الدرس التاسع

فضيلة الشيخ د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

2602 22
الدرس التاسع

قطر الندى

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".

في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح كتاب "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ: أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.

أهلًا وسهلًا، ومرحبًا بكم وبالإخوة المشاهدين والمشاهدات.

{في الحلقة الماضية توقفنا عند النوع الرابع من أنواع المعارف وهو: "الاسم الموصول"، قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم الموصولُ. وهو "الذي والتي"، و"اللذان واللتان" بالألف رفعًا وبالياء جرًا ونصبًا، ولجمع المذكر "الذين" بالياء مطلقًا و"الأُلَى"، ولجمع المؤنث "اللائي واللواتي")}.

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد؛ فحيَّاكم الله وبيَّاكم في الدَّرس التَّاسع من دروس شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -عليه رحمة الله تعالى- ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف، وهذا الدرس يُبث من الأكاديميَّة الإسلاميَّة المفتوحة من مدينة الرياض.

في الدَّرس الماضي كنَّا قد توقفنا في أثناء الكلام على المعارف، إذ شرحنا ثلاثة منها، وهي: الضمير، والعلم، واسم الإشارة.

النَّوع الرَّابع من أنواع المعارف: الاسم الموصول. وقد سمعنا أول ما قاله ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- في ذلك.

وابن هشام لم يعرِّف الأسماء الموصولة، وإنما ذكرها وحصرها، وهذه طريقة عند العلماء، عندما يكون الباب محصورًا، فإنهم يكتفون بحصره عن تعريفه.

وذكر النَّوع الأوَّل من الموصولات وهي الموصولات النَّصيَّة، وسيذكر بعد قليل النوع الثاني من الموصولات، وهي الموصولات المشتركة.

وهذه الموصولات هي الموصول النَّصي.

ومعنى كونها موصولًا: يعني: لها صلة، سيأتي الكلام على صلة الموصول.

ومعنى كونها نصيَّة: أنها تنص على معنًى من المعاني الستَّة.

والمعاني السِّتة التي تتميَّز بها اللغة العربية هي: المفردة والمفرد، ومثنى المذكر ومثنى المؤنث، وجمع المذكر وجمع المؤنث.

فهذه الأسماء تنصُّ على معنى من هذه المعاني الستة.

 "الذي" وهي نصٌّ على المفرد المذكر، كــ "جاء الذي أحب" أي: مفرد مذكر.

"التي" نصٌّ على المفرد المؤنث.

"اللذان" للمثنى المذكر.

"اللتان" للمثنى المؤنث.

"الذين"، وهي مشهورة لجمع المذكر "جاء الذين أحبهم".

"الأُلَى" لجمع المذكر، فإذا كانت اسمًا موصولًا تُكتب بلا واو، تمييزًا لها عن اسم الإشارة الذي تُزاد فيه الواو، وهذا يُذكر في الإملاء.

"اللاتي، اللائي، اللواتي" لجمع المؤنث.

بناؤها وإعرابها:

ذكرنا في باب المعرب والمبني -وذكَّر ابن هشام هنا أيضًا- بأنها مبنيةٌ على حركات أواخرها إلا المثنى، فقال -رَحِمَهُ اللهُ: (بالألف رفعًا وبالياء جرًا ونصبًا)، يعني: أنها تعرب إعراب المثنى، وسبق الكلام على ذلك في باب المعرب والمبني.

ثم تكلم ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- بعد ذلك على الموصولات المشتركة، فنسمع ما قال.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وبمعنى الجميع "مَنْ" و"مَا" و"أيُّ"، و"أَلْ" في وصفٍ صريحٍ لغير تفضيلٍ كـ "الضاربِ والمضروبِ"، و"ذو" في لغة طيٍّ، و"ذا" بعدَ "مَا" أو "مَنْ" الاستفهامِيَّتَيْنِ)}.

الأسماء الموصولة على نوعين:

النوع الأول: الأسماء النصيَّة المشتركة، وهي: "الذي" وإخوانه.

النوع الثاني: الأسماء الموصولة المشتركة، وهي هذه الستة التي ذكرها ابن هشام:

- "من، ما" اثنان يبدآن بالميم.

- و "أي، أل" اثنان يبدآن بالهمزة.

- و "ذو، ذا" اثنان يبدآن بالذال.

ومعنى قولنا: "مشتركة"، أي أنها تستعمل مع المعاني الستة كلها بلفظٍ واحد.

الاسم الموصول المشترك الأول: "مَنْ" إذا كانت بمعنى "الذي" وإخوانه فهي اسم موصول:

- تستعمل مع المفرد المذكر "جاء مَنْ أحبه.

- وتستعمل مع المفرد المؤنث "جاءت مَنْ أحبها".

- وتستعمل مع المثنى "جاء مَن أحبهما.

- وتستعمل مع الجمع المذكر "جاء مَنْ أحبهم".

- وتستعمل مع الجمع المؤنث "جاء مَنْ أحبهن".

فـ "مَنْ" استُعملَت في كل المعاني الستَّة بلفظٍ واحد، فلهذا سُميت مشتركة، لأن لفظها مشترك الاستعمال في كل هذه المعاني الستة.

و "مَنْ" اسم موصول، وقد تأتي في اللغة العربية في استعمالات أخرى:

* فقد تأتي اسم استفهام "مَنْ أبوك؟".

* وقد تأتي اسم شرط "مَنْ يجتهد ينجح".

والمراد بها هنا: "مَنْ" التي بمعنى "الذي" وإخوانه، نحو: "جاء مَنْ أحبه" يعني: الذي أحبه.

وهي تتميز عن بقيَّة إخوانها بأنها تستعمل للعاقل، فإذا اشتريت حمارًا؛ لا تقل مثلًا: "أعجبني مَن اشتريت"؛ بل تقول: "أعجبني ما اشتريت"، فـ "ما" لغير العاقل، و "مَنْ" للعاقل، وهذا لتمييز المعاني بالألفاظ في اللغة العربية.

ومن ذلك قوله -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 43]، أي: والذي عنده عليم الكتاب.

وفي قوله: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37]، يعني: للذي كان له قلب.

وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحج: 18]، يعني: الذي، أو الذين.

وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ [النحل: 17].

وهنا نشير إلى مسألة يتكلم عليها بعض النحويين، وهي أنَّ "مَنْ" في الأصل للعاقل، ولكنها قد تطلق على غير العاقل، ودراسة ذلك في الحقيقة ليست من مسائل النحو، وإنما من مسائل البلاغة، وإن كان بعض النحويين يشير إليها، فيقول: إذا اجتمع العاقل مع غير العاقل في لفظٍ واحدٍ، فيجوز أن تعبر عنهم بـ "مَنْ" تغليبًا للعاقل؛ لأنه أشرف، أو أن تعبر عنهم بـ "ما" تغليبًا لغير العاقل؛ لأنهم أكثر، كما في الآية ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾، مع أن المخلوقات التي تسجد لله فيها عقلاء وغير عقلاء، فعبر عنهم مرَّة بـ "مَنْ" وعبر عنهم في آية أخرى بـ "ما" لما قلنا قبل قليل، فهذه الأمور تُدرَس في البلاغة، فلا نطيل الكلام عليها هنا.

ما المراد بالعقلاء في النحو؟

الجواب: العقلاء في النحو ثلاثة، وهم: الإنس، والجن، والملائكة؛ وما سواهم من المخلوقات تدخل في غير العقلاء، وأما لفظ الجلالة "الله" فإنه يُعامل معاملة العاقل، كما في قوله: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾؛ فلهذا بعض النحويين المدققين المحققين يُفضِّل أن نستعمل لفظ "للعالم وغير العالم" لكي يدخل لفظ الجلالة في ذلك؛ لأن الله وصف نفسه بالعلم ولم يصف نفسه بالعقل.

الاسم الموصول الثاني المشترك: "مَا" إذا كانت بمعنى: "الذي"؛ لأنها قد تأتي في اللغة في استعمالات أخرى:

- فتأتي اسم استفهام "ما اسمك؟".

- وتأتي اسم شرط: "ما تعمل تُجزَ به".

- وتأتي حرف نفي: "ما ذهبتُ".

ولكننا نريد هنا "ما" التي بمعنى "الذي"، كقولك:

- "سأقرأ ما تقرأ"، أي: الذي تقرأ.

- "يعجبني ما اشتريتَ"، يعني: الذي اشتريتَ.

وتتميَّز "ما" بأنها تستعمل في الأصل لغير العاقل، كما في قوله تعالى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ﴾ [النحل: 96]، يعني: الذي عندكم ينفد.

ومثل قوله: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: 1]، قلنا: عبَّر عن الجميع بـ "ما" مع أن فيهم عقلاء وغير عقلاء، تغليبًا لغير العقلاء لكثرتهم.

الاسم الموصول الثالث المشترك: "أل". قال ابن هشام (و "أَلْ" في وصفٍ صريحٍ لغير تفضيلٍ).

متى تكون "ألْ" اسمًا موصلًا؟

المشهور في "أل" أنها حرف تعريف، كقولك: "رجل - الرجل"، "قلم - القلم"، وسيأتي الكلام عليها في المعرفة التالية -المعرف بـ "أل" أو بالأداة- ولكنها قد تأتي اسمًا موصولًا، فخرجت من الحرفيَّة إلى كونها اسمًا موصولًا بمعنى: "الذي" وإخوانه، وذلك إذا اقترنت -أو اتصلت- بوصفٍ صريح لغير تفضيل.

المراد بالوصف الصريح: هو اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل. وإذا قلنا: "اسم الفاعل" فيدخل فيه دائمًا صيغ المبالغة.

فهذه الأربعة هي التي يُطلق عليها الأوصاف، ومفردها "وصف"؛ وهذا نوع من أنواع الأسماء، بخلاف كلمة "صفة - وجمعها: صفات"، فإنها قد تستعمل بمعنى "وصف" فتكون دالة على نوع من أنواع الأسماء، وقد تستعمل بمعنى: "النعت" وهو الإعراب النحوي، فكلمة "وصف" دقيقة" وخاصة ببيان النوع، وكلمة "نعت" دقيقة في بيان الإعراب، وكلمة "صفة" مشتركة، فقد تطلق ويُراد بها الإعراب، وقد تُطلق ويُراد بها الوصف.

- فإذا اقترنت "أل" بوصف صريح كاسم فاعل، مثل: "ضارب - الضارب"، "شارب - الشارب"، "منطلق - المنطلق"، "مستخرج - المستخرج".

- أو اقترنت "أل" بصيغة مبالغة -وهي داخلة في اسم الفاعل-، مثل: "ضرَّاب - الضرَّاب".

- أو اقترنت باسم مفعول، مثل: "مضروب - المضروب"، "مشروب - المشروب"، "مستخرج - المستخرج".

- أو اتصلت بصفة صريحة، مثل: "حسن - الحسن"، "جميل - الجميل".

ثم استثنى اسم التفضيل فقال: (لغير تفضيل)؛ لأنهم يرون أن "أل" مع اسم التفضيل مُعرِّفَة، مثل: "الأفضل، الأحسن، الأكبر، الأصغر".

وَمَثَّلَ ابن هشام بـ "الضارب" اسم فاعل، و"المضروب" اسم مفعول.

فإن قلتَ: لماذا لا نعدُّ "أل" مع الوصف الصريح حرف تعريف كمجيئها مع غير الأوصاف؟

الجواب عن ذلك: أنَّه يمنع من ذلك أمور، فهناك أدلة تدل على أنه اسم موصول وليس حرفًا، من هذه الأدلة:

- عود الضمير إليه، والضمير -كما نعرف- أنه لا يعود إلا إلى اسم، فلا يعد إلى فعل ولا حرف، كقولهم: "أفلح المتقي ربَّه"، فالهاء في "ربَّه" تعودُ إلى "أل" في "المتقي"، أي: أفلح الذي يتقي ربَّه.

- اجتماعها مع الإضافة، فكتب النحو تنص في باب الإضافة على جواز اجتماعها مع الإضافة، فلك أن تقول: "ضاربٌ" ثم تضيفُ الضمير "ضاربُكَ"، ثم تدخل "أل" فتصير "الضَّاربُكَ"، مثل: "جاء الضَّاربُكَ"، والمعنى: جاء الذي يضربُكَ.

فَدَلَّ هذا على أنَّ "أل" هنا ليست مُعرِّفَة، إذ لو كانت معرفَة ما جامعت الضمير.

- أنها قد تدخل على الفعل المضارع، وسيأتي بيان الخلاف في ذلك، والجمهور يخصُّونه بالضرورة الشعريَّة، وبعض النحويين كابن مالك يُجيزه في النثر قليلًا، وفي ذلك قصة طريفة للشعراء الثلاثة الذي ألهوا الناس في زمنهم وهم: جرير والفرزدق والأخطل؛ فاجتمعوا مرة عند أحد الأمراء، فدخل أعرابيٌّ فسأله الأمير: أتعرفُ هؤلاء؟ فقال: لا.

فقال: هذا الفرزدق، وهذا الأخطل، وهذا جرير.

وكان هذا الأعرابي هواه مع جرير، فمدحه وذمَّ الآخرين، فقال:

فحيا الإله أبا حزرةٍ ** وأرغم أنفك يا أخطل

وجد الفرزدق أتعس به ** ودق خياشيمه الجندلُ

فما ترك له الفرزدق؛ بل ردها عليه بسرعة بأشد منها فقال:

يا أرغم الله أنفًا أنتَ حامله ** يا ذا الخنا ومقال الزور والخطلِ

ما أنت بالحكم التُّرضَى حكومته ** ولا الأصيل ولا ذا الرأي والجدلِ

الشاهد في قوله: "التُّرضَى"، يعني: بالحكم الذي تُرضَى.

الاسم الموصول المشترك الرابع: "ذو"، وفي المشهور تأتي على أنها اسم من الأسماء الخمسة بمعنى: صاحب، مثل قولك: "جاء ذو علمٍ وذو مالٍ"، يعني: صاحب.

وتعرب إعراب الأسماء الخمسة أو الستة، إلَّا أنها عند قبيلة من قبائل العرب وهي قبيلة طيِّئ قد يستعملونها بمعنى: "الذي" وإخوانه؛ وأيضًا تستعمل عندهم بمعنى: "صاحب" كبقية العرب، والأشهر عندهم أنها تلزم هذا اللفظ "ذو" مع المعاني الستة، مثل:

- "جاء ذو أحبُّ"، يعني: الذي أحب.

- "جاءت ذو أحب"، يعني: التي أحب.

- "جاء ذو أحبهم"، يعني: الذين.

ويسمونها في النحو: "ذو" الطَّائيَّة، ومن ذلك قول شاعرهم:

فإما كرام موسرون لقيتهم ** فحسبي من ذو عندهم ما كفاني

يعني: فحسبي من الذي عندهم.

وقال الآخر مع أناس اختلف معهم في البئر، وهو يقول إنَّ هذه البئر بئري وقد ورثتها من آبائي؛ فقال:

فإن الماء ماء ماء أبي وجدي ** وبئري ذو حفرتُ وذو طويتُ

يعني: وبئري التي حفرتها والتي طويتها.

وقدَّرنا "ذو" بـ "التي" لأن البئر مؤنث.

ومن ذلك قول بعضهم وهو يقسم بالفضل: "ذو فضلكم الله به" يعني" بالفضل الذي فضلكم الله به.

وقال الآخر في جواب القَسَم: "لا وذو عرشه في السماء"، يعني: لا والذي عرشه في السماء.

الاسم الموصول المشترك الخامس: "ذا"، وفي المشهور يأتي اسم إشارة "ذا كتابٌ"، وتدخل عليها "ها" التنبيه فتقول: "هذا كتابٌ" كما شرحنا في الأسماء الموصولة.

ثم ذكر هنا أنها قد تأتي اسمًا موصولًا بمعنى: "الذي" إذا كانت بمعنى "الذي"، ولذلك شرط وهو: أن تسبق بـ "ما" أو "من" الاستفهاميتين، والأدق في ذلك أن نقول: إن لموصوليتها ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن لا تكون للإشارة، يعني: أن لا تكون بمعنى: "هذا"، كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]، فـ "ذا" هنا لا تحتمل أن تكون بمعنى: "الذي"، والمعنى يكون: من هذا الذي. ويدل على ذلك: وجود "الذي" بعدها، ما يُمكن أن تقول من الذي الذي!

الشرط الثاني: أن لا تكون ملغاةً. يعني لو قلت مثلًا: "ما تقول؟" فهذا استفهام، فإذا أتيت بـ "ذا" بعد "ما"؛ فتقول: "ما ذا تقول؟" هنا "ذا" يصح أن تكون بمعنى "الذي"، أي: ما الذي تقول؟

والإلغاء تقديري بحسب المتكلم، فالمتكلم ماذا أراد بقوله: "ما ذا"؟

- لو قصد "ما الذي"؛ فحينئذٍ تكون اسمًا موصولًا، و "ما" قبله اسم استفهام.

- لو أراد الاستفهام فقط وأراد أن يجعل "ما" و "ذا" مركبين معًا اسمًا واحدًا يدل على الاستفهام "ماذا"؛ فيجوز أن يفعل ذلك أو ذاك؛ على حسب التقدير.

فلو جعل "ذا" موصولة بمعنى: "الذي" لفصلها هكذا "ما ذا" يعني "ما الذي"؛ أما لو أراد معنى الاستفهام فقط، وأن "ما" و "ذا" تركبتا معًا وصارتا كلمة واحدة دالة على الاستفهام؛ فإنه يكتبها موصولة بلا فاصل أو مسافة، هكذا "ماذا".

ومعنى قولنا: (أن لا تكون ملغاة)، يعني: أن لا يُقدِّر ذلك.

الشرط الثالث: أن يتقدمها استفهام بـ "ما" أو بـ "مَن".

وبحسب استقراء اللغة وُجد أنها لا تكون اسمًا موصولًا إلَّا إذا تقدمها استفهام بـ "ما" كقولك "ما ذا تريد؟" أي: ما الي تريد.

أو تقدمها اسم استفهام "مَن"، مثل قولك: "مَنْ ذا تُحب؟" أي: من الذي تحب؟

ومن ذلك قول الشاعر:

ألا تسألني المرء ** ما ذا يُحاول؟

فـ "ذا" هنا في البيت ليست للإشارة، وإنما أن تصح أن تكون بمعنى الذي، وقد تقدمها استفهام بـ "ما".

بقي الشرط الثاني وهي أن تُقدَّر ملغاة، فإذا قدرتها ملغاةً صارت كلها كلمة واحدة "ماذا" اسم استفهام.

الموصول المشترك السادس هو: "أيٌّ"، وتأتي في اللغة العربية على استعمالات كثيرة:

- تأتي استفهامًا: "أيُّ طالبٍ عندك؟".

- وتأتي شرطًا: "أيَّ طالبٍ تُكرمْ أُكرمْ".

والذي يهمنا هو مجيئها اسمًا موصولًا بمعنى: "الذي"، كقولك: "أكرم أيهم ينجح"، يعني: الذي ينجح.

وللكلام على "أيٍّ" تفاصيل، أهمه الكلام على ما يتعلق بإعرابها وبنائها، وذلك أننا ذكرنا في باب المعرب والمبني من قبل أنَّ كلمة "أي" سواء كانت استفهامًا أو كانت شرطًا أو كانت موصولة فإنها تكون مُعربة؛ لأنها تختص عن بقية أخواتها -سواء كانت استفهامًا أو شرطًا أو موصولة- بجواز الإضافة، فيجوز أن تُضاف إلى ما بعدها، كقول: "أيُّهم"، ولكن ما تقول في غيرها من أسماء الاستفهام "مَنْـ ـهُم" على أنها كلمة واحدة، ولكن "منْ" كلمة و "هم" كلمة، ولا تقول: "أيْنَـ ـهُم"، ولكن "أين" كلمة و "هم" كلمة ثانية"؛ فليست كلمة واحدة مضاف ومضاف إليه، وما تقول "كيْفَـ ـهم"، ولكن "كيف" كلمة، و "هم" كلمة؛ بخلاف "أي" فإنها تضاف، سواء إلى ضمير "أيُّهم"، أو إلى اسم ظاهر "أيُّ طالبٍ"، والإضافة -كما نعرف- من خصائص الأسماء، فهذا قوَّى فيها جانب الاسميَّة فعادت إلى الإعراب، فهي في الأصل معربة، حتى وهي موصولة الأصل فيها أنها معربة، إلا أنهم اختلفوا في موضع واحد من مواضعها، فقال كثير من النحويين إنها تُبنى على الضم، وبعضهم قال بجواز إعرابها، وإن كان الأكثر فيها البناء، وهو إذا كان صدر صلتها ضميرًا محذوفًا.

ومن الشواهد على ذلك:

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: 69]، معنى الآية معروف: ثم لننزعن من كل شيعةٍ من هؤلاء الكفار أيَّهم أشدُّ، يعني: الذي هو أشدُّ. أو: الذين هم أشد.

فــ "أيُّ" يعني: الذي.

والضمير "هم" تتميَّز به "أيُّهم".

أشدُّ: خبر.

والضمير "هو" هو الضمير المحذوف.

و "أيُّهم" في الآية: مفعول به؛ لأنه المنزوع، ومع ذلك جاء بالضم "أيُّهم"، وجاء في قراءة شاذَّة "أيَّهم" على ما قلنا في جواز الإعراب، وهنا بُني على الضم لأن صدر صلتها ضمير محذوف "هو".

ومن ذلك أيضًا قول شاعرهم:

إذا ما لقيتَ بني مالكٍ ** فسلم على أيُّهم أفضلُ

يعني: فسلِّم على الذي هو أفضلُ.

فـ "أفضلُ" خبر لـ "هو" المحذوفة؛ فلهذا بنى "أيُّهم".

وجاء في البيت رواية أخرى بالإعراب:

............. ** فسلِّم على أيِّهم أفضلُ

ثم تكلم ابن هشام بعد ذلك على صلة الموصول.

{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (وصِلةُ أل الوصفُ، وصِلَة غيرِها إما جملةٌ خبريةٌ ذاتُ ضميرٍ طبقٍ للموصول يسمى عائدًا، وقد يحذف نحو "أيُّهم أَشَدُّ" ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾، ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾، ﴿وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾، أو ظرفٌ أو جارٌّ ومجرورٌ تامانِ متعلقانِ بـ "اِسْتَقَرَّ" محذوفًا)}.

هذا الكلام على صلة الموصول، فلهذا سُمي الموصولُ موصولًا، لأن الاسم الموصول هو: اسمٌ لا يستغني عن موصوله.

ويقولون: هو الاسم المفتقر إلى موصوله -يعني من حيث المعنى.

لو قيل: "جاء الذي" وسكت المتكلم؛ فلم نستفد من كلامه شيئًا! فـ "الذي" اسم مفتقر إلى صلته؛ لأن صلته هي التي تكشف وتبينه وتعينه وتحدده، ولهذا فإن الصلة في الأسماء الموصولة هي التي تُعرِّف الموصول، أي: تكسبه التعريف وتجعله معرفة، فلهذا احتاجت غلى كلام خاص، فخصها ابن هشام بهذا الكلام.

ما أنواع الصلة؟

الصلة إما أن تكون لـ "أل"، أو لغير "أل"، يعني: الأسماء الخمسة المشتركة الباقية وجميع الأسماء الموصولة النصيَّة.

صلةُ "أل" هو ما سبق ذكره في كلام ابن هشام من قبل، أنَّ "أل" لا تكون اسمًا موصولًا إلا إذا دخلت على وصف صريح، وهو:

اسم الفاعل: كــ "جاء الضَّاربُ"، فنقول: "أل" اسم موصول، وكلمة "ضارب" صلة الموصول. والمعنى: جاء الذي يضرب.

اسم مفعول: كـ "جاء المضروب". والمعنى: جاء الذي يُضرَب.

وصف: كـ "جاء الجميل". والمعنى: جاء الذي يجمُل. وهذا إذا كان الوصف بمعنى الفعل.

أما من حيث الإعراب: فإن "أل" الموصولة وإن كانت اسمًا إلا أن الإعراب يتجاوزها إلى الاسم التالي بعدها؛ لأنَّ "أل" الموصولة تشابه "أل" الحرفيَّة في اللفظ، فتجاوزها الإعراب إلى الاسم الذي بعدها، فنقول في إعراب "جاءَ الضاربُ":

الضارب: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الموجودة على آخر "الضاربُ"، مع أنَّ الضم كان ينبغي أن يقع على "أل" لأنه اسم، ولكن تجاوزه إلى ما بعده لشبه "أل" الموصولة الاسميَّة بـ "أل" الحرفيَّة المعرفة.

أما إذا كانت الصلة لغير "أل" يعني لـ "الذي" وإخوانه ولبقيَّة الأسماء الموصولة، فإنها تكون على نوعين ذكرهما ابن هشام:

الأول: أن تكون جملة خبريَّة.

الثاني: أن تكون شبه جملة: ظرف أو جار ومجرور.

ومعنى ذلك: أن صلة الموصول لا تكون اسمًا مفردًا، فهذه الشروط وُضعت لبيان كلام العرب، فلا يُمكن أن تقول: "جاء الذي محمدٌ، أو: جاء الذي جالسٌ"؛ لأن "محمد" مفرد، و "جالس" مفرد، ولابد أن تكون الصلة التي بعد الاسم الموصول -"الذي" وإخوانه والأسماء المشتركة- جملة أو شبه جملة.

والجملة -كما نعلم- إما أن تكون:

فعلية: فعل وفاعل. مثل "جاء الذي سافر أخوه" أو "جاء الذي سافر".

اسميَّة: مبتدأ وخبر. مثل: "جاء الذي أبوه كريمٌ".

وأما شبه الجملة فكما ذكر ابن هشام وكما هو معروف أن المراد به:

الجار والمجرور: مثل: "جاء الذي في البيت".

والظرف: مثل: "أخذت الذي فوق المنضدة".

لكن ابن هشام اشترط في شبه الجملة شرطًا، فقال: (تامَّين)، أي متعلقين بــ "استقر" محذوفًا.

معنى ذلك: أن شبه الجملة تكون على نوعين من حيث المعنى:

الأول: أن تكون تامَّة. يعني: أن معناها تامٌّ بها ولا تحتاج إلى متعلَّقها الواقع فيها.

الثاني: أن تكون ناقصة، وتسمى: "لغو" وهذا مصطلح يكثر في الكتب، يقولون: "شبه الجملة لغوٌ هنا". وهي التي لا يتم المعنى بها حتى تذكر متعلَّقها الواقع فيها.

فإذا قلتَ: "أكرمتُ الذي في البيتِ" فهمتَ المعنى لأنه تام، ولأن شبه الجملة "في البيت" متعلِّقة بكون عام يدل على مطلق الوجود، يعني: جاء الذي استقرَّ في البيت، أو وُجِدَ في البيت؛ أو أي كلمة تدل على مطلق الوجود، ولكن ما تدل على صفة خاصَّة من صفاته، كالنوم، أو الشرب، أو الأكل، أو الصلاة؛ فهذه يسمونها أكوان خاصَّة -أو صفات خاصَّة- أما مطلق الوجود: فهو موجود في هذا المكان، لكن هل هو واقف أو جالس أو نائم أو مستيقظ أو مصلٍّ أو يقرأ؛ فهذه أكوانٌ خاصَّة، ولا تُعرَف الأكوان الخاصَّة غلَّا بالنَصِّ عليها، وهذه لا يجوز أن تُحذف إلَّا إذا دلَّ عليها دليل.

أما لو أردتَّ مطلق الوجود، أي مطلق كونه موجودًا دون أن تبين صفةً من صفاته الخاصَّة؛ فحينئذٍ يجب أن تحذف المتعلَّق المقدَّر بنحو "استقر" أو "وُجِدَ" أو "كان" أو "حدث" أو "حصل"؛ أو أي كلمة تدل على مطلق الوجود.

مثل: "أكرمتُ الذي في البيت" يعني: الذي كان -أو استقر- في البيت.

ومثل: "أخذتُ الذي فوق الطاولة"، فـ "فوق" ظرف مكان، والمعنى: أخذتُ الذي استقرَّ -أو "وُجد" أو أي كلمة تدل على مطلق الوجود-؛ فهذا يُسمَّى ظرف تام.

لكن لو أردتَّ أن تقول: "أكرمتُ الذي ضُربَ في البيت" أردتَّ أن الإكرام وقع على هذا الذي ضُرب في البيت؛ فلا يجوز أن تقول حينئذٍ: "أكرمتُ الذي في البيت"؛ بل لابد أن تنص على هذا الكون الخاص وهو الضرب، فتقول: "أكرمت الذي ضُرب في البيت" فقولك: "في البيت" متعلق بالفعل "ضُربَ" وهذا كون خاص وليس مجرد وجود، فلابدَّ أن يُذكر، ولا يجوز أن يُحذف في الكلام إلَّا أن يدل عليه دليل.

ولهذا لا يجوز أن تقول: "جاء الذي بكَ"، فكلمة "بك" شبه جملة، ولكن ليست تامة، وإنما ناقصة، لأنك تقصد -مثلًا- "جاء الذي يثق بك" فلا يجوز أن تحذف "يثق"؛ فإذا قلت: "جاء الذي يثق بك" صارت صلة الموصول جملة فعليَّة، وليست شبه جملة تامَّة.

وذكر ابن هشام الكلام على حذف العائد؛ لأنَّه اشترط في الجملة الواقعة صلةً للموصول شرطين:

الأول: أن تكون خبريَّة.

الثاني: أن يكون فيها ضمير يُطابق الموصوف يُسمَّى: "العائد".

وكونها خبرية: أي ليست إنشائيَّة، والجمل معروف إنها إما أن تكون:

* خبريَّة: تقبل التصديق والتكذيب.

* أو إنشائيَّة: لا تقبل التصديق والتكذيب.

فالصلة لابد أن تكون خبريَّة لكي تؤدي معنى جديدًا، مثل "جاء الذي" فلا تفهم المعنى إلا إذا أُخبر عنه بشيء، كأن تقول "جاء الذي يُحبُّكَ، جاء الذي أحبُّه، جاء الذي يقول الحق".

والجمل الإنشائية سواء طلبيَّة أو غير طلبية لا تقع صلة للموصول، فلا نقول "جاء الذي اضربه"، أو "جاء الذي هل سافر"، أو "جاء الذي لا تهنه"؛ فهذا لا يصح!

وكونها يشترط فيها الضمير: فإن جملة الصلة لابد أن يكون فيها ضمير يعود إلى الموصول لكي يربط بين الموصول والصِّلة، مثل "جاء الذي أحبه" فالهاء تعود إلى "الذي"، ومثل "جاء الذي أبوه كريم" فالهاء تعود إلى "أبوه".

ولو قلت مثلًا: "جاء الذي محمدٌ كريمٌ"، فــ "محمدٌ كريمٌ" مبتدأ وخبر -جملة اسمية-، ومع ذلك لا تقع صلة للموصول؛ لأنَّ "محمد كريمٌ" ما فيها عائد يعود إلى "الذي"، وكذلك المعنى لا يستقيم.

ثم ذكر ابن هشام أن الشرط في العائد هو الوجود، ولكنه قد يُحذف في اللفظ، فلهذا قال (وَقِدْ يُحذَفُ).

فإذا قلت مثلًا: "جاء الذي أحبُّه" فالرابط: الهاء، فيجوز أن تحذف الضمير الرابط وتقول "جاء الذي أحبُّ"؛ لأنَّ المعنى واضح، وفيه دليل على الرابط، ما يمكن أن يكون المعنى "جاء الذي أحبهم"، فــ "الذي" يدل على أن الضمير المحذوف هو الهاء، فلكَ أن تحذفه، وحذفه كثير جدًّا.

وبهذا يُعلم أن المحذوف موجود، وأصلًا كلمة "محذوف" تدل على أنه موجود؛ لأن الحذف لا يقع إلا على موجود، بخلاف المعدوم، فإنَّ المعدوم غير موجود في الجملة، ولا يُمكن أن يقع عليه حذف أو غيره، فالذي يُقال فيه "محذوف" فإن معناه أنه موجود، إلَّا أنَّ حروفه لا يُلفَظ بها، أما الكلمة فهي موجودة إمَّا في التقدير وإما في الاستتار.

مثَّل ابن هشام لهذا الضمير المحذوف في حالة الرفع وفي حالة النصب وفي حالة الجر:

أما حذفه في حالة الرفع: ففي قوله تعالى: ﴿ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا﴾ [مريم: 69]، يعني: الذي هو أشدُّ.

الرابط: هو.

وحكمه: مرفوع، لأنه مبتدأ.

وأما الحذف في حالة النصب: كما في قوله تعالى ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس: 35]، هنا صرَّح بالرابط، وفي قراءة ﴿وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ﴾، يعني: والذي عملته أيديهم، وهنا حذف الرابط، وهو جائز.

وأما حذفه في حالة الجر، كقوله تعالى: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ [طه: 72]، يعني: قاضيه. فالهاء مضاف إليه، والمضاف إليه مجرور.

وكقوله تعالى: ﴿وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون: 33]، يعني: يشرب من الذي تشربون منه، فحذف الضمير "منه" فحُذف حرف الجر معه.

هذا هو الكلام على الاسم الموصول، لننتقل إلى النوع الخامس من العارف، وهو المعرَّف بـ "أل" أو كما قال (بالأداة).

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم ذو الأداة، وهي "أل" عند الخليل وسِيبَوَيْهِ، لا اللامُ وحدَها خلافًا للأخفش)}.

النوع الخامس من المعارف هو: المُعرَّف بـ "أل".

ويُقال: المُعرَّف بالألف واللام.

ويقول ابن هشام (المُعرَّف بالأداة)، ليخرج من الخلاف الذي أشار إلى بعضه هنا.

إذا قلتَ: "جاء الرجلُ" فــ "الرجل" معرَّف بالأداة، ولكن ما هي هذه الأداة؟ هل هي "أل" كلها أو بعضها؟

فيه خلاف:

قال الخليل: "أل" كلها أداة تعريف، والهمزة همزة قطع، ثم صارت من أصل الكلمة لكثرة الاستعمال.

وقال سيبويه: "أل" كلها أداة تعريف، والهمزة زائدة.

والأخفش يقول: أداة التعريف هي اللام فقط، والهمزة زائدة، لا تؤثر لا في تعريف ولا في غير تعريف.

وقد تجد في الكتب المتقدمة في كتب التفاسير يقولون: معرَّفٌ باللام -على قول الأخفش.

ثم ذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- أنواعَ "أل" المعرفة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وتكون للعَهْدِ نحو: ﴿فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ﴾ و "جاء القاضي"، أو للجنس كـ "أَهْلَك الناسَ الدينارُ والدرهمُ" ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، أو لاستغراق أفرادِه نحو ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ أو صفاتِه نحو "زيدٌ الرجلُ")}.

إذا قلتُ لكَ: "القلم" فهذه معرفة، والمعرفة تدل على معيَّن، ولكن المعيَّن هنا غير محدد أيُّ قلم، فهل يكون نكرة؟!

الجواب: التعريف بـ "أل" له طريقة معيَّنة، فهو لا يكتسب التعريف من "أل" نفسها، وإنَّما يكتسب التعريف من خارجها، إمَّا بإرادة عهدٍ معيَّن بين المتكلم والمخاطَب، أو بإرادة الجنس، فعندما تعبث بالقلم وأقول لك: "دع القلم" تعرف مباشرة القلم الذي أريدُ، وهو القلم الحاضر معكَ وتعبث به، وعندما يُطرَق الباب فأقول "افتحْ الباب"؛ مباشرة يُعرَف الباب المراد. وهكذا، هناك قرائن بين المتكلم والمخاطب تصاحب "أل" فتجعل المراد معروفًا.

فلهذا نقول: الذي يُكسبُ التعريف هو:

- إمَّا أن يكون هناك عهد بين المتكلِّم والمخاطَب.

- أو الجنس.

نبدأ بـ "أل" العهديَّة، وهي على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: العهديَّة الذكريَّة، يعني هناك اسم نكرة ذُكر من قبل في الكلام، ثم أُعيدَ هذا الاسم مع "أل"، فنعرف أن المقصود هو الاسم المتقدِّم، كأن أقول لك: "اشتريتُ قلمًا، ثم إني بعتُ القلم" فكلمة "القلم" الثاني المقرونة بـ "أل" أريدَ بها نفس كلمة "قلم"؛ فهذا عهد ذكري.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل: 15، 16]، فالرسول الذي عصاه فرعون هو المذكور من قبل.

وكقوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ [النور: 35]، فالمصباح الذي في زجاجة هو المذكور في قوله ﴿كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾.

ثم قال: ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾، وهذه الزجاجة التي كأنها كوكب دري هي الزجاجة المذكورة في قوله ﴿المصباح في زجاجة﴾.

النوع الثاني: العهدية العلميَّة الذهنيَّة. وهذه أكثر أنواع "أل"، يعني: فيه عهد في ذهني وفي علمي بيني وبينك أنِّي أريد هذا الشيء المعيَّن، فمباشرة عندما أُلقي إليكَ الكلمة مع "أل" فيقترن الذي في ذهنك بها ويعرفها.

مثلًا: نحن دائمًا نجتمع في استراحة معيَّنة في يوم الخميس، فأرسل إليكم رسالة وأقول لكم "الاجتماع في الاستراحة"، فمباشرة يقوم العهد الذهني ويُحدِّث هذه الاستراحة التي نذهب إليها كل خميس.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ [التوبة: 40]، أي: الغار الذي كانا فيه عندما كانا في الهجرة، وهو غار ثور.

وقوله تعالى: ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [النازعات: 16]، يعني: طوى.

وقوله: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [البقرة: 53]، أي التوراة.

وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح: 18]، وهي: شجرة الروضان التي حدث تحتها المبايعة.

ومثل: لو كنَّا جالسين في مكان أو قاعة وننتظر أستاذ المادة، فدخل طالب وقال "جاء الأستاذ" فهو يريد أستاذًا معيَّنًا في ذهني وذهنك، وهو الذي ننتظره الآن.

النوع الثالث: العهديَّة الحضوريَّة. كقولك لمن يعبث بالقلم "دع القلم"، أو "افتح الباب"، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3]، أي اليوم الذي كانوا فيه وهو يوم عرفة.

النوع الثاني من أنواع "أل": "أل" الجنسية، وهي أنواع:

النوع الأول: أن تكون لاستغراق الأفراد: إذا استطعتَ أن تحذفها وتضع مكانها كلمة "كل" أو "أي".

كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 2]، يعني: إنَّ كل -أو "أي"- إنسان لفي خسر، إلا مَن استثني.

وكقوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]، يعني: كل حمدٍ لله رب العالمين.

النوع الثاني: أن تكون لاستغراق الصفات: وتستعمل في المبالغة، وتأتي بمعنى "كل" أيضًا، لكن على جهة المبالغة لا على جهة الحقيقة، كقولهم "المتنبي هو الشاعرُ"، يعني: المتنبي هو الشاعر الذي جمع كل صفات الشاعر الحقيقي، فهي لجمع الصفات مبالغة لا حقيقة.

ومثل قولك: "الزيدٌ الرجل"، يعني: كل صفات الرجل فيه.

النوع الثالث: للماهية أو للحقيقة، يُراد حقيقة الجنس وحقيقته، ولا يراد أفراد الجنس واحدًا واحدًا، كقولك "الأسد أشجع من الذئب" فهذا كلامٌ صحيح، ولكن بعض الذئاب أشجع من بعض الأسود، وهذا معروف عند العارفين بالحيوانات.

وكقولك: "المرأة أحنُّ من الرجل"، صحيح، ولكن بعض النساء قاسة وتجد بعض الرجال أحن منهن.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، فهل كل نقطة من الماء خلق الله منها حيًّا؟ لا، ولكن من هذا الجنس.

ثم ختم ابن هشام الكلام على "أل" بقوله: (وإبدالُ اللام ميمًا لغةٌ حِمْيَرِيَّةٌ).

قبيلة حمير في جنوب الجزيرة تتخصَّص ببعض الخصائص اللغوية، منها أنها تقلب "أل" في التعريف إلى "أمْ" فبدل أن يقولوا "الرجل" يقول "أمْرَجُل" وهذه موجودة إلى الآن في عدد من مناطق جنوب الجزيرة.

ومن ذلك حديث يُروى «ليس من امبر امصيام في امسفر»، وهذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف لا يثبت، أما الثابت فهو بـ "أل" «ليس من البر الصيام في السفر».

ومن ذلك قول الشاعر:

ذاك خليلي وذو يعاتبني ** لا إحنةٌ عنده ولا جرمة

ينصرني منك غير معتذر ** يرمي ورائي بامْسَهمِ وامْسَلَمة

يعني: بالسَّهم والسَّلمة.

بقي لنا المعرف بالإضافة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (والمضافُ إلى واحد مما ذكر. وهو بحسب ما يضاف إليه، إلا المضافَ إلى الضمير فكالعَلَمِ)}.

النوع السادس من أسماء المعارف: هو الاسم الذي يُضاف إلى معرفة، مثل كلمة "قلم" نكرة، إذا أضفتها إلى أي معرفة:

- كضمير: "قلمي".

- أو علم: "قلم محمد".

- معرف بـ "أل": "قلم الطالب".

- اسم موصول: "قلم الذي بجانبي".

- اسم إشارة: "قلم هذا".

ولابد أن تضاف إلى معرفة، فإذا أضيفت إلى نكرة كــ "قلم طالبٍ"؛ فهنا ما تكتسب التعريف، بل تكتسب التَّخصيص الذي شرحناه من قبل.

درجة تعريفه: هو بحسب ما يُضاف إليه.

يعني كلمة "قلم" إذا أُضيفت غلى علم "قلمُ محمد" صارت في منزلة العلم، و"قلم الذي بجانبك" في منزلة الاسم الموصول.

إلَّا المضاف إلى الضمير فإنها ينزل درجة، فيكون بمنزلة العلم، لأنَّ الضمائر أعرف المعارف، ولهذا لا توصَف، وليس شيءٌ في قوَّتها.

وبهذا نكون قد انتهينا من تقسيم الاسم إلى معرفة ونكرة، وفي الدرس القادم سنبدأ -إن شاء الله بالكلام على المبتدأ والخبر -بإذن الله.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدَّمتم، وفي ختام هذه الحلقة نشكر لكم أعزائي المشاهدين طيب المتابعة، وعلى أمل أن نلقاكم في حلقةٍ أخرى من حلقات برنامجكم "البناء العلمي" إلى ذلك الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك