه، هذا أكل مالٍ بالباطل، وفي نفس الوقت، هو قمارٌ، فيه الغرر، لماذا؟ لأنه كل يدفع، والذي يحصل على الجائزة واحدٌ أو اثنان فقط، فكان من أنواع القمار، وكان مما منع منه الشرع؛ لوجود الغرر.
كذلك من تطبيقات هذه القاعدة: بيع السلعة بنقديْن مختلفيْن، قال: خذ هذا الكمبيوتر، إن سددت لي بعد شهر، فهو لك بألفٍ، وإن سددت بعد شهرين، بألفٍ ومائتين، فهذا غررٌ في الثمن، وبالتالي يُمنع منه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر.
من صوره أيضًا: التأمين التجاري، يدفع أقساطًا ما يدري يحصل له شيءٌ، أو ما يصلح له شيءٌ، فهذا تأمينٌ تجاريٌّ.
ما الفرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني؟
المجامع التعاوني أفتت بجواز التأمين التعاوني، وقد ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل ما عندهم من زادٍ، جمعوا ما لديهم، ثم اقتسموه»، فاستدل كثيرٌ من الفقهاء بهذا الحديث، على جواز التأمين التعاوني.
ما الفرق بين التأمين التعاوني، والتأمين التجاري؟
هناك فروقاتٌ:
الفرق الأول: أن التأمين التجاري، يكون التعويض فيه حسب الاتفاق، بينما التأمين التعاوني، التعويض فيه بحسب الضرر فقط.
مثال ذلك: هذا القلم نتفق معك في التأمين التجاري على أنه إذا تلف تدفع لي عشرة مليون، هذا تجاريٌ، أما إذا قال التأمين: هذا القلم إذا تلف ترد لي قيمته، هذا يكون تأمينًا تعاونيًّا.

الفرق الثاني: أن الأقساط في التأمين التعاوني متماثلةٌ، للسلع المتماثلة، والظروف المتماثلة، بخلاف التأمين التجاري، هو حسب الاتفاق، القلم الذي بعشرةٍ، وضعنا تعويضًا فيه عشرة ملايين وبالتالي قال: كل شهرٍ تدفع لي مليونًا مثلًا، مائة ألفٍ، بينما القلم الثاني الذي التعويض فيه بعشرين ريالًا، هذا نقول فيه ماذا؟ التأمين الذي فيه بعشرين ريالٍ نقول في التأمين التجاري الأقساط حسب الاتفاق، متفاوتةٌ، مع تساوي السلع، وفي التأمين التجاري متفاوتةٌ حسب الاتفاق، في التأمين التعاوني..
{صار غررًا}.
لا نتكلم عن التعويض، نتكلم عن القسط المدفوع، القسط المدفوع في التأمين التجاري بحسب الاتفاق، وقد يكون أكثر، وقد يكون أقل، وقد يكون كثر القيمة مائة مرةٍ، بحيث أنهم يناظرون التعويض، بينما في التأمين التعاوني، النظر فيه إلى تعويض الضرر، وبالتالي ستكون السلع المتماثلة أقساطها التأمينية متساويةٌ.
عندنا فرقٌ ثالثٌ، وهو أن الفائض بعد التعويضات، وبعد رواتب الموظفين، في التأمين التجاري تأخذه الشركة التجارية، وفي التأمين التعاوني يعود إلى المؤمنين أصحاب السلع، فهذا فرقٌ بين الأمرين.
بهذه المناسبة نتكلم عن التأمين الصحي، نحن قلنا في التأمين، أنه دفع أقساطًا ماليةً للحصول على تعويضٍ عند وقوع أمرٍ، هذا هو التأمين، في التأمين الصحي، لا يوجد تعويضٌ، وإنما يوجد خدمةً، هناك دفع أقساطٍ ماليةٍ للحصول على خدمةٍ، وليس للحصول على تعويضٍ.
والتأمين الطبي ثلاثة أنواعٍ:
النوع الأول: أن يكون التأمين الطبي عند شركة تأمينٍ تجاريٍّ، بحيث يقول: إذا جاءك المرض الفلاني أنا أعطيك مليونًا، بعض الشركات تقول: إذا جاءك السرطان أنا أعطيك مليونًا، تدفع لي عشرة آلافٍ، وإذا جاءك مرض السرطان أنا أدفع لك مليونًا، هذا تأمينٌ تجاريٌّ، ما حكمه؟ حرامٌ، لا يجوز، لماذا؟ فيه غررٌ، فيه نقودٌ مقابل نقودٍ، فيه عللٌ كثيرةٌ.
النوع الثاني: أن يكون التأمين عند شركة تأمينٍ تعاونيٍّ، أن يكون التأمين الصحي، عند شركة تأمينٍ تعاونيٍّ، فهذا جائزٌ؛ لأن التأمين التعاوني جائزٌ كما تقدم.
النوع الثالث: أن يكون التأمين عند منشأةٍ صحيةٍ، تأتي للمستشفى وتقول له أو مجموعة المستشفيات، وتقول لهم: أنا أدفع لكم مائة ريالٍ شهريًّا، على أن تعالجوني بما يحصل علي من أمراضٍ، فالتأمين هذا النوع جمع بين الإجارة الخاصة، والإجارة العامة، وقد وقع الخلاف بين العلماء فيها، ونحو نرى جواز ذلك؛ لأن الأصل في العقود الصحة والجواز.
أسأل الله -جلَّ وعلَا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم الهداة المهتدين، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك