الدرس الأول

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

7271 18
الدرس الأول

كتاب التوحيد 3

{بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أهلاً وسهلاً بكم أعزاءنا المشاهدين، في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) نشرع فيه في درسٍ جديدٍ من دروس شرح (كتاب التوحيد)، يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، أهلاً وسهلاً بك فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة المستمعين والمشاهدين، ونسأل الله -جل وعلا- للجميع العلم النافع والعمل الصالح.
{أستأذنكم فضيلة الشيخ في البدء بالقراءة}.
نعم، تفضل.
{قال المؤلف -رحمنا الله وإياه-: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:165]، وقَولُهُ: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة:24])}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فنستكمل -بعون الله تعالى- القراءة والدراسة في (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) للشيخ الإمام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى وغفر له- ووصلنا إلى هذا الباب المهم العظيم المتعلق بأعمال القلوب، وهو قول المؤلف -رحمه الله-: (باب قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾) [البقرة: 165-168]، ونقول في هذه الآية:
أولاً: قوله -جل وعلا-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ هذا في بيان حال المشركين، وما يقوم في قلوبهم، وما يتبع ذلك من الأفعال والأقوال الشركية التي يقعون فيها، والباعث لها هو ما قام بقلوبهم من المحبة الشركية التي تقوم بالقلب، والتي تسمى: "محبة العبادة"، وذلك أنَّ المحبة تنقسم إلى أنواع يعرفها كل عاقل، والتفريق والتمييز بين هذه الأنواع معلوم لدى العقلاء، ولا أقول معلومًا لدى المسلمين، بل كل عاقل يعرف الفرق بين أنواع المحبة التي تقوم بالقلب، وستأتي الإشارة إليها لاحقًا.
ومن أنواع المحبة، بل هو أشدها وأقواها: ما يتعلق بالعبادة، والتي تسمى: "محبة العبادة"، وهذه المحبة يجب أن تكون خالصة لله -جل وعلا-، ولها مُقتضى يُؤثر على أفعال العبد وأقواله، ويُؤثر كذلك على أفعال القلب، فمحبة العبادة تقتضي الخضوع، والذل، والاستكانة، والإخبات، والطاعة، والاستجابة والامتثال، وتقتضي هذه المحبة كذلك صدور الأفعال والأقوال التي يُحبها من توجهت له محبة العبادة، فَمَنْ صَرَفَ هذه المحبة لله -جل وعلا- فإنه يخضع لله، ويذل لله، ويستكين لله، ويطيع الله، ويمتثل أوامر الله فيدعوه ويرجو ويستغيث به، ويلجأ إليه، ويسجد له ويركع.
كل هذا من ثمرات وآثار هذه المحبة "محبة العبادة" التي قامت بقلبه.
أمَّا حال المشركين فعلى العكس من ذلك، فقد قام في قلوبهم محبة الأوثان، ومحبة الأصنام، ومحبة المعبودين من سوى الله -عز وجل-، فمنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد النار، ومنهم من يعبد أصحاب القبور، ومنهم من يعبد الأنصاب، ومنهم من يعبد النجوم والكواكب، ومنهم من يعبد الجن، ومنهم من يعبد الملائكة، إلى آخر معبوداتهم.
السؤال: لماذا يعبدونهم؟
لأنه قام في قلوبهم هذه المحبة الشركية، ولهذا بين الله -عز وجل- حكم أصحابها في هذه الآية الكريمة، فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّه﴾، وإذا تأملت سياق الآية وما قبلها، من قول الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:164]، يعني: النعمة الواحدة من هذه النعم الجليلة توجب شكر الله، ومحبته، وحمده، والثناء عليه، فكيف بمجموعها؟ وكيف بغيرها من الآيات؟ ولهذا قال: ﴿لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
وجاء بعدها مباشرة، أي في مقابل هذه النعم التي يُقر بها الخلق من الناس، وهذا السياق سياق ذم وتقريع ولوم ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾ يعني: يرى نعم الله، ويعرف أنها من الله، ثم يترك الله -عز وجل- ولا يحبه ولا يلجأ إليه، ومعلوم أنَّ أعظم أسباب نشوء المحبة في القلب تذكر النعم، فإذا أنعم عليك أحد الناس بنعمة، فإنه -ولا شك- أنَّ قلبك سيميل إليه، فإذا تذكرت أنَّ هذا المخلوق وجميع المخلوقين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، وأنَّ المنعم على الإطلاق هو الله -عز وجل- أحببت الله -سبحانه وتعالى-.
فالآية السابقة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إلى آخرها، تُعدد نعم الله -عز وجل- وهي نعم جليلة، توجب على العبد محبة الله، والثناء عليه، وحمده، وأن لا يتعلق قلبه إلا به، ولكن بالرغم من ذلك فقد حدث من المشركين هذا الشرك العظيم، بصرفهم "محبة العبادة" لغير الله تعالى، فأحبوا غير الله، وخضعوا لغير الله، وعبدوا غير الله، وذبحوا لغير الله، ونذروا لغير الله، وهذا هو الذي أوجب كفرهم وخلودهم في النار، كما جاء في آخر الآيات المذكورة سابقًا.
والواجب على المؤمن أن يحذر من هذا السبيل؛ لأنَّ ذكر هذه الآية الكريمة ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:165] فيه تحذير من سلوك هذا المسلك الوخيم، وأننا إذا رأينا من يصنع هذا الصنيع عرفنا ضلاله، وعرفنا أنه على الشرك العظيم، وأنه كفر عظيم، ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه﴾.
وهنا وقفة!
ما المراد بكلمة الأنداد في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾؟
الأنداد جمع ند، والند هو المثيل والنظير، والمكافئ والمشابه، يعني: يجعلونهم أندادًا لله، مع أنه لا يوجد لله ند، ولا يوجد له كفء، ولا يوجد له مثيل، ولكن لجهل المشركين وضلالهم العظيم، جعلوا تلك المعبودات مثل: الله!
كيف جعلوها مثل الله؟!
هل قالوا: إنهم يخلقون؟ الإجابة: لا.
هل قالوا: إنهم يرزقون؟ الإجابة: لا.
هل قالوا: إنهم يدبرون؟ الإجابة: لا.
لم يقولوا هذا، وإنَّما جعلوهم أندادًا لَمَّا صرفوا لهم السجود، والركوع، والدعاء، والذبح، والنذر، والاستغاثة، وغير ذلك من العبادات التي لا تصح ولا تليق إلا بالله -جل وعلا-؛ لأنَّه هو المستحق لها.
ولَمَّا صرف العبد أفعاله وعبادته الواجبة لله -عز وجلّ- لغيره -سبحانه- كان متخذًا ذلك الغير ندًا مع الله، وهذا معنى قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾.
قال: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ هنا يخبر عمَّا في قلوبهم، ونحن -أي: جميع البشر- ليس لنا إلا الظاهر، يعني: لو أنَّ مسلمًا سار بجوار مشرك في طريق، فإننا لا نستطيع أن نميز بينهما ولا أن نعرف أحوالهما، ولا ما في قلبيهما؛ لأنَّه لا يعلم ما في القلوب إلا الله -سبحانه وتعالى-.
والله -عز وجل- قد أخبر العباد عمَّا في قلوب المشركين، وعمَّا في قلوب الموحدين، فقال عن قلوب المشركين: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾!
أين علامات ومظاهر هذا الحب؟
هذا يظهر بالأقوال أو الأفعال الشركية؛ لأنَّ ما في القلوب لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ ولأن المحبة هي المحرك للعمل، وهذه قاعدة لابد أن نفهمها، وهي أنَّ جميع أفعال الخلائق مبنية على هذا المحرك العظيم، وهو محرك المحبة، فما من شيء يفعله الناس اليوم -كافرهم ومؤمنهم- إلا والباعث له في حقيقة الأمر هو المحبة، وكذلك الخوف والرجاء هي من محركات القلوب، ولكن المحبة هي السلطان الأعظم على القلب.
لَمَّا بين ربنا -جل وعلا- أن المشركين يحبون الأنداد؟ قال: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾، وقد اختلف أهل التفسير على قولين:
قال بعضهم: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ أي أنَّ المشركين الذين اتخذوا هذه الأنداد يحبون الله حبًا كبيرًا، ويحبون الأنداد حبًا كبيرًا، ولكنهم ساووا بين محبتهم للأنداد وبين محبتهم لله تعالى.
هذا هو القول الأول، وهذا هو الأرجح ولا شك؛ لأنَّ الكفار الذين نزلت فيهم الآيات ليسوا جاحدين لوجود الله تعالى، وليسوا جاحدين أنه هو الخالق -سبحانه- بل هم يعترفون بأن الله -عز وجل- هو: الخالق، الرازق، المدبر، ويحبونه، ولكنهم يحبون غيره مثل محبتهم له سبحانه.
هذا هو القول الأول في تفسير قوله: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾.
والقول الثاني: أنَّ المشركين يحبون الأنداد كالحب الواجب لله، وإلا فهم لا يحبون الله، وهذا القول فيه ضعف؛ لأنَّ الأدلة من الكتاب والسنة، ومن أحوال المشركين كذلك دلت على أنهم كانوا يتعبدون لله، وكانوا يظهرون أنهم يعبدون الله، ويحلفون به، ويحجون له، ويقولون: "لبيك اللهم لبيك، إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك"، فهم يلبون لله، ولَمَّا جاءوا يعيدون بناء الكعبة، قالوا: "اللهم لا تُرى" يعني: يظهرون تعظيم الله، حتى إن عبد المطلب قال: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، فهم يعترفون بهذا، ويعرفون أنَّ الله -عز وجل- هو الذي حمى البيت، ولو نظرت في قصائدهم وأقوالهم وما حكى الله -عز وجل- عنهم، بل انظر إلى هذه الآية الكريمة في سورة الزمر: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ﴾ [الزمر:3]، ستجد أنهم حتى في عبادتهم للأنداد يقولون: ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ﴾، فالله عندهم أعظم من الأنداد، أي في جهة الطلب والتقريب، ما قالوا: نعبد الأنداد لتقربنا إلى الأنداد، وإنما قالوا: ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ﴾، وهذا برهان.
بل حتى في قوله تعالى في سورة يونس: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ [يونس:18] فهم يرجون ما عند الله في ظاهر الأمر، ولكنهم حقيقة أشركوا مع الله غيره.
ولهذا كان القول الصحيح في تفسير الآية: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ أي: أنهم يحبون الله، ولكنهم يحبون الأنداد حبًا مساويًا لحبهم لله -عز وجل-، فأشركوا مع الله في المحبة، فأحبوا الله حب العبادة، وأحبوا الأنداد حب العبادة، وجعلوا حبهم للأنداد مساويًا لحبهم العبادة لله. وهذا معنى قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:165]، أي: يحبون الأنداد كحبهم لله.
قال الله -عز وجل- في تتمة الآية: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ يعني: المؤمنون أشد حبًّا لله من حب هؤلاء لأندادهم. لماذا؟ لأنَّ المؤمنين الموحدين أخلصوا حب العبادة، وأخلصوا جميع العبادات لله -جل وعلا- فلا يعبدون غيره، فصاروا يحبون الله -سبحانه وتعالى- محبة عظيمة، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾، ولهذا ماذا يفعل المؤمنون الموحدون؟ يصلون لله ولا يصلون لغيره، يسجدون لله ولا يسجدون لغيره، يركعون لله ولا يركعون لغيره، يدعون الله ولا يدعون غيره، يستغيثون بالله ولا يستغيثون بغيره، يذبحون لله ولا يذبحون لغيره، ينذرون لله ولا ينذرون لغيره، وهكذا في جميع العبادات، فهم أخلصوا جميع عباداتهم لله -سبحانه وتعالى-، ولهذا قال الله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ فهذه هي طريقة الرسل والأنبياء، وطريقة أتباع الرسل، أنهم يعبدون الله، ولا يشركون معه غيره.
وفي تتمة الآية: بيان حال المشركين، وما آل إليه أمرهم في الآخرة، قال الله -عز وجل-: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ يعني: لو استحضروا هذا وتذكروا مآلهم، وأنهم في الآخرة ستنقطع عنهم معبوداتهم، وتنقطع عنهم المودة التي تعلقوا بها في الدنيا؛ لتركوا ذلك الشرك ولأخلصوا العبادة لله ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ المتبوعون الذين كانوا أئمة يُقتدى بهم في الشر وفي الشرك، ماذا حدث لهم يوم القيامة؟
يتبرؤون ممن اتبعهم، قال تعالى: ﴿إذ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾، والأتباع يقول لهم من اتبعوهم، أي: أسيادهم وأمراؤهم وشيوخ الشرك والكفر، قالوا: لسنا منكم في شيء، نحن نتبرأ منكم، فصار يلعن بعضهم بعضًا، ويتبرأ بعضهم من بعض، ورأوا العذاب يوم القيامة، أي: نار جهنم، ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾، يعني: المودة التي كانت بينهم في الدنيا؛ لأنهم وضعوا أسبابًا منها: أحدهم يتعلق بقبر، آخر يتعلق بصنم، وثالث يضع له حديدة على القبر يرجو نفعها، أو يرجو أن هذا الميت يؤثر فيسبب له العلاقة الزوجية الحسنة، أو أنَّ هذا الميت يشفي له مريضه، لأن قلبه متعلق به.
هذه مودة كانت في الدنيا، ولكنها تقطعت يوم القيامة وذهبت، قال تعالى: ﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ فهذا حال المشركين يوم القيامة.
ثم قال الله -عز وجل-، مبينًا حالاً آخر مما يقع يوم القيامة: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ الأتباع الآن ماذا يقولون؟ سمعنا قبل قليل ماذا قال المتبوعون للأئمة؟ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ يعني: نرجع إلى الدنيا فنتوب ونترك الشرك ونتبرأ منهم، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾، وهذا يُبين لك أن حقيقة التوحيد تعني أنه يجب لك أن تتبرأ من كل ما يُعبد من دون الله، وألا يكون في قلبك محبة لِمَا يُعبد من دون الله، بل تتبرأ منهم، ومحبة العبادة لا تُصرف إلا لله -سبحانه وتعالى.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ يعني: نرجع للدنيا، ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾ يعني: يوم القيامة كما تبرءوا منا، يا ليتنا نرجع للدنيا نتبرأ منهم.
هذا الخطاب نزل على الأحياء، فالآن أنت حي، وأنا حي، والمستمعون أحياء، وكل أهل الأرض الآن يبلغهم القرآن، فالواجب عليهم أن يحبوا الله -سبحانه وتعالى- وأن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يتبعوا رسوله قبل أن ينزل بهم هذا الموقف فيقولوا: ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾، ولهذا فقد قال الله -عز وجل- وهذا من العقوبة بعد العقوبة، فهي عقوبات متعددة، قال: ﴿كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.
إذًا تلك المحبة التي صرفت لغير الله هي: "محبة العبادة"، وصرفت للمعبودين من دون الله، وهذه محبة الشرك، فهم خالدون في نار جهنم، وهذه الأعمال التي كانت في الدنيا، يريهم الله إياها يوم القيامة، وفي النار، فتزداد حسراتهم ﴿كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ فهذا حال من أَحَبَّ حب العبادة لغير الله -عز وجل-، وصرف هذا الحق الخالص لله لغيره سبحانه. نسأل الله العافية والسلامة.
قال الشيخ -رحمه الله-: (وقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة:24]).
هذه الآية الكريمة في سورة التوبة تسمى: آية "المحبوبات الثمانية"، خمس من المحبوبات من البشر، وثلاثة من أمتعة الدنيا، ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ الأبوين: الأب والأم ﴿وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ وهذه خمسة وكلهم من البشر، بدأ بمن؟ بدأ بأغلى الناس عند الإنسان، وهما: الأبوان، ثم الأبناء، ثم الإخوة والأخوات، ثم الأزواج، ثم العشيرة، أي: القبيلة التي تحميك وتنتسب إليها.
هذه المحبوبات السابقة من البشر، والنفوس متعلقة بها جدًا، وكثير من الناس يَضِلُّ بسبب أبويه، فيستمر في الكفر والشرك بسبب أبويه، وكثير من الناس يضلُّ بسبب أبنائه، وكثير من الناس يضلُّ ويستمر على الشرك بسبب إخوانه وأخواته، وكثير من الناس ضلَّ بسبب زوجته، أو تضلُّ هي بسبب زوجها، وكثير من الناس يضلُّ بسبب عشيرته.
وهنا نستحضر ما مرَّ معنا في درس سابق، وهو قول جلساء السوء لأبي طالب: "أترغب عن ملة عبد المطلب؟" أي: عشيرتك، فهم كانوا على هذه الطريقة، وكانوا على هذا الدين، أترغب عنهم، وتقول: لا إله إلا الله؟!
قد يقول بعض المشركين والكفار: ماذا يقولون عليَّ إذ أنا أسلمت؟ وكيف أتعامل مع أهلي؟ فبين الله -عز وجل- أن التعلق بهؤلاء الأشخاص لا يعد من قبيل حب العبادة، وعلينا أن ننتبه إلى الفرق بين الحب الأول، وهو ما مر علينا في الآية الأولى، وبين الحب هنا في هذه الآية، وسيأتي شرح أنواع الحب.
وقال بعد العشيرة: ﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾، الأموال التي تجمع؛ لأنَّ بعض الناس يظن أنه إذا أسلم سيذهب عنه المال، إمَّا بسبب الهجرة، أو بسبب ضغوطات، أو كذا.
السابع من هذه المحبوبات بعد الأموال، قال: ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾.
والثامن والأخير: ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ فهذه المحبوبات تتعلق بها النفوس، وهذا يذكرنا بقول الله -عز وجل-: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران:14-15].
إذًا هذه المحبوبات أُحبت لماذا؟ أحبت بناء على الطبيعة البشرية، فمحبة الأبوين محبة بشرية طبيعية تقع لجميع الناس، ولا يُستثنى منها أحد.
هل يلام عليها الإنسان؟
الجواب: لا يلام عليها الإنسان، لا يلام على محبة الأبوين، ولا يلام على محبة الأبناء والزوجة والأقارب والعشيرة والمال، هذا حب طبيعي، لكن اللوم أن يجعل هذا الحب الطبيعي مُقدمًا على حب الله ورسوله، وعلى حب الدين الإسلامي، فيترك الدين الإسلامي ولا يسلم، أو يترك واجبات شرعها الله وأوجبها على عباده؛ لأجل هؤلاء المخلوقين، أو لأجل هذه الدنيا، فحينئذ يلام على هذا ويكون فاسقا بهذا، فلو ترك مثلا واجبًا من واجبات الشريعة، مثال: قال له أبواه: لا تصلِّ مع الجماعة، أو قال له أبواه: اشرب الخمر كما نشرب نحن، فشرب الخمر؛ فحينئذ يكون فاسقًا.
ما الواجب على المؤمن؟ نقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فهذا الحب غير الحب الأول "حب العبادة" ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾. طيب ما الفرق بينهما؟
نقول: هناك "حب عبادة"، وهناك "حب جبلي طبيعي"، والحب الطبيعي ينقسم إلى أنواع، منه ما هو حب شهوة كمحبة الزوجة، وبعض الناس يحب الشهوة "محبة محرمة" مثل: محبة الزنا، يحب أن يفعل الفواحش، هذا يسمى "حب شهوة".
الثالث من أنواع المحبة: حب احترام وتقدير، كحب الأبوين، فإنَّ الابن عندما يحب أمه لا يحبها محبة شهوة، بل يحبها محبة تعظيم واحترام وتقدير، وكذلك محبته لأبيه، وكذلك محبته للمعلم المحسن الذي علمه ودرسه.
هناك أيضًا من أنواع المحبة "محبة العشرة"، فمثلا الجيران فيما بينهم إذا كانوا متكاتفين ومتعاونين ومتراحمين، سينشأ بعد ذلك بينهم محبة تسمى "محبة العشرة والألفة".
وكذلك محبة الصديق الصادق النصوح تسمى: "محبة عشرة" فهذه محبة طبيعية، ولها أمثلة أخرى.
نفس كلمة الحب أو المحبة حَارَ العلماء في تحديدها بتعريف ضابط جامع لها، لكنها لا تحتاج إلى تعريف؛ لأنها معروفة، نفس الحب هو الميل، فهذا الميل القلبي معروف في نفوس الناس، لكنه باختلاف متعلقاته يتنوع ويتعدد وينقسم.
فمحبة من خلقك وأوجدك تسمى: "محبة عبادة"، ومحبة العبادة ينشأ عنها الخضوع كما تقدم في أول الدرس، والسجود، والركوع، والدعاء، والتعلق، والخوف، والرجاء، والاستكانة، والإخبات، والتعلق القلبي به. هذه عبادة.
وأمَّا "المحبة الطبيعية" فهي لا ينشأ عنها "محبة عبادة"، وهي مثل: محبة الأبوين، أو الأصدقاء، أو الجيران، أو الزوجة، فكلها لا ينشأ عنها عبادة، نعم قد يوجد عند بعض الناس غلو شديد، فيسرف ويسرف حتى ربما يبلغ به أذى فيصرف العبادة لمن لا يستحق العبادة، فيلحق بالصورة الأولى من أنواع الحب وهي: "حب العبادة"، ولكن هذا نادر في البشر، ولكنه متى ما وجد ألحق به.
هذا ما يتعلق بأنواع الحب من حيث هو، لكن ما يفعله العبد تجاه غيره، قد يكون يحب الله -سبحانه وتعالى-، وهذا حب العبادة، وقد يحب مع الله وهذا حب المشركين، ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ وقد يحب في الله ولله، وهذه محبة إيمانية مشروعة، وهي من أعلى درجات الإيمان، كما سيأتي في حديث أنس وغيره.
والحب في الله يعلم من قول الله -عز وجل-: ﴿الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ﴾ [اللزخرف:67]، فقوله -جل وعلا-: ﴿الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ﴾ دليل على أنَّ الخلة في الدنيا لغير التقوى، تنقلب عداوة ﴿إِلا الْمُتَّقِينَ﴾ في الدنيا تنفعهم الخلقة يوم القيامة.
إذًا هذا الحب في الله -الخلة- والنبي قال: «ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا» ، إذًا هذا ما يتعلق بهذه الآية الكريمة.
الآن نأخذ الأحاديث الواردة في هذا المقام.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعَينَ» أَخْرَجَاهُ.
وَلَهُمَا: عَنْهُ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُه أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا. وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ. وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذّفَ فِي النَّارِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى...» إِلَى آخِرِهِ)}.
قوله: (وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قال: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ» . أخرجاه) وأخرجاه: أي أخرجه البخاري ومسلم.
هنا مقام من مقامات الإيمان، وفرض من فرائض الإيمان، وهو حب الرسول محمد ، فلماذا شرع الله وأوجب محبة رسوله ؟
أولاً: لأنه رسول الله محمد بن عبد الله ، وقد أرسله الله -عز وجل-؛ ولذا يجب علينا أن نحبه؛ لأنه رسول من عند الله -عز وجل-، والله أرسله إلينا.
ثانيا: نحب رسول الله ؛ لأنه أحب الخلق إلى الله، فالله -عز وجل- يحبه، ومن يحبه الله فهو محبوب إلينا، إذًا نحبه لحب الله له.
ثالثًا: أمرنا الله -عز وجل- بحبه رسول الله ، كما أمرنا الرسول بحب الرسول. فنحن نستجيب لأمر الله ونستجيب لأمر رسوله ، ولذا فنحن نحبه .
رابعًا: لأنه أقوم الناس بالدين، هو أقوم وأكمل من عبد الله، وقام بدين الله، وجاهد في الله، وصبر لإعلاء كلمة الله، صلوات الله وسلامه عليه.
خامسًا: نحبه لأنه هو من بلغ رسالات الله، وهو الذي بلغ هذه الشريعة، وهو أنصح الناس وأفصحهم وأرحمهم، كما وصفه الله -عز وجل- بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة:128].
سادسًا: نحب الرسول لِمَا حباه الله -عز وجل- من الأخلاق العظيمة التي لا نظير لها أبدًا، قال الله -عز وجل- في شأنه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4].
إذًا هذا الحب للرسول واجب، ولكن كثير من الناس يقصر في هذا المقام، علامات كمال إيمان العبد ومحبته للرسول تكون بالاستجابة والامتثال، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران:31].
ولهذا إذا رأيت الرجل يعصي الرسول ويخالف أمره ولا يطيعه، فهل هذه علامة لمحبته أم علامة لضعف المحبة؟
الجواب: هذه علامة لضعف محبته.
وإذا رأيت الرجل حريصًا على تتبع سنة الرسول والتمسك بها والامتثال والقيام بها أتم قيام، فهذه علامة على أنه يحب الرسول ، وليست المحبة هي مجرد العاطفة المجردة عن الامتثال، هذه محبة كاذبة، يعني: لو أنَّ الإنسان الآن قال له أبوه: هل تحبني يا بني؟ قال: نعم يا والدي أحبك، ولكنه -أي الولد- لا يستجيب لأمر والده، بل يعصاه دائمًا، وربما سبَّه وشتمه، ولا يقوم بأمره، فماذا نقول عن هذا الابن؟ هل نقول: هو يحب والده؟! كيف يحب والده ويفعل تلك الأفعال المنكرة! بل يشتمه ويخالفه ويعصيه ويهزأ به، هذه علامة على بغضه لوالده، وليست علامة على محبته لوالده.
وهكذا نقول: علامة محبة الرسول أن يقوم هذا بقلب العبد، ويظهر آثاره على أقواله وجوارحه وأفعاله وأخلاقه، يقوم باتباع سنة الرسول ، ولكن ننتبه لأنَّ محبة الرسول ليست محبة مع الله، بل هي محبة في الله ولله ولأجل الله، والمقصود الأعظم هو الله؛ لأنَّ الله هو الذي أرسله.
أولاً: الله -عز وجل- هو الذي خلقه وخلق الخلائق كلها، فلا نجعل محبة الرسول مثل: محبة الله، فمحبة الله -عز وجل- محبة عبادة تقتضي أن نعبده -جل وعلا-، وأمَّا محبة الرسول فليست محبة عبادة؛ لأننا لا نعبد الرسول ، فنحن لا نصلي للرسول، ولا نركع له، ولا نستغيث به من دون الله، ولا نرجوه، ولا نخافه، ولا نتوكل عليه؛ لأنَّ هذا كله حق لله، ولا يصرف شيء منه لغيره، بل محبتنا للرسول أن نؤمن به، وأن نشهد بأنه رسول الله حقًا، ونبي الله صدقًا، وأن نؤمن ونصدق بجميع ما أخبر به ، ونمتثل ما أمرنا به، وننتهي عمَّا زجرنا عنه، ولا نبتدع في دينه، ولا نعبد الله بالبدع، هذا كله من علامات محبة الرسول .
أيضًا محبة المؤمنين كذلك، ومحبة الصالحين، ومحبة الصحابة -رضي الله عنهم- ومحبة التابعين، ومحبتنا لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة، ومحبة أمهات المؤمنين، ومحبة أهل بدر، ومحبة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، محبتنا لهم في الله ولله، فلا نبغضهم، ولا يكون في قلوبنا غلاً عليهم كما يفعل أهل البدع، ونسكت عمَّا شجر بينهم.
هذا مُقتضاه محبة المؤمنين، بدءًا من الصحابة، ومن جاء بعدهم، بل يشمل حب المؤمنين في الأزمنة السابقة قبل البعثة، ومن أتباع الرسل -عليهم الصلاة والسلام.
الحديث الذي أورده وهو قوله: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ» هذا نفي للإيمان، ولكن هل معناه أنه لا يؤمن الإيمان الكامل، أو لا يؤمن الإيمان الواجب؟
الإيمان الواجب، فهذا نفي للإيمان الواجب؛ لأنه إذا ورد نفي للإيمان في النصوص الشرعية؛ فإن المراد نفي الإيمان الواجب، وليس المراد نفي الكمال، بمعنى أنَّ من خالف في هذا فقد نقص إيمانه الواجب وصار آثمًا.
هل معناه أنه لا يؤمن أبدًا وأنَّه ليس بمسلم وأنه يعد كافرًا؟
نقول: لا، وإنما هو قصَّر في الإيمان الواجب، فإذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وترك الشرك وتبرأ منه؛ فهو مسلم، لكن إذا لم يقم بقلبه محبة الرسول «أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعَينَ» فصار يقدم ولده أو والده أو بعض الناس على محبة الرسول وعلى الاقتداء بأمره؛ صار عاصيًا آثما، ولكن لا نقول: صار كافرًا.
متى يكون كافرا؟
إذا انتفى من قلبه محبة الرسول تمامًا، أي صار لا يحب الرسول أبدًا، فإذا زال هذا عن قلبه صار مُنافقًا، كما قال الله -عز وجل-: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون:1]. هذه الشهادة منهم باللسان فقط، فرد الله -عز وجل- فقال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾. هذا ما يتعلق بشرح حديث أنس.
قال: (وَلَهُمَا) أي: للبخاري ومسلم، و(عَنْهُ) يعني: عن أنس -رضي الله عنه- قال: (قَالَ رَسُولُ الله : «ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ» ) نأخذ من هذا فائدة ما هي؟ أن الإيمان له حلاوة لا تذاق باللسان، ولكنها توجد في القلب، يحس المؤمن بالحلاوة. ولكن متى يجد المؤمن هذه الحلاوة؟
الجواب: إذا وجد هذه الثلاث وتحقق بها.
إذًا هناك حلاوة للإيمان، وهناك زينة للإيمان، «اللَّهمَّ زَيِّنَّا بزينَةِ الإيمانِ» ، سماها زينة، وهناك بشاشة الإيمان، فهناك أمور أضيفت للإيمان تدل على معانيه العظيمة، وأنه كما قال أهل السنة والجماعة: "قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان"، «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُه أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا»، وهذا تقدم معناه قبل قليل، فيقدم محبة الله -عز وجل- ومحبة الرسول على كل شيء.
الثاني: «وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ» وهذه محبة في الله، ومحبة لله، والمعنى متقارب، وفي الله، يعني: في دينه، وفي شرعه، وفيما أمر به، فيحبه لأجل ذلك. مثل أن يحبه لأنه يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ولأنه على عقيدة الصحابة والتابعين، ولأنه يكره ويبتعد عن البدع والشركيات، فيحبه في الله، يعني: في دينه، وفي شرعه، وفي أمره ونهيه -سبحانه وتعالى- وافقه هذا العبد فصار في قلبه محبة له.
وكذلك إذا قلنا: محبة لله، يعني: لأجل الله، فالله -عز وجل- يحب المؤمنين فهو لَمَّا علم أن الله يحب المؤمنين أحبه. هذا المعنى الأول
الأمر الثاني: «وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ» ويدخل في هذا المعنى محبة الصحابة، ومحبة التابعين، ومحبة أئمة الإسلام، وعلماء الإسلام، ومحبة أهل السنة والجماعة، ومحبة ولاة الأمر الناصحين، ومحبة كل من يقوم بدين الله -عز وجل- ويعمل بشرعه.
الأمر الثالث: وبه تكتمل حلاوة الإيمان وتوجد في القلب، «وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذّفَ فِي النَّارِ». هذا معنى عجيب، وهو أن يبغض الكفر حتى يبلغ من شدة بغضه للكفر هذا المعنى، وهو أنه لو قيل لك: سنلقيك في النار -الآن في نار تشتعل، حفرة مليئة بالنار- سنلقيك في هذه النار، فكيف تدفع نفسك؟ هذا شيء طبيعي، جبلة الإنسان أنه يمتنع من النار، بل هذا واجب على العبد المؤمن، فهو أمر عقلي وأمر شرعي، لأنه يكره النار تمامًا، فيستحضر بغضه للكفر كما يرى هذه النار، فيكره الكفر، ويكره شعائره، ويكره شعبه، كما يكره هذه النار. فإذا قام بقلبه هذا المعنى، جاءت حلاوة الإيمان في القلب، وأحس بهذه الحلاوة، فارتاح للإيمان وانبسط به، ووجد اللذة التي لا نظير لها في هذا الإيمان، «وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذّفَ فِي النَّارِ». هذا المعنى.
وفي الرواية قال: «لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ» هو معنى «ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ»، وهذا الوجد الإيماني السني الذي يجده في قلبه يكون بخلاف الوجد الصوفي الخرافي البدعي، فحذار حذار من وجد الصوفية المبتدعة، وعليكم بما قاله الله، وقاله رسوله من الوجد الإيماني فقط، فالأحوال الإيمانية هي ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وهي المحمودة، وأما الأحوال الخرافية البدعية الصوفية فهي مذمومة، ويجب الحذر منها.
{قال المؤلف -رحمنا الله وإياه-: (وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قال: «مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَوَالَى فِي اللَّهِ، وَعَادَى فِي اللَّهِ، فَإِنَّمَا تُنَالُ وَلَايَةُ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ -وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ- حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ لَا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئاً» رَوَاهُ بنُ جَرِيرٍ.
وقال ابنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾؛ قال: الْمَوَدَّةُ)}.
هذا الكلام من عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وهو كلام عظيم، وهو مؤدى ما سمعنا من الآيات والأحاديث، وهو مقتضى الحب في الله والبغض في الله.
قال: «مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ»، هنا أمران مُتقابلان، لا بد من وجودهما في القلب، بعض الناس يقول: أنا أحب الناس كلهم كافرهم ومؤمنهم، أنا أحب الجميع، وحقيقة كلامه لو عقل سيجد أن في قلبه حبًا وبغضًا، الكافر بجميع أنواع الكفر ومذاهبه الكافرة ،سواء الجديدة أو القديمة، كلها فيها حب وبغض، ولا يمكن لأحد أن يقول: أنا أحب الناس كلهم، هو مناقض لنفسه ومخالف، فلابد من وجود حب وبغض في القلب، لكن الآن تتحكم بهذا الحب من حيث إيمانك، ومن حيث اعتقادك، فماذا تعتقد؟ وماذا تؤمن؟
الكافر يعتقد عقائد فاسدة توجب له محبة أشياء فاسدة لا تنفعه، وبغض أشياء لا ينفعه بغضها، أما فيقول ابن عباس: «مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَوَالَى فِي اللَّهِ، وَعَادَى فِي اللَّهِ» ما الفرق بين والى وعادى؟
الموالاة في اللغة ثلاثة معان: الحب، والقرب، والنصرة.
والبغض والبعد عكس النصرة ماذا؟ المعاداة يعني: معاداة شيء لم ينصره، ترك نصرته، يأخذ ذنبا، والخذلان أحسنت. هذا عكس المعاداة وأنا عكس عادة.
إذًا الحب هذا ليس مجرد عاطفة محلها القلب ولا أثر لها، بل يظهر أثرها بالقرب من المؤمنين، فيشهد الجمعة ويشهد الجماعة، ويسمع ويطيع للولاة ولا يشذ عنهم، ويلزم جماعة المسلمين وإمامهم، ويشهد معهم الأعياد والجمع والحج، ولا يجاهد إلا تحت راية ولي الأمر، هذا كله من الموالاة، يوالي أهل الإسلام، وأما الذي يذهب إلى الكفار فيواليهم ويقترب منهم ما يهاجر من بلادهم مع أنها لا يوجد عنده عذر ويجالسهم ويؤاكلهم ليل نهار، لا يشهد الجمعة ولا الجماعة، ولا الأعياد، هذا نسأله أين الحب في الله؟ أين البغض في الله؟ ولهذا قال: «أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَوَالَى فِي اللَّهِ، وَعَادَى فِي اللَّهِ» فإنما تنال ولاية الله بذلك، تريد أن يجعلك الله -عز وجل- وليًا من أوليائه المتقين! تنال ولاية بهذه الأمور، تحب في الله، وتبغض في الله.
كيف تحب في الله؟
يعني: في دينه وفي شرعه، من قام بشرع الله تحبه، ومن ترك شرع الله تبغضه، ومن قام بالصلوات وترك المحرمات تحبه، ومن عكس تبغضه، وهكذا.
قال: «وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ -وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ- حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ». لو كان مصليًا صائمًا، ولكنه كان يبغض الصحابة، ويبغض التابعين، ويبغض أهل الإيمان، ويبغض أهل الإسلام ويسبهم ويشتمهم، ويحب أهل الشرك والوثنية ويدافع عنهم، ويقول: أنا أصلي وأصوم. نقول: لا، طعم الإيمان ذهب عنك، كما قال ابن عباس، ذهب عنك التوحيد.
قال: «وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا» كثير من الناس على المصالح الدنيوية يجتمعون وعليها يفترقون، وعليها يتعادون ويتباغضون.
قال: «وَذَلِكَ لَا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئاً» يعني: هذه المحبة الدنيوية القائمة على أمور دنيوية ما تنفعك، إنما ينفعك المحبة الدينية؛ لأنها هي الباقية يوم القيامة، وأمَّا المحبة الدنيوية ستزول، ولهذا قال ابن عباس فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ يعني: المودة، أي: التي كانت في الدنيا، سواء المودة التي انقطعت بسبب الشهوات المؤقتة أو المودة للأصنام والمعبودات من دون الله انقطعت، كما في شرح الآية.
هل معنى هذا تحريم التجارة والصناعة وما يصنعه الناس اليوم من علاقات تجارية؟
لا، هذا مباح، إلا إذا حملت على محرم أو على ترك واجب، فحينئذ تكون محرمة في الآية التي ذكرناها قبل قليل، ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة:24].
نأخذ من المسائل بعض المسائل المهمة وهي:
قال: (المسألة الرابعة: إنَّ نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام) يعني قول: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ» وتقدم شرحه، أنَّ للإيمان حلاوة، قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها، وهذا يدل على أنَّ من وجدها كمل إيمانه، ومن لم يجدها نقص إيمانه.
قال: (أعمال القلب الأربعة: أن يحب في الله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله، لا تنل ولاية الله إلا بها، ولا يجد أحد طعم الإيمان إلا بها).
قال: فهم الصحابي للواقع أنَّ عامة المؤاخاة على أمر الدنيا. تفسير ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ قال: الْمَوَدَّةُ" إن من المشركين من يحب الله حبًا شديدا. الوعيد على مكانة الثمانية عنده أحب من دينه. الثمانية في الآية في سورة التوبة. إن من اتخذ ندًا تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر هذا ما يتعلق بهذا الدرس المهم العظيم.
نسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{جزاكم الله خير شيخنا، وأحسن الله إليكم، وبارك الله فيكم، والشكر موصول إليكم أعزاءنا المشاهدين، على أمل اللقاء بكم في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك