الدرس الخامس

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7803 24
الدرس الخامس

عمدة الفقه (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله في مجلس من مجالس العلم، في حلقة من هذه الحلق المباركة، التي نسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم من المتعلمين للعلم، المقبلين على الفقه، الطالبين للهدى، المقتفين سنة النبي المصطفى، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن بهديه اقتفى.
أيها الإخوة الكرام، لا يزال الحديث موصولًا في ما قد كنا قد ابتدأناه في هذه الحلق المباركة، من الكلام على أحكام الوصايا، وكتاب الوصايا.
وتعلمون أننا بين يدي كل لقاء، ربما تركنا موضوعًا، أو أثرنا مسألة ما يهم طلبة العلم الحديث عنها، أنتم في هذه الحلقة، وأنا معكم، والإخوة الذين يشاهدونني، إذا أقبل الإنسان على الحلقة، فربما أصلح هندامه، واتخذ لذلك اتخاذًا مما يتهيأ به لمثل هذا اللقاء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لم يفعل الواحد منا ذلك؟ هل ليأخذ صورة حسنة عبر هذه الفضائيات؟ أم أن له معنى أزكى من ذلك وأرفع، وهو الذي ينبغي أن يقر في أنفسنا، فنستوي وإياكم مع الإخوة المشاهدين في ذلك، وهو أن يكون الإنسان تحسب للعمل، واهتم له، وعظمه، ومن تعظيم العلم أن يكون حال تلقيه في أحسن هيئة وأجمل حلة.
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفس لعُظِّم

ولذلك كان الإمام مالك، إذا أراد أن يجلس في مجلس الحديث، كان يلبس أحسن ثيابه، ويغتسل، ويتطيب، ويجلس جلسة عظيمة مهيبة، في ذلك المجلس، حتى عُرف بهيبته، وكان الناس يهابونه في تلك المجالس.
فإذا كان الأمر كذلك فإن حرصكم على أن تكونوا في أحسن حلة، في هذا المجلس والمشاهدون سواء، فلا يقول أحد من الإخوة المشاهدين أنا في بيتي، أو أنا في داري، أو لا أحد يراني، بل ينبغي لنا جميعًا أن نعلم أن هذا مجلس علم، وأن تجملك لأجل العلم، ولأجل أنه قول الله -جل وعلا-، وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يأتي عليك، ويُتلى بين يديك، فتكون أحسن ما تكون في تلقيه واستقباله في حلتك وهيأتك.
ومما يدل لهذا من السنة النبوية الصحيحة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه الوحي من السماء، يتفصد جبينه عرقًا، لماذا؟ والله -جل وعلا- يقول: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلً﴾ [المزمل: 5]، ليكون أكثر تهيئًا.
وهنا فائدة لطيفة، ينبغي للإخوة جميعًا أن يتنبهوا لها: كثير من المعلومات والفوائد والنكت العلمية، والشوارد التي لا يمكن أن يتلقاها الإنسان، تأتيه عبر هذه البرامج الإلكترونية والتواصلات الاجتماعية، الواتس آب وغيرها، وهي فوائد لطيفة، ومع ذلك لا يستفيد منها شيئًا، لماذا؟ لأن تلقي الإنسان لها، على حين ليست مناسبة لتلقي العلم فلا تقر، ولا تعظم بها البركة، كما تعظم في مجلس العلم الذي يتهيأ له الإنسان، وينوي به أنه حضر هذا المجلس، ولا يخالطه شيء من اللغو ولا من الغفلة ولا من الضحك، ويكون أكثر ما يكون إقبالًا عليه، وهدوءًا بين يديه، وتعظيمًا له، وفرحًا به، فيكون كذلك أو في تلك الحالة أنفع.
إذن نحن على الهواء، ونحو يرانا الناس، لكن ما يقر في قلب الإنسان حينما يخرج في هذا المكان، ينبغي أن يكون لله -جل وعلا-، فحينما نُحسن هندامنا، ونُحسن لباسنا، ونُحسن جلستنا، ونجلس في هذا الموضع، فإننا نعلم أننا سنردد قول الله، وقول رسوله، وما سطَّره علماء الإسلام، والفقهاء الأعلام، فيكون تلقينا لذلك إخلاصًا لله -جل وعلا-، وطلبًا لمرضاته، وتعظيمًا لعلوم الدين، وما جاءت به سنة خير المرسلين -عليه الصلاة والسلام-، فإنه في ذلك يكون أتقى لنا، وأعظم أجرًا عند ربنا، وأنفع لتلقينا لهذه العلوم.
وكذلك الإخوة الذين يشاهدون، حتى ولو كنت وحدك، أو كنت في بيتك، فمتى ما أحسنت جلستك، وهيأتك، ولبسك، وكنت أكثر استعدادًا للتلقي، فإن ذلك سيكون أنفع بإذن الله جل وعلا.
لا نريد أن يذهب بنا الوقت، فأمامنا جملة من المسائل التي نريد أن نتدارسها وإياكم في هذا المجلس الذي نسأل الله -جل وعلا- أن ينع به.
كنا في الدرس الماضي ذكرنا بعض المسائل التي فيها ما يكون من التشريك في وصية، أو إتيان وصيتين على أمر واحد، سواء كان ذلك بما يدل على نسخ الأول وإعطاء الثاني في إذا ما قال ما أوصيت به للأول فهو للثاني، فقلنا أنه في مثل هذه الصورة تكون الوصية للأخير، ويبطل استحقاق الأول فيها، وأما ما سوى ذلك من الأمثلة، كأن يوصي لفلان بسيارة، ثم يوصي بعد ذلك لآخر بتلك السيارة، فقلنا أن هذا عند أهل العلم أنه يقتضي اشتراكهما في الاستحقاق، وذلك أن ثبوت الوصية لهما قد حصلت، وليس فيها ما يدل على نسخ المتقدم وتحقيق الأمر للمتأخر، ولأن وقت استحقاق الوصية هو بالموت، وعند الموت كان قد أوصي لهما، فكان اليقين في ذلك أن يشتركان فيها، لثبوت الوصية لهما قطعًا، وعدم ما يدل على نسخ المتقدم، واستحقاق المتأخر.
بعد أن أنهينا هذه المسائل، المؤلف -رحمه الله تعالى- جعل فصلًا في مسائل تتعلق بنحو مما تقدم، من إبطال الوصية ونحوها، ونسمع ما ذكره الإمام ابن قدامة -رحمه الله تعالى- ثم نوضح ذلك بما ييسره الله -جل وعلا-.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال المؤلف -رحمه الله وإيانا: فصل، إذا بطلت الوصية أو بعضها رجع إلى الورثة، فلو وصى أن يشترى عبد زيد بمائة فيعتق، فمات أو لم يبعه سيده، فالمائة للورثة}.
إذن هذا الفصل الذي عقده المؤلف -رحمه الله تعالى-، في صور يكون بها بطلان الوصية، وبطلان الوصية إما أن يحصل بأمر ظاهر، وهو ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- بقوله: إذا بطلت الوصية أو بعضها، رجع إلى الورثة، يعني رجع المستحق بالوصية إلى الورثة، ويكون ذلك بالإبطال، كأن يوصي شخص لفلان وفلان وفلان، ثم يقول: أبطلت وصيتي، أو هذه الوصية التي أوصيت بها لفلان قد مزقتها وأنهيتها، أو ما أشهدتك يا فلان من وصية لزيد، أو لعمرو، أو لمحمد، أو لخالد، أو لكبير، أو لصغير، أو لامرأة أو غيرها، فإنني قد رجعت عنه.
فكل هذه الأمثلة، وفي مثل هذه الأحوال كلها، ينتهي حكم الوصية، ولا يكون لهم شيء، ولا يستحقون من ذلك شيئًا، لما ذكرنا، من أن الوصية إنما محلها بالموت، فما كان قبل الموت، فإن للإنسان أن يرجع فيها، وسبق أن ذكرنا ما جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن للإنسان أن يُحدث في وصيته ما شاء، ويكتب ما شاء، ويحذف ما شاء.
إذن، هذا أصل هذا الفصل، ومتعلق هذا الباب، فلما كان هذا مستقرًا، أراد المؤلف -رحمه الله تعالى- أن يبين بعض الصور التي حصل بها البطلان، لا من جهة الموصي، وإنما من جهة الحال التي وقعت فيها الوصية، ولأجل ذلك مثَّل بهذه الأمثلة، فقال: فلو وصَّى أن يُشترى عبد زيد بمائة فيُعتق، فمات أو لم يبعه سيده، فالمائة للورثة.
إذن هو أوصى بمائة، أن يُشترى هذا العبد، الذي هو عبد زيد، إما لما عُرف من صلاحه، وإما لما أيضًا لحاجة أهله إليه، وأهله أحرار، إما لقربه من هذا الموصي، لأي سبب من الأسباب، اختار أن يوصى لهذا العبد بشرائه وإعتاقه على سيده.
فإذا جاءوا ليشتروه، بحثوا عن هذا العبد، فلما جاءوا إلى زيد وسألوه، أين عبدك فلان؟ فإن مورثنا قد أوصى بأن يُشترى ويُعتق، قال: قد مات.
ففي هذه الحال ما الحكم؟
نقول: هذه المائة أو هذا المال الذي أوصى به ذلك الموصي ليُشترى به هذا العبد لم يمكن تحقيق وصيته، فيرجع المال إلى أصله، والمال إذا رجع إلى أصله يكون للورثة.
وكأن المؤلف -رحمه الله تعالى- أراد أن يفرِّق في ذلك بين مسائل الوصية ومسائل الوقف، فلو أن شخصًا مثلًا أوقف هذه العمارة، وقال: يُشترى بها عبيد فلان ويُعتقون مثلًا، فجيئوا، وإذا عبيد فلان قد ماتوا، أو عتقوا، أو نحو ذلك، فهنا الوقف لا يبطل، وإنما يُصرف في جهة ثانية، وذلك أن ثمَّ أو كأن المؤلف أراد أن يفرِّق بين الوقف والوصية، فإن الوقف له حال من جهة انعقاده، فينعقد بمجرد إيقاف الموقف، وله تعلق من جهة مصرفه، وهما جهتان منفكتان، فإذا تعذَّر المصرف، فإن ذلك لا يعني تعذر الأصل والوقف، بل إنه يُصرف في ما ماثله وما ساواه وما شابهه، أما الوصية فإنها تبرع، لكنها تبرع موجَّه، مادام أنه مقيد فإنها مربوطة بذلك القيد، لا يحصل ذلك التبرع إلا بحصول ذلك الموصى به، فإذا لم يحصل، فإن الوصية ترجع، فتنبهوا للفرق بينهما، قد تقدم بكم دراسة باب الوقف، وهو فيه إشارة إلى أن مصارف الوقف إذا تعذرت، أو تعذر بعضها، انتقل إلى ما شابهها، ولأهل العلم في ذلك تفاصيل كثيرة، فذاك في باب الوقف، لما ذكرنا من أن الوقف له جهتان منفكتان، من جهة التحبيس الأصلي، ونفاذ الوقف، ومن جهة مصرفه، ومن يُبذل له، والحكم في ما إذا تعذر واحد من المصارف أو جميعها، لكن الوصية فهي باب بر وتبرع، لكنه مقيد بالموصى له، فإذا أمكن فعله، فإن الوصية نافذة، وإذا تعذر ذلك بوجه من الوجوه، فإن الوصية تبطل، ويرجع المال إلى أصله، فيكون لورثته ومستحقيه.
ولأجل ذلك قال: فمات أو لم يبعه سيده، فإذا كان قد مات هذا العبد، نقول: نرجع هذه المائة إلى الورثة، أو لم يبعه سيده، قالوا لسيده: نحن أوصانا أن نشتريه منك وهكذا، قال: والله أنا لا أبيعه، أنا محتاج إليه، وهو أوفى ما يكون إلي، وأحب ما يكون مني، ولا أجد بديلًا يقوم مقامه، أو لا أريد أن أبيعكم بأي وجه من الأوجه.
فنقول في مثل هذه الحالة: تعذر عليكم إنفاذ الوصية، فيرجع المال إلى الورثة.

هذا إذن في المثال الأول، ثم قال: وإن..
{قال: وإن وصى بمائة تُنفق على فرسٍ حبيسٍ، فمات الفرس فهي للورثة}.
هذا أيضًا مثالٌ ثانٍ، تأكيدًا على هذا الأصل، وهو لو أن شخصًا مثلًا أوصى على فرسٍ حبيسٍ في سبيل الله، يعني مما يُستعمل في الجهاد، وقال: أنه يُنفق عليه، لأن هذا الفرس فيه قوة، وفيه سرعة، ويستعمله الفرسان والشجعان من الرجال، فيكون به عز للإسلام وأهله.
فقال: تُنفق هذه المائة على هذا الفرس، فإذا الفرس قد ماتت، أو تعذر الوصول إليها، لم يجدوها، قال صاحبها: قد بعتها، ولا أدري أين هي، ففي مثل هذه الحال نقول: من أن هذا المال الذي أوقف على هذا الفرس يرجع إلى الورثة، ولذلك قال: فهي للورثة، بمعنى أنها تخالف الوقف، فلا يعني ذلك أن نقول: ننظر في فرس شبيهة بها، فنعطيها إياه، نقول: لا، لأن هذا من الموصي تبرع مخصوص لتلك الفرس، فلما تعذر إنفاقها على ذلك الفرس، رجع المال إلى أصله، والمال يكون إذا لم تكن وصية أو تعذر إنفاذها للورثة.

{قال: ولو وصى أن يحج عنه زيد بألف، فلم يحج، فهي للورثة}.
كذلك، يعني لو أنه أعطى، قال: إذا أنا مت، فأعطوا زيدًا، وزيد معروف بصلاحه وفضله، وأن يؤدي النسك على أتم حال، ويعرف الأحكام التي تليق بالمتلبس بالنسك، فيؤدي السنن، ويفعل ما أُمر به، وهو أمين في ذلك، لا يخدش إحرامًا، ولا يُنقص نُسكًا، هو إذن قد أوصى إليه بأن يحج عنه بألف، فلم يحج، إما لأن زيدًا قال: أنا لا أحب أن أحج على غيري، وأحج عن نفسي، أو كان زيد قد كبر سنه، قال: لا أستطيع الوصول إلى مكة، ولا أقدر على فعل ذلك النسك، أو كان قد مات، أو امتنع بأي سبب، وليس بملزم أيضًا أن يقوم بذلك، قال: لا أفعل ذلك.
ففي هذه الأحوال كلها نقول من أنه تعذر إنفاذ الحج في هذه الحال، فيرجع الأمر إلى الورثة.
وهذه المسألة لها متعلقان: متعلق أنه أراد أن يحج زيد، أو أراد أن زيدًا ينتفع بأن يحج، وأيضًا ربما يبقى له بقية، ولأجل ذلك بعض أهل العلم وهو مشهور عند الحنابلة أو المعتمد من المذهب في مثل هذه المسألة، يقولون: أن الحج هو المقصود، فإذا تعذر إنفاذ زيد له، فإنه يمكن أن يُنظر في من يقوم به، فيُعطى ذلك؛ لأن المقصود هو الحج، وكأن أوصى بأن يُحَجَّ عنه، وأن أولى من يقوم بذلك هو زيد.
إذن لما كانت هذه الصورة الأخيرة متجاذبة إما أنه قصد الإحسان إلى زيد، وإما أن قصد الإحسان إلى نفسه، لكون زيدٍ ممن يتم الحج ويُكمل النُّسك على وجه أتم.
ففي هذه الصورة بخصوصها، نقول من أنه يمكن أن يُنتقل إليه، ولذلك ذهب جمع من أهل العلم على أنه في هذه الصورة وما شابهها، يمكن أن إذا تعذر إعمال أو فعل الحج من زيد، فإنه يمكن أن يُنظر إلى أحد مماثل له في صفاته، ليقوم بما أوصى به ذلك الموصي.

{وإن قال الموصى له: أعطوني الزائد على نفقة الحج، لم يُعط شيئًا}.
نعم، إذن لو أن زيدًا هذا الذي أوصي إليه بأن يحج بألف، والحج يعرفه الناس مثلًا لا يكلف إلا خمسمائة درهم، إذا قلنا أنها بالدراهم القديمة، أو ستمائة دينار إذا كانت بالدنانير، هو أوصى بألف، وهو لا يكلِّف إلا ثمانمائة من الفلوس التي يستعملها أهل ذلك البلد، فهو قال الآن: أعطوني الزائد عليها، لأنه أراد نفعي، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: لا يُعط شيئًا، لماذا؟ لأن الوصية له بهذا القدر الزائد منوط ومتعلق بفعله للحج، فإذا فعل الحج استحق، وإلا فلا، ولا يمكن للوصية أن تُفصَل، وأن يُفرَّق المجتمِع فيها، بل استحقاقه لهذا المتبقي متعلق ومنوط بفعله للحج، متى ما فعله استحق، وإلا فلا، ولذلك قال: لم يُعط شيئًا، فلا يستحقه.
{قال: ولو مات الموصى له قبل موت الموصي، أو رد الوصية، رُدَّت إلى الورثة}.
إذن لو مات الموصى له، هذا زيد الذي أوصى له سعد، أوصى لزيد أن يحج عنه بألف، مات قبل أن يموت سعد، ففي هذه الحالة نقول: صارت الوصية كأن لم تكن، فبناءً على ذلك فإن المال يعود إلى الورثة.
لو أن مثلًا سعدًا غيَّر الوصية، أو أبدله بغيره، أو قلبه إلى بناء مسجد، أو فعل أمر من المعروف، فُعل ما.. لكن لو افترضنا أن هذه الصورة وجدت يعني أن سعدًا أوصى إلى زيد بأن يحج عنه بألف، ثم مات زيد، وسعد في حال الحياة، ثم مات سعد، فنقول: هذه الوصية لانتهى، ومتعلقها زيد قد مات، فبناءً على ذلك لا وصية في مثل هذه الحال، وهذه الألف تكون من ضمن ما يقسمه الورثة، وتكون من أموالهم، ولأجل ذلك قال المؤلف -رحمه الله-: ولو مات الموصى له، الذي هو زيد، قبل موت الموصي، وهو سعد، أو رد الوصية، رُدَّت إلى الورثة، ومثل ذلك لو أنه ردَّ الوصية.
يعني لو أن شخصًا أن سعدًا مثلًا أوصى لخالد بألف، قال: أعطوا خالدًا ألفًا، فلما جيء إلى خالد بعد موت سعد، قيل: هذه ألف، أوصى لك بها مورثنا سعد، فخذها هنيئًا مريئًا، فقال: شكر الله له، وأعلى درجة في عليين، وغفر له ولوالديه، وللمسلمين أجمعين، ونحن جميعًا كذلك، ثم قال: وأما أنا فأنا في غنى، وفي حال طيبة، وهذا المال لا أريده، وأنا لست بحاجة إليه، فما الذي يتعلق بذلك المال؟ نقول: من أن هذه الوصية قد رُدَّت، وإذا رُدَّت الوصية فإن المال يعود إلى أصله، والأصل أن المال بعد موت مورثه للورثة، المال للورثة إلا أن تكون وصية، ولما كانت الوصية قد بطلت، أو تعذر إنفاذها، فإنها تعود إلى أصلها، وهو كونها للورثة.

{قال: ولو وصَّى لحي وميت، فللحي نصف الوصية}.
ولو وصَّى لحي وميت، فللحي نصف الوصية، هذه من المسائل التي يمكن فيها تفريق الوصية أو لا، أو كأن المؤلف -رحمه الله تعالى- أراد أن يبين أنه في بعض الأحوال يمكن تفريق الوصية، ذلك مثل ما إذا أوصى لحيت وميت.
قال: فللحي نصف الوصية، لو قال: أعطوا خالدًا مثلًا عمروًا عشرة آلاف، فإني لقيتهم في حال طيبة، لما كنا في الحج، وكانوا أكثر الناس صلاحًا، وأعظمهم عبادة، وأكثرهم تألهًا وذلة بين يدي الله -جل وعلا-، وإني أحتسب الله أن أُحسن إليهم، وقد لحقت بهم الفاقة والفقر، فلما مات هذا الموصي، وأخذ الورثة أرقامهم أو طريق الوصول إليهم، والعنوان الذي يمكن أن يراسلوهم، أو يتصلوا بهم، فإذا عمرو قد مات، ولم يبق إلا خالد، ففي هذه الحالة يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ولو وصَّى لحي وميت، فللحي نصف الوصية، فإذا كانت الوصية بعشرة آلاف، فله خمسة آلاف، ويعني في مثل هذه الصورة أن هذه الوصية لم يكن حكمها لا الرد كلها، ولا النفاذ كلها، وإنما أمكن قسمها وتفريقها، فجزء منها صح بقسطه، وجزء منها رجع إلى الورثة، هذا مثال.
لكن قد تقدم معنا أن من شروط الوصية للموصى له، أن يكون حيًا لا ميتًا، ومقصود الفقهاء هنا يعني إذا لم يكن قد علم أنه قد مات، فلأجل هذا يقولون: لو أنه في هذه المسألة، قال: لخالد وعمرو عشرة آلاف، وهو يعلم موت عمرو، فيقولون: وجود عمرو كعدمه، فكأن الوصية جميعها لخالد، لأنه كأنه أوصى بها لشيء يملك، وشيء لا يملك، فانتفى التمليك عن من لا يملك، واستحق ذلك خالد.
فإن قال قائل: لم لا تكون لورثته؟
نقول: لا يمكن أن تكون لورثته، لأنه لو أراد ورثته، خاصة أنه يعلم أنه ميت، لقال: لخالد وورثة عمرو.
فبناءً على ذلك نقول: أنه إذا أوصى لحي وميت، وهو لم يتبين أنه ميت، فإن الوصية تتجزأ في مثل هذه الحال، فمن كان حيًا يأخذ قسطه، إن كان النصف فله ذلك، وإلا أقل أو أكثر بحسب ما جاء في الوصية ونصت عليه.
والميت يرجع نصيبه إلى الورثة؛ لأنه تعذر إنفاذها، كما لو كان قد ردَّها.
أما الحالة الثانية التي ذكرناها: أن يعلم موت ذلك الميت، فذكره كعدمه، فكأنه أوصى بالجميع لذلك الحي، إن كان الثلث، قال مثلًا: الثلث لخالد وعمرو، وعمرو ميت، كأنه أوصى بالثلث لخالد، وإن كان العشرة آلاف التي قلناها، فإنها أيضًا تكون جميعها لخالد.

{قال: ولو وصَّى لوارثه ولأجنبي بثلث ماله، فللأجنبي الثلث، ويوقف سدس الوارث على الإجازة}.
ولو وصَّى لوارثه ولأجنبي بثلث ماله، ما مثال ذلك؟
لو أن عبد الله قد وصَّى لابنته زينب، لكونها يراها من أكثرهم برًا به، وإحسانًا إليه، وقيامًا بحوائجه، أوصى لها ولجاره الذي كان من أحسن الناس جورًا وعهدًا ووفاءً ونحو ذلك، أوصى لهم بثلث ماله.
ففي هذه الحال لما مات، ماذا يمكن أن يُعمل بهذه الوصية؟
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: لو وصَّى لوارثه، التي هي زينب، ولأجنبي، المقصود أجنبي يعني من غير الورثة، يعني ليس من جملة الورثة، بالثلث الذي أذن به الشرع، بثلث ماله، فللأجنبي الذي هو الجار، السدس، لأن نصف الثلث سدس، المال ثلاثة أثلاث، وستة أسداس، فالثلث سدسان، فبناءً على ذلك لما قال: فللأجنبي السدس، يعني نصف ذلك الثلث، لأن بعض الناس يقول: كيف السدس؟ المقصود به نصف الوصية، لما قال: لزينب وللجار الثلث، يعني أنهما نصفان، فنأتي إلى هذا الثلث ما نصفه؟ هو سدس المال جميعًا، فيُعطى لهذا الأجنبي، لهذا الجار.
ما حال زينب؟ نقول: حال زينب ما تقدمت الإشارة إليه، وهو أنه إذا كانت الوصية لوارث، فإنها لا تنفذ إلا بموافقة الورثة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تقدَّم معنا، أنه قال: «لا وصية لوارث»، ولأن الله أعطى كل ذي حق حقه، فبناءً على ذلك نقول: زينب لها جزء من الإرث، وحق قد أحقه الله -جل وعلا- لها في كتابه، فلا تأخذ ما زاد على ذلك، إلا أن يوافق الورثة، فإن الحق لهم.
ولذلك قال: ويوقف سدس الوارث على الإجازة، وهنا لما قلنا: يوقف؛ لأن الأصل أنه يُبدأ بالوصية فتُنفذ من أول وهلة، فإذا وافق الورثة أنفذناها، وإذا منعوا رددناها إلى الورثة، وقُسمت من جملة المال، فإذا ترددوا نوقف السدس هذا، حتى يتفقوا، فإذا اتفقوا أجازوا ذلك.
لو أنفذها بعضهم، وبعضهم امتنع، فنقول: مثل ما ذكرنا، من وافق فإنه ينفذ بجزئه، ومن امتنع يأخذ حقه، فهذا السدس الذي أوصي به لزينب على سبيل المثال الذي هو نصف الثلث، لو أنهم وافقوا جميعًا أخذته زينب، مع قسطها من الميراث، وإن منعوا كله رجع السدس إلى الورثة، فإن وافق بعضهم، فننظر في كل من وافق، يؤخذ جزئه بالحساب، وهذا معلوم ومعروف، يعني إذا كان مثلًا أحد الورثة له نصف الباقي، نصف المال كله، ما يتصور في هذا، أيًا كان، المهم أنه متى أخذ يُعرف ذلك بالحساب، وسيأتينا مسائل الحساب وطريقتها بإذن الله جل وعلا في باب الفرائض.
فيوقف إذن سدس الوارث على الإجازة، فإذا أجازوه نفذ، وحكم به، وإلا فلا، وقلنا إذا ما أجاز البعض ونفى البعض، فإنه أيضًا يُنفذ في من أجاز، ويُرجع على من امتنع، والله أعلم، ننتقل بعد ذلك إلى المسائل التي ذكرها المؤلف -رحمه الله- في باب الموصى إليه.

{قال المصنف -رحمه الله-: باب الموصى إليه، وتجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث، بما يجوز للموصي فعله، من قضاء ديونه، وتفريق وصيته، والنظر في أمر أطفاله}.
قال المؤلف -رحمه الله-: باب الموصى إليه، ماذا يقصدون بهذا الباب؟ الموصى إليه يعني من عهد إليه الميت بشيء للقيام به، يعني بأن يُنفذ الوصية، سواء كان ذلك ولاية على ولد، أو تزويجًا لمولية، أو نظارة على وقف، أو إعطاءً لأحد وتبرع إليه، أو قيامًا بمسجد، أو غير ذلك من الأمور، فإذن هو من عهد إليه الميت بشيء من ذلك.
ما الدليل على جواز هذا؟ يعني أن يوصي الإنسان إذا أراد أن أحدًا يتعاهد شيئًا من أموره، كولاية أولاده الصغار، أو المولية التي يُراد تزويجها، أو القيام على سفيه أو مجنون من أولاده، أو نحو ذلك ممن تصح عليهم الولاية، من أين أخذوا ذلك؟
أخذوا ذلك من قول الله -جل وعلا-: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]، فهذه فيها -وإن كان مساقها مساق الأموال- فإنه إذا جاز أن يُعهد بتبرع بالمال ونحوه، فإن ذلك أيضًا يدخل فيه ما سواه، ولعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر: «ما من مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، فهذا يعني أن لولا أن ما يكتبه يصح إنفاذه، لما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتابتها، سواء كان ذلك بإعطاء حق حقه، أو كان ذلك بتبرع وإحسان، أو كان ذلك في قيام وولاية ومصلحة للورثة وغيرهم.
ومما يزيد ذلك وضوحًا وبيانًا، ما كان في ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمً﴾ [النساء: 10]، فهذا دل على أنه يمكن أن يكون لأحد ولاية لليتيم، وإنما أُمر بالقيام بالعدل والقسط لا الظلم، وهذا هو الذي فهمه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك تكاثرت النصوص في الوصاية، أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- أوصى في الولاية بعد لعمر، هذه من الوصايا، أيضًا أوصى بأن يغسِّله بعض أهله، ونحوًا من ذلك جاء عن أبي عبيدة، أنه لما عَبَرَ الفرات أوصى إلى الزبير، بل يُذكر الزبير أوصى إليه ستة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكل هذا منهم ابن مسعود، أظن أبو عبيدة أوصى إلى عمر، وابن مسعود أوصى إلى الزبير، وجاء عن غير واحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم أوصوا إلى الزبير.
فإذن كل ذلك يؤخذ منه هذا المعنى الأصيل، وهو أن الموصى إليه له أصل في كتاب الله، وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجاء ذلك عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأجل ذلك تتابع أهل العلم على اختلاف مذاهبهم، على العمل بذلك، وإمضائه، وتصحيح ما يكون في الوصايا من الموصى إليه، وما يُعهد به إليه، من إنفاذ وصية، أو تزويج مولية، أو القيام على الأيتام والضعفة، أو الإحسان في عمل من الأعمال. هذا إذن أول ما يتعلق بهذا الباب، باب الموصى إليه.
إذا قلنا ذلك، وقررنا هذا الأصل، فتأتينا مسألة مهمة، وهي: من أوصي إليه بشيء، فما الحكم في حقه؟ يعني في قبول هذه الوصية؟ هل يجب على الإنسان؟ أو يُستحب؟ أو لا يكون كذلك لا الاستحباب ولا الوجوب؟
{ما أراه أن الذي أوصي إليه يُستحب له أن يقوم بما وُكِلَ إليه}.
طبعًا أنا لي تعليقان: أولهما: في ما استهللت به الجواب، وهذا يكثر عند الطلاب، في أن يقول مثلًا: ما أراه، ما يتبني لي، مادام أن الطالب في زمن التعلم، ولازال في بداية الطلب، وحتى ولو قطع في العلم شوطًا، فإن العلم لا ينبغي ألا ينسبه إلى نفسه تواضعًا وتأدبًا، فمن العبارات التي تكون أليق في مثل هذا المقام، أن يقول: يمكن أن يُقال، لعله أن يُقال، قد يظهر في مثل هذه المسألة، فإن هذا أعون للإنسان على العلم، ومتى ما كان الطالب يتواضع في العلم كان ذلك أكثر لتلقيه وأقوى عليه، وإن كان الطالب لا يقصد بذلك شيئًا، وهذا ظاهر، لكن مع ذلك لما كانت النفوس ضعيفة، فإن توافر مثل هذه العبارات، لازال يغذي النفس فيفسدها.
إذن هذا هو الأمر الأول، ما يتعلق بالمسألة التي نحن بصددها، وما نبهت على ذلك إلا لأني أعلم كثرة من يقع في ذلك من الغلط من الطلاب، ونحن هذه مجالس العلم، فائدتها ذاك، فإن لم ننتفع بمثل هذا، فلا فائدة في مثل هذه المجالس.
أما بالنسبة للمسألة، فإن أهل العلم يقولون: أولًا: لابد أن يكون قويًّا، قادرًا على القيام بها، مأمونًا فيها، هذا شرط لجواز القبول، لإباحة القبول، فإذا علم الإنسان من نفسه أنه لا يكون قويًّا عليها، فإنه لا يجوز له القبول؛ لأنه سبيل إلى فسادها، أو كان قويًّا لكنه ليس بأمين، يعرف من نفسه الضعف، فإنه إذا رأى المال، وصار المال بين يديه، فإنه لا يأمن على نفسه أن يتصرف فيه لبعض مصالحه، أو أن يختلس منه خلسة، وكلٌ أعرف بنفسه، والناس في ذلك متفاوتون، منهم من يضعف في المال، ومنهم من يضعف في بعض الشهوات الأخرى، ومنهم من يكون بلاؤه في حب الجاه والمنصب، وربما كذب لأجل ذلك، وتكبر، وفعل لأجل ذلك الأفاعيل، فإذا علم الإنسان في نفسه مثلًا أنه لا يقوم بهذا الأمر، أو لانشغاله، ففي مثل هذه الحالة لا ينبغي، إذا كان قادرًا، وأمينًا على هذا، فيقولون من أن ذلك يُستحب؛ لأنه إنفاذ لهذا، وربما جاء عن بعض أهل العلم يقولون: وأما في الأزمنة المتأخرة، فإنه ينبغي التورع عنها؛ لكثرة ما حصل فيها، وهذا ما جرى لابن قدامة، وبعض أهل العلم، أنهم ذكروا شيئًا من ذلك، ما ينبغي للإنسان أن يتوقى مثل هذه المسئوليات، فإن السلامة لا يعدلها شيء، فإذا كان الإنسان يعلم أن هذه الوصية، إذا لم يوص إليه، يمكن القيام بها، ولا يتوقف إنفاذها على نفسه، فله أن يتورع، لكن إذا علم أنه إذا توانى وتخلف، أو ترك وتخلى، فإنه يوشك أن تُبخس الوصية، أو أن يُظلم بعض الورثة، أو أن يحصل في ذلك منع لأصحاب الحقوق، أو غير ذلك بحسب أو تزويج المولية لمن ليس بكفءٍ لها، أو أن يُلعب بأموال السفهاء والأيتام، لاشك أن الأولى في حقه، وقد يتعين عليه ذلك أن يبادر إلى هذا ويسارع إليها.
إذن ليس في كل الأحوال أنه يحسن بالإنسان الإقبال عليها، خاصة في الأزمنة المتأخرة، وإذا قيل بالقبول، فإنما ذلك لمن توافر فيه هذان الأمران، القوة والأمانة، فإذا ظن أنه يقوم بها، فالحمد لله فيُباح له ذلك وقد يُستحب، ولا يتعين عليه إلا أن يخاف ألا يُقام بها، إلى أن لا يُحسن إنفاذ الوصية كما أمر بذلك الموصي.

{في هذه الحالة إذن، هل له إذا هو رأى أنه ما يستطيع القيام به، أو ما يستطيع أن يتوقع من الوقوع في المحذور في هذه الأموال، هل له أن يوكِّل أحدًا؟}.
أولًا: من المتقرر عند أهل العلم أن الموصى إليه ليس له أن يوصي، إلا أن يكون الموصي قد نصَّ على ذلك، فإذا ما قال الموصي مثلًا: فإن وصي على أولادي الأيتام أو الصغار، فلان بن فلان، فإن لم يكن قادرًا، أو تعذَّر، فإنها تكون لمن أوصى هو بها له، فنقول في مثل هذه الحالة تصح، أما أن الموصي قال: لفلان أن يتولى أيتامي وصغاري، والسفهاء الذين أتركهم بعدي، فليس له، إما أن يقوم بها، وإلا فإنها تعود إلى من له الولاية، إن كان من العصبة، وإلا إلى الحاكم، يعيِّن عليهم من يقوم بهم، وهذا سؤال جيد.

{هل يوزَّع الورثة وهو على قيد الحياة؟}.
أنت سألتني قلت: لو أن شخصًا وزَّع على أولاده قبل أن يموت أمواله، فنقول: هذه لا تكون من قبيل الوصية، وليس في حكمه، بل هذا باب قد مر بكم في الباب الذي قبله، وهو باب الهبة والعطايا، فيدخل فيها ما يدخل فيه من الأحكام، ويتعلق به ما يتعلق به من المسائل والتفصيلات التي ذكرها أهل العلم في ذلك الموطن، وهذا قد يفعله بعض الناس إما لنظره أن أولاده صاروا يتشوفون إلى ماله، فيخشى أن يناله شيء من الإثم، فيُسرع إليهم بالمال، لتطيب نفوسهم وتهدأ، وتسكن، وتُقبل عليه، فلا يكون فيها شيء من الحزازة أو السوء، أو لظنه أن كثيرًا ممن حوله، قد جرى بين أولاده شيء من المشاكسة والاختلاف على الإرث، والتنازع فيه، فأراد أن يحميهم من ذلك وأن يمنعهم منه، فقسم إليهم المال؛ ليكون إنهاءً لخصومتهم، فإن الأولاد يستجيبون لوالدهم، ويذعنون له، ويقبلون منه، حتى ولو كان فيه شيء من هذا أو ذاك، فيفعل هذا.
لكن في كلا الحالين، لو فعل شيئًا من هذا، فنقول من أنها لا تكون بابها باب الوصية، وإنما بابها باب العطايا والهبات.
بعضها بعض الأحيان لا يكون منه ذا ولا ذاك، وإنما يعيِّن للورثة بقدر استحقاقهم، وهذا نوع من الوصايا صحيح، يعني هو يعرف أن هذا الابن سيأتيه مقدار من الإرث قدره ستين ألفًا، فيقول مثلًا: لزيد السيارة الفلانية، ولبنته الأخرى يقول لها الكتب، لأنه يعرف حرصها، وهي بقدر ميراثها، فإذا كان الأمر كذلك، فهذا مما نص عليه أهل العلم، فيكون وصية، يُنفذ بعد موته، ويكون فيه الذي حصل منه، هو أنه عيَّن لكل واحدٍ منهم شيئًا، وهذا فيه منعٌ للخلاف، وقطعٌ لدابر التنازع، ويُعتبر ذلك داخل في الوصية، فينفذ بعد موته.

هذا إشارة إلى مسألة مشابهة لما ذكرها الحسين.
كان بودنا أن نكون قد قطعنا شوطًا، لكن المسائل التي ذكرناها فيها فائدة -بإذن الله جل وعلا- ونفع، ويُحتاج فيها إلى شيء من التوضيح، لعلنا أن نستهل هذا الباب في أول الدرس القادم -بإذن الله-، أسأل الله لي ولكم التوفيق، شكر الله لك يا صهيب قراءتك وسؤالك، والحسين، والإخوة سمير وميكائيل وسفيان، وشكر الله لكم أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات، وشكر الله لمن أيضًا كان معنا في نقل هذا المجلس، وكل من كان وراء هذه المصورات، أسأل الله أن لا يضيع أجر المحسنين، وأسأل الله أن يتم علينا وعليكم وأن يُعقبنا الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك