الدرس السابع

فضيلة الشيخ د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

2580 22
الدرس السابع

قطر الندى

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".

في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح كتاب "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ-، وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.

أهلًا وسهلًا، وحيَّاكم الله وبيَّاكم.

{توقفنا في الدرس الماضي عند جزم الفعل المضارع، عند قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (فإن سَقَطَتِ الفاءُ بعد الطلب وقُصِدَ الجزاءُ جُزِمَ نحوُ قولِه تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ﴾)}.

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد؛ فحيَّاكم الله وبيَّاكم في الدرس السابع من دروس شرح "قطر النَّدى وبل الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ-، ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف، وهذا الدرس يُبثُّ من الأكاديمية الإسلاميَّة المفتوحة في مدينة الرياض.

توقفنا في الدرس الماضي في الكلام على جزم الفعل المضارع بعدَ أن انتهينا من الكلام على نصب الفعل المضارع، فانتقل ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- من النَّصب إلى جزم الفعل المضارع.

وقبل ذلك رتَّبنا الجوازم التي ذكرها ابن هشام على ستَّة جوازم، فذكر أن الفعل المضارع ينجزم في ستة مواضع:

الأول: في جواب الطلب.

الثاني: بعد "لــمْ".

الثالث" بعد "لــمَّـا".

الرابع: بعد لام الأمر.

الخامس: بعد "لا" الناهية.

السادس: بعد أدوات الشرط الجازمة.

وسيسير -رَحِمَهُ اللهُ- على هذا الترتيب.

فبدأ بالكلام على جزم الفعل المضارع في جواب الطلب فقال ما سمعناه، وهذا قد شرحناه في الدرس الماضي؛ لأنَّ له ارتباطًا بنصب الفعل المضارع، فلا نعيد الكلام عليه.

إذ انتقل بعدَ ذلك إلى الكلام على شرط الجزم بجواب الطلب إذا كان الطلب نهيًا.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وشرطُ الجزم بعد النهيِ صحةُ حلولِ "إِنْ لا" محلَّه نحوُ "لا تدنُ من الأسد تسلمْ"، بخلاف "يأكلُك")}.

هذا الشرط يعود بنا إلى ما ذكرناه في الدرس الماضي من الجزم بجواب الطلب، فإذا قلتَ: "اجتهد تنجحْ" الجازم لهذا الفعل المضارع فيه قولان للعلماء:

القول الأول هو قول الجمهور: أنَّ الفعل المضارع مجزوم بأداة شرط محذوفة، والتقدير "اجتهدْ، إنْ تجتهدْ تنجحْ".

القول الثاني: أنَّه مجزوم بالطَّلب نفسه، وهذا قولٌ ضعيف.

بناء على قول الجمهور اشترطوا هذا الشرط في جواب النَّهي، فقالوا: إنَّ جواب النهي كــ "تسلم" لا يُجزَم إلا إذا كان جوابًا للنهي نفسه لا للفعل، والذي يضبط ذلك ويُبيِّنه أن يصح أن تضع "إنْ لا" قبله.

فقولهم "لا تدنُ من الأسد تسلمْ"؛ السلامة هل هي نتيجة وجزاء للدنو -وهو الفعل- أم لعدم الدنو -وهو النهي؟

الجواب: هو نتيجة لعدم الدنو؛ فالعل هنا ينجزم لأنه جوابٌ للنهي.

أما لو قال قائل: "لا تدنو من الأسد يأكلك"؛ فأكل الأسد نتيجة وجواب للدنو -للفعل لا للنهي- فلو أردنا أن نقدر هنا "إنْ لا" كأداة شرطٍ محذوفة؛ فإنَّما يصح ذلك إذا كان جواب النهي "تسلم"، فيكون التقدير "لا تدنُ من الأسد إنْ لا تدنو من الأسد تسلم"، يعني: إذا ما دنوتَ تسلم.

أما لو كان جواب الشرط "يأكلك" فلا يصح أن يكون التقدير "لا تدنُ من الأسد إنْ لا تدنو يأكلك"؛ فلهذا اشترطوا هذا الشرط، وفي هذا الشرط خلاف، فالجمهور اشترطوا هذا الشرط بناء على أنَّ الجازم هو أداة الشرط محذوفة.

وبعضهم كالكسائي لا يشترط هذا الشرط، وجاء في بعض ظواهر اللغة ما يدل على ذلك، كقول أبي طلحة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُشرِفْ يُصبْكَ سهمٌ"، فالنهي هو قوله: "لا تُشرِفْ"، ثم قال: "يُصبْكَ"، والإصابة بالسهم نتيجة للإشراف -أي للفعل-، ومع ذلك جاء هذا الأثر بالجزم؛ فاستدلوا بذلك على أن الفعل ينجزم في النهي سواءً كان جوابًا للنهي، أم كان جوابًا للفعل.

ثم انتقل ابن هشام بعد ذلك إلى ذكر بقيَّة جوازم الفعل المضارع، وسيذكر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنَّ جوازم الفعل المضارع الباقية على قسمين:

- منها ما يجزم فعلًا مضارعًا واحدًا، وهي أربعةُ جوازم: "لــمْ، لــمَّـا، لام الأمر، (لا) النهاية".

- ومنها ما يجزم فعلين اثنين، وهي: أدواتُ الشَّرط الجازمة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويجزم أيضاً بـ "لَمْ" نحو ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾، و "لَمَّا" نحو ﴿لَمَّا يَقْضِ﴾، وباللام و(لا) الطلبِيَّتَيْنِ، نحو "لِينفقْ، لِيقضِ، لا تشركْ، لا تؤاخذْنا")}.

هذا شرحنا من قبل في شرح المبتدئين، لكن نشرحُ ما جدَّ وما يُناسب الطلاب المتوسطين.

الجازم الأول: "لــمْ".

الجازم الثاني: "لــمَّــا".

وهما متقاربان في المعنى، تقول: "محمدٌ لمْ يذهب، ولَمَّـا يذهب"، "محمدٌ لـمْ يُسافر، ولَمَّا يُسافر"؛ فكلاهما يدل على النفي.

ما الفرق بينهما وما التَّشابه بينهما؟

نبدأ بما يتَّفقانِ فيه، فيجتمعان في:

الحرفيَّة: فكلاهما حرف.

النفي: كلاهما يدل على النفي، أنَّ الفعل لم يقع.

الاختصاص بالمضارع: فكلاهما لا يدخل إلا على الفعل المضارع.

جزم المضارع: كلاهما جازمٌ للمضارع.

قلب زمان المضارع إلى الماضي: تقول: "محمدٌ لـمْ يذهب" يعني: بالأمس، وتقول: "محمدٌ لَمَّا يذهب" يعني: بالأمس.

دخول همزة الاستفهام عليهما، تقول: "ألــمْ تذهبْ، ألَمَّا تذهبْ".

ويختلفان في أشياء:

الأمر الأول: أنَّ "لَـمْ" للنفي المطلق، وأمَّا "لَمَّا" فللنفي المتَّصل إلى زمان التَّكلُّم.

فإذا قلتَ: "محمدٌ لَـمْ يذهبْ" فهذا نفي مُطلقٌ لذهابه فقط، وأمَّا إذا قلتَ "محمدٌ لَمَّا يذهب"، يعني: أنه لم يذهب لا في الماضي ولـمْ يذهب إلى زمن التَّكلُّم.

فيجوز أن تقول في: "لَـمْ": "محمدٌ لَـمْ يُسافر، لكنه تسهَّلت أموره فسافر بالأمس"، فقطعَ النفي؛ لأن السفر المنفي وقع بالأمس، وهذا يصح لأن نفي "لــمْ" مطلق.

ولا يصح ذلك في "لــمَّـا"، لا تقول: "محمدٌ لـمَّا يُسافر لكنه سافر بالأمس"؛ لأنَّ النفي متصل.

الأمر الثاني: أنَّ "لـمْ" للنفي المطلق، و "لَمَّا لنفي القريب المتوقَّع.

ومعنى ذلك: أن "لـمْ" تدل على شيءٍ واحد في النفي، وهو أن الفعل لم يقع، فإذا قلت: "محمد لم يسافر" لا تفهم منه إلا عدم السفر فقط، أم "لـمَّـا" فتدل على شيئين في النفي:

- تدل على نفي الفعل أنه لم يقع.

- وتدل على أن فعله للسفر قريب.

فتقول: "محمد لـمَّـا يُسافر"، أفهمُ أنَّه ما سافر، وأفهمُ أن سفره قريب.

ولو قلت لمسافر: هل وصلتَ؟ فقال "لمْ أصلْ" لا تفهم إلَّا أنه لم يصل، ولا تفهم هل هو قريب أو بعيد، ولكن لو قال لك: "لـمَّـا أصل" تفهم أنَّه لم يصل، وتفهم أن وصوله قريب.

ولهذا لو تأمَّلنا في استعمالات الفصحاء لـ "لـمَّـا" لوجدنا فيها مثل هذه المعاني، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14]، فما بالك بأناس يقول لهم الرب -سبحانه وتعالى: الإيمان لَمَّا يدخل في قلوبكم؟! فهذا مُحزن لهم! وهذا للذي لا يفهم العربيَّة، أمَّا الذي يفهم العربيَّة يفهم أن هذه بشارة لهم، فكأنه يقول: الإيمان الحقيقي لم يدخل إلى الآن، ولكن دخوله قريب، فإذا بقيتم متمسكين به ومتبعين لنبيه -عليه الصلاة والسلام.

وكذلك في قوله تعالى: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص: 8]، فلما نزلت خاف الكفار وقالوا: توعدنا محمد، فكأنه يقول لهم: أنتم لم تذوقوا العذاب، لكن ذوقكم للعذاب قريب، ففيه تهديدٌ شديد.

الأمر الثالث: يجوز حذف المضارع بعد "لـمَّـا" كثيرًا، بخلاف "لـمْ".

فالفعل المضارع لابد أن يُذكر بعد "لَـمْ" تقول: "محمد لم يذهب، لم يجلس، لم ينتبه"، لكن المضارع بعد "لَمَّا" يجوز أن يُذكر ويجوز أن يُحذف متى ما دل عليه دليل، فإذا قلتُ لكَ: هل وصلتَ؟ يجوز أن تقول: "لـمَّـا أصلْ"، أو "لـمَّـا" فقط، للدليل المذكور في كلامك. وتقول: "ذهبتُ إلى الكليَّة ووصلت إلى القاعة ولـمَّا" أي: ولـمَّا أدخل.

الأمر الرابع: أنَّ "لَـمْ" أوسع تصرفًا في الكلام، فلهذا يُمكن أن تُجامع أداة الشرط، تقول: "إنْ تذهبْ أكرمْك" أو "إنْ لـمْ تذهبْ أكرمْك" فتجتمع "لـمْ" مع أداة الشرط "إنْ"؛ أمَّا "لـمَّـا" ما تُجامع أداة الشرط، فلا تقول: "إنْ لـمَّـا تذهب"!

ننتقل إلى الجازم الثالث، وهو الذي سمَّاه ابن هشام بــ "اللام الطلبيَّة". أي: لام الأمر، كما في قولنا: لِتذهب، لِتجلسْ، وكما في قوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: 7]، وقوله: ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: 77].

لماذا عدل ابن هشام عن المصطلح المشهور "لام الأمر" إلى قوله: "اللام الطلبية"؟

هذا من التحقيقات التي يحرص عليها مثل ابن هشام، والنحويون لا يحرصون عليها، ويقولون في باب الأدب: إن الطلب إذا كان:

- من الأعلى إلى الأسفل: فهو أمرٌ. فالأمر إذا جاء من الخالق إلى المخلوق أو من الرئيس إلى المرؤوس أو من الوالد للولد فيُسمَّى أمرًا، مثل: "لِتذهب"، ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾.

- وإذا كان من الأسفل إلى الأعلى: فهو دعاءٌ. فإذا كان من المخلوق إلى الخالق كأن تقول: "يا رب لتغفر لي"، أو من الولد لأبيه "لِتعطني"؛ فهو دعاء.

- وإذا كان من المساوي إلى المساوي: فهو التماسٌ. كأن أقول لك مثلًا: "لِتعطني قلمًا".

والنحويون يسمون كل ذلك أمرًا، ولا مشاحة في الاصطلاح.

ما حركة لام الأمر في مثل: "لتذهب، لينفق"؟

هي في الأصل مكسورة كما في الآية ﴿لِيُنْفِقْ﴾ ﴿لِيَقْض﴾، ويجوز أن تُسكَّن إذا سُبقت بحرف العطف الواو أو الفاء أو "ثم"، كما في قوله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ [البقرة: 186]، فيجوز أن تقول: "فلْيستجيبوا" و "فلِيستجيبوا"؛ والتسكين هنا للتخفيف، ومن ذلك قوله تعالى ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: 82]، وقوله تعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ [الحج: 15]، وقال: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ﴾ [الحج: 15]، فلام الأمر وقعت بعد "ثم" أو الفاء أو الواو؛ فيجوز فيها الكسر على الأصل، والسكون تخفيفًا.

لننتقل إلى الجازم الرابع وهي التي سماها ابن هشام: "لا" الطلبية".

وهي "لا" الناهية، كقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29]، ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: 43]، ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ [البقرة: 286].

لماذا عدلَ ابن هشام عن المصلح المعروف "(لا) الناهية" إلى "(لا) الطلبية"؟

لِمَا قلناه قبل قليل، فالنهي كالأمر:

- إن كان من الأعلى إلى الأسفل: فهو نهي.

- وإن كان من الأسفل إلى الأعلى فهو دعاء.

- وإن كان من مساوٍ إلى مساوٍ: فهو التماس.

والنحويون يسمون كل ذلك "(لا) الناهية" ولا مشاحة في الاصطلاح.

لننتقل بعد ذلك مع شيخنا ابن هشام إلى الكلام على جوازم المضارع التي تجزم مضارعين، وهي أدوات الشرط الجازمة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويَجْزِمُ فعليِن "إنْ، وإذْما، وأَيٌّ، وأينَ، وأنَّى، وأيانَ، ومتى، ومهما، ومَنْ، وما، وحَيْثُمَا"، نحو: ﴿إِنْ يشأْ يُذهبْكم﴾، ﴿من يعملْ سوءاً يُجزَ به﴾، ﴿ما ننسخْ من آية أو ننسِها نأتِ بخير منها﴾. ويسمى الأول شرطاً، والثاني جواباً وجزاءً)}.

هذه الأدوات التي ذكرها ابن هشام تُسمَّى في النحو: أداوت الشرط الجازمة، وهي تجزم فعلين.

عددها: عشر أدوات، ونضيف إليها أداتين "أيُّن" و"كيفما"؛ فتكون أدوات الشرط الجازمة ثنتا عشرة أداةً، وفي بعض النُّسخ إحدى عشرة أداة.

نبدأ بهذه الأدوات أداةً أداةً:

أداة الشرط الأولى والثانية: "إنْ" و "إذْما" معناهما واحد، فــ "إذْما" بمعنى: "إنْ" تقول: "إن تجتهد تنجحْ، أو: إذْما تجتهد تنجح"، للشرط المطلق في المستقبل.

نوعهما:

"إنْ" هي حرف باتفاق. و "إذْما" ذكر ابن هشام الخلاف فيها، وذكرناه من قبل، فلا نعيد ما قاله ابن هشام في ذلك.

من الأمثلة: قوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [الأنعام: 133]، وقوله: ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ﴾ [محمد: 36].

أداة الشرط الثالثة: "مَنْ" بالفتح لأنها اسم شرط، أما لو كُسِرَت "مِنْ" فهذا حرف جر وخرجت عن الأسماء أصلًا.

معناها: هي أداة شرط خاصَّة بالعاقل، كأن تقول مثلًا: "مَنْ أبوك؟" أو تقول: "مَن تُكرم أُكرم"؛ فالكلام هنا عن عاقل. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: 123].

الأداة الرابعة: "مَــا".

معناها: هي أداة شرط لغير العاقل.

تقول مثلًا: "ما اسمك؟ ما الكتاب الذي تقرأه؟" أو تقول: "ما تعملْ أعملْ"؛ وهكذا في الأشياء غير العاقلة.

والمراد بالعاقل في النحو ثلاثة أشياء: الملائكة والإنس والجن.

أداة الشرط الخامسة: "مهمــا".

معناها: للشرط لغير العاقل، فــ "ما" كــ "مهما" في كونها لغير العاقل، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]، وقول الشاعر امرؤ القيس:

أغرك مني أن حبك قاتلي ** وأنك مهما تأمري القلب يفعل

الشاهد من البيت: "مهما" أداة شرط، و"تأمري" فعل الشرط. و"يفعل" جواب الشرط.

أداة الشرط السادسة والسابعة: "متى" و "أيَّان".

معناهما واحد: وهما أداة شرط للزمان. تقول: "متى تسافرْ أسافرْ معك".

وهذه الأدوات لا تلتبس بالاستفهام؛ لأن المعنى هو الذي يفرق بينهما:

- فأنت إذا قلت: "متى تسافرُ؟" فهذا استفهام والفعل بعدها مرفوع.

- وإذا قلت: "متى تسافرْ أسافرْ معك"، فهذه أداة شرط وتجزم الفعلين حينئذٍ.

ومن ذلك قول الشاعر:

أَنَا ابنُ جَلَا وطَلَّاعِ الثَّنَايَا ** متَى أضَعِ العِمامَةَ تَعرِفُوني

الشاهد: "متى" أداة الشرط.

أداة الشرط الثامنة والتاسعة والعاشرة: "أنَّى"، و"أين"، و"حيثما".

معناها واحد، وهو: أداة شرط للمكان.

تقول: "أين تسكنْ أسكنْ بجوارك، أين تذهبْ تُكرمْ".

أما لو كانت استفهامًا لقيل: "أينَ تسكنوا؟"، فيُرفع المضارع بعدها وتكون استفهامًا، أما في الشرط فتحتاج غلى فعل وإلى جواب.

وكذلك "أنَّى" بمعنى "أينَ"؛ تقول "أنَّى تسكن أسكن بجوارك"، أو "حيثما تسكن أسكن بجوارك"؛ فهذه الثلاثة معناها واحد، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ﴾ [النساء: 78].

الأداة الحادية عشرة: "كيفما".

معناها: أداة شرط لبيان الحال.

تقول: "كيفما تجلسْ ترتحْ، كيفما تركبْ أركبْ مثلك"، ومن ذلك قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كيفما تكونوا يولى عليكم».

الأداة الثانية عشرة: "أيُّن"، وسبق لنا في الكلام على المعربات والبنيات أنَّ كل أسماء الشرط مبنيَّة على حركة آخرها إلا "أي" فهي معربة لأنها تقبل الإضافة.

وهي أوسع أدوات الشرط معنًى، لأنها تضاف، فيكون معناها بحسب المضاف إليه:

- فإن أضيفت إلى عاقل كانت لعاقل، كقولك: "أيُّ طلبٍ يجتهدْ ينجحْ".

- وإن أضيفت إلى غير عاقل تكون لغير عاقل، كقولك: "أيَّ كتابٍ تقرأ أقرأ".

- وقد تضاف للزمان، وقد تضاف للمكان.

ثم ذكر لنا شيخنا اين هشام مقتضى أدوات الشرط، أي ماذا تستلزم وماذا تطلب، فذكر أنها تقضي فعل شرط وجواب شرط، ويُسمَّى الأول شرطًا، ويسمَّى الثاني جوابًا وجزاءً؛ فهذا معنى اقتضائها، أي أنها تطلبها، فمعنى أدوات الشرط لا يتم إلَّا بأداة الشرط وبفعل الشرط وبجواب الشر، وإلا فإنَّ المعنى يبقى ناقصًا.

أحوال فعل الشرط وجواب الشرط أربعة من حيث كونهما فعلين مضارعين أو ماضيين، فكل الأحوال تأتي:

- فيكونان مضارعين: كــ "إن تجتهدْ تنجحْ"، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ [الأنفال: 19]

- ماضيين: كــ "إن اجتهدتَّ نجحْتَّ"، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ [الإسراء: 8]

- فعل الشرط ماضيًا وجوابه مضارعًا: كــ "إن اجتهدْتَّ تنجحْ"، ويمثلون لذلك بقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: 20]، فـ "كان" ماضي، و"نزد" مضارع".

- فعل الشرط مضارعًا وجواب الشرط ماضيًا: كــ "منْ يجتهدْ نجحَ"، وهذه أقل الأحوال، وكثير من النحويين يجعلها من ضرورة الشعر، ويستشهدون لذلك بالحديث الذي رُوي على هذا اللفظ «مَن يقم ليلة القدر إيمان واحتسابًا غفر له»، فــ "يقم" مضارع، و "غُفر" ماضي.

ومن ذلك قول الشاعر:

إن يسمعوا سُبَّةً طاروا بها فرحًا عني ** وما يسمعوا من صالح دفنوا

أداة الشرط: "إنْ".

فعل الشرط: "يسمعُ" فعل مضارع.

جواب الشرط: "طاروا" فعل ماضي من "طَارَ".

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وإذا لم يَصْلُح لمباشرة الأداة قُرِنَ بالفاء نحوُ ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، أو بـ "إذا" الفُجَائِيةِ نحوُ ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾)}.

هنا تكلم ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- على اقتران جواب الشرط بالفاء، فجواب الشرط هو الجزء الثالث من جملة الشرط؛ لأن جملة الشرط مكونة من:

- أداة شرط.

- فعل شرط.

- جواب شرط.

عرفنا أدوات الشرط وهي ثنتا عشرة أداة.

وجواب الشرط إمَّا أن يقترن بالفاء، وإما أن لا يقترن بالفاء، فيقول ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (وإذا لم يَصْلُح)، أي جواب الشرط. قال: (لمباشرة الأداة قُرِنَ بالفاء)، أي أن جواب الشرط إذا لم يصح أن تجعله بعدَ الأداة مباشرة -أي لم يصح أن يقع فعل شرط- فلابد من اقترانه بالفاء.

فإذا قلت: "إن تجتهدْ تنجحْ" فكلمة "تنجحْ" يُمكن أن تكون فعل شرط فتقول: "إنْ تنجحْ" فتباشر الأداة، فهنا لا تحتاج إلى فاء.

وقولك: "إن اجتهدت نجحْت"، فــ "نجحت" لا تحتاج إلى فاء؛ لأنَّ "نجحت" يُمكن أن تباشر "إن" فتقول: "إن نجحت أفرح".

لكن إذا قلت: "إنْ تجتهدْ فهو خيرٌ لك"، الجواب جملة "هو خير لك" جملة اسمية، وهذه الجملة لا يُمكن أن تباشر الأداة، فلا تقول: "إنْ هو خير لك"؛ إذًا لابد من الفاء. وهذا معنى قوله (وإذا لم يَصْلُح لمباشرة الأداة قُرِنَ بالفاء).

ومثل ذلك أن تقول: "إنْ تجتهدْ فلنْ أضربَك"، فالجواب جملة "لنْ أضربك"، وهذه الجملة لا يُمكن أن تباشر الأداة، فلا تقول: "إنْ لنْ أضربْ"؛ فلهذا لابد فيها من الفاء، فتقول: "إنْ تجتهد فلنْ أضربك".

وعند تطبيق هذه القاعدة يخرج لنا سبعة مواضع لاقتران جواب الشرط بالفاء، وقد جمعها الناظم في بيت ليسهل حفظها في قوله:

اِسميّةٌ طلبيَّةٌ وبجامِدٍ وبـ (ما) ** و (لن) وبـ (قد) وبـ (التنفيسِ)

الموضح الأول: الجملة الاسميَّة المكوَّنة من مبتدأ وخبر إذا وقعت جوابَ شرطٍ، كقولك: "إنْ تجتهد فأنتَ ناجحٌ"، أو "إن تجتهدْ فأنا أحبُّكَ"، و "إنْ تجتهد فهوَ خيرٌ لك"، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: 17]، الجواب جملة "هو على كل شيء قديرٌ"، فاقترنت بالفاء؛ لأنها جملة اسميَّة.

الموضع الثاني: الجملة الطلبيَّة: وشرحنا من قبل المراد بالطلب، وهو كل ما دل على طلب، كالأمر، والنهي، والدعاء، والتمني، والترجي، والعرض، والتحضيض؛ فإذا كانت الجملة طلبيَّة فإنها تقترنُ بالفاء، مثل "إنْ أردت النجاح فاجتهد، إنْ أردت النجاح فلا تهمل"، فهذا أمرٌ ونهي، فلابد من اقترانهما بالفاء، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ [آل عمران: 31]، الجواب "اتبعوني"، وهو فعل أمر، فاقترن بالفاء.

الموضع الثالث: الفعل المقترن بـ "قد"، كقول: "إنْ تجتهد فقد أحسنتَ"، ومنه قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ﴾ [يوسف: 77].

الموضع الرابع: الفعل الجامد.

والفرق بين الجامد والمتصرف يُدرَس في التصريف، وخلاصة ذلك أن:

المتصرف: يأتي منه الماضي والمضارع والأمر كـ "ذهبَ - يذهب- اذهب".

والجامد: يجمد على صورة واحدة:

- كصورة الماضي: كـ "ليس، عسى".

- صورة الأمر: كـ "تعالَ، هب".

فإن قلتَ "إنْ تجتهد فليسَ عليكَ ملام"، فجاء الفعل الجامد في أول جملة الجواب، فاقترن بالفاء.

وكقولك: "إن تجتهد فعسى أن تنجح"، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي﴾ [الكهف 39، 40]، الجواب "عسى ربي أن يؤتيني"، فاقترن الجواب بالفاء لأن أول الجواب فعل جامد.

الموضع الخامس: الفعل المقترن بحرف تنفيس، وحرفا التنفيس هما:

- السين: مثل "سأذهب".

- سوف: مثل "سوف أذهب".

تقول: "إنْ تجتهدْ فستنجح، إنْ تجتهد فسوف تنجح"، ومن ذلك قوله: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطلاق: 6].

الموضع السادس: الفعل المنفي بـ "ما" النافية: كقولك: "إنْ تجتهد فما أسأتَ"، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ [يونس: 72].

الموضع السابع: الفعل المنفي بـ "لن"، كقولك: "إن تجتهد فلنْ أضربك"، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ [آل عمران: 115].

ففي هذه المواضع السبعة يقترن جواب الشرط بالفاء، لأن هذه المواضع السبعة هي التي لا تباشر أداة الشرط.

وتكلم ابن هشام على اقتران جواب الشرط بـ "إذا" الفجائيَّة، فقال: إنَّ جواب الشرط حينئذٍ إمَّا أن يقترن بالفاء، أو يقترن بـ "إذا" الفجائية، وشرط اقترانه بـ "إذا" الفجائية: أن تكون الأداة "إنْ"، فـ "إذا" الفجائية لا تقترن بجواب "إنْ" في المواضع السبعة السابقة.

ومعنى "إذا" الفجائية": تدل على حدوث الأمر فجأة.

من أمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: 36] فيصح لغة أن نجعل الفاء مكان "إذا" فنقول في الكلام "وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فهم يقنطون"، وذلك لأن أداة الشرط "إنْ".

ومثلها "إذا"، ولكن "إذا" أداة شرط غير جازمة، ونمثل لها لأن حكم اقتران الجواب بالفاء واحد في أدوات الشرط الجازمة وغير الجازمة، وإلَّا فإنَّ "إذا" في الآية القادمة ليست من أدوات الشرط الجازمة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: 25]، والمعنى "فأنتم تخرجون". ولا شك أن استعمال الفاء أكثر من استعمال "إذا".

هل يجوز اقتران جواب الشرط بالفاء في غير مواضع الوجوب، كأن تقترن الفاء في مواضع الجواز؟

نعم، يأتي ذلك مع الفعل المضارع مع اختلاف المعنى، فيجوز أن تقول "منْ يجتهد فينجح"، على أنَّك تريد "إن تجتهد فهو ينجح"، ثم حذفت المبتدأ، أما إذا لم ترد ذلك وإنما أردت أن الفعل المضارع نفسه واقع في الجواب؛ فحينئذٍ لابد من حذف الفاء.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: 13]، الجواب هنا الفعل المضارع "يخاف" المنفي بــ "لا"، ولم نذكر أن النفي بـ "لا" مما يقترن بالفاء، تقول: "إن تجتهد لا تخشَ من الرسوب" بالجزم ولا تحتاج إلى فاء، أما في الآية اقترنت بالفاء لأن التقدير -والله أعلم: "فمن يؤمن بربه فهو لا يخاف".

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ [المائدة: 95]، يعني: "ومن عاد فهو ينتقم الله منه"، فنجد الفعل المضارع حينئذٍ صار مرفوعًا لا مجزومًا بالجواب.

وقال تعالى: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ﴾ [يوسف: 26]، يعني: "إن كان قميصه قد من قبل صدقت"، ثم دخلت الفاء، يعني "فهي صدقت".

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ [النمل: 90]، يعني: "ومن جاء بالسيئة فالأمر كبت وجوههم في النار".

وهناك أحكام أخرى للشرط مفيدة أن نذكرها لكثرة استعمالها في الكلام وورودها في القرآن الكريم وكلام الفصحاء، منها:

ما حكم زيادة "ما" بعد أدوات الشرط الجازمة؟

نسمع "إنْ ما تجتهد تنجح"، "أين ما تكنْ أزرْكَ"؛ فهل "ما" تُزاد بعد أدوات الشرط بإطلاق أم في الجواب تفصيل؟

نقول الجواب في ذلك: أن أدوات الشرط من حيثُ زيادة ما بعدها على ثلاثة أنواع:

الأول: أدوات لا تقترن بـ "ما" أبدًا، مثل "مَنْ" تقول "مَنْ يجتهدْ ينجحْ"، فما تقول "مَنْ ما"!

وكذلك "ما" و"مهما" و "أنَّ"؛ فهذه أربع أداوت لا تقترن بـ "ما".

الثاني: أدوات يجب اقترانها بـ "ما"؛ فلا تكون أدوات شرطٍ إلَّا إذا اقترنت بـ "ما"؛ وهي: "إذْ ما، حيث ما، كيف ما".

"إذْ" فهي ظرف زمان، "حيث" ظرف مكان، "كيف" اسم يدل على الحال؛ حتى تقترن بأحدها "ما" فتكون أدة شرط.

الثالث: ما يجوز فيه الوجهان: أن تُزاد "ما" معها، وأن لا تًزاد، وهي باقي الأدوات، مثل "إنْ"، فتقول "إنْ تجتهد تنجحْ، أو: إنْ ما تجتهدْ تنجح، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: 58]، يعني "إن تخفْ".

تقول: "متى تأتي أكرمك، أو: متى ما تأتي أكرمْك"، "أين تسكن أسكن، أو: أينما تسكن أسكن"، "أيَّانَ تسكن أسكن، أو: أيَّان ما تسكن أسكن"، "أيُّ رجلٍ يأتي أكرمْه، أو: أيُّما رجلٍ يأتي أكرمه".

هذا ما يتعلق بجزم الفعل المضارع.

ننتقل بعد ذلك إلى الكلام على أول الباب التالي وهو انقسام الاسم إلى نكرة ومعرفة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصل: الاسم ضربان:

نكرة، وهو ما شاع في جنسٍ موجودٍ كـ "رجل" أو مقدرٍ كـ "شمس")}.

هذا بابٌ كبير، تكلم فيه ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- على انقسام الاسم إلى نكرة ومعرفة، فقال: (الاسم ضربان).

ومعنى ذلك: أن هذا التقسيم مختصٌّ بالأسماء، فالاسم هو الذي يُوصف بالتَّنكير والتعريف، وكل اسمٍ إمَّا أن يكون نكرة وإمَّا أن يكون معرفة، أما الفعل والحرف، وكذلك الجملة وشبه الجملة؛ فهذه الأشياء لا توصف بتنكير ولا بتعريف.

ما الأصل من هذين النوعين؟

الأصل النكرة، فلهذا لا تحتاجُ غلى علامة، أما المعرفة فتحتاجُ إلى علامة، كـ "أل".

وهناك بين التعريف والتنكير حالة متوسطة يسمونها التخصيص، فأنت إذا قلت "رجلٌ" فهذه نكرة"، وإذا قلت "محمدٌ" فهذه معرفة، وبينهما حالة متوسطة يسمونها التخصيص، كأن تقول "رجلُ علمٍ"، فلا شك أنها أكثر تعيينًا من "رجل"، ففي قولك "رجل علم" ضاقَ التَّنكير، لأنَّك خصصت ما تريد بالإضافة، لكن لم تصل إلى حد التعيين، لأن التعريف هو أن تُعين واحدًا بذاته.

فلهذا يقولون:

- التَّنكير هو: الشَّيَاع.

- والتَّعريف هو: التَّعيين.

- التَّخصيص هو: تضييق دائرة التَّنكير، فهي موجودة وما زالت، ولكنها ضاقت.

فلابد من التفريق بين التنكير والتخصيص والتعريف.

والتمييز بين النكرة والمعرفة من الأسماء أمر مهم، فكيف نميز بين النكرة والمعرفة.

ميَّز النحويون بين النكرة والمعرفة بالضابط، وبالتعريف، وبالحصر -وهو الأدق.

وابن هشام عندما قال (ومعرفةٌ وهي ستةٌ)، سنعرف أنها في الحقيقة سبعة، إذْ أهمل واحدة وسيأتي ذكرها.

التمييز بين النكرة والمعرفة بالضابط: ذكرنا ذلك في شرح المبتدئين، فالاسم الذي يقبل "أل" نكرة، والذي لا يقبل "أل" معرفة.

مثل: "رجل" نكرة ويقبل "أل"، و"قلم" نكرة ويقبل "أل"، و"مدينة" نكرة ويقبل "أل"؛ لكن "جاء محمد" فـ "محمد" لا يقبل "أل" فهو معرفة.

وفي قولك: "هو كريم" فـ "هو" معرفة ولا يقبل "أل"، وكذلك "الذي، هذا" هذه معرف.

أما كلمة "القلم" فلا تقبل قبل "أل"، فلا تقول "أل القلم"!

وبعض النحويين يجعل الضابط هو: قبول "رُبَّ"، والمعنى واحد، لأن "رُبَّ" و "أل" يؤديان معنى واحدًا في التمييز بين النكرة والمعرفة.

التمييز بين النكرة والمعرفة بالتعريف هو ما ذكره ابن هشام لنا، إذ عرَّف النكرة بأنها: ما شاعَ في جنس. تقول "قلم" فهذا الاسم يُمكن أن يطلق على كل فردٍ من أفراد جنس الأقلام، أقلام كبيرة وصغيرة، جميلة وقبيحة، غالية ورخيصة، حمراء وزرقاء، إلى آخر الألوان؛ فكل فرد من أفراد هذا الجنس يُمكن أن تسميه "قلم".

وهذا الجنس الذي تشيع فيه النكرة إمَّا أن يكون:

- موجودًا في التعدد مثل "رجل"، فجنس الرجل فيه عدَّة أفراد، وكذلك جنس القلم فيه أفراد.

- مقدَّرًا، كما مثل له ابن هشام والنحويون المتقدمون بـ "شمس"، لأن كلمة "شمس" نكرة، ولكن جنس الشمس ليس فيها في الواقع إلا شمس واحدة، وهذا فيما كنا نعلم، أما الآن فإن أهل الفلك يقولون إنا لكون فيه ملايين الشموس، وسبحان الله الخالق العظيم!

فهذا تفريق بالتعريف، فالنكرة هي: الاسم الدال على شائع في الجنس.

والمعرفة: فهي ما دل على معيَّن لا على شائع.

والآن ميَّزنا بين النكرة والمعرفة بالضَّابط وبالتعريف، بقي التمييز بينهما بالحصر والعدِّ، فسيعدُّ لنا ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- المعارف، إذ قال (وهي ستَّةٌ)، ثم ذكرها:

- الضمير.

- والعلم.

- اسم الإشارة.

- الاسم الموصول.

- المعرف بـ "أل".

- المعرَّف بالإضافة.

- المعرفة بالنِّداء -ولم يذكره ابن هشام- ويُسمَّى "النكرة المقصودة"، كقولنا "يا رجلُ" فهو معرفة باتفاق النحويين، ولكن بعض النحويين ما يذكره لأنه يدخل في معرفة أخرى، وهذا لا يهمنا الآن.

نختم بالإجابة على هذا السؤال: ما أعرف المعارف؟ كل المعارف تدل على معيَّن، وكلها معرفة ليست بنكرة، لكن ما أقواها في التعيين والتحديد؟

الجمهور على أن أعرف المعارف هو الضمير، ثم العلم، ثم اسم الإشارة، ثم الأسماء الموصولة، ثم المعرف بـ "أل"، ثم المعرف بالنِّداء.

وأما المعرَّف بالإضافة يكون بحسب المضاف إليه، إن أضفتها إلى علم فهي في منزلة العلم، وإن أضفتها إلى اسم إشارة فهي في منزلة اسم الإشارة، إلَّا المعرَّف بالضمير لأنه أعرف المعارف فإنه لا يكون بمنزلة الضمير؛ بل ينزل درجة بمنزلة العلم، ولهم في ذلك كلام طويل وأدلة طويلة.

وابن هشام في ترتيبه هنا رتَّبها بحسب الأعرفيَّة، فلهذا عبَّر بـ "ثمَّ" بين كل واحد والآخر للدلالة على هذا الترتيب، وفي ذلك يقول ابن مالك -رَحِمَهُ اللهُ- في الكافية الشافية التي هي أصل ألفية ابن مالك في هذه المسألة:

فمُضمَرٌ أَعرَفُهَا، ثمَّ العَلم *** واسمُ إِشارةٍ، ومَوصُولٌ مُتَم

وذُو أَداةٍ، أو مُنَادًى عُيِّنَا *** وَذُو إِضَــافَـةٍ، بِــها تَــبَيَّنا

في الدرس القادم -إن شاء الله- سنبدأ بهذه المعارف معرفة معرفة، إلى ذلكم الحين أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدَّمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم، والشكر موصولٌ لكم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، إلى أن نلقاكم في حلقة أخرى من حلقات برنامجكم "البناء العلمي" إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك