الدرس الرابع عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7803 24
الدرس الرابع عشر

عمدة الفقه (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله حمدًا يليق بجلال الله -جلَّ وعلَا-، وأصلي وأسلم على نبيه وصفيه من خلقه وآله من بعده وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد.
أيها الإخوة المشاهدون، أيها الإخوة الحاضرون، في أمسيةٍ من هذه الأمسيات الطيبة المباركة -بإذن الله جلَّ وعلَا- نلتقي وإياكم في بابٍ من أبواب العلم عظيمٍ، وهو علم الفرائض، وقسمتها، وإيصال الحقوق إلى أهلها، وانتقال الأموال على وجهٍ جاء به كتاب الله -جلَّ وعلَا-، وجرت بقسمته سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وليس شيءٌ أتم، ولا أكمل، ولا أحسن ولا أمنع للخطأ والخلل والإشكال والظلم والعدوان، مما جاء في كتاب الله، وجاء في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلله الحمد أن تولى قسمتها، ولله الحمد أن أبان عن تفاصيلها، ولله الحمد أن سهَّلها، وقيَّض لذلك علماء، يبينون هذه المسائل، ويحفظونها، ويدرسونها، ويكتبونها، حتى تكون أيسر ما تكون علينا، دراسةً، وتعلُّمًا.
أيها الإخوة الكرام، كنا في المجلس الماضي، قد ابتدأنا ما يتعلق بالكلام على ميراث الأم، وذكرنا أن لميراث الأم أحوالًا أربعةً، أولها: أن ترث السدس، وذلك في حالين: إما لوجود الفرع الوارث، أو وجود عددٍ من الإخوة، أو الأخوات، قلنا سواءً كانوا أشقاء أو لأبٍ أو لأمٍّ، أو مختلطين.
والحالة الثانية من أحوال الأم: أن ترث الثلث، وذلك بشرطين: وهو عدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود العدد من الإخوة.
والحالة الثالثة: وهي مسائل قضى فيها عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وتبعه على ذلك الصحابة، واستقر عليها العمل، وأخذها الفقهاء، وإن خالف في ذلك ابن عباس -رضي الله تعالى عنه-، وهي مسألة العمرتين، زوجٌ، وأمٌّ، وأبٌّ، أو زوجةٌ، وأمٌّ، وأبٌ. فالأم هنا تأخذ ثلث الباقي، وهاتان المسألتان قد جرت الإشارة إليهما في الكلام عن الجد، وقلنا إن هذه المسائل من المسائل التي يخالف فيها الأب الجد، يعني لو كان في المسألة زوجٌ وأمٌّ وجدٌ، فالأم تأخذ ثلثها كاملًا، لكن إذا وجد الأب، فإنما تأخذ ثلث الباقي.
الحالة الرابعة: قلنا إنها حال الولد المنفي باللعان، فإن أمه تكون عصبةً له على ما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى-، وأصل ذلك، الأثر الذي جاء أن المرأة ترث لقيطها وولدها الذي لاعنت عليه، وعتيقها التي أعتقت، أما العتيق فلا إشكال في ذلك، لكن بالنسبة للقيط والابن المنفي باللعان هذا هو محل الخلاف.
ذكرنا لكم أن المؤلف جرى على هذا المذهب، وهو مذهب ابن مسعود، وإن كان بعض أهل العلم، وهو مشهور المذهب عند الحنابلة، وقول جماهير الصحابة، كابن عباس، وعليٍّ، وابن عمر، على ما ذكرنا سابقًا، أنهم يقولون: الأم ترث فرضها، وعصبتها يكونون عصبةً له، إذا لم يوجد له أبناء، أما إذا وُجد له أبناء، فقطعًا أن أبناءه هم عصبته، لكن لو لم يوجد له أبناء، فتكون العصبة هم عصبة أمه.
لعلنا أن نمثِّل لهذه المسألة؛ لتكون أكثر وضوحًا.
لو ذكرنا هنا مسألةً، وهي: مات ابنها المنفي باللعان، عن أمه وخاله، إذا قلنا إن الأم هي العصبة، فمقتضى ذلك أن تأخذ المال كله، والخال لا يرث شيئًا، لكن إذا قلنا على ما ذكر جمهور الصحابة وهو مذهب الحنابلة، أن الأم ترث ميراثها، فهنا تكون الأم لها الثلث، وخاله الذي هو أخوها، أليس هو عصبة الأم؟ فسيأخذ الباقي، على قول المؤلف، فالأم عصبةٌ، للابن المنفي باللعان، فبناءً على ذلك تأخذ المال كله.
على القول من أنها تأخذ فرضها، وعصبتها هم عصبته، فإن خال الميت هو أخو الأم، فهو عصبةٌ للأم، فيكون عصبةً للميت، فيأخذ الباقي، هذا مثالٌ لهذه المسألة.
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- مسألةً مُلحقةً بمسألة المنفي باللعان، وهي: مسألة ولد الزنا، ولد الزنا لا أب له، حتى ولو عُرف مَن زنا بها، فإنه لا يُنسب إليه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، فبناءً على ذلك: لو مات هذا الولد، فإن أمه هي التي ترثه، والحكم فيها، هو الحكم في الولد المنفي باللعان، إما أن نقول هي عصبته، كما في هذه المسألة، فتأخذ المال كله، وإما أن نقول: عصبتها، هم عصبته، فيكون على ما ذكرنا.
لو كان في المسألة: أبٌ، في هذه المسألة، لو كان في المسألة أمٌّ وأبٌ، ومتنافٍ معنا، نقول: ما يرث شيئًا، لماذا؟ لأنه قد نفى نسب ولده، فلم ينتسب إليه، فلم يرثه، فكما أن الولد لا يُنسب إلى أبيه، فكذلك الأب لا يرث من ابنه الذي نفاه.
إذا انتهينا من هذه المسألة، فنكون أنهينا ما يتعلق بأحوال الأم في مواريثها، وهي أربعة أحوالٍ قد جرى ذكرها.
ننتقل إلى المسائل التي ذكرها المؤلف بعد ذلك.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، وللمشاهدين، ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى وإيانا-: فصلٌ، وللجدة إذا لم تكن أمٌ، السدس واحدةً كانت أو أكثر، إذا تحاذيْن، فإن كان بعضهن أقرب من بعضٍ، فهو لقرباهُن، وترث الجدة وابنها حيٌّ، ولا يرث أكثر من ثلاث جداتٍ، أم الأم، وأم الأب، وأم الجد}.
هذا من المؤلف شروعٌ في إرث الجدة، وهو على ترتيبٍ متسقٍ، لما ذكر ما يتعلق بالآباء، الأب والجد ونحوه، ثم ذكر ما يتعلق بالأمهات، الأم فالجدات. الجدة وارثةٌ، وإرث الجدة قد ثبت في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن تلك الجدة جاءت إلى أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- تطلب ميراثها من ابن ابنها، فقال: لا أجد لك في كتاب الله -جلَّ وعلَا- شيئًا، ولا أعلم لك في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، فانتظري حتى أسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل، فأتى محمدًا بن مسلمةَ، فشهد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاها السدس، فقضى بذلك أبو بكر، بأن لها السدس. فثبتت بذلك، وهذا محل إجماعٍ بين العلماء، وبين أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن الجدة تأخذ السدس.
هذا إذن أصل إرث الجدة، وهو السدس، وأن ذلك ثابت بالسنة، وأنه محل إجماعٍ.
ما شرط إرث الجدة للسدس؟
هو: عدم وجود الأم، فإذا وجدت أمٌّ في المسألة، فإن أيَّ واحدةٍ من الجدات لا ترث، سواءً كانت جدةً من جهة الأم، وهي أم الأم، أو أم أم الأم، أو كانت من جهة الأب، أم الأب، أو أم أب الأب، أو أم أم الأب. فكلهن في مثل تلك الحال لا يرثن.
ما إرث الجدة؟
السدس.
متى ترث السدس؟
إذا لم توجد الأم.
إذا هذا قوله: "وللجدة إذا لم تكن أمٌّ" فكأنه يقول: شرط إرث الجدة للسدس: أن لا توجد أمٌّ، يعني بأن تكون ميتةً، أو أن تكون مثلًا فيها مانعٌ من موانع الإرث، كأن تكون رقيقةً، أو أن تكون كافرةً، أو أن تكون قاتلةً على سبيل المثال، فهنا ترث الجدة، أما إذا وُجدت أمٌّ، فلا إرث في المسألة للجدة.
فإن كان بعضهن أقرب من بعضٍ، فهو لقرباهن، إذن هو للأقرب فالأقرب. كل هذا سنأتي على أمثلته.
لكن هنا قال: "وترث الجدة وابنها حيٌّ" مع أن أم الأب، هي جدةٌ من جهة الأب، والأب قد ورث، وهي ترث معه، مع أنها أدلتْ به، والعادة في الفرائض: أن من أدلى بشخصٍ حجبه ذلك الشخص، إلا في مسألة الجدات، فالجدة لا يحجبها من أدلتْ به من الآباء. هذا على خلاف القاعدة، يعني لو وُجد عندنا مثلًا: أخٌ، وابن أخٍ، ابن الأخ يسقط؛ لأن الأخ هو الذي أدلى به فيحجبه. لو كان عندنا ابن ابنٍ، وابنٌ، ابن الابن يسقط، لماذا؟ لوجود الابن. فهنا كل من أدلى بشخصٍ يسقط بوجوده إلا الجدات مع من أدلتْ به، فإنه لا يؤثر عليها. هذا ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا.
سنأتي إلى الجدات اللاتي يرثن، لكن بعد أن نؤصِّل أو نبيِّن أصل إرث الجدة، والأمثلة على ذلك، فإذا تقرر انتقلنا إلى المسألة التي بعدها.
نبين ذلك بالأمثلة. عندنا الآن لو وُجد في المسألة: أمٌّ، وأم أمٍّ، يعني جدةٌ، فنقول هنا: الأم لها الثلث، لماذا لعدم وجود الفرع الوارث، ولعدم وجود الجمع من الإخوة، أم الأم هنا لم ترث، التي هي الجدة، لماذا؟ لأن من شرط إرث الجدة أن لا توجد الأم، فلما وجدت الأم، فإن الجدة ساقطةٌ.
لو وجد عندنا مسألةٌ، وهي: أم أبٍ، يعني جدةٌ، وأبٌ. فأم الأب كم تأخذ؟ تأخذ السدس، لأنها جدةٌ وارثةٌ، والجدة الوارثة ترث بشرط عدم وجود الأم، فلم توجد في المسألة أمٌّ، فورثت السدس، والأب يأخذ الباقي، فإذن هذه المسألة مثالٌ لتحقق شرط إرث الجدة، وهو عدم وجود الأم، فبناءً على ذلك ورثتْ، وهو أيضًا مثالٌ لأن ترث الجدة مع من أدلتْ به، فهي أدلت بالأب، ومع ذلك ورثت معه، والقاعدة في غير مسألة الجدات، أن المرأة لا ترث مع من أدلت به، هذه القاعدة عامةٌ، إلا في هذه المسألة، وثمَّ مسألةٌ أخرى، ربما يأتي الحديث عنها -بإذن الله جلَّ وعلَا-. إذن هذه مسألة الجدات، وإرثهن.
بقي بعد ذلك: هل كل الجدات يرثن أم لا؟
أولًا: لابد أن تعلم أن كل جدةٍ أدلت بذكرٍ بين أنثيين فإنها لا ترث، يعني لو كان عندنا أم أبي أمٍّ، فهذه جدةٌ فاسدةٌ، لماذا؟ لأنها أدلت بذكر بين أنثيين. عندنا أم أم أبي أمٍّ، فهذه أيضًا جدةٌ فاسدةٌ، لماذا؟ لأنها أدلت بذكرٍ بين أنثيين. فإذن كل جدةٍ أدلت بذكرٍ بين أنثيين فلا ترث.
هل ما سواها من الجدات يرثن؟ وهي التي أدلت بإناثٍ؟ أو التي أدلت بذكورٍ؟ بعض أهل العلم يورِّث كل من سوى هذه، ومذهب للحنفية، لكن ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا أن الوارث، ثلاث جداتٍ، واثنتان محل اتفاق، التي هي أم الأم، وأم الأب، وإن علت بمحض الأنوثة، والثالثة: أم أبي الأب.
فعندنا أم أم، هذه جدةٌ وارثةٌ. هذه يقال جدةٌ فاسدةٌ، وهذه جدةٌ صالحةٌ. الثانية: أم أبٍ، هذه أيضًا وارثة. الثالثة: أم أبي الأب. هذه الثلاث جدات اللاتي يرثن.
لو وجد عندنا: أم أبي الجد، أو نقول بعبارةٍ ثانيةٍ: أم أبي الأب، فنقول: هذه ليست وارثةً، في قول المؤلف، وهو قول الحنابلة، وقول جمع من أهل العلم، خلافًا للحنفية، فبعضهم يُلحق هذه بالجدة الفاسدة، وبعضهم يُدخلها في الجدات الصالحات، لكن هؤلاء الثلاثة، الحنابلة والجمهور على توريثهن، وإن علون بأن تكون أم أم أمٍّ، أو أم أم أم أمٍّ، فهذه مثلًا لو كانت أم أم أم أمٍّ فترث، أو أم أم أمٍّ هذه لو كانت أم أبٍ، أو أم أم أبٍ، فعندهم أنها هذه من هذه، مادامت أم أبٍ، فلو علت بالأنوثة بعد ذلك فلا يضر، أو كانت أم أم أم أبٍ، فكلها داخلةٌ في هذا القسم. المهم أنها تكون أم أبٍ، بعد ذلك ترتفع في الأنوثة لا يضر.
الثالثة: أن تكون أم أبي الأب، أو أم أم أبي الأب، أو كانت أم أم أم أبي الأب، فهذه ترث.
إذا تقرر هذا، أن هذه فاسدةٌ، فأي مسألةٍ جاءت فيها أم أبي أمٍّ، فهي ترث، تسقط مباشرةً، إذا وجدت هذه أم أبي الجد، فهي في مذهب الجمهور ساقطةٌ، تبقى هذه الثلاث، إذا وجدت واحدةٌ منهن ترث، لكن إذا وجدن جميعًا، فهنا قاعدةٌ، أن القربى من جهةٍ تُسقط البُعدى، يعني في المسألة الأولى: أم الأم تُسقط أم أم الأم، أليس كذلك؟ وهذه أم أم أم تُسقط أم أم أم الأم، القُربى تُسقط البُعدى. لكن لو كانت من جنسٍ آخر، أم الأب؟ فعند أهل العلم في المشهور: أن القُربى من أم الأم، تُسقط أم الأب إذا كانت أقرب منها، لكن اختلفوا في العكس، وعلى كل حالٍ، المشهور: أن القُربى تُسقط البُعدى، ولا ندخل في مثل هذا الخلاف. فأبين لكم ذلك بالمثال.
إذا كنَّ في درجةٍ واحدةٍ، فمعنى ذلك أنهن يشتركن في السدس. فإذن لو مات ميتٌ عن زوجٍ، وأم أمٍّ، وأم أبٍ، فهنا نقول: الزوج يأخذ النصف، لعدم وجود الفرع الوارث، أم الأم هذه جدةٌ، وأم الأب جدةٌ، أيهما أقرب؟ كلهن في درجةٍ واحدةٍ، فهنا يشتركن في السدس. لن ندخل في التفاصيل، هل أم الأم تسقطهن، هذه لن ندخل فيها.
لو وُجد عندنا: أم أم أمٍّ، وأم أب أمٍّ، فمن الذي يرث هنا؟
{الأولى}.
لماذا؟
{لأن الثانية أدلت بذكرٍ}.
لأن الثانية أدلت بذكرٍ بين أنثيين فهي فاسدةٌ، وإن كانت في نفس المرتبة، لكن هي جدةٌ فاسدةٌ، فالسدس كله لأم أم الأم.
لو أن عندنا أم أم أبٍ، وعندنا أم أم أم أم، فهنا من التي ترث؟ أم أم الأب؟ أو أم أم أم الأم؟ الأولى، لماذا ورثت الأولى السدس؟ لأنها هي القُربى.
لو كان عندنا: أم أم أم أم أم، يعني الجدة الخامسة، وأم أبي أبي الجد، يعني أبو الأب أيضًا، فأيهما التي ترث؟ هذه من القسم الأخير، التي ما ترث عند الجمهور، أليس قلنا: أم الأم فقط، وأم الأب، وأم أبي الأب، هذه هل هي أم أبي الأب؟ أم أبي أبي الجد، فلا تكون وارثةً، فهذه هي التي ترث السدس.
ولا يرث أكثر من ثلاث جداتٍ، التي هي أم الأم، وأم الأب، وأم الجد، فأم أبي الأب وما بعدهن لا يرثن.
{قال: ومن كان من أمهاتهن وإن علون، ولا ترث جدةٌ تُدلي بأبٍ بين أميْن، ولا بأبٍ أعلى من الجد}.
يعني أنها ومن كان من أمهاتهن وإن علون، يعني مثل ما ذكرنا لكم، يعني أم الأم، وأمها، وأم أمها كلهن داخلاتٌ في الميراث، أم الأب، وأمها، وأم أمها داخلاتٌ في الميراث، وكذلك أم الجد، وأم أمها، أما أم أبي الجد فلا تدخل في الميراث، مثل ما ذكرنا قبل قليلٍ.
{ثم قال: فإن خلف جدتيْ أمه، وجدتيْ أبيه، سقطت أم أبي أمه، والميراث للثلاث الباقيات}.
يعني لو إنسانٌ عنده أربع جداتٍ، أم أم أمه، وأم أم أبيه، وأم أبي أمه، وأم أبي أبيه، فهؤلاء أربع جداتٍ. أم أم أمه هذه وارثةٌ من جهة الأصل، أم أم أبيه وارثةٌ من حيث الأصل، أم أبي أمه، هذه جدةٌ فاسدةٌ؛ لأنها أدلت بذكرٍ يبن أنثيين، أم أبي أبيه، فهذه وارثةٌ من جهة الأصل، ثم نظرنا إليهن من جهة القرب والبعد، فوجدناهن في درجةٍ واحدةٍ، فورثت هذه الثلاث، فورثن السدس، اشتركن في السدس، وسقطت أم أبي أمه.
أظن أننا سنعتمد بقية الدرس على الشرح الشفهي؛ لأن القلم صار لا يسعفنا، لكن هذا نوعٌ الحقيقة أيضًا من التعلم، يعني كون الطالب يركِّز مع كون المسألة لم تُكتب، هذا أعون له على زيادة قوة الملكة الفقهية في الفرائض، والتعلم فيها، يعني هو نوعٌ مما نحتاج إلى التنويع والمراوحة بينه وبين الطريقة التي هي أسهل في الكتابة.
إذن واضحٌ في قوله: "إن خلَّف جدتي أمه وجدتي أبيه، سقطت أم أبي أمه"، والميراث للثلاث الباقيات على ما تقدَّم. إذا تم ذلك، فيكون انتهينا مما يتعلق بإرث الجدة. هل نحتاج إلى إعادته؟
سأعيده لكم مختصرًا.
الجدة ترث السدس، وثبوت إرثها للسدس السنة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والإجماع.
إرثها مشروطٌ بعدم وجود الأم. هذا واضحٌ.
الجدة ترث مع ابنها الذي أدلتْ به، وهذا على خلاف قاعدة الفرائض المضطردة.
إذا كنَّ أكثر من جدةٍ، فمنهن جداتٌ فاسداتٌ، وهي الجدة التي أدلت بذكرٍ بين أنثيين، فهذه فاسدةٌ، وأم أبي الجد، فهذه أيضًا في قول الجمهور ليست بوارثةٍ، فتبقى ثلاث جداتٍ، أم الأم، وأم الأب، وأم أبي الأب، وإن علون من جهة أمهاتهن.
إذا اجتمعن، إن تساويْن اقتسمن السدس، وإن تفاوتْن فترث القربى منهم، وتسقط البعدى، وإن كان في هذه المسألة خلافٌ في هل أم الأم مقدمةٌ عليهن أو لا؟ وأيضًا بعض المسائل المتعلقة بهذا الخصوص، لا نريد أن ندخل في تفاصيله؛ لئلا نتشعب أكثر مما يجب.
إذا انتهينا من هذا، فنكون -بإذن الله جلَّ وعلَا- قادرين على الانتقال إلى ما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد ذلك من المسائل.
{قال المصنف: فصلٌ، وللبنت النصف، وللبنتين فصاعدًا الثلثان، وبنات الابن بمنزلتهن إذا عُدمن، فإن اجتمعن سقطت بنات الابن، إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكرٌ، فيعصبهن في ما بقي}.
إذن هذا من المؤلف -رحمه الله تعالى- إشارةٌ إلى إرث البنات، وأيضًا ذكر في أثنائه إرث بنات الابن، فنبدأ بإرث البنات.
البنات ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- إما أن تكون منفردةً، أو يكنَّ أكثر من واحدةٍ، فيقول: إذا كانت واحدةً، فإنها ترث النصف. هنا ما شرط إرثها للنصف؟ هذا مضمَّنٌ في كلام المؤلف، لكن هذا كلام الفقهاء، مع اختصاره، إلا أنه يكون مشتملًا على معانٍ كثيرةٍ.
فإذن إرث البنت للنصف أولًا أن تكون منفردةً، من أين أخذنا ذلك؟ لأنه قال: "وللبنتين فصاعدًا الثلثان" فإذن، إرثها للنصف مشروطٌ بأن تكون واحدةً، ثم لما قال: وللبنت هنا إشارةٌ إلى عدم وجود الابن، أو أخيها الذي يعصِّبها، لأنه لو وجد ابنٌ، فإنه سيكون الإرث مع الأبناء بالتعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين، أو نقول: إذن البنت ترث النصف، وشرط إرثها للنصف أن تكون واحدةً منفردةً، وأن لا يكون معها أخوها، أو أن لا يكون معها ابنٌ الذي هو عصبتها، عدم وجود المعصِّب لها، وهو أخوها، أو وهو الابن، يعني توضيح أكثر، والدليل على ذلك: قول الله -جلَّ وعلَا-: ﴿وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ [النساء: 11]، ما أول الآية؟ ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾[النساء: 11] إذن إذا كنَّ مع الذكور فسيكون الإرث عصبة، للذكر مثل حظ الأنثيين، ﴿فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ [النساء: 11].
فإذن أخذنا من هذا أن تكون منفردةً حتى ترث النصف، وأن لا يكون معها عصبةٌ وهو أخوها..
فلو هلك هالكٌ عن: أمٍّ، وزوجةٍ، وبنتٍ. فنقول هنا: الزوج له الربع؛ لوجود الفرع الوارث، والأم لها السدس؛ لوجود الفرع الوارث، وهي البنت، والبنت كم ترث هنا؟ ترث النصف، وإرثها للنصف؛ لوجود الشرطين، عدم وجود المعصِّب لها، وهو الابن، وكونها منفردةً، أو بعبارةٍ ثانيةٍ: نقول أن تكون منفردةً، أو الانفراد، أو عدم وجود المشارك لها، وهي أختها، أو وهي البنت، يعني إذا قلنا أختها، أحيانًا بعض الناس يتبادر إليه، أنها أخت الميت، لا هنا أخت البنت. فعلى كل حالٍ إذن هنا ورثت النصف.
لو مات ميتٌ عن: أم أمٍّ، وبنتٍ، وابنٍ. فأم الأم كم تأخذ؟ تأخذ السدس؛ لأنها، وهي من الجدات الوارثات، ولعدم وجود الأم، التي تحول بينها وبين الميراث. إذن هذا الأمر الأول. الثانية: البنت هنا هل تأخذ النصف؟ لا تأخذ البنت النصف، لماذا؟ لوجود الابن معها، فتأخذ عصبةً، للذكر مثل حظ الأنثيين، إذن اختلَّ شرطٌ من شروط إرثها النصف في هذه المسألة، وهو وجود المعصِّب لها، وهو الابن، فبناءً على ذلك لم تأخذ النصف.
مثالٌ آخر: لو هلك هالكٌ عن: زوجتين، وبنتين. الزوجتان لهما: الثمن يشتركن فيه؛ لوجود الفرع الوارث، وهن البنات. البنتان كم لهما؟ الثلثان، إذن لم ترث البنت هنا النصف؛ لوجود المشارك لها، وهي أختها، وهي البنت الأخرى، فنقول هنا: يرثن الثلثين.
إذن يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وللبنت النصف" بالشروط المتقدمة.
قال: "وللبنتين فصاعدًا الثلثان"، أظن أن استحقاق البنتين للثلثين ظاهرٌ، وهو متى ترث البنات الثلثين؟ ترث البنات الثلثين بشرطين:
عدم وجود المعصِّب لهن، لأنه إذا وجد الابن، أخذن العصبة للذكر مثل حظ الأنثيين. إذن عدم وجود المعصِّب لهن، للآية التي تقدمت معنا، ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11].
والشرط الثاني: اجتماعهن، أو بعبارةٍ ثانيةٍ؛ حتى تكون صريحةً: أن يكنَّ اثنتين فأكثر، فإذا كن اثنتين فأكثر، فإنهن يأخذن الثلثين. فلو هلك هالكٌ عن: أمٍّ، وبنتين، وابنٍ. فكم تأخذ الأم؟ الأم تأخذ السدس؛ لوجود الفرع الوارث. البنتان هنا هل يأخذن الثلثين؟ لا يأخذن الثلثين، لماذا؟ لوجود المعصِّب لهن. إذن يأخذن المال تعصيبًا مع أخيهن، للذكر مثل حظ الأنثيين.
لو هلك هالكٌ عن: جدٍّ، وبنتين. فنقول: للجد كم له؟ الجد له السدس. والبنتان يأخذن الثلثين. ثم نعطي الجد أيضًا الباقي؛ لأنه مع البنات، فيأخذ السدس، ويأخذ الباقي، كما ذكرنا في الحال المتقدمة من أحواله. فإذن هنا أخذت البنات الثلثين لكونهن اثنتين فأكثر، ولعدم وجود المعصِّب لهن، وهو الابن.
لو هلك هالكٌ عن: زوجٍ، وعشر بناتٍ. فنقول: الزوج له الربع؛ لوجود الفرع الوارث، البنات كم يأخذن؟ يأخذن الثلثين؛ لوجود المشارك، وعدم وجود المعصِّب، وهو الابن.
قبل أن ننتقل، هنا إشكالٌ: كيف قلتم إن البنتين يأخذان الثلثين، مع أن الله -جلَّ وعلَا- يقول: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء: 11]، فاشترط لذلك أن يكنَّ فوق اثنتين. هذا عند أهل العلم لهم فيه كلامٌ، فقول جماهير الصحابة، بل هو إجماعٌ، يعني سوى ما ذُكر عن ابن عباس، لكن الإجماع منعقدٌ على ذلك قبله وبعده، عند الفقهاء عامةً، أن البنتين كالثلاث والأربع يأخذن الثلثين، من أين أخذتم ذلك؟ قالوا: من الآية، فإن الله -جلَّ وعلَا- يقال: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ [النساء: 11]، يعني اثنتين فما فوق، فقوله: ﴿فَوْقَ﴾ يعني صلة، فالمقصود بذلك أن لا يُظن أنهن إذا كن اثنتين فسيأخذن الثلثين، فإذا كن ثلاثًا فسيأخذن ثلاثة أثلاثٍ أو أكثر، لا. ليُعلم أن الاثنتين وأكثر من الاثنتين سواءٌ في استحقاق الثلثين. هذا من جهةٍ.
من جهةٍ ثانيةٍ قالوا: دلالة السنة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى ابنتي سعد، قضى لهما بالثلثين، فأيضًا دلالة السنة ظاهرةٌ. قالوا: وأيضًا القياس، فإن الله -جلَّ وعلَا- قال في الأخوات: ﴿فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ [النساء: 176]، فإذا كان هذا في الأخوات، فمن باب أولى أن يكون في البنات.
فلأجل ذلك قال أهل العلم: وإن كان ظاهر الآية في قوله: ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ أن استحقاق الثلثين لا يكون إلا لثلاثٍ فأكثر، نقول: هذا ليس بمقصودٍ؛ لدلالة السنة، ودلالة الآية الأخرى، وأيضًا هذه الآية إنما أرادت الدلالة على أن المقصود أن فوق الاثنتين كالاثنتين، في أنه لا يزيد نصيبهن عن الثلثين.
ثم بعد ذلك يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وبنات الابن بمنزلتهن إذا عُدمن"، يعني لو كان عندنا بنت ابنٍ، فبنت الابن ترث النصف بثلاثة شروطٍ:
الشرط الأول: عدم وجود المشارك لها، يعني أن تكون واحدةً منفردةً، مثل ما ذكرنا في البنت.
الشرط الثاني: وعدم وجود المعصِّب لها، وهو أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها، الذي هو ابن ابن.
الشرط الثالث: أن يُعدم الفرع الوارث الأعلى منها؛ لأنه قال: "إذا عُدمن".
إذن، الشرطان الأولان أخذناهما مما تقدَّم في البنات، والشرط الثالث، أخذناه من أن المتقدِّم يُسقط المتأخر، فبناءً على ذلك كان أخذُ بنات الابن للثلثين أو النصف مشروطًا بعدم فوقهن. فبناءً على ذلك نقول: إذن إذا كانت واحدةً، فتكون منفردةً، عدم وجود المعصِّب لها، وهو ابن الابن، أو أخوها، أو ابن عمها الذي في درجتها، وعدم وجود الفرع الوارث الأعلى منها، فتأخذ النصف. من أين أخذنا ذلك؟ لأن بنت الابن بنتٌ، وداخلةٌ في أسماء البنات. هذا أخْذها للنصف.
أخْذها للثلثين مشروطٌ بثلاثة شروطٍ:
أولها: عدم وجود المعصِّب لهنَّ، وهو ابن الابن، أخوهن، أو ابن عمهن الذي في درجتهن. أن يكنَّ اثنتين فأكثر. أن لا يوجد الفرع الوارث الأعلى منهن. فإذا كن اثنتين، فيأخذن الثلثين.
لو هلك هالكٌ عن: أمٍّ، وبنت ابنٍ. فنقول: الأم لها السدس؛ لوجود الفرع الوارث. بنت الابن تأخذ النصف؛ لوجود الثلاثة شروطٍ: عدم وجود المعصِّب لها، وهو أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها، انفرادها، عدم وجود الفرع الوارث الأعلى منها.
لو هلك هالكٌ عن: زوجٍ، وخمس بنات ابنٍ. فنقول: الزوج له الربع؛ لوجود الفرع الوارث. وخمس بنات الابن يأخذن الثلثين، لما أخذت بنات الابن هنا الثلثين؟ لكونهن اثنتين فأكثر، وجود المشارك، عدم وجود المعصِّب لهن، وهو أخوهن، أو ابن عمهن الذي في درجتهن، عدم وجود الفرع الوارث الأعلى منهن.
المثال الأخير: لو هلك هالكٌ عن: أم أمٍّ، وابنٍ، وبنت ابنٍ، فنقول: أم الأم تأخذ السدس؛ لأن شرط إرثها للسدس: عدم وجود الأم. الابن يأخذ: الباقي؛ لأنه أولى رجلٍ ذكرٍ، بنت الابن هنا لم ترث، لماذا؟ لوجود الفرع الوارث الأعلى منها.
بقيت مسألةٌ في قوله: "فإن اجتمعن سقط بنات الابن"، هذه مسألةٌ مكملةٌ لما ذكرناه، لعل الحديث عنها يكون في مستهل اللقاء القادم -بإذن الله جلَّ وعلَا-.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك