الدرس الثامن

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7878 24
الدرس الثامن

عمدة الفقه (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله أفضل ما ينبغي أن يُحمد، وصلى الله وسلم على أفضل المصطفين محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تعبَّد.
أما بعد، أيها الإخوة طلاب العلم، الحاضرون معنا هنا، والذين يروننا ويتابعوننا أمام الشاشات، أسأل الله -جلَّ وعلَا- أن يجعل هذا في ميزان حسناتكم، وأن يعلي بها درجاتكم، وأن يجعلنا وإياكم من العلماء العالمين العاملين، وأن يجعل العلم حجةً لنا يوم الدين، وأن يرفعنا وإياكم إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
لم تزل هذه المجالس -بإذن الله جلَّ وعلَا- متتابعةً معكم، نستذكر ما ذكره الفقهاء، ونعيد ما دوَّنه العلماء، طالبين في ذلكم العلم، وسائلين الله -جلَّ وعلَا- أن يدلنا على الجادة، وأن نُمسك بالصواب، وأن نهتدي لحسن الجواب.
أيها الإخوة، ثمَّ مسألة أيضًا هي في إطلالة هذه المسألة، وفي إقبال هذه الحلقة، يمكن أن تكون لكم مناسبةً، وهي وصيةٌ مهمةٌ، وهي أكثر ما تكون في هذا الزمان، وهي من آفاته وبلائه وشره، الذي يكاد يُهلك أكثر الناس.
أكبر آفةٍ لطالب العلم تحرفه وتجربه وتهلكه في الدنيا والآخرة: أن يتصدَّى للعلم من ليس أهلٌ، وأن يأتي إلى المسائل الكبيرة وهو صغيرٌ، وأن يتعرَّض للأمور العامة، وهو لا يزال غضًّا في العلم، إن كان من أهله، ولم يزل طالبًا فيه، إن اعتبر أنه داخلٌ في ميدانه، ولذلك تجد أن صغار الطلبة، وأن المحبين للعلم وليسوا من أهله، يتكلمون في المسائل الكبار، والمسائل العِظام، حتى يُهلكوا بذلك أنفسهم.
لو قلتُ لكم: من أشهر أو من أكبر المسائل التي حصلت، حينما جرت حروب الردة، وارتداد من ارتد من المسلمين بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبالله عليكم، مع وفرة الصحابة، وعظيم علمهم، وتقواهم لربهم، وتزكية الله لهم في كتابه، وتزكية النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم في سنته، وبيان أنهم هداةٌ للأمة أجمعين، هم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ومع ذلك من الذي نُقِلَ عنه كلامٌ في مسائل الردة والمرتدين، وقتال مانعي الزكاة والمعرضين؟ إنما نُقِلَ كلام مَن؟ كلام أبي بكر، وكلام عمر، فأين كلام الباقين؟ أين من سواهم؟ ليس في ذلك دلالةٌ على أنهم كانوا ليسوا من أهل العلم، وليسوا من أهل الفضل، حاشا وكلا، ولكن لأن الصحابة، والعلماء، وأهل العلم والخشية، يعلمون أنهم إنما يتكلمون بقدرٍ، ويمسكون بقدرٍ، ويعلمون الموضع الذي هم فيه، والأمر الذي يصلح لهم، ويناط بهم، والذي يناط بغيرهم، فلما كان ذلك منوطًا بالولاية تكلم فيها أهلها، واستشير من يستحق المشاورة فيها.
ومع أن عمر -رضي الله عنه- تكلم فيها، وهو من هو في سابقة الفضل، وسبق القدر، إلا أنه قال، وانظروا إلى هذا، يقول: "ما أن رأيت أبا بكر، حتى شرح الله صدري لذلك"، يعني أيضًا ليس أن الأمور إذا بدت للإنسان تكون قاطعةً، ولا أنها صالحةٌ في كل حالٍ، ولا أن الحق لا يعدوك، ولا أن الوحي نزل مؤيدًا لك، فإذا كان هؤلاء قد جرى لهم ما جرى، فما الظن بغيرهم.
وإذا رأيتم في هذه الأزمنة تكلم الصغار في مسائل الكبار، وتكلم التافهون في أعظم المسائل صعوبةً ووعورةً وبلاءً وشدةً، في ما يتعلق ليس بأمر شخصٍ، ولا شخصين، ولا مجتمعٍ، بل والناس أجمعين، حتى أُريقت الدماء، وحتى عظمت البلية، وحتى اشتد الشر، وحتى تكالب الكفار على المسلمين ببعض جهالتهم، وإنما أصل ذلك كلام مَن ليس أهلًا للكلام، وتقوُّل من ليس أهلًا للقول، ودخوله في ما لا يُحسنه، وتصديه لما لم يصل إليه، ولو أنه كفَّ عن ذلك وكف عن نفسه المئونة، وأقبل على ما هو بصدده لكان صلاحًا له وللمسلمين.
فإذا أردتم النجاة، وأردتم أيها الإخوة المشاهدون السلامة، فأمسكوا عليكم هذا، ولا تتكلموا إلا بقدر ما تحسنون، ولا تدخلوا في ما ليس لكم به حاجة، حتى ولو كان مما تظنون أنكم تحسنون العلم فيه، وتعرفون الحق المتعلق به. كيف والإنسان يتهم نفسه.
إذا تبين لك ذلك، فتجد أن النجاة -بإذن الله جلَّ وعلَا- حليفك.
فإن قال قائل: فما حال المسائل العظام؟
أولًا: المسائل العظام لها أئمة الدين، ومادام أنك كُفيت فالحمد لله، ولذلك تقول عائشة، تأملوا هذا، عائشة لما تكلم أبو سلمة بن عبد الرحمن، أبو سلمة بن عبد الرحمن من خيرة التابعين، وأعلاهم قدرًا، تكلم في مسألةٍ، قالت عائشة: "إنما هو شُقَيْرَان، سمع الديكة تصيح، فصاح بصياحها"، يعني كأنها تلومه أن تكلم بحضرة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمادام أنه كُفي بمن هو أعلى منه، حتى ولو كان له كعبٌ في العلم ومقامٌ، وحتى لو كانت له منزلةٌ ودرجةٌ، فإن مادام أنك قد كُفيت، فالسلامة لا يعدلها شيءٌ، ومن طلب النجاة على هذا النحو، يوشك أن يأمن العثرة -بإذن الله جلَّ وعلَا-، وأن يسلم من البلية، وأن تُحفظ له العيبة، وأن يكون مآله -بإذن الله جلَّ وعلَا- إلى خيرٍ، وأما من استشرف إلى المسائل وتطلع إليها، فقد استشرف إلى الفتنة، فيوشك أن يقع فيها، فإياكم والفتن وإياكم والاستشراف، وإياكم والكلام، فإنه كما قال علماء الإسلام: ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يأتي على الناس زمانٌ، وقع اللسان أشد من وقع السنان، وحسبكم ذلك، فإن في وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- الخير والسلامة -بإذن الله جلَّ وعلَا-.
نعود إلى ما كنا قد توقفنا عنده، ولا يزال الحديث موصولًا أيها الإخوة في بعض ما يتعلق بالسفيه إذا صار راشدًا، وإذا تصرف وصار مأذونًا له بيعًا وشراءً، وإذا ما عاد السفه، والأحكام المتعلقة بذلك، فلعلنا -بإذن الله جلَّ وعلَا- أن نبدأ عند المسألة التي توقفنا عندها.
{قال الشيخ -رحمه الله-: فإن عاود السفه أعيد عليه الحجر، ولا ينظر في ماله إلا الحاكم}.
لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- ما يتعلق بالرُّشد، وأن الرُّشد هو الصلاح في المال، وأنه إذا صلح سُلِّمَ إليه ماله، أراد أن يبيِّن الحكم في ما إذا عَرض له عارض السفه، وأن صلاحه السابق لا يمنع الحكم عليه بالسفه اللاحق، وأن ذلك يعيده إلى ما كان عليه من الولاية، ومن يقوم عليه بالوصاية.
وأن العلة التي لأجلها وُجد الحكم لائقةٌ بالحال، لما عاد إليه السفه، فيكون عليه من يقوم عليه بالبيع والشراء، وحسن التصريف، منعًا له من الإفساد والإحراق للأموال وتضييعها، ولذلك لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أنه لا ينظر في ماله إلا الحاكم، قال: "ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه" لأن أمور السفه، والحكم بزوالها، من الأمور المُلبسة، يعني ليست من الأمور المقطوع بها، فما تقول أنت: إن هذا لا يزال سفيهًا، قد يقول غيرك: إنه صار رشيدًا، فلو أو الولي أو الوصي سلَّمه المال، يمكن أن يُدَّعى عليه أنه سلَّم المال لمن هو سفيهٌ، ولو أنه أيضًا حبس المال، وقد رَشُدَ ذلك السفيه، فيمكن أن يُقال من أنه أراد مصلحة نفسه، ومنع صاحب الحق من حقه، فلما كان الأمر كذلك، فإن الأمر يُرفع إلى الحاكم، والأمر منوطٌ به، هو الذي حكم بالحجر، وجعل الولاية والوصاية، وهو الذي يفكُّها، ويُعيد الأمر إلى نصابه، والماء إلى مجراه، فإذا كان قد ظهر للحاكم أن هذا السفيه قد رشد، وأنه قد عقل، وأنه قد أحسن التصرف، وعاد إليه إجراء الأمور على وجهٍ صحيحٍ، فإنه يعيد ذلك إليه، ولذلك قال: "ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه" منعًا مما ذكرناه، من أنه قد يُعطى المال للسفيه ظانًا أنه قد رشد، فيُدَّعى عليه أنه ليس برشيدٍ، أو قد يمنع المال ممن يُظن أنه رشيد، فيُقال منع صاحب الحق من حقه، فكان الأمر إلى الحاكم، والذي يحكم بذلك بعد النظر والاختبار، وبعد معالجة الأمر لتحقق الاستحقاق، وإزالة الولاية ورجوع التصرف إلى أهله وصاحبه.
{قال: ولا يُقبل إقراره في المال، ويُقبل في الحدود والقصاص والطلاق}.
"ولا يُقبل إقراره في المال" هذا الكلام تفريعٌ على حال الحجر على السَّفيه يعني إذا حُجِرَ على هذا السَّفيه فمقتضى ذلك ألا يتصرف في أمواله، وهذا ظاهرٌ، لكن أيضًا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: أن التصرفات التي تئول إلى المال فإنه أيضًا ممنوعٌ منها، ولذلك قال: "ولا يُقبل إقراره بالمال" لو قال: أنا عليَّ ديْنٌ لسعدٍ بعشرة آلافٍ، هذا إقرارٌ، ليس تصرفًا ماليًّا، لكن لما كان يئول إلى المالية، ويلزمه دفع مالٍ فإنه لا يُقبل إقراره في هذا الحال؛ لأنه سفيهٌ، فكما يُمنع من التصرف المباشر، فكذلك يُمنع ما يئول إلى التصرف المباشر، فلأجل ذلك لا يُقبل إقراره بالمال، لماذا؟ لأن ما يُخاف منه هناك، يُخاف منه هنا، وما يئول إليه الأمر فهما واحدٌ، ولما كان الشأن حفظ هذا الرجل من أن يضيع ماله، مُنع من كل ما كان من شأنه أن يئول إلى التضييع والسَّفه بجعل المال في غير دربه، أو طريقه، وإيصاله إلى غير مستحقه.
هذا إذن في قوله" "ولا يُقبل إقراره في المال".
ثم قال: "ويُقبل في الحدود والقصاص والطلاق"، هذا من الفقهاء -رحمهم الله تعالى- تفننٌ وضبطٌ، ودقةٌ في التوصيف، وإناطة الأحكام بما يليق بها، فكأنهم يقولون: إننا لما ذكرنا أن هذا سفيهٌ، وأن عليه ولايةً، بيَّنوا حدود هذه الولاية، ولا يعني ذلك انتفاء اعتبار الأهلية له في كل شيءٍ، فما ليس بداخلٍ في الأموال، وما يتعلق بها، وإنما في أمورٍ أخرى، لا يدخل هذه الوصاية فيها، فلأجل ذلك قال: "يُقبل في الحدود"، لو أنه اعترف على نفسه -نسأل الله السلامة والعافية- من أنه زنا بامرأةٍ، أو شرب خمرًا، أو غير ذلك من الأمور التي يُطلب فيه إقامة الحد عليه، فيُقام، ومثل ذلك القصاص، لو أنه اعترف من أنه قتل فلانًا، أو سرق، لا السرقة من الحدود، أو أنه تسلط على فلانٍ فأصاب يده، أو قلع سنه، أو قطع أذنه، إلى غير ذلك من المسائل المتعلقة بالقصاص، فكلامه في هذا مقبولٌ، ومثل هذا الطلاق، فإذا اعترف بتطليق زوجه، فلا نقول إنه سفيهٌ، لأن السَّفه إنما هو في التصرفات المالية، أما في تصرفاته الزوجية، وما يتعلق بها، فلا يدخل في ذلك شيءٌ من هذا.
وإن كان يترتب الحقيقة على التطليق تفويت للمال، لأنه إنما تزوجها بمهرٍ ونحو ذلك، لكن هذا مُلغى في جانب أن ذلك انتهى، وأنه لا أثر له هنا، فلما كان حقيقة الطلاق إنما هو حل عقدة النكاح وإنهاؤه، لم يكن ماليًّا، فبناءً على ذلك يُقبل تصرفه فيه، ويليق به، ويُحكم بصحة طلاقه، وليس لأحدٍ من أوليائه، ولا أقربائه من أن يقول هذا سفيهٌ، والسفيه لا يصح طلاقه، فإنما هو قد مُنع من التصرفات المالية، والإقرارات التي تئول إلى المال.
{قال: فإن طلق أو عتق نفذ طلاقه دون إعتاقه}.
"فإن طلق أو أعتق نفذ طلاقه دون إعتاقه"، إذن متعلق هذا الجملة، أن ما ذكرناه صحة التطليق، صحة تطليقه لزوجته، حتى لو كان عنده أربع زوجاتٍ، فطلقهن جميعًا، لصح ذلك التطليق، لما ذكرناه لكم من أن الطلاق ليس عند أهل العلم تصرفًا ماليًّا، ولا يئولا إلى المال، وإن كان في أصله له تعلق النكاح، لكن ذاك النكاح وهذا حله، فبينهما فرقٌ. فلأجل هذا ينفذ الطلاق ويعتبر، ويُحكم بصحته وينفذ.
"دون إعتاقه"، أما لو أعتق عبده، سواءٌ كان إعتاقه تبرعًا أعتق عبدًا أو عبدين، أو عشرةً، أو مائةً، فإن هذا الإعتاق لا ينفذ، لماذا؟
{لأن العبيد من المال، فكان عليه حجر في تصرفاته المالية}.
أحسنت، ما أحسن هذا التعليل، وهذه لفتةٌ طيبةٌ، وهو أن الطالب قدر ما يستطيع في رعاية العلم، أن يُعنى بتعبيرات الفقهاء، فإن ذلك أرتب لنظره، وأقوى لملكته، وأَمْرَنَ له على العلم ولغته، فمن اعتاد لغة الفقهاء تكلم بها، ومن حاد عنها يوشك ألا يصل إليها، وعبارات الفقهاء أيضًا قوية الدلالة مانعةٌ من الداخلة، يعني أن يدخل عليها شيءٌ ليس منها، مثل ما ذكر زميلكم إذن هنا، أنه تصرفٌ ماليٌّ، لأن العبيد مالٌ، يُباع ويُشترى، ويُقوَّم بالأموال والأثمان، فبناءً على ذلك لما كان تصرفًا ماليًّا، فإن الإعتاق تبرعٌ، فكأنه تبرع بماله، ولو أن الصغير تبرع بماله لم يُقبل منه ذلك ولم يصح، فكذلك إذا أعتق عبيده، والحنابلة -رحمهم الله تعالى- مع ما اعتادوا في مسائلهم، أنهم يتطلعون إلى العتق، ويرتِّبون في مسائل كثيرةٍ العتق على المُعتق حتى ولو كان في الأصل أنه تصرفٌ ليس بصحيحٍ، أو فيه شيءٌ من الإشكال، ويرتبون عليه تبعته، لكنهم هنا، لأنه ليس من أهل التصرفات، فإن وجود الإعتاق منه كعدمه، فبناءً على ذلك نقول: أيها العبيد، لازال فلانٌ سيدكم، ولازلتم في ملكه، وعتقه لاغٍ، رقُّكم باقٍ، هذا ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- في قوله: "دون إعتاقه".
{سؤال: هناك حديثٌ يقول: «رُفع القلم عن ثلاثةٍ»، ومنه: «المجنون حتى يفيق»، فهل فيه فرقٌ بين المجنون والسفيه؟}.
أحسنت، هناك حديثٌ، الحديث هو مشهورٌ، من حديث عليٍّ -رضي الله تعالى عنه-، وحديث عائشة: «رُفع القلم عن ثلاثةٍ: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن النائم حتى يستيقظ»، فهذا مستقرٌ، وأهل العلم على الاحتجاج به، والإجماع على معناه.
المجنون سائر تصرفاته ليست بصحيحةٍ، فهو لا يعقل، ولا يُرتَّب عليه شيءٌ إلا الجناية التي فيها إتلافٌ، فلو أتلف مالًا، طُلب هو أو وليه بما يقابل ذلك، لكن السَّفيه إنما الممنوع منه حجرٌ في المال، أما سائر التصرفات فهي صحيحةٌ، ولذلك فَرَقوا هنا بين نفاذ الطلاق، وبقاء الرِّق على أعبده، لو كان مجنونًا، فلا طلاقه بصحيحٍ، ولا عتقه بحاصلٍ، فيتبين بينهما الفرق.
{قال المؤلف -رحمه الله-: فصل، وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صح بيعه وشراؤه وإقراره}.
إذن هذا من المؤلف -رحمه الله تعالى- إشارةٌ إلى مسألةٍ جديدةٍ، وهي: ما يتعلق بالعبيد، فلما أنهى المؤلف -رحمه الله تعالى- مَن الولاية عليهم عارضةٌ، أراد أن يبيِّن من الولاية عليهم تامةٌ باقيةٌ. المجنون الولاية عليه حتى يعقل، الصغير حتى يبلغ، السَّفيه حتى يرشد، العبيد مادام عبدًا فالولاية عليه قائمةٌ.
فكأن سائلًا يقول: هل لهم أن يتصرفوا؟ وهل للعبيد أن يبيعوا ويشتروا؟ فهذا الفصل عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- لبيان ذلك والإشارة إليه.
وهنا أشير إلى أن هذه المسائل الحقيقة من المؤلف -رحمه الله تعالى- هي مثل ما نقول -إن صحت العبارة- استرسالٌ، وإلا فالأصل أنهم يذكرونها في بابٍ خاصٍّ، وهو باب الحجر، لكن لما أن المؤلف -رحمه الله تعالى- درج في هذا الكتاب على الاختصار، ولم يجعل باب الحجر بابًا مستقلًا، ذكر جُملًا من المسائل المهمة فيه عند باب الموصى إليه، باعتبار أن له ولايةً، وأن الغالب أن هؤلاء المعاتيه والمجانين ومن في حكمهم واليتامى، تكون لهم ولايةٌ ووصايةٌ، سواء كانت ممن له الولاية الأصلية كالأب، أو من له الولاية الكبرى، وهو كالحاكم والسلطان.
إذن هذا الباب كما قلت لكم، هو معقودٌ في هذا الأمر، وهو العبد الذي عُرف أنه لسيده عليه ولايةٌ مطلقةٌ.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وإذا أسند السيد لعبده في التجارة صحَّ بيعه وشراؤه، العبد من حيث النظر، العجز الذي فيه، هل هو عجزٌ حقيقيٌّ أو عجزٌ حكميٌّ؟ عجزٌ حكميٌّ، يعني الآن لو قام بين أيدينا هو شخصٌ عبدٌ وحرٌّ، هل نعرف العبد من الحر؟ لا، وقد يكون العبد أتم من الحر في كل شيءٍ، وقد يكون خيرًا من ملء الأرض من الأحرار عقلًا وتصرفًا وبيعًا وشراءً، وإدارةً للأمور، وأمانةً، وديانةً، أليس كذلك؟ إذن ما الذي حال بينه وبين أن يكون له ولايةٌ؟ ما ابتلاه الله -جلَّ وعلَا- به من الرِّق، ولذلك قيل هو عجزٌ حكميٌّ، أنه لما حُكِمَ عليه من أنه رقيقٌ، بالأسباب التي جعل الشرع الرِّق بها صحيحًا، فإنه لا ولايةٌ له، لماذا لا ولاية له؟ لأنه محبوسٌ على منافع سيده، فلما كان محبوسًا على مصالح ومنافع سيده، فالحق للسيد، فلأجل ذلك قيل: إذا أذن السيد لعبده في التجارة صح، فهو إنما مُنع لأجل السيد، فإذا أذن السيد، صحَّ له البيع والشراء وسائر التعاملات.
ولذلك قال: "وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صحَّ بيعه وشراؤه، إذن الحق للسيد، فما أذن له فيه كان صحيحًا، بيعًا، شراءً، إجارةً، سواءً كان في أمرٍ خاصٍّ أو في أمرٍ عامٍّ، وكان في وقتٍ محددٍ أو مطلقٍ، فلو قال عبدي حسين هو له التصرفات في جميع ما يتعلق بالزراعة، فإذا تصرف في الزراعة والحرث ونحو ذلك صح، وليس له أن يتصرف في سواه، ولو أنه قال: عبدي فلانٌ محمدٌ، هو وكيلٌ عني في كل شيءٍ، صح بيعه وشراؤه وتزويجه وغير ذلك.
إذن المناط في مثل هذا على ما أذن به سيده، في كل ما يمكن له أن يكون تعامله أو عمله فيه صحيحٌ.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "صح بيعه وشراؤه وإقراره"، لو أقر مثلًا يبيع ويشتري، ثم جاء هذا العبد، وقال: أقر بأن عليَّ لفلانٍ التاجر خمسةٌ وثلاثون ألفًا، في هذه الحالة، جاء السيد وقال: لا، ما ندفعها، فحصلت في ذلك خصومةٌ، فنقول: مادام أنك أيها السيد قد أذنتَ له في التجارة والبيع والشراء والإقرار فإقراره صحيحٌ، والمال لازمٌ، فيثبت في ذمته، وما ثبت في ذمته ثابتٌ على سيده، فيلزمهم أن يدفعوا.
{قال: ولا ينفذ تصرفه إلا في قدر ما أُذن له فيه}.
"إلا في قدر ما أُذن له فيه"، إذن هذا كالاستدراك من المؤلف -رحمه الله تعالى- بنحو ما ذكرناه، وهو أن الإذن بالتصرف قد يكون مطلقًا وقد يكون مقيدًا، فإن كان مطلقًا صح بالإطلاق، وإن كان مقيدًا صح في ما أُذن له فيه، سواءٌ كان إذنًا مكانيًّا، كأن يقول: عبدي في مدينة الرياض، هو وكيلي، يتصرف تصرف المالك، وتصرف السيد، فيصح، لكن ليس له أن يبيع في جدة، وأن يتصرف بشيءٍ من أملاكه هناك، هذا بالنسبة للمكان، أو في الزمان، كأن يقول: عبدي هذا أذنت له في التصرفات يوم الجمعة، لأنه هو يوم البيع والشراء، وهو اليوم الذي لا يكون السيد فيه مثلًا، أو هذا العام، أو مدة غيابي في الحج. إذن يصح مقدرًا بقدرٍ.
مثل ما ذكرنا أيضًا لو أذن له في تجارة الذهب، أو في تجارة الفضة، أو في تجارة العطور، المهم أنه إذا كان مقيدًا صح في ما قُيِّدَ فيه، وإذا كان مطلقًا صح في ما أُطلق فيه، فلو أن العبد الذي أُذن له في التصرف في العطور باع عقارًا أو اشترى عبدًا، لم يكن له ذلك، لكن من كان إذن السيد له مطلقًا، أو في حدود ما أُذن له فيه فتصرف، فتصرفه صحيحٌ، ولازمٌ للسيد، ولو امتنع السيد، فإن القاضي يحكم عليه باللزوم والثبوت.
{لو تصرف في غير مأذونٍ له فيه، وجاء السيد وأقر تصرفه، ينفذ هذا التصرف؟}.
هذا سؤالٌ جيدٌ، يعني إذا تصرف العبد في ما ليس له التصرف فيه، لكن كان فيه للسيد مصلحةٌ، وله فيه حظٌّ. فأقول: الله أعلم. يمكن أن يكون هذا من تصرف الفضولي، والتصرف الفضولي معروفٌ حكمه عند أهل العلم، وهو منهم من يمنعه، ومنهم من يجيزه بالإجازة، لكني لا أقول فيه شيئًا إلا الله أعلم.
{قال: وإن رآه سيده أو وليه يتصرف، فلم ينهه لم يصر بهذا مأذونًا له}.
هذه من المؤلف -رحمه الله تعالى- إشارةٌ لطيفةٌ إلى حدود الإذن، أو ما يحصل به الإذن، يعني الإذن يحصل بالصريح، بصريح العبارة واللفظ، كأن يقول: أذنت لعبدي فلانٍ، بأن يجعل له كتابًا مكتوبًا، في أن يتصرف في ما يتعلق بهذا المحل، والبيع والشراء فيه، شراءً مُعجَّلًا ومؤجلًا بالثمن المحدد، أو بما يراه العبد مصلحةً، ونحو ذلك، فهذا مقطوعٌ بصحته، ظاهر الإذن فيه، فكأن المؤلف -رحمه الله تعالى- أراد أن يبين مسألةً، وهي محتملةٌ للأمرين جميعًا، فظاهرها الإذن، وحقيقتها قد لا تكون كذلك، فإذا رآه سيده أو وليه يتصرف، يعني سواءً كان السيد، أو الولي، في السَّفيه أو نحوه، إذا الولي السَّفيه يتصرف في أمرٍ فلم ينهه، ثم بعد ذلك اختلفوا، مثلًا هذا العبد باع البيت، بيت السيد، وهو موجودٌ فيه، ويراهم يشترون ويبيعون، ثم ترافع، أراد أن يسلم البيت، قال: لا أسلم لك البيت، قال: أنا اشتريته من عبدك، قال: عبدي ليس مُفَوَّضًا في هذا، لا مأذونًا له فيه، قال: أنت كنت موجودًا، وتسمع الكلام، والنقاش، والأخذ والرد، ورأيتني وأنا أوقِّع ويوقِّع ويأخذ الفلوس، ولم تنهه، فبم يحكم القاضي؟
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: إن الرؤية في مثل هذه الحال، وإن كان ظاهرها إذنًا، لكن ليس بلازمٍ أن يكون إذنًا حقيقيًّا؛ لأن حقيقة الإذن هو شيءٌ داخليٌّ، أليس كذلك؟ فلما لم يُعبِّر عنه بالعبارة الصريحة، النافية للنزاع، فالأصل عدمها، ولأن هذه الصورة وإن كانت صورتها في الظاهر إذنًا، لكن قد لا تكون كذلك، فقد يكون فيها ما يمنع منه، إما لكونه كان مشغولَ البال، مكدودَ الذهن، مهمومَ الحال، فلم يكن يشعر بالذي يتكلمون عنه، وربما أنه كان عليه يمين طلاقٍ، لو كان قد قال: إن تكلمت في هذه الساعة فزوجتي طالقٌ، فيقول: إن يذهب الدار أسهل من أن تذهب امرأة الدار، فإذن قد يكون فيه ما يمنعه، فبناءً على ذلك ليس فيه ما يدل على الإذن.
وقد يكون، يعني يقول أيضًا الأمر أوسع من هذا، يقول: العبد معه مكتوبٌ بما أُذن له فيه، وأنت كالسَّفيه، فإنك قد قرأت ما جُعل له من الإذن، وأنت تعرف أن هذا لم يدخل، فأنت سفيهٌ، تتحمل تبعة ما أنت فيه، وليس لك عليَّ طريقٌ.
فإذن يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- أن مثل هذه التصرفات لا تدل على الإذن، سواءً السيد مع عبده، أو الولي مع المحجور عليه لسفهٍ ونحوه، فقال: لم يصر بهذا مأذونًا له، وكأنه أيضًا يشيرون بهذا إلى من يقول إن الرؤية والحضور موافقةٌ فتكون إذنًا، كأنه إشارةٌ إلى مخالفة من يقول ذلك، ومنع من يصير إلى هذا.
{كان لي سؤالٌ في هذا الباب، تكلمنا عن الوصية، فقلنا: هل للأولاد منع الوالد من الوصية لشخصٍ معينٍ؟}.
الأولاد ليس لهم ولايةٌ على والدهم حتى يمنعوه، أو حتى يحكموا، فللأب أن يتصرف تصرف الأحرار، مادام أن تصرفه في حدود ما له التصرف فيه من وصايةٍ، أو تبرعٍ، أو بيعٍ، أو شراءٍ، أو سوى ذلك، فكل التبرعات صحيحةٌ، وكل التصرفات نافذةٌ.
{وهل لو كتب الوصية يريهم الوصية أو لا؟}.
إذا أوصى الشخص بوصيةٍ فقد ثبتت، علم بها واحدٌ أو اثنان أو الناس كلهم، أو لم يعلم بها أحدٌ، فإنها وصيةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ، إخبار الوالد ولده بذلك قد تكون مصلحةً، وقد لا تكون، فينظر ما الأصلح في ذلك، فإذا كان مثلًا يعلم أنه إذا أراهم الوصية اطمأنت نفوسهم، وسكنت قلوبهم، فيكون ذلك أطيب لعيشهم وهنائهم، فليروا، وإذا علم أن فيهم جشعًا على المال وحرصًا عليه، وقد أوصى بالثلث، وظن أنهم ربما آذوه في نفسه، وألحقوا به بعض الأوصاف، أو أدخلوا عليه ما لا ينبغي الإدخال، وأن ذلك سيشغله، وربما يضعف أمامهم عن ما أوصى به، فله أن يخفيه، لكن بكل حالٍ ينبغي لمن أوصى أن يوثِّق وصيته بما يمنع النزاع بعده، فإذا رأى شيئًا من ذلك فأشهد عليها آخرين، وأخبرهم بإظهارها، وأحسن من ذلك وأتم أن يكون ذلك مدوَّنًا في الدواوين المعتبرة نظامًا، فإن ذلك أسهل في إثباتها، وأقوى في اعتبارها، وأمنع من ورود الإشكال والحجة على كاتبها، فتقطع النزاع، وتمنع الجدال، وقد رأينا أناسًا كثيرين الحقيقة أوصوا فلم يزل أولادهم يخفون الوصية، ويتأولون أنه عزب عنها، أو أعرض عن اعتبارها، أو قطَّعها أو نحو ذلك، حتى يخلص لهم المال ويصفوا، فنسأل الله السلامة والعافية.
{قال المؤلف: كتاب الفرائض}.
إذن، لما أنهى المؤلف -رحمه الله تعالى- ما يتعلق بالوصايا، شرع في الفرائض، وهذا مناسبٌ؛ لأن الوصايا هي الوصية التي تُكتب قبل الموت، وبيَّن ما يتعلق بذلك كله، أراد أن يبيِّن الحكم في ما بعد الموت، من تفريق الوصايا وإنفاذها، وتقسيم الفروض وإعطاء الحقوق وإيصالها.
والحقيقة أن الكلام على كتاب الفرائض كلامٌ طويلٌ، لكنني سأُجمل بعض الكلمات التي تليق بالمقام في نهاية هذا المجلس، ثم نسترسل فيه -بإذن الله جلَّ وعلَا- في اللقاء القادم -بإذن الله-.
أولًا الفقهاء -رحمهم الله تعالى- جعلوا كتاب الفرائض من الفقه، وكتابًا من كتبه، وبابًا من أبوابه، وهذا لا إشكال فيه، وهو كذلك، لكنهم أيضًا درجوا وسلكوا طريقًا أخرى، وهو جعْل مصنفاتٍ مختصةً للفرائض، وجعلوها أيسر في تعلمها، وأجمع لمسائلها، واسترسلوا في ما يتعلق بها، وكلا الأمرين يحتاج إليه طالب العلم، فإن ما درجوا عليه هنا على لغة الفقهاء وطريقتهم، هو الذي يستقيم به إدراكه، وتلقيه، وضبطه، ونحو ذلك، وما يحتاج إليه من تكميل فصائل المسائل ودقائقها، والتفنن في بعضها، وذكر ما شذ من المسائل وما ندر، وما يتعلق بذلك فحسنٌ، فينبغي لطالب العلم أن يُعنى بالطريقين جميعًا، وهما طريقان مسلوكان لأهل العلم على مر التاريخ، واختلاف الأماكن والمذاهب، فعلماء المذاهب جعلوا في كتب الفقه كتابًا كذلك، وجعلوا كتبًا مختصةً بهذا، وتفننوا في طريقة التأليف فيها، وسبكها، وحُسن نظمها. هذه هي المسألة الأولى.
المسألة الثانية: أن كتاب الفرائض الحقيقة يتكون من قسمين، الفرائض الذي هو علمٌ بالأحكام الشرعية، على ما جاء في كتاب الله -جلَّ وعلَا-، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا قدرٌ ليس بالصعب، وأمرٌ يسيرٌ، وحكمٌ يتعلق بكيفية قسمها، وهي مسائل الحساب فيها، وهذا فنٌّ منفصلٌ تمامًا، هو من فنون الحساب، وتفاصيل العلم المادي التجريبي. لكنهم اجتهدوا في تطويع ذلك العلم بما يُفصَّل على مسائل هذا العلم ويناسبه، فإذا انتقلت إلى الحساب، أو باب الحساب في كتاب الفرائض، فستجد كأنك خارجٌ عن دراسة المسائل الشرعية والتفصيلات والأحكام ونحو ذلك.
ولذلك نحن نقول صحيحٌ أن هذا الذي قيَّدوه منضبطٌ، ومتحدٌ ولا إشكال فيه، لكن لو جدت بعض الطرائق الأخرى، والسبل في قسم هذه المسائل، فلا غضاضة على الإنسان في ذلك ولا حرج، لكن الطريق المأمونة والسبيل المسلوكة، والأمر الذي تتابع عليه أهل العلم هو هذا، والعجيب هنا أن الفقهاء -رحمهم الله تعالى- في كتاب الفرائض أفاضوا في الحساب، على خلاف عادتهم في ما يُشبه ذلك من الحال في مسائل أخرى، أو في أبوابٍ متفرقةٍ، يعني على سبيل المثال لما جاءوا في شروط الصلاة، طريقة تحصيل الأوقات، لها طرائق يعرفها العلماء، بعضها مبناه على علوم الأفلاك ونحوها، وبعضها متعلقٌ بالآلات، إلى غير ذلك من الطرائق المختلفة، وهي متنوعةُ جدًّا، لكنهم بعضهم يشير إشارةً عارضةً، وبعضهم يزيد قليلًا، وبعضهم يتوسع، لكنهم لم يستوعبوا ما يتعلق بذلك الباب ما استوعبوه هنا، وربما جاء أيضًا شيئٌ من ذلك في مسائل متنوعةٍ، في الأبواب المتفرقة. وما ذاك إلا الحقيقة أظن أن الفقهاء -رحمهم الله تعالى- اجتهدوا في هذا الباب لما جاء من مدح المتقن له، والمتعلم أحكامه، وأنه من أوائل العلوم التي تُنسى، فلعلهم اجتهدوا في ذلك؛ طلبًا لأن يكونوا ممن استبقوه وحفظوه، ونقلوه، ولم يفرِّطوا فيه، خوفًا من حصول التَّبعة، وتحسبًا للأمانة، وتأثُّمًا من النقص فيها، وهذا أقوله على سبيل النظر، أو التأمل، لا على سبيل التقرير والحكم، وإنما هو نظرٌ مني.
ربما يكون لنا -إن شاء الله- مزيد مقدماتٍ تتعلق بهذا الباب، لكنها لتكون في بداية المجلس القادم -بإذن الله جلَّ وعلَا-، ذاك أن الوقت أزف، وأننا أيضًا قد أخذنا منكم الكثير.
أسأل الله -جلَّ وعلَا- أن ينفعكم بما سمعتم، وأسأل الله أن يجعل عملنا لوجهه خالصًا، وأن يجعلنا وإياكم من الموفَّقين المسددين، وأن يُلقي الحق على ألسنتنا، وأن يحفظنا من الزلل، والخطأ، والخلل، والعثرات، إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
شكر الله لكم، وشكر الله للإخوة المشاهدين، وشكر الله للإخوة القائمين، وشكر الله للجميع على من أقام هذا الميدان، وأعلى هذه المنارة، التي هي منارة العلم، فحملها إلى الأصقاع، ونقلها إلى الأمصار، وجعل فيها ما يُرَدُّ ويُراجع من كلام العلماء والفقهاء الأبرار، أبقى الله العلم، وأظهره وأعلى منزلته وأتمه، مهتدين بسنته، متعلمين لأحكامه، سائرين على نهج أهله، غير حائدين ولا منحرفين، إن ربنا جوادٌ كريمٌ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك