الدرس السادس عشر

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

5386 22
الدرس السادس عشر

قطر الندى

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".

في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ.

وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.

أرحبُ بكم وبالإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات.

{في الحلقة الماضية توقفنا عند باب الاشتغال، وسنبدأ في هذه الحلقة في باب التنازع، قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (بابٌ في التنازع)}.

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد؛ فأهلًا وسهلًا بكم في الدرس السادس عشر من دروس شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -عليه رحمة الله-، ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف، وهذا الدرس يُبثُّ من مدينة الرياض من الأكاديمية الإسلامية المفتوحة.

انتهينا من الكلام على باب الاشتغال، ونبدأ الآن بباب التنازع، وهذا الباب ذكر فيه ابن هشام مسألتين:

الأولى: حكم التنازع.

الثانية: تنبيه.

إلَّا أن ابن هشام لم يُعرِف التنازع، مع أن التنازع لا يُذكر في كتب المبتدئين أيضًا، فينبغي أن نعرِفَ المراد بالتنازع.

نقول: التنازع مشكلة نحويَّة حلَّها النحويُّون في هذا الباب.

ونبدأ من البداية لكي نعرف المشكلة:

لو قلت مثلًا: "جاءَ محمدٌ وعادَ" فليس هنا مشكلة؛ لأن "جاءَ" فعل ماضٍ، و "محمدٌ" فاعل، و "عادَ" فعل ماضٍ، وفاعله ضمير مقدر يعود إلى "محمد".

ولو قلت: "محمدٌ جاءَ وعادَ" أيضًا لا مشكلة، ففاعل "جاءَ" مُستتر تقديره "هو"، وفاعل "عادَ" ضمير مستتر تقديره "هو"، ولا مشكلة.

المشكلة عندما يتقدَّم الفعلان "جاء، عادَ" ويتأخر الفاعل "محمد" فتقول: "جاءَ وعادَ محمدٌ"، فـ "محمدٌ" فاعل لأيهما؟

لا يُمكن أن نقول: إنه فاعل لهما؛ لأنَّ لكل فعل فاعله، فهل تجعله فاعلًا للأول أو للثاني؟

التنازع لا يختص بالفاعل، قد يأتي في غير الفاعل كالمفعول به والمفعول فيه والجار والمجرور، وغير ذلك، كأن تقول: "رأيتُ وأكرمتُ زيدًا"، كما سيأتي ذكر ذلك.

إذًا؛ التنازع: أن يتقدَّم عاملان فأكثر ويتأخر معمولٌ لهما، إما مرفوعٌ أو منصوبٌ، وكل واحد من العاملات المتقدمات يطلب هذا المعمول، أي: تنازعت عليه. وهذا هو المراد بالتنازع.

(قال -رَحِمَهُ اللهُ: (يجوز في نحو: "ضربني، وضربْتُ زيدًا" إعمال الأول -واختاره الكوفيون- فيضمر في الثاني كل ما يحتاجه، أو الثاني -واختاره البصريون- فيُضمَر في الأول مرفوعُه فقط، نحو "جَفَوْنِي ولم أَجْفُ الأخِلاءَ")}.

حكم التنازع: يجوز أن تجعل المعمول المتأخر لأيٍّ من العاملات المتقدمات، وهذا متفق عليه.

إلا أنهم اختلفوا في المختار:

الكوفيون قالوا: إن الأفضل والمختار أن نجعله للعامل الأول لتقدُّمه.

البصريون قالوا: نجعله للعامل الثاني -أو الأقرب.

والتنازع له أحوال كثيرة، منها:

- أن يتقدم فعلان ويتأخر فاعل: مثل: "جاء وجلسَ زيدٌ"؛ فنقول:

* "زيدٌ" فاعل لـ "جاء"، وأمَّا "جلس" ففاعله مستتر يعود إلى "زيد" المتأخر، وهذا من المواضع القليلة التي يعود فيها الضمير إلى متأخر.

* أو نجعل "زيدٌ" فاعل لـ "جلسَ" وفاعل الفعل "جاء" مستتر يعود إلى "زيد".

- وقد يكون المتأخر المفعول به، كـ "رأيتُ وأكرمتُ زيدًا"، وفيها الخلاف نفسه:

* إما أن نجعل "زيدًا" مفعولًا لـ "رأيتُ" ونقدر المفعول في "أكرمتُ".

* أو نجعله مفعولًا لـ "أكرمتُ"، ونقدر المفعول في "رأيتُ".

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ [الكهف: 96]، فهل المعنى: آتوني قطرًا؟ أم: أُفرِغ قطرًا؟ فكلا العاملين "آتوني، أُفرغ" تنازعا "قطرًا".

- وقد يكون المتأخر ظرف مكان أو زمان، مثل: "سافرتُ وصمتُ يوم الخميس".

- وقد يكون المتأخر جار ومجرور، ومن ذلك ما جاء في الحديث «كما صليتَ وباركتَ وترحَّمتَ على إبراهيم»، فـ "على إبراهيم" جار ومجرور تنازعته "صلَّيتَ، باركتَ، ترحمتَ"، أي صليتَ على إبراهيم، أو: باركتَ على إبراهيم، ترحَّمتَ على إبراهيم.

- وقد يكون أكثر من معمول، كمفعول به، وظرف زمان، مثل "استعرتُ وقرأتُ كتابًا يوم الخميس".

ومن ذلك الحديث «تسبِّحون وتحمِّدون وتكبرون دبرَ كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين»:

 فــ "تسبِّحون وتحمِّدون وتكبرون" هذه ثلاث عاملات.

و "دبرَ كلِّ صلاة" ظرف زمان.

و "ثلاثًا وثلاثين" مفعول مطلق.

فظرف الزمان والمفعول المطلق تنازعته هذه العوامل الثلاثة، يعني: تسبحون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين.

- وقد يكون المعمول المتأخر يطلبه كل عاملٍ لوجه يختلف عن العامل الآخر، فعامل يطلبه فاعلًا، والعامل الآخر يطلبه مفعولًا به، مثل: "أكرمتُ وأكرمني زيد":

فـ "أكرمتُ" يطلبُ "زيدًا" مفعولًا به، فتقول: "أكرمتُ زيدًا".

و "أكرمني" يطلب "زيد" فاعلًا، فتقول: "أكرمني زيدٌ".

فإذا جعلتَ "زيد" للأول فتنصب "أكرمتُ وأكرمني زيدًا". وإن جعلته للثاني ترفع فتقول "أكرمتُ وأكرمني زيدٌ".

أو العكس: "أكرمني وأكرمتُ زيدًا"، فالأول يطلبه فاعلًا، والثاني يطلبه مفعولًا به.

والخلاف بينهم في المختار، يعني: المقدَّم والأفضل، والراجح في هذه المسألة هو اختيار البصريين بأن أغلب الغالبية الساحقة من المسموع إنما جاءت على اختيار البصريين، والذي جعل اختيار الكوفيين من النادر، فلهذا نسبة هذا القول غلى الكوفيين فيه نظر، ولا أظنهم سيختارون قولًا لم يأتِ عليه إلَّا النَّادر، ويتركون المختار الآخر، بل ربما أنهم أجازوا الوجهين بناءً على هذه الشواهد.

ومن ذلك قول الشاعر

جَفَوني، ولم أجفُ الأخِلاءَ، إنَّني ... لِغَيْرِ جَميلٍ مِنْ خليليَ مُهْمِلُ

المتنازع عليه: "الأخلاءَ"، فتنازعه "جفوني"، يعني: جفوني الأخلاءُ، فيطلبه فاعلًا.

ولو أن الفعل المتقدم هو الذي عمل في "الأخلاء" لكان ينبغي أن يقول الشاعر "جفاني الأخلاءُ" فيوحِّد الفعل؛ لأن الفعل يوحَّد مع الفاعل.

والفعل الثاني "ولمْ أجفُ"، وهو يطلب "الأخلاءَ" مفعولًا به، والفاعل ضمير تقديره "أنا".

والشاعر هنا أعمل الثاني فنصب "الأخلاءَ"، فلما أعمل الثاني عادَ إلى المعمول الأول الذي لم يُعمله في الأخلاء فأعطاه حقه وجعل فاعله ضميرًا، وهو واو الجماعة في "جفوني". وهذا على قول البصريين.

{شيخنا -أحسن الله إليك: هل ينبني على هذا تغيُّر في المعنى؟}.

لا، المعنى واحد، وإنما الكلام في الترتيب اللفظي.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وليس منه "كَفَاني -ولَمْ أطلب- قليلٌ من المال" لفساد المعنى)}.

أردا -رَحِمَهُ اللهُ- أن يُنبه إلى أن مثل هذا الأسلوب قد يشتبه بالتَّنازع، لكنه في الحقيقة ليس من التنازع، لأنَّنا لو جعلناه من التنازع لفسد المعنى.

وهذا البيت لـ امرئ القيس عندما ذهب ليطلب ملك آبائه، فيقول: أنا لم أطلب أمرًا عظيمًا وملكًا كبيرًا...؛ وقال فيما قال:

ولو كنتُ ما أسعى لأدنى معيشةٍ ** كفاني ولم أطلب قليلٌ من المالِ

فلو جعلنا ذلك من التنازع لقلنا: "قليلٌ من المال" يجوز أن يكون فاعلَ "كفاني"، ويجوز أن يكون مفعولًا لـ "أطلبُ"، ولكن هذا المعنى غير صحيح، فهو لا يقول: لم أطلبُ قليلًا من المال! وإنما يقول: لوْ أنِّي كنتُ أيَّ عيشةٍ؛ كفاني قليلٌ من المال؛ ولم أطلب المُلكَ الذي سافرتُ من أجله إلى الروم وفعلتُ وفعلتُ...؛ ففي الحقيقة أن مفعول "أطلبُ" محذوف"، والمعنى: ولم أطلبُ الملكَ.

إذًا؛ هذا المثال ليس من باب التنازع.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بابٌ: المفعولُ منصوب. وهو خمسة)}.

بعد أن انتهى ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- من الكلام على الجملة الفعلية بصورها وما يلحق بها من الاشتغال والتنازع؛ بدأ بالكلام على المفاعيل الخمسة.

قوله (المفاعيل خمسة)، يعني أنها خمسة، وهي:

- المفعول به.

- المفعول في ظرف الزمان والمكان.

- المفعول له -يعني من أجله، أو: لأجله.

- المفعول معه.

- المفعول المطلق.

حكم المفاعيل الخمسة: النصب، لقوله -رَحِمَهُ اللهُ: (المفعول منصوب)، يعني: جنس المفاعيل حكمها النصب، يعني إذا كانت معربة فهي مفعول منصوب، وإذا كانت مبنية فهي مفعول في محل نصب.

 

قال -رَحِمَهُ اللهُ: (المفعول به، وهو ما وقع عليه فعل الفاعل كـ "ضربت زيدًا")}.

المفعول الأول هو: المفعول به.

ولم يُضِف ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- على ما قيل في شرح المبتدئين شيئًا، إلا أنه مما يدخل في المفعول به في الحقيقة أشياء، وهي:

- المنادى: لأنَّك إذا قلتَ "يا محمدُ" يعني: أدعو محمدًا.

- التَّرخيم.

- الاستغاثة.

- الندبة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ومنه المُنادَى)}.

قوله: (ومنه)، يعني من المفعول به.

وذكر ابن هشام في المنادى ستَّ مسائل:

- إعراب المنادى.

- نداء المضاف إلى ياء المتكلم.

- نداء الأم والأب.

- نداء المضاف إلى المضاف إلى ياء المتكلم.

- حكم توابع المنادى.

- حكم "يا زيدُ زيدَ الْيَعْمَلاتُ".

- لواحق النداء، وهي: الترخيم، والتعريف، والنُّدبة.

إلَّا أن ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- لم يُعرِّف المنادى.

وقلنا في تعريف المنادى: هو الاسم الواقع بعد أداة النداء كقولك: "يا اللهُ، يا زيدُ".

وكونه مفعولًا به لأن التقدير في "يا محمد": أدعو محمدًا.

فلهذا فإن المنادى -على جميع أعاريبه التي ستأتي- حكمه النصب:

- فإن كان معربًا يُنصَب، نحو: "يا عبدَ الله" بمعنى: أدعو عبدَ اللهِ.

- وإن كان مبنيًّا مثل: "يا محمدُ" فهو مبني في اللفظ، ولكنه في محل نصب.

وبذلك نعرف أركان النداء:

الأول: حرف النداء.

الثاني: المنادَى.

أمَّا أحرف النداء فقد ذُكرت في شرح المبتدئين، وأشهرها:

يا: يا محمد.

الهمزة: أمحمدُ.

أيا: أيا محمدُ.

أي: أي محمدُ.

هيا: هيا محمدُ.

وبعضها لها استعمال أكثر من بعض.

والكلام الآن سيدور على المنادى.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وإنما يُنْصَب مضافًا كـ "يا عبدَ الله"، أو شبيهًا بالمضاف كـ "يا حسنًا وجهه" و "يا طالعًا جبلًا" و "يا رفيقًا بالعباد"، أو نكرةً غيرَ مقصودةٍ كقول الأعمى: "يا رجلًا خذ بيدي". والمفردُ المعرفةُ يُبْنَى على ما يُرْفَعُ به، كـ "يا زيدُ، ويا زيدانِ، ويا زيدونَ" و "يا رجلُ" لِمُعَيَّنٍ)}.

إعراب المنادى:

في الحقيقة ليس فيه زيادة كبيرة على ما ذكر في شرح المبتدئين، وإن أردنا أن نُجمل الكلام على إعرابه فهو على نوعين، وإن أردنا أن نفصل فهو على خمسة أنواع، وهذه الأنواع الخمسة في الحقيقة تعود إلى هذين النوعين.

فالمنادى على نوعين:

النوع الأول: كلمة واحدة والمراد به معيَّن: مثل: "يا محمدُ، يا محمدانِ، يا محمدونَ" فحينئذٍ يُبنى على ما يُرفع به، فـالمنادى في "يا محمدُ" مبني على الضم، وفي "يا محمدانِ" مبني على الألف، وفي "يا محمدون" مبني على الواو.

وكذلك لو كنتَ تُكلِّمُ رجلًا معيَّنًا، كأن تقول: "يا رجلُ اتَّقِ الله، يا طالبُ دع القلم"؛ لأنَّك تُنادي كلمة واحدة وتريدُ بها معيَّنًا.

إذًا؛ يدخل في هذا النوع:

* المعرفة المفردة، كما قال: "يا زيدُ، يا اللهُ، يا رحمنُ، يا إبراهيمُ، يا مريمُ، يا نوحُ".

* النكرة المقصودة، وهي معرفة لأنها مقصودة، مثل: "يا رجلُ اتق الله، يا طالبُ دع القلم".

النوع الثاني: ما سوى ذلك، فإما أن يكون المنادى:

* أكثر من كلمة، مثل: "يا عبدَ الله، يا رحيمًا بالعبادِ".

* غير معيَّن، كأن تنادي أي طالب في القاعة وتقول: "يا طالبًا اجتهد" أو يقول الخطيب: "يا غافلًا اذكر الله".

حكمه: النصب. وعندما نقول: "النصب" أي: أنه باقٍ على إعرابه ويُنصب بعلامة الإعراب.

وعلى ذلك يدخل في هذا القسم:

- المركب الإضافي: مثل: "يا عبدَ الله، يا حارسَ المدرسةِ، يا غمامَ المسجدِ".

- الشبيه بالمضاف، وهو المركب الذي ليس بمركب إضافي، يعني: أكثر من كلمة بينهما علاقة، لكن على غير سبيل الإضافة، كأن تقول: "يا جميلًا وجهه، يا قبيحًا فعله، يا ثلاثةً وثلاثين رجلًا تعالوا، يا رحيمًا بالعباد، يا عالمًا بحالي".

- النكرة غير المقصودة، كما ذكرنا من قول الخطيب: "يا غافلًا اذكر الله"، أو "يا حاجًّا احفظ حجَّك".

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصلٌ: وتقول: "يا غلامُ" بالثلاث وبالياء فتحًا وإسكانًا وبالألف)}.

في هذه المسألة تكلم ابن هشام على الاسم المضاف إلى ياء المتكلم، كقولك "أخي، صديقي، كتابي، وطني"، ففيه ستة أوجه:

الوجه الأول: تقول: "يا صديقي تعال" تثبت الياء ساكنة.

الوجه الثاني: تقول: "يا صديقيَ تعال" تثبت الياء مفتوحة، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: 53].

الوجه الثالث: تقول: "يا صديقِ تعالَ" تحذف الياء وتبقي الكسرة قبلها، كما قال تعالى: ﴿يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر: 16].

الوجه الرابع: أن تقول: "يا صديقا تعال" تبقي الياء وتقلبها إلى ألف، وهذا أكثر ما يكون في أسماء الأجناس، ولا يكون في المعارف، كقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 56]، وقوله: ﴿وَقَالَ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: 84]، وقولك: "يا عجبا منك!".

الوجه الخامس: أن تقول: "يا صديقُ تعالَ" تحذف ياء المتكلم وتضمَّ ما قبلها، كما قال تعالى: ﴿قَالَ رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ على قراءة.

الوجه السادس: أن تقول: "يا صديقَ تعالَ" حذفت الألف وأبقيت الفتحة قبلها.

وهذا معنى قول ابن هشام: ("يا غلام" بالثلاث"، يعني: "يا غلامُ، يا غلامَ، يا غلامِ".

وقوله (بالياء فتحًا)، أي: "يا غلاميَ".

وقوله (إسكانًا)، أي: "يا غلامي".

وقوله (بالألف)، أي: يا غلام.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (و: "يا أَبَتِ، ويا أُمَّتِ" بِفَتْحٍ وكَسْرٍ. وإِلحاقُ الألف أو الياء للأولينِ قبيحٌ)}.

هذه المسألة في نداء الأب والأم، وإنما خصَّها لكثرة ندائهما، والقاعدة في اللغة العربية: أنَّ الشيء إذا كثُرَ التَّصرُّف فيه، فالأب والأم عند ندائهما فيهما عشرة أوجه:

الستة السابقة:

الأول: "يا أبي أحبك".

الثاني: "يا أبيَ أحبك".

إلى آخر هذه الأوجه.

الوجه السابع: أن تقول: "يا أبتِ أحبك، يا أمَّتِ أحبكِ"، تحذف الياء وتعوض عنها بتاء التأنيث المكسورة.

الوجه الثامن: أن تقول "يا أبتَ أحبكَ، يا أمَّتَ أحبكِ" أن تحذف الياء وتعوض عنها بتاء التأنيث المفتوحة.

وعلى ذلك جاء قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ﴾ [مريم: 42]، قرأ الجمهور بالكسر، وقرأ ابن عامر بالفتح ﴿يَاأَبَتَ.

الوجه التاسع: أن تقول: "يا أبتي"، فتثبت تاء التأنيث والياء.

الوجه العاشر: أن تقول: "يا أبتا" فتثبت تاء التأنيث والألف.

قال ابن هشام: (وإِلحاقُ الألف أو الياء للأولينِ قبيحٌ)، لأن فيه الجمع بين العوض والمعوض عنه، فتاء التأنيث إنما هي عوض عن الياء المحذوفة، والألف أصلها الياء ثم انقلبت إلى الألف.

وموضع القبح في هذين الوجهين الآخرين "يا أبتي، يا أبتا" إنما هو في الكلام، أما في الشِّعر فقد وردَ ذلك في كلام العرب، كقول الشاعر:

تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أَناكا ... يا أَبَتا عَلَّكَ أَوْ عَساكا

وقال الآخر:

يا أبتي فلا رِمْتَ مِنْ عِنْدِنا ... فَإنّا بِخَيْرٍ إذَا لَمْ تَرِمْ

وقال الآخر:

يا أبَتِي لا زِلْتَ فِينَـا فَـإنَّـمَـا ... لَنا أمَلٌ في العَيْشِ ما دُمْتَ عائِشا

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويا ابن أُمِّ، ويا ابنَ عمِّ" بِفَتْحٍ وكَسْرٍ. وإِلحاقُ الألف أو الياء للأولينِ قبيحٌ، وللآخَرَيْنِ ضعيفٌ)}.

هذه المسألة في نداء المضاف إلى المضافِ إلى ياء المتكلم.

المسألة السابقة كانت في نداء الاسم المضاف إلى ياء المتكلم مثل: "يا صديقي"، أما المسألة الآتية فهي أن تقول: "يا صديقَ صديقي، يا ابنَ أخي" تنادي مضافًا إلى مضافٍ إلى ياء المتكلم.

حكم نداء المضاف إلى المضاف إلى ياء المتكلم: فيه وجهان فقط، فيجب أن تثبت الياء مفتوحة أو ساكنة، فتقول: "يا ابن أخي تعال، يا ابن أخيَ تعال"، وليس فيه بقية الأوجه.

 

إلا في قولك: "يا ابن أم، يا ابن عم"، وفي حكمها "يا ابنة أم، يا ابنة عم"، لكثرة استعمالهما عند العرب، وفيها أربعة أوجه:

الوجه الأول: تقول: "يا ابن أمِّ تعال، يا ابن عمِّ تعال"، بحذف الياء، وكسر ما قبلها.

الوجه الثاني: "يا ابنَ أمَّ تعالَ، يا ابن عمَّ تعال"، بقلب الياء ألفًا وفتح ما قبلها، ثم حذف الألف.

قال تعالى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي﴾ [الأعراف: 150]، وقال: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي﴾ [طه: 94]، وفيه قراءة أخرى ﴿يا ابن أمِّ.

الوجه الثالث: تقول: "يا ابن أمي تعال، يا ابن عمي تعال" بإثبات الياء.

الوجه الرابع: تقول: "يا ابن أُمَّا تعال، يا ابن عمَّا تعال"، بإثبات الياء وقلبها ألفًا.

قال ابن هشام: إنَّ هذا الوجهان ضعيفان.

ونقول: هذا ضعيف في الكلام، أما في الشعر فقد وردَ، كقول الشاعر:

يَـا ابْـنَ أُمِّـي، وَيَـا شُـقَيِّقَ نَفْسِـي ... أَنْــتَ خَــلَّفْتَني لِدَهْــرٍ شَــدِيدِ

وقول الآخر:

يَا ابْنَةَ عَمَّا لا تَلُومِي واهجعي ... فليسَ يخلُو منكِ يومًا مَضْجَعِي

 

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصلٌ: ويجري ما أُفرِد أو أُضِيف مقرونًا بـ "أل" مِنْ نعتِ المبنيِّ وتأكيدِه وبيانِه ونَسَقِه المقرونِ بـ "أل" على لفظه أو محله، وما أضيف مجردًا على محله، ونَعْتُ "أيٍّ" على لفظه، والبدلُ والنَسَقُ المُجَرَّدُ كالمنادى المستقلِّ مطلقًا)}.

هذه المسألة في حكم تابع المنادى المبني، فلو قلتَ "يا محمدُ" ثم أتبعتَ "محمد" بشيء من التوابع:

- إما بنعتٍ: فتقول: "يا محمدُ الكريم".

- أو بعطف: فتقول: "يا محمدُ وزيدُ".

- أو بالتأكيد: فتقول: "يا محمدُ ونفسه".

- أو بالبدل: فتقول: "يا محمد أخي".

فحكم التابع حينئذٍ:

* المنادى المنصوب: ليس في توابعه إلا أن تكون تابعةً له على النَّصب، فتقول: "يا عبدَ اللهِ الكريمَ، يا عبدَ اللهِ نفسَهُ"؛ لأن المنادى حكمه الإعرابي النصب لفظًا ومحلًّا، فما بُني على شيءٍ آخر فخالف لفظه المحل؛ فليس له إلا النصب، فإن أتبعتَ اللفظَ نصبتَ، وإن أتبعتَ المحلَّ نصبتَ.

* أمَّا التابع المبني: وهو الذي خالف لفظه محله، فمحله النصب، ولفظه الضم، كقولك: "يا محمدُ" لفظه الضم ومحله النصب، فلهذا في تابعه تفصيل ذكره ابن هشام.

* أمَّا تابع "أيُّ" فليس فيه إلا أن يتبع اللفظ في الضم، فتقول: "يا أيُّها الرجلُ، يا أيَّتُها المرأةُ، يا أيُّها الناسُ".

* أما البدل والمنسوق المجرد:

فالبدل: فقد عرفناه من قبل.

وأما المنسوق المجرد: فهو عطف النسق الذي ليس فيه "أل".

قال ابن هشام: (والبدلُ والنَسَقُ المُجَرَّدُ كالمنادى المستقلِّ مطلقًا))، يعني: تعاملهما كأنهما منادًى حقيقي دخل عليه حرف النداء.

فإذا قلت: "يا محمدُ وزيد" فـ "زيد" هذا منسوق وليس فيه "أل"، فتقول: "يا محمدُ وزيدُ" فكأنك قلت: "يا محمدُ ويا زيدُ"، فتعامله معاملة المنادى المستقل.

* وأما بقية التوابع: النعت، التوكيد، عطف البيان، والمنسوق بـ "أل"؛ فإن كانت هذه تركيبًا إضافيًّا مجردًا من "أل" فحكمه على المحل.

كما لو قلت: "يا محمدُ" ثم نعتَّهُ بمركب إضافي، فقلت: "يا محمدُ صاحبَ زيدٍ" أو "يا محمدُ نفسَهُ"؛ فهذا ليس فيه إلا النصب مراعاة للمحل.

وما سوى المضاف المجرد يجوز أن تراعي المحل واللفظ، وهذا هو الأكثر، فقولك: "يا محمدُ الكريم" فـ "الكريم" هذا نعت، وليس مركبًا إضافيًّا؛ فلك أن تراعي المحل تقول: "يا محمدُ الكريمَ"، ولك أن تراعي اللفظ فتقول: "يا محمدُ الكريمُ".

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ولك في نحو "يا زيدُ زيدَ الْيَعْمَلاتُ" فتحُها أو ضمُّ الأول)}.

هذا أسلوب عند العرب وهو "يا زيدُ زيدَ الْيَعْمَلاتُ"، أي: تُكرر المنادى، ويكون في الثاني زيادة، كأن تقول "يا محمدث محمدَ الخير، يا طالبُ طالبَ العلم، يا سعدُ سعدَ الأوسِ".

وقول "يا زيدُ زيدَ الْيَعْمَلاتُ"، فـ "الْيَعْمَلاتُ" جمع "يعملة" وهي الناقة القويَّة.

ففي هذا الأسلوب لك وجهان:

الأول: أن تبقى على الأصل، فتقول "يا زيدُ زيدَ الْيَعْمَلاتُ"، فـ "يا زيدُ" منادى من النوع الأول مبني على الضم، و"زيدَ الْيَعْمَلاتُ" مركب إضافي منصوب، إما أنه بدل أو عطف بيان، أو أنه مفعول به، ويكون المعنى: أعني زيد اليعملات.

الثاني: أن تفتح الأول تخفيفًا، فتقول "يا زيدَ زيدَ" لكي يتَّفقا، وهذا من باب التخفيف.

فتقول: "يا طالبُ طالبَ العلم، يا طالبَ طالبَ العلم"، "يا سعدُ سعدَ الأوس، يا سعدَ سعدَ الأوس". وهذا كثير في كلام العرب.

والبيت المذكور هو لعبد الله بن رواحة في زيد بن الأرقم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- وله قصَّة يُمكن أن تراجع، فيقول:

يـَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلاَتِ الذُّبـَّلِ ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عَلَيْكَ فَـانْزِلِ

وكذلك قول الهاتف الذي سمعه المكي عندما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يذهب إلى المدينة، فقال:

فَإِنْ يُسْلِمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ مُخَالِفٍ

أَيَا سَعْدُ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدُ سَعْدُ الْخَزْرَجِيِّينَ الْغَطَارِفِ

أَجِيبَـــــــــا إِلَى دَاعِـــــــــــــي الْهُدَى وَتَمَنَّيَــــــــــــــا ... عَلَى اللَّهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَــــــــارِفِ

وكقول جرير:

ياتَيْمُ تَيْمَ عَدِىًّ لا أَبَا ... لَكُمُ لا يُلْقِيَنَّكُمْ فى سَوْأَةٍ عُمَرُ

هذا شاعر كان يُهاجي جرير ويقول: انتبهوا إذا ما كففتموه عنه سأهجوكم جميعًا؛ فلا يُلقينَّكم عمر في سوأة.

ثم ذكر بعد ذلك ابن هشام لواحق النداء، وهي: التَّرخيم، والاستغاثة، ولنُّدبة، وسيذكرها واحدًا واحدًا، وبدأ بالتَّرخيم.

ذكر ابن هشام في الترخيم مسائل:

- حكم الترخيم.

- تعريف الترخيم.

- شروط الترخيم.

- اللغتين اللتين في الترخيم.

- ما يُحذف من أجل الترخيم.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصلٌ: ويجوز تَرْخِيمُ المنادى المعرفةِ)}.

حكم الترخيم: جائز.

والترخيم لا يكون إلا في المنادى المعرفة، أي: ما يكون في غير النداء كالمبتدأ والخبر والمفعول به.

والترخيم: هو حذف الحرف الأخير، كما لو قلت: في "جعفر - جعف "، فلو كان فاعلًا كـ "جاء جعفرٌ" ما تقول: "جاء جعف"! إلا في النداء فتقول: "يا جعفرُ - يا جعف ".

ويكون الترخيم في المعرفة ولا يكون في النكرة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وهو حذفُ آخره تخفيفًا)}.

قوله: (آخره) الهاء تعود إلى المنادى المعرفة، فكأنه قال في التعريف: حذفُ آخر المنادَى المعرفة تخفيفًا.

وقوله: (حذف)، يعني أن الترخيم أن تحذف من آخر المنادَى حرفًا أو أكثر.

وقوله: (آخر) يُبيِّن مكان الحذف، فلا يكون الحذف في أول المنادى أو حشوه، بل يكون في آخره.

وقوله: (المنادَى المعرفة)، يعني أنَّ الترخيم لا يكون في غير النداء.

قوله: (تخفيفًا)، هذا بيان لسببه، فالترخيم يكون لأغراض ولفوائد كثيرة، من أهمها: التخفيف، وقد يكون هناك أغراض أخرى كالتَّحبُّب، مثل أن تقول لزوجتك أو لبنتك من باب التَّحبُّب: "يا عائش، يا فاطم".

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: 77]، قرأها ابن مسعود في قراءة شاذة {وَنَادَوْا يَامَالِ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، فقالوا: إن الترخيم هنا دلالة على الضعف، حتى أنهم ما يستطيعون أن يُكملوا الاسم.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فذو التاء مطلقًا كـ "يا طلحُ" و "يا ثُبُ". وغيره بشرط ضَمِّه، وعَلَمِيَّتِه، ومجاوزته ثلاثةَ أحرفٍ كـ "يا جعفُ")}.

والمُرخَّم نوعان:

- إما أن يكون مختومًا بتاء التأنيث: فيُرخَّم بحذف تاء التأنيث مطلقًا، كقول الشاعر:

أفاطِمَ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ ... وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

أي: يا فاطمة.

وكذلك في قولك: "يا فاطم، يا عائش"، حتى في النكرة المقصودة، فلو ناديتَ جاريةً معيَّنة تعلب، فتقول: "يا جاريَ تعالي".

فإن قيل: يلتبس المذكر بالمؤنث؟

نقول: لابدَّ أن يكون فيه دليل.

- أو غير مختوم بتاء التأنيث: يُرخَّم بثلاثة شروط، كأن تقول: "يا جعفر - يا جعف"، "يا سعاد - يا سعا"، "يا مالك - يا مال".

الشرط الأول: بناؤه على الضم: يعني أنه لا يقع إلا في النوع الأول من المنادى المبني على الضم، ولا يقع في المنصوب، فلا تقل: "يا عبدَ اللهِ، يا كريمًا خلقه"؛ فهذا ليس فيه ترخيم.

الشرط الثاني: علَمِيَّته، وهذا يُخرِج النَّكرة المقصودة.

الشرط الثالث: أن يكون أكثر من ثلاثة أحرف، وهذا يُخرج العلَم الثلاثي، مثل: "زيد، هند"، فلا يكون فيه ترخيم، أمَّا "جعفر، منصور، سعاد، مالك، ناصر، صالح، فهذه يُمكن أن ترخم بحذف آخرها.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (كـ "يا جعفُ" ضمًا وفتحًا)}.

هذا إشارة إلى اللغتين في الترخيم، فعندما ترخِّم بحذف آخر المنادَى لك لغتان للعرب:

اللغة الأولى: وتُسمَّى "لغة من لا ينتظر".

اللغة الثانية: يسمونها "لغة من ينتظر".

فلو أنَّك تُنادي "جعفرُ" ولم ترخم؛ تقول "يا جعفَرُ"، فالراء المضمومة هي نهاية الاسم، فإذا رخَّمتَ فإنَّه تحذف الراء، فتكون الفاء هي آخر حرف، فلك حينئذٍ:

1- أن تقول: "يا جعفَ" وهذه لغة مَن ينتظر، لأنَّ الذي يسمعكَ ما يعلم أنَّك رخَّمتَ أو ستأتي ببقيَّة الاسم حتى تنتقل لكلمة ثانية.

2- أو تقول: "يا جعفُ" فهذه لغة من لا ينتظر، لأنه علم أنَّك رخَّمت فلا ينتظر.

ويستويان في نحو "يا سُعا"؛ فالأصل "يا سعادُ" فإذا حذفتَ الدال؛ فحينئذٍ صارَ قبلها حرف مد، ما تظهر عليه الحركة، فتستوي اللغتان.

وكذلك في "منصور" إذا رخَّمتَ فإنك تحذف الراء وحرف المد، فالصاد مضمومة سواء على اللغة الأولى أو على اللغة الثانية "يا منصُ".

{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (ويُحذَف من نحو "سليمانَ، ومنصورٍ، ومسكينٍ" حرفانِ)}.

مسألة: ما يُحذف من المرخَّم.

عرفنا أن الترخيم لا يكون إلا في المنادى المعرفة، فقوله: "سلمان" لا يريد به الوصف من السلامة، وإنما يُريد علمًا، وكذلك في "منصور" لا يعني المفعول من "ناصر"، وإنما يريد إنسانًا اسمه "منصور"، وكذلك في "مسكين" لا يعني به الفقير، وإنما يعني إنسانًا اسمه "مسكين"؛ لأن المرخَّم لابد أن يكون علمًا.

والمرخَّم عندما تُرخِّمه:

- إمَّا أن تحذف منه حرفًا واحدًا في الأخير، وهذا هو الأصل.

- وإما أن تحذف منه حرفين: وهذا إذا كان الاسم ما قبل آخره حرف مد مسبوق بثلاثة أحرف فأكثر.

مثل: "سلمان" فقبل آخره ألف، والألف قبلها ثلاثة أحرف، فلك أن تقول: "يا سلمَ تعال، يا سلمُ تعال".

ومثل: "يا منصور" إذا رخَّمتَ فإنَّك تحذف الراء والواو، فتقول "يا منصُ تعال".

ومثل: "يا مسكين" إذا رخَّمتَ فإنَّك تقول: "يا مسكُ تعال، يا مسكِ تعال" على اللغتين.

قال الشاعر:

يا مَرْوَ إن مَطِيَّتِي محبوسةٌ ... تَرْجُو الحِباءَ ورَبُّها لم يَيأَسِ

يعني: يا مروان.

وقال الآخر:

قِفِي فانْظُرِي يا أسمُ هلْ تَعرِفِينَهُ ... أهَذَا المُغِيرِيُّ الَّذِي كانَ يُذكَرُ؟!

يعني: يا أسماءُ. فإذا رخَّم على لغة من ينتظر لقال: "يا أسمَ"، أما على لغة من لا ينتظر "يا أسمُ".

وقد يكون الترخيم بحذف كلمة كاملة، وذلك في المركب المزجي، كـ "معديكرب" فتقول: "يا معدِ تعال"، وفي "حضرموت" تقول: "يا حضرَ ما أجملكِ".

فهذا ما يتعلق بالترخيم.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصلٌ: ويقول المستغيثُ: "يَا لَـله للمسلمينَ" بفتح لام المستغَاث به، إلا في لام المعطوفِ الذي يتكرر معه يا، ونحوُ "يا زيدُ لعمرٍو" و "يا قومِ للعجبِ العجيبِ")}.

ذكر ابن هشام في هذا الباب مسألتين:

الأولى: أركان الاستغاثة.

الثانية: أساليب الاستغاثة.

والاستغاثة: أن تُنادي مَن يساعدك في أمر أو يدفعك عنك شرًّا، والاستغاثة النَّحويَّة خلاف الاستغاثة الشَّرعيَّة.

أركان الاستغاثة:

- حرف الاستغاثة.

- المستغاث به.

- المستغاث له.

يعني: عندك مظلوم، وتريد أن تنادي زيدًا -أي: تستغيث بزيد- لكي ينصر هذا المظلوم؛ فنأتي بأسلوب الاستغاثة على النحو التالي:

1- تأتي بحرف الاستغاثة: يـا.

2- تأتي بالمستغاث به "زيد" وتجره بلام مفتوحة، وليست مكسورة، فهي لام جرٍّ ولكنها مفتوحة، فتقول: "يـا لَزيدٍ".

3- تأتي بالمستغاث له وتجره بلام مكسورة، فتقول: "يـا لَزيدٍ لِلمظلومِ".

مثال: تريد أن تستغيب بالله للمسلمين:

1- تأتي بحرف الاستغاثة: يـا.

2- المستغاث به تجره بلام مفتوحة: يـا لَله.

3- المستغاث به تجره بلام مكسورة: "يا لَلهِ لِلمسلمين"، كما قال عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عندما طعن.

 

أساليب الاستغاثة:

الأسلوب الأول -وهو الأكثر: وهو ما شرحناه قبل قليل، مثل: "يـا لَمحمدٍ لِمظلومِ، يا لَله لِلمسلمينَ".

الأسلوب الثاني: أن تأتي بالمستغاث به مختومًا بألف زائدة، فتقول: "يـا زيدَا لِمحمدٍ، ويـا محمدًا لِلمظلومِ".

ومن ذلك قول الشاعر:

يَا يَزِيْدًا لآمِلٍ نَيْلَ عِزٍ ... وَغِنَى بَعْدَ فَاقَةٍ وَهَوَانِ

الأسلوب الثالث: أن تأتي بالمستغاث على هيئة المنادى -كما درسنا قبل قليل- فتقول: "يا محمدُ لِلمظلومِ".

كما قال الشاعر:

أَلا يا قَوْمِ لِلعَجَبِ الْعَجيبِ ... ولِلْغَفَلاتِ تَعْرِضُ لِلأَريبِ

والأصل: "يا قومي"، فالمنادى مضاف إلى ياء المتكلم، ففيها أوجه، ومن هذه الأوجه: حذف الياء وإثبات الكسرة

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (والنادب: "وا زيدَا، وا أميرَ المؤمنينَا، وا رأسَا")}.

ذكر ابن هشام في باب النُّدبة مسألتين:

الأولى: أركان النُّدبة.

الثانية: إلحاق هاء السَّكت.

المراد بالنُّدبة: نداء المتفجِّع عليه، أو المتألَّم منه.

مثلًا: إنسانٌ مات، أو ترثي لحال إنسان أو جماد؛ فترثيه بالنُّدبَة، فتقول: "وا محمداه، وا كتاباه، وا إسلاماه".

أركان الندبة:

الركن الأول: حرف الندبة، وهو "وا" وهو الأشهر، وقد يكون "يا" ولكن بشرط أن يكون المعنى واضحًا، ولا يلتبس بالنداء المعتاد.

الركن الثاني: المندوب، وله أسلوبان:

الأسلوب الأول -وهو الأكثر: أن يكون مختومًا بالألف، مثل: "وا عمرا، وا محمدا، وا رأسا".

الأسلوب الثاني: أن تعامله كالمنادى، مثل: "وا عمرُ، وا محمدُ".

قال الشاعر جرير وهو يرثي عمر بن عبد العزيز:

حُمّلْتَ أمرًا عَظِيمًا فاصْطَبَرْتَ لهُ ... وَقُمْتَ فِيهِ بِأمْرِ الله، يا عُمَرَا

فواضح أنه يُريد النُّدبة.

قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ولك إلحاق الهاء وقفًا)}.

إذا وقفتَ على المندوب؛ فلك:

- أن تقف عليه بلا هاء، مثل: "وا محمدا، وا رأسا".

- أو تُلحق الهاء عند السكت، مثل: "وا محمداه، وا رأساه"، وتسمَّى هذه هاء السكت؛ لأنه لا يُؤتَى بها إلا في السكت، فلو وصلت الكلام فإنَّك تحذفها، فتقول: "وا محمدا تعال، وا رأسا أنت تؤلمني".

هذا ما يتعلق بالنُّدبة، والحمد لله ربِّ العالمين، وانتهى بذلك الدرس.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدَّمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم، والشكر موصولٌ لكم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، إلى حلقة أخرى من حلقات برنامجكم "البناء العلمي" إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك