الدرس الخامس عشر

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

4427 24
الدرس الخامس عشر

المحرر في الحديث (2)

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصَّلاة والسَّلام على أفضلِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وبعدُ:
فإخوتي الأعزَّاء ممَّن يُشرِّفهم الله -عزَّ وجلَّ- بطلب العلم، ويجعلهم ممَّن يُحكِّم سنَّة رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ويأخذُ منها الأحكام التي يحتاجُ إليها في دينهِ، مرحبًا بكم، وأهلًا وسهلًا.
وكنَّا فيما مضى قد أخذنا عددًا من الأحاديث المتعلِّقة بأحكامِ الجنائز، وكان آخرها ما يتعلَّق بالتَّعزيَةِ، ولعلَّنا اليوم -إن شاء الله- نبتدئُ في بابٍ جديدٍ يتعلَّق بزيارةِ القبورِ، ثمَّ بعده -إن شاء الله- نأخذ شيئًا من أحكام الزَّكاةِ، فلعلَّنا نقرأ أحاديث هذه الأبواب -بإذنه تعالى.
{(بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
اللهمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعينَ وللمشاهدينَ، ولجميعِ المسلمينَ.
قالَ المصنِّفُ -رحمه الله تعالى: (بَابٌ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ والسَّلامِ والدُّعَاءِ
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ زَوَّارَاتِ القُبُورِ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَضَعَّفَهُ عَبدُ الـحَـقِّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ القَطَّانِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ)
)
}.
قولُ المؤلِّفِ هنا: (بَابٌ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ والسَّلامِ والدُّعَاءِ).
القبور: جمع قبر، وهو محلُّ دفنِ الموتى.
والزِّيار للقبور كانت في أوائل الإسلام مُستحبَّة، ثمَّ مُنعَ منها، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رخَّصَ فيها، ومن هنا قال -صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَّا فَزُورُوهَ»[52]، والأمر هنا وردَ بعدَ النَّهي، والقاعدة: أنَّ الأمرَ بعد النَّهيِ يَعودُ بهِ الحُكم على ما كانَ قبلَ النَّهي. على الصَّحيح مِن أقوال الأصوليين، وكانت زيارة القبور مُستحبَّة فتعودُ إلى ما كانت عليه.
والغرضُ مِن زيارةِ القبورِ أمور:
أولها: الاتِّعاظُ والاعتبارُ، فهذا القبرُ الذي ضمَّ مَن كُنتَ تؤانسُه وتعرفُه في الدُّنيا سيضمُّكَ مثله عمَّا قريب، وبالتَّالي يَعْتَبِر الإنسان ويتَّعظ، ويستعد لآخرته قبلَ أن يُوضَع في قبره.
ثانيًا: الإحسان إلى الميِّتِ المقبور بالسَّلام عليه، والدعاء له. وهذا أيضًا معنًى مقصود.
وأمَّا مَن ظنَّ أنَّ زيارة القبور مِن أجلِ أن يُدعَى اللهُ عندَ القبرِ -أن يدعو الزَّائر لنفسه- ويظنُّ أنَّ لذلك مزيَّة، وأنَّ الدَّعاء عند المقابر له خاصيَّة وأنَّه مَقبولٌ، فنقول له: قد خالفتَ في ذلك الهديَ النَّبويَّ، الذي جعلَ زيارةَ القبور ِمن أجلِ الدُّعاءِ للمقبورِ.
وبعضُ النَّاس قد يذهب للقبور مِن أجلِ أن يدعو المقبور، فيقول: يا فلان افعل بي كذا...؛ فهذا ممَّا شدَّدت الشَّريعة في النَّهي عنه، وجعلته نوعًا من أنواع الشِّرك، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدً﴾ [الجن: 18]. "أحدًا" نكرة في سياق النهي فتكون عامَّة، حتى ولو كان من الأولياء، ولو كان من الأنبياء، ولو كان من الأصفياء، أو نحوهم.
وقال تعالى: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: 117]، فانظر كيفَ جعلَ الدَّاعي لغيرِ الله لا برهانَ له، وحَكَمَ عليه بحكمين:
- أنَّه لا يُفلح.
- وأنَّه مِن الكافرين.
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5].
ومن هذا المنطلق يجب على المؤمن أن يُصفِّي عباداته لله، ومنها عبادة الدُّعاء، فالدعاء عبادة، ولا يجوز أن تكون إلا لله، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].
والله هو المتصرِّفُ في الكونِ سبحانه، إذا كان كذلك فليُدعَ مباشرة بدون حاجة إلى أن يُدعى مَن سواه، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].
والله -جلَّ وعَلا- قد أخبر أنَّ دعوات الأنبياء كان محورها الدَّعوة إلى إفراد الله بالعبادة، فكانوا يقولون لأممهم: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ﴾ [هود: 2]، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، فعبوديَّة الله تكون بجعلِ العبادة له وحده، وأمَّا صرفُ الدُّعاءِ لغيرِ الله فهذا إشراكٌ لغيرِ الله في إحدى العبادات التي يختصُّ الله بها، ومن هنا فهو نوعٌ من أنواعِ الشِّركِ، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[53]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ [النساء: 116].
إذا تقرَّرَ هذا فإنَّ زيارةَ القبورِ عملٌ صالحٌ متى كانَ على الوجه الشَّرعي السَّابق، وقد ثبتَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يزور المقبرة، وكان يدعو عندها لهؤلاء الموتى.
أوردَ المؤلف في هذا الباب حديثَ أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- «لَعَنَ زَوَّارَاتِ القُبُورِ»، وهذا الحديث فيه أبو صالح باذام وقد تكلَّم فيه بعضُ أهلِ العلم، وذكروا فيه تضعيفًا، وهناك مَن قال: إنَّه صدوق. وهناك مَن قال: إنَّ الخبر يتقوَّى بغيره ِمن الرِّوايات، وقد وردَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال للنِّسوةِ اللاتي ذهبنَ إلى المقابرِ «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ»[54].
والقول بالمنع من زيارة القبور هو مذهب أحمد وطوائف مِن أهلِ العلم يرونَ المنع.
وقال بجوازه فُقَهَاءُ الشَّافعيَّة وغيرهم، وقالوا: إنَّ حديث «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَّا فَزُورُوهَ»، يدلُّ على نسخ النَّهي، ومنه حديث الباب.
ولكن هذا الجمع ليس على الطَّريقة الأصوليَّة المعهودة؛ لأنَّه لا يُصارُ إلى القول بالنَّسخ إلا عند تعذُّرِ الجمعِ، ومن أوجه الجمع بين النُّصوصِ المتعارضة: القول بالتَّخصيص.
فإذا كان أحد النَّصَّينِ عامًّا كما في حديث «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ»، والآخر خاصًّا كما في هذا الخبر لكونه يختصُّ بالنِّساء.
فإن قال قائل: إنَّ هذا جعلَ زيارةَ القبورِ مِن الكبائرِ بالنِّسبةِ للنِّساءِ.
نقول: إنَّ اللَّعنَ هنا إنَّما جاء لمَن تكرَّرَ منها ذلك وكَثُرَ حتى كان صفةً لها، فلم يقل: "زائرات" وإنَّما قال: «زوَّارَات»، وهذا فيه دلالة على أنَّ المرة الأولى تحرُم وإن لم يحصل لها مثل هذه العقوبة.
وقد قال بعضهم: إنَّها جائزة لِمَا وردَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وجدَ امرأة واقفة على قبرٍ، وكانت تنوح عليه، فقال لها: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي»[55]، قالوا: فلم ينهها عن زيارة القبر.
ولكن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر من جهتين:
الجهة الأولى: أنَّه نهاها عن الأمرِ الأكبرِ وهو النِّياحة، فلمَّا لم تستجب له وقالت: "إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي"؛ حينئذٍ تركَ نهيها عمَّا هو أقل من ذلك.
الجهة الثانية: أنَّ هذا ليس فيه أنَّ المرأة زارت المقابر، وإنَّما فيه أنَّها عند قبرٍ، فقد تكون اجتازته، ويظهر هنا أنَّه ليس مقبرةً.
وقد استدلَّ بعضهم بأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- علَّمَ عائشة -رضي الله عنها- دعاء زيارة المقابر، وعائشة وإن لم تكن ممَّن يزور المقابر لم يُخبرها النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يعلمها.
وهذا الاستدلالُ ليسَ صريحًا، لأنَّه قد يُخبِر عائشة بالطَّريقة الشَّرعيَّة في البابِ وإن لم تكن ممَّن يُعنَى به، ولذلك أخبرَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعضَ أصحابِه ببعضِ الأحكامِ الخاصَّة بالنِّساءِ، فحديث: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ»[56]، يتعلَّق بالنِّساءِ، ومع ذلك رواهُ بعضُ الصَّحابة من الرِّجال.
ومن هنا يظهر المنع من زيارة القبور بالنِّسبَةِ للنِّساء.
{(وَعَنْ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوها، ونَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِي فَوقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، ونَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيْذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرً» رَوَاهُ مُسلمٌ، وَلأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ: «ونَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ فَلْيَزُرْ، وَلَا تَقُولُوا هُجْرً»)}.
قوله «نَهَيْتُكُمْ»، هذا نهيٌّ منسوخ عن زيارة القبور، والخطاب هنا الظَّاهر أنَّه موجَّهٌ للرِّجال من صحابته.
قوله: «فَزُورُوه»، هذا أمرٌ بعدَ النَّهي، فيدلُّ على عودِ الأمر إلى ما كانَ عليه من الاستحبابِ، ففي هذا استحبابُ زيارة القبور للرِّجال.
وقوله: «ونَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِي»، يعني: عن ادِّخارها وإمساكها.
قال: «فَوقَ ثَلَاثٍ»، وذلك لأنَّه دفَّت دافَّةٌ في سنةٍ من السَّنوات، فأمرَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بتوزيع لحوم الأضاحي، وألا يبقى منها شيءٌ بعدَ ثلاث، ثم بعد ذلك رُفِعَ هذا الحكم.
قال: «فَأَمْسِكُو»، أي لحوم الأضاحي.
قال: «مَا بَدَا لَكُمْ»، يعني أي وقت بدا لكم وتستحسنونه.
قال: «ونَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيْذِ»، النَّبيذ: ماء يُطرَح فيه شيءٌ يُغيِّره من تمرٍ أو فاكهةٍ أو شعيرٍ أو غيره.
قال: «إِلَّا فِي سِقَاءٍ»، وذلك أنَّ السِّقاء لا يتغيَّرُ فيه هذا النَّبيذ، ولا يحصل منه انقلاب، وحينئذٍ أجازَ لهم شرب النَّبيذ الذي يُوضع في السِّقاء.
قال: «فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلِّهَ»، يعني ما دام نبيذًا ليس فيه إسكارٌ لا في قليلِهِ، ولا في كثيرِهِ.
قوله: «وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرً»، أي: إذا قذَفَ وألقى بالزَّبدِ هذا النَّبيذ؛ فحينئذٍ لا يجوز لكم أن تشربوا شيئًا منه.
قال المؤلف: (وَلأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ: «ونَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ فَلْيَزُرْ»)، وجه الشَّاهد: أنَّه علَّقَ الزِّيارةَ بالإرادة في قوله «فَمَنْ أَرَادَ»، وهذا دليل على عدمِ وجوبِ زيارةِ القبورِ.
قال: «وَلَا تَقُولُوا هُجْرً»، أي: لا تتكلَّموا بالكلامِ الذي يؤدِّي إلى اكتسابِ العبد للسَّيئات، ويكون سببًا مِن أسبابِ تهاجرِ النَّاس بعضهم مع بعضهم.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى البَقِيعِ فَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَومٍ مُؤْمِنِيْنَ، وأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهِلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
قول عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، هذا يقتضي تَكرار هذا الفعل، وفيه أنَّه يُشرَعُ تَكرار زيارةِ المقابرِ.
والظَّاهر أنَّ عائشةَ كان لها ليلة بعينها، فكانَ يزور المقابر في ليلتها، فدلَّ هذا على أنَّه لا بأسَ أن يُتَّخَذَ بعض القبور له زيارة محدَّدةٍ في وقتٍ محدَّدٍ، بخلاف زيارة قبرِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فإنَّه لا يُجعل له وقت محدَّدٌ يتكرَّر، لِما وردَ في الحديثِ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تجعلوا قبري عيدً»[57]، أي: أمرًا يعتادونه بوقتٍ وزمنٍ مخصوصٍ، وأمَّا غيره مِن القبورِ فلا بأسَ أن يُزارَ ولو كان ذلك على سبيلِ الاعتيادِ.
قوله: (كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فيه تقسيمُ الليالي بين الزَّوجاتِ.
قالت: (يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) يعني: من غرفتها وحجرتها.
قوله: (إِلَى البَقِيعِ)، وهو مكان المقبرة، ويقع في الجنوب الشَّرقي للمسجد النَّبويِّ.
 فَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَومٍ مُؤْمِنِيْنَ» يُسلِّم على الأموات، وفيه مشروعيَّة ذلك.
قال: «وأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ»، أي: قُدِّرَ لكم وحصلَ عليكم ما وعدَكم اللهُ به من النَّعيم أو العذابِ.
قال: «غَدًا مُؤَجَّلُونَ»، أي: هناك تأجيل:
- إمَّا أنَّه يتكلَّم عن الأحياءِ بأنَّ لهم آجال محدودة سينتقلون بعدها إلى قبورهم.
- أو أنَّه يقصد أنَّ هناك أجلًا تقومُ به السَّاعة.
قال: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ»، لأنَّ القبر أمرٌ مقدَّر على الأموات.
ثم قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهِلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ»، الغرقَد: نوعُ من أنواعِ الشَّجرِ وفيه شوكٌ، وكان البقيعُ في ذلك الزَّمان فيه غرقدٌ كثيرٌ، وقد دعا النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هنا للأموات والمقبورين.
{(وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الـمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَى أَهلَ الدِّيارِ -وَفِي لَفظٍ- السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهلِ الدِّيارِ مِنَ الْمُؤْمنِينَ وَالْمُسْلِميْنَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُم لاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلكُمُ العَافِيَةَ» رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
كما تقدَّم في حديث عائشة، واستدلَّ به بعضهم على مشروعيَّةِ وجوازِ زيارةِ النِّساءِ للقبورِ، وفي الاستدلالِ به نظرٌ -على ما تقدَّم.
ثم أورد المؤلف حديث بريدة -رضي الله عنه- قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعلِّمُهُمْ)، "كان" تفيد التَّكرار والمعاودة مرةً بعدَ أخرى، وفيه مشروعيَّة تعليم النَّاس للأحكامِ الشَّرعيَّة، ومشروعيَّة تعليم النَّاس أن يقولوا الأذكار، وأن يعرفوا الأحكام الشَّرعيَّة.
قال: (يُعلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الـمَقَابِرِ)، فيه استعداد الإنسان لِمَا يأتي له قبل أن يحصل عليه.
قال: (فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَى أَهلَ الدِّيارِ») فيه مشروعيَّة السَّلام حتى على الأموات.
قال: (وَفِي لَفظٍ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهلِ الدِّيارِ مِنَ الْمُؤْمنِينَ وَالْمُسْلِميْنَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُم لاحِقُونَ)، في هذا تذكير مِن الإنسان لنفسِهِ بمصيرهِ المحتوم.
قال: «نسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلكُمُ العَافِيَةَ»، فيه الدُّعاء للأموات، والدُّعاء للنَّفسِ على جهةِ التَّبَعِ.
وقوله «العَافِيَةَ» تشملُ السَّلامة مِن الأمراضِ، وتشملُ السَّلامة مِن المعاصي والمخالفات، وكلُّ ما يُمكن أن يعافى ويُؤمَّن الإنسان منه.
{(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الـمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتَم سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأَثَرِ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَهَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)}.
الأدعية التي تكون للموتى ليست مأثورة، وليست توقيفيَّة، بل كل دعاء ينتفعُ به الميِّت فإنَّه جائز.
وقوله: (مَرَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الـمَدِينَةِ)، أي: أنَّ طريقه كان بجوارها. قال: (فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ)، يعني أقبلَ على القبور، وفيه مشروعيَّة أن يكونَ السَّلام بالتَّوجُّه إلى القبور بكليَّةِ البدنِ.
فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ»، فيه التَّسليمُ على الموتى.
قال: «يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ»، فيه الدُّعاء للموتى.
قال: «أَنْتَم سَلَفُنَ»، أي: أنتم السَّابقون لنا إلى القبرِ.
قال: «وَنَحْنُ بِالأَثَرِ»، أي: نتبعكم ونسيرُ على طريقتكم.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوا إِلَى مَا قَدَّمُو» رَواهُ البُخَارِيُّ.
وَرَوى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ الـمُغِيْرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الأَحْيَاءَ» وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ، وَاللهُ المُوَفِّقُ للصَّوابِ)
}.
قوله هنا: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ»، الأموات: جمع "ميِّت" وعرفهم بــ "ال" فيشمل كل ميِّتٍ على سبيل الاستقلال.
والمراد بالسَّبِّ: ذكر المَعَائِبِ، والاستنقاص ممَّن يُتكلَّم فيه، والأصل في السَّبِّ: المنع والتَّحريم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ»[58]، فالأصل أنَّه لا يجوز مثل ذلك.
والحديث فيه دلالة على أنَّ الإثم يعظُم بكونِ مَن يُسبُّ مِن الأمواتِ.
قال: «فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوا إِلَى مَا قَدَّمُو»، أي: انتقلوا إلى دارِ الآخرة، وليس عندهم إلا الجزاء لأعمالهم التي أدَّوها في الدنيا، إن حسنًا فحسن، وإن سيئًا فسيء.
وبهذا يكون كتاب الجنائز قد انتهى، وننتقل إلى كتاب الزَّكاة.
والأصل في الزكاة أن يُراد بها: الطَّهارة والنَّماء، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَ﴾ [الأعلى: 14]، أي: طهَّرها.
وفي الاصطلاح يُراد بها:إخراجُ جزءٍ يسيرٍ ممَّا يملكه الإنسانُ مِن أموالِ مخصوصة، فيُعطى لفئةٍ مخصوصة.
وقد جاءت النُّصوص ببيان أنَّ الزَّكاة فرضٌ واجب، قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [النساء: 77]، وتوعَّد الله الذين يكنزون بالعذابِ الشَّديدِ، فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34، 35].
والنُّصوص في ذلك كثيرة متتابعة، وقد أورد المؤلِّف عددًا من الأحاديث المتعلِّقة بأحكام الزَّكاة.
{(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم». مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ)}.
قوله: (بابُ فَرْضِ الزَّكَاةِ)، أي: وجوب الزَّكاة.
قوله (وَمَقَادِيرُهَ)، أي: مقدار الزَّكاة الواجب إخراجه.
وأوردَ المؤلِّف فيه حديث ابن عباس (أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ)، وفيه مشروعيَّةُ بعثِ الدُّعاةِ والقضاةِ والولاة إلى الأقاليمِ ليقوموا بأعمالهم.
فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، في هذا فضيلة معاذ -رضي الله عنه.
وفيه: أنَّ الدَّعوة لها أولويات، وأنَّ مِن أولى أولويات الدَّعوة أن يُدعى النَّاس إلى التَّوحيد بإفراد الله بالعبادة، وبالرِّسالة وإثباتها للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث: أنَّ مِن الرُّتبة الثانية رتبة الصَّلاة، بحيث إذا استجابَ الإنسانُ إلى الإيمان بالتَّوحيدِ دعوتَه إلى الصَّلوات.
وفي الحديث: دلالة على أنَّه لا يجب مِن الصَّلوات على جهة التَّردادِ إلا الخمس صلوات في كلِّ يومٍ وليلة.
وفي الحديث: التَّثليث بالزَّكاة، بعد التَّوحيد والصلاة، وفيه بيان أنَّها أمر مهمٌّ في الشَّريعة.
قوله: «فَإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذَلِكَ»، يعني بإقامة الصَّلوات الخمس.
قال: «فَأَعْلِمْهُمْ»، أي: أخبرهم.
قال: «أَنَّ اللهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِم»، هذه الصَّدقة جزء مِن المالِ يُخرَج للفقراء ومَن ماثلهم.
قال: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِمْ»:
استُدلَّ به على أنَّ الزَّكاة لا تجب إلا الغني.
واستُدلَّ به على أنَّه قد يكون هناك مَن لا تجب عليه الزَّكاة، وفي نفس الوقت لا يأخذ من الزَّكاة شيئًا.
وفي هذا الحديث أيضًا: أنَّ الزَّكاة إنَّما تجب على الأغنياء، وليس المراد مَن مَلَكَ المالَ الكثير، إنَّما المرا: مَن كان له كفاية تغنيه عن سؤال غيره.
قال: «وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم»، في هذا دلالة على أنَّ الفقراء مِن مصارف الزَّكاة.
وأخذَ بعضُهم مِن هذا أنَّ زكاةَ كلِّ بلدٍ تُوزَّع فيه، ولا تُنقَل إلى بلدٍ آخر لقوله «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم».
لكن هذا الحديث في دلالته على ذلك ضعفٌ، وقد جاء في نصوص أخرى أنَّه تُنقَل الزَّكاة من بلدٍ إلى بلدٍ آخر.
{(وَعَنِ أَنسِ بنِ مَالكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لـمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ هَذَا الكِتَابَ، وخَتَمَهُ بِخَاتَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: (مُحَمَّدٌ) سَطْرٌ، و(رَسُولٌ) سَطْرٌ، و(اللهُ) سَطْرٌ:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هَذِه فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الـمُسْلِمِيْنَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الـمُسْلِمينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ: فِي أَرْبَعٍ وَعشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذكر, فَإِذا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا ابْنةُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الـجَمَلِ، فَإِذا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِيْنَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعينَ إِلَى عِشْرينَ وَمِئَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ، فَإِذا زَادَتْ عَلَى عِشْرِيْنَ وَمِئَةٍ, فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِيْنَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الْإِبِل فَفِيهَا شَاةٌ.
وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِيْنَ وَمِئَةٍ شَاةٍ شَاةٌ، فَإِذا زَادَتْ عَلَى عِشْرِيْنَ وَمِئَةٍ إِلَى مِئَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ, فَإِذا زَادَتْ عَلَى مِئَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِ مِـئَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِ مِـئَةٍ فَفِي كُلِّ مِـئَةٍ شَاةٌ، فَإِذا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَلَا يُجْمَعُ بَينَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَين مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَينِ فَإِنَّهُمَا يَتَراجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَة هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الـمُصَّدِّقُ، وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ العُشْرِ، فَإِنْ لمْ تَكنْ إِلَّا تِسْعِيْنَ وَمِئَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَينِ إِنِ اسْتَيْسَرَتا لَهُ، أَو عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَينِ, وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي مَعهَا شَاتَينِ أَو عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَت عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتَ لَبونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَينِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرينَ دِرهَمًا أَو شَاتَينِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِيهِ الـمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَو شَاتَينِ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ)
}.
ذكرَ المؤلِّفُ هنا حديثَ أنس بن مالك -رضي الله عنه- وهو حديث عظيم يجمعُ أبوابَ الزَّكاة، منها:
- أنَّه يُشرَعُ بعث الولاة للأقاليم، وأنَّ الذي يبعثهم هو الإمامُ الأعظم، كما فعلَ أبو بكر الصِّديق حينما بعثَ أنس بن مالك إلى البحرين.
- وفيه كتابةُ العلمِ والأحكامِ الشَّرعيَّة، وقد كان هذا الحديث كتابًا كتبه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه.
- وفي هذا الحديث اتِّخاذ الخاتَم.
* قال بعضهم: إنَّه مِن المستحبَّات، لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فعله.
* وقال آخرون: إنَّه من المباحات، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك لا لذات الفعل، وإنَّما ليُكاتب ملوك زمانه كما وردَ في الأخبار.
- وفي الحديث: بيان كيفيَّة النَّقشِ في خاتَم النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
ثم بدأ يقرأ الكتاب: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، في هذا: مشروعيَّة بداءة الكتبِ والمؤلَّفات بالبسملة، كما فعلَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هنا، ومثله الرَّسائل.
قوله: (هَذِه فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ)، أي: الواجب في الصَّدقات.
قوله: (الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، لأنَّ الزَّكاة من الفروض.
قوله: (عَلَى الـمُسْلِمِيْنَ)، فيه دلالة على أنَّ غيرَ المسلمين لا تجبُ عليهم الزَّكاة، وظاهر هذا أنَّ الزَّكاة تجبُ على الصَّغيرِ والكبيرِ، والذَّكر والأنثى، كما قال بذلك الجماهير خلافًا لأبي حنيفة، حيث قال: إنَّ الصَّغير لا زكاةَ عليه.
قوله: (وَالَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فيه بيان أنَّ هذا الحديث مرفوع إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
قال: (فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الـمُسْلِمينَ)، أي: مَن طُلِبَ منه دفع الزَّكاة.
قوله: (عَلَى وَجْهِهَ)، يعني على المقدارِ الشَّرعي.
قال: (فَلْيُعْطِهَ)، أي: لا يتردَّد، وفيه إعطاء الزَّكاة الواجبة لمندوب بيت المال.
قال: (وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ)، أي: مَن سُئلَ فوق ما وصل إليه فإنَّه لا يُعطَ، لأنَّه قد أوجبَ عليه شيء لم يوجبه الله -عزَّ وجلَّ.
ثم بدأ بتعدادِ الواجب في صدقة الإبل:
- فما كان أقل من خمس من الإبل: فليس فيه شيء.
- ومِن الخمسِ إلى التِّسعِ: فيها شاةٌ واحدةٌ.
- ومِن عشرٍ إلى أربعِ عشرة: فيها شاتان.
- ومِن خمسةِ عشرة إلى عشرين: فيها ثلاث شياة.
- ومِن عشرين إلى أربع وعشرين: فيها أربع شياة.
- وإذا وصلت خمس وعشرين: يجب فيها بنت مخاض.
وبنت المخاض: النَّاقة الصَّغيرة التي لها سنة واحدة، سُمِّيَت بهذا الاسم لأنَّ أمَّها قد مخضتها، الواجب فيها أنثى، لا يكفي الزَّكاة إخراج الذَّكر.
فلو قُدِّرَ أنَّه لم يجد ابنة مخاض، فحينئذٍ يُخرج السِّنَّ الذي أعلى منه من الذُّكور وهو ابن اللبون، وهو من له سنتان.
- فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين: ففيها ابنة لبون أنثى لها سنتان.
- فإذا بلغت ستًّا وأربعين إلى ستِّين: ففيها حقَّة لها ثلاث سنوات. سُمِّيَت بهذا الاسم لأنَّها تستَحق طَرُوق الفَحلِ.
- فإذا بلغت إحدى وستِّين إلى خمسٍ وسبعين: ففيها جذعة.
ثمَّ بعد ذلك تعود إلى السِّنِّ الذي هو أقل، فالجذعة لها أربع سنوات.
- فمن ستٍّ وسبعين إلى تسعين: فيها بنتا لبونٍ -اثنان- لهما سنتان.
- فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة: ففيهما حقَّتان، لها ثلاث سنوات، طَرُوقَةَ الجَمَلِ.
ثم تستقرُّ الفريضة بعد ذلك، فإذا زادت على عشرين ومائة، فيكون في كلِّ أربعين بنتُ لبون، مثال ذلك:
* إذا كانت مائة وخمسين: ففيها ثلاث حقاق.
* إذا كانت مائة وستين: ففيها أربع بنات لبون، وهكذا.
وحينئذٍ لا يُقال إنَّ الفريضة تعودُ بعدَ المائة وعشرين إلى ما كانت عليه قبلَ ذلك، لأنَّه يُخالف ظاهرَ هذا الخبر.
وبيَّن نصابَ الزَّكاةِ في الإبلِ، بحيث مَن لم يملك هذا النِّصاب فلا زكاةَ عليه، فقال: (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَ).
وبعد ذلك ذكر النَّوع الثَّاني مِن أنواعِ الأموالِ مِن بهيمةِ الأنعامِ وهو بهيمة الأغنام، واشترط في وجوبِ الزَّكاة في الغنمِ أن تكون سَائمة، ولذلك قال الجمهور: لا زكاةَ في المعلوفة لا من الإبل، ولا من البقر، ولا من الغنم، لأنَّ قوله (فِي سَائِمَتِهَ) يُشعِر أنَّه لا زكاة في غير السَّائمة، ويُقال له: مفهوم الصِّفة.
قال: (وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذا كَانَتْ أَرْبَعِينَ)، يعني إذا لم تبلغ الأربعين فلا زكاة فيها لعدم وجود النِّصاب.
- فإذا بلغت الأربعين: فيجبُ فيها شاةً واحدةً إلى مائةِ وعشرين.
- فإذا مَلَكَ مائةً وواحدةً وعشرين: فيجب فيها شاتان إلى مائتين.
فإذا كانت مائتين وواحد: وجب فيها ثلاث شياة إلى ثلاث مائة.
ثم تستقرُّ الفريضة، بحيث يجب في كلِّ مائةٍ مِن الأغنامِ شاة واحدة.
وبعد ذلك ذكرَ مسألةَ الخِلطَة، لأنَّ الخِلطَة في الأموالِ مُؤثِّرة بحيث تجعل المالين بمثابة المال الواحد، ولابدَّ أن يكون بينها اشتراك في الرَّاعي والمَرعَى والماءِ، وجميعِ ما له به صلة، مثل الفحل ونحوه؛ فإذا اجتمعت في هذه الخمس صفات أو السِّت؛ فإنَّها تكون خِلطَة لها حكم المال الواحد. فإذا لم تكن بهذه المثابة فحينئذٍ لا يُعدُّ خِلطَة، ولكلِّ مالٍ حكمٌ مستقلٌّ.
{أحسن الله فضيلة الشيخ.
بالنَّسبة لهذه الأغنام التي لم تبلغ الأربعين، ولكن لو بيعت تصل إلى النِّصاب المالي. فما الحكم في هذا؟}.
الأغنامُ يجبُ فيها نوعانِ مِن أنواعِ الزَّكاة:
النَّوع الأوَّل: زكاة التِّجارة متى كانت مُعدَّة للبيع، فهذه تجب في القليل والكثير.
النَّوع الثَّاني: زكاة بهيمة الأنعام، وهذه لا تجب الزَّكاة فيها إلا إذا بلغت هذا النِّصاب، وهو أربعون شاة.
إذن إذا خلطنا مَالَيْنِ أصبح بمثابة المالِ الواحدِ، وبالتَّالي مَرة قد يقل الواجب عليه بسبب الخِلطَة، ومرةً يكثر، فلو قُدِّرَ أنَّ اثنين لكلِّ واحدٍ منهما ثلاثون شاة، فإنَّه لا زكاة على كلِّ واحد منهما لعدم بلوغ النِّصاب، ولكن إذا جُمعا أصبحا ستِّين فوجب حينئذٍ شاة، لأنَّ السِّتين أكثر من الأربعين.
كيف يفعلان؟
على كل واحدٍ منهما نصف شاة بمقدار ما يملكه من المال.
ولذا قال: (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَينِ فَإِنَّهُمَا يَتَراجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ).
ولابدَّ في الخِلطَة ألا يكون المقصود بها الفرار من الزَّكاة.
قال: (وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَة هَرِمَةٌ)، يعني كبيرة السِّنِّ، لأنَّ هذه الصَّدقة لله، وبالتَّالي لابدَّ أن تكون منافية للعيوب.
قال: (وَلَا ذَاتُ عَوارٍ)، وهو نوعٌ مِن الأمراضِ.
قال: (وَلَا تَيْسٌ)، وهو الذَّكر منها، أو الذَّكر الصَّغير.
قال: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الـمُصَّدِّقُ)، المُصَّدِّق: هو القائم والمبعوث مِن بيتِ المالِ لجمعِ الزَّكاة.
ثم ذكرَ زكاة الفضَّة، فقال: (وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ العُشْرِ)، يعني الفضَّة.
- فإذا ملكتَ مائة؛ فحينئذٍ ربع العشر هو: اثنين ونصف.
- وإذا ملكتَ أربعمائة، فحينئذٍ ربع العشر هو: عشر.
فهذا هو مقدار الزَّكاة الواجبة، فالزَّكاة واجبة في الفضَّة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34].
قال: (فَإِنْ لمْ تَكنْ)، يعني الفضَّة.
قال: (إِلَّا تِسْعِيْنَ وَمِئَةً)، فإنَّ مقدار النِّصاب في الفضة هو مئتا درهم، فمن ملكَ مئتي درهمٍ وجبَ عليه زكاة النُّقود، ومَن كان يملك أقل من ذلك فإنَّه لا يجب عليه زكاة النُّقود، فمائة وتسعين ليس فيها زكاة.
ويُقرَّر هنا أنَّ الدِّرهم يساوي تقريبًا ثلاث جرامات من الفضَّة، وبالتَّالي يكون نصاب الفضَّة أقل مِن الستمائة جرام قليلًا.
قال: (فَإِنْ لمْ تَكنْ إِلَّا تِسْعِيْنَ وَمِئَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَ)، لعدم بلوغ النِّصاب.
قال: (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ)، فحينئذٍ مَن يُعطي أقل من السِّنِّ المطلوب ويدفع شاتين أو عشرين درهمًا، وإمَّا أن يدفع ما هو أكثر من ذلك، وبالتَّالي شاتين، أو يُعطى عشرين درهمًا.
فهذا هو ما يتعلَّق بأواخر هذا الخبر.
أسألُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن يوفِّقنَا وإيَّاكم لكلِّ خيرٍ، وأن يجعلَنا وإيَّاكم مِن الهداةِ المهتدين، كما أسألُه -عزَّ وجلَّ- أن يصلِحَ أحوالَ الأمَّةِ، وأن يردَّهم إلى دينِه ردًّا حميدًا.
هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعينَ.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك