الدرس الثالث عشر

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

7270 18
الدرس الثالث عشر

كتاب التوحيد 3

{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أهلًا وسهلًا بكم أعزائنا المشاهدين في حلقةٍ جديدة لشرح (كتاب التوحيد) لإمام الدعوة محمد بن الوهاب -رحمه الله تعالى- يشرحه لنا فضيلة الشيخ الدكتور/ فهد بن سليمان فهيد، نرحب وإياكم بفضيلة الشيخ}.
حياكم الله أخي عمر، وحيا الله الإخوة جميعًا، ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع، والعمل الصالح، والتوفيق لِمَا يحبه الله ويرضاه، وعلى بركة الله نبدأ بالقراءة، تفضل يا شيخ عمر.
{قال المؤلف -رحمه الله وإياه-: (بَابٌ اَلنَّهْيُ عَنْ سَبِّ اَلرِّيحِ
عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه-، أن رسول الله قال:
«لا تَسُبّوا الرّيحَ، فإِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: الّلهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ، وَخَيْرِ ما فِيهَا، وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعْوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ، وَشَرّ ما فِيهَا، وَشَرّ ما أُمِرَتْ بِهِ» صَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد؛ فيقول الشيخ الإمام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)
يقول: (بَابٌ اَلنَّهْيُ عَنْ سَبِّ اَلرِّيحِ)، والمراد بذلك: النهي الوارد في الشريعة، والنَّهي يدل على التحريم كما في هذا الحديث (عَنْ سَبِّ اَلرِّيحِ)، والسَّبُّ هو الشتم كاللعن والتقبيح، وذِكر الكلمات القبيحة في حق الريح، وذلك أنَّ الريح خلقٌ من خلق الله -عز وجل.
والريح هو هذا الهواء الذي يُحركه الله -سبحانه وتعالى-، فيأتي مرةً من الشمال، ويأتي مرةً من الجنوب، ويأتي مرةً من الشرق، ويأتي مرةً من الغرب، ويأتي مرات فيما بين تلك الجهات الأربع، فالجهات التي يأتي منها كثيرة، والله -عز وجل- هو الذي يُرسل الرياح، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلق جميع المخلوقات ومنها الريح.
وهذه الريح يحصل بها منافع كثيرة جدًا، وفي القرآن قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بأمره وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الروم:46]، خمس أمور عظيمة من منافع ذكرها الله -عز وجل- في هذه الآية في سورة الروم.
والريح مدبرة ليس لها من الأمر شيء، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي يُرسل الرياح، ومعلوم أنَّ الله -سبحانه وتعالى- خَلق جميع المخلوقات، ومن عظمته -جلّ وعلا- وقوته وقدرته، أن خلق الملائكة، وأوكلهم ببعض الأمور العظيمة، والملائكة ليس لهم من الأمر من شيء وسائر الخلق، وكل ما في الخلق من قوة ومن قدرة، فالله -عز وجل- هو الذي خلقها وأوجدها، وهو الذي يأمر بما يشاء وَيُقَدِّرُ المقادير، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82].
فإذا كان الأمر هكذا: فالمؤمن إذا نظر في الأحوال الكونية، والأحوال الفلكية، والأحوال التي تتعلق بالرياح والسحب، يعلم عظمة الله -سبحانه وتعالى-، ويرضى بقضاء الله وقدره، ولَمَّا كان السب فيه ما يلزم من الذَّمِّ لقدر الله، ولِمَا قَدَّره الله -سبحانه وتعالى-؛ نهى عنه رسول الله .
(عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه-، أنَّ رسول الله قال: «لا تَسُبّوا الرّيحَ»)، والنهي يدل على التحريم، إذًا سب الريح يعتبر من المحرمات.
ما علاقته بالتوحيد؟
علاقته بالتوحيد؛ أنَّ السبَّ يعود على الله -سبحانه وتعالى-، وهذا لا يقوله المسلم ولا يعتقده، يعني: أنَّ المسلم لا يسب الله ولا يريد ذلك ولا يعتقده، ولكن هذا من لوازم سَبِّ الريح، كما قلنا قبل في مسألة سب الدهر، فالذي يُقَدِّرُ المقادير -الأوقات وما يجري فيها من الأحداث- هو الله -سبحانه وتعالى-، ولَمَّا كان سب الدهر يعود على سبِّ الخالق؛ صار من المحرمات، «لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ» .
وهنا لَمَّا كانت الريح مأمورة -الريح مأمورة ومرسلة، ولا تتصرف باستقلال؛ لأنه ليس لها إرادة-، وهي مأمورة يأمرها الله -سبحانه وتعالى- بما يشاء، ومسخرة لتسخير الله -عز وجل- لها، ولم يُمَكَن أحد من الريح إلا نبي الله سليمان، حيث سخر الله له الريح تجري بأمره، وأمَّا غيره فليست الريح بأمره أبدًا.
إذًا تجري الريح بأمر من؟
تجري بأمر الله -عز وجل- فكيف تسبها حتى ولو جاءت بما يضر؟!
ولهذا قال : «فإِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ»، فلم يُنكر النبي أنَّ الريح قد تأتي بما يُكره، نعم الريح قد تأتي بما يسر، والريح أحيانًا تأتي بما يُكره.
فمثلًا مما يكرهه الناس الغبار الشديد، وهذا الغبار تحمله الريح وتأتي به على البلد كاملاً، وقد رأى الناس الآن في التسجيلات وفي الأخبار رأوا منظرًا عجيبًا من هذا المتحرك بسبب الريح بأمر الله -سبحانه وتعالى- مثل: الدولاب يمشي، كأنه بحر وهو غبار يدور ويمشي إلى البلد، فبينما البلد يكون مشمسًا وليس فيه أي شيء، إذا يُكدر صفاءه، وإذ به أظلم، وهذا يُبين لك ضعف المخلوقين، وفقرهم، وحاجتهم إلى الله -سبحانه وتعالى-.
ويُبين لك أيضًا أنَّ الدنيا لا تدوم على حال، فلا يغتر بها الإنسان، ويُبين لك أيضًا أنَّ البشر مهما أوتوا من قوة إلا أنهم لا يقدرون على أن يغيروا شيئًا من أقدار الله -عز وجل-، وأنَّ أمر الله نافذ وغالب ولا معقب لحكمه؛ وهذا من آيات الله التي يراها البشر، ففيها مصالح كثيرة، إذا رأيتها من هذه النواحي.
فيها أيضًا الرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأنَّ ينيب المؤمن إليه، ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «كانَ رَسولُ اللهِ إذَا كانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذلكَ في وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ» لخوفه من الله، وكان يكثر من الذكر والاستغفار، «فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ به، وَذَهَبَ عنْه ذلكَ» ، وهذه سنة ينبغي أن نفعلها، وهي أننا عندما نرى ما نكره من أمور الريح، ومن أمور الأجواء أننا نلجأ إلى الله -عز وجل-.
وفي الحديث السابق لَمَّا قالت عائشة: «إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أنْ يَكونَ فيه المَطَرُ، قال: «ما يُؤْمِنِّي أنْ يَكونَ فيه عَذَابٌ؟»، وقرأ هذه الآية: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأحقاف24-25]، فالمؤمن إذا رأى مثل هذه الأمور يعود إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهذا هو تحقيق التوحيد.
وأمَّا الذي لم يحقق التوحيد، وضعف إيمانه ويقينه، ماذا يفعل؟ بدلًا من الرجوع إلى الله، والذكر، والخوف من الله -سبحانه وتعالى-، تراه يبدأ في السبِّ ويقول: لعن الله هذه الريح، لعن الله هذا الغبار، أو لعن الله هذا الجو، أو نحو ذلك، وهذا منافٍ لكمال التوحيد الواجب، ومن فعل ذلك فقد أَخَلَّ بتوحيده.
والواجب عليه أمران:
الأول: أن يستغفر الله -عز وجل- عن هذا الكلام، وأن يُعظمه -سبحانه-، فإنَّ الله هو الذي يُدبر، وهو الذي يَأمر، وهو الذي يُرسل الرياح -سبحانه وتعالى-، فلا يجوز مثل هذه الأقوال.
ثانيًا: الواجب على المؤمن في مثل هذه الأحوال أن يكون قلبه مُعلقًا بالله، وهذا تحقيقٌ للتوحيد.
أمَّا أن ينسى الله -عز وجل- وينشغل بالأمور وبالأسباب الحسية فقط، فهذا لا شك أنه نقصٌ في التوحيد.
قال: «لا تَسُبّوا الرّيحَ، فإِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ»، كما تقدم أنَّ الريح قد يكون فيها ما يَكره، وقد يكون فيها ما يَسر.
قال: «فإِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: الّلهُمّ»، "اللهم" فيه أنَّ اللسان مع القلب يبغي الرجوع إلى الله -عزَّ وجل-، واللجوء إلى الله؛ وهذا حال المؤمن والمؤمنة.
«الّلهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ، وَخَيْرِ ما فِيهَا، وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ»، ثلاثة أمور:
الأول: «الّلهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ»؛ إذًا الريح نفسها قد تكون خيرًا، وقد تكون شرًا.
الثاني: «وَخَيْرِ ما فِيهَ»، يعني: الريح تحمل أشياء، فلهذا تسأل الله -عز وجل- خير الريح نفسها، وخير ما حملته وجاءت به، فإنَّ الريح هذه قد يأمرها الله -عز وجل- بحمل أشياء فيها خير، كيف؟ إذا حملت السحب، وجاء المطر، وارتوت الآبار، وصلحت الزروع، فهذه كلها أرزاق للعباد، والله -عز وجل- هو الذي قَدَّرها وَسَاقَها.
الثالث: «وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ»، إذًا الريح قد تُؤمر ويكون أمر الله -عز وجل- للريح متضمنًا لعدة أمور، كيف؟
قد يكون أمر الله -عز وجل- لهذه الريح فيه خيرٌ لبعض الناس، وقد يكون فيه شر لآخرين، وعليك أن تسأل الله خير ما أُمرت به.
ولا شكَّ أنَّ فعل الرب -سبحانه وتعالى- كله خير، وهذا إيماننا بالقدر، قال النبي : «وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ» ، فكل ما أمر الله -عز وجل- به وكل ما قدره فهو من جهة تقدير الرب -سبحانه وتعالى- خير، ولكن من جهة المأمور، ومن جهة المفعول، ومن جهة العبد، فقد يكون خيرًا لبعض العباد، وقد يكون شرًا للآخرين.
فمثلًا: وجود المرض بالنسبة للعبد، فهو من حيث إنه مرض، هل هو خير أم شر؟
الجواب: هو شر، وكذا وجود الفقر مثلا، أو فَقْدِ القريب ووفاته، أو الحرب، أو علاء الأسعار، أو كذا من مثل هذه الأمور، فهي بالنسبة للمخلوق شر، ولكنها من جهة تقدير الله -عز وجل- للمقادير، فكل ما يأمر به الله -عز وجل- ويقدره فهو خير من عدة أمور، ولكن قد تخفى -هذه الأمور- على العباد.
إذًا نحن نؤمن بقضاء الله، ونؤمن بقدره، ونعلم أنَّ الله -عز وجل- كما قال رسوله : «وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ»، ولكن الشر يكون في المفعولات من حيث ما يصيب العباد، أو يقع لهم، وأمَّا من حيث تقدير الله فمن جهة ما يترتب عليه من المصالح، والمقاصد العظيمة، والحِكم البالغة، فهو خير عظيم، وهذا معنى «خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ وَخَيْرِ ما فِيهَا وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ».
إذًا الريح مأمورة، وهذا يُبين لك أن سَبَّهَا يعود على سَبِّ مَنْ أَمَرَهَا، وهذا لا يجوز.
قال: «وَنَعْوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ، وَشَرّ ما فِيهَا، وَشَرّ ما أُمِرَتْ بِهِ»، وكما قيل في الخير يُقال في الاستعاذة.
وفي قوله «وَنَعْوذُ بِكَ» فائدة، لا يوجد في الشريعة استعاذةٌ بغير الله تعالى، وهذا من التوحيد، فالاستعاذة كلها بالله -سبحانه وتعالى-، طبعًا فيه استعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق إذا كان حيًا حاضرًا، فالاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه فهذه لا بأس بها، مثلًا تقول: أعذني من شر هذا المجرم، أو هذا اللص الذي هجم على البيت. تقول للشرطي أو تقول للأمير: هذا حرامي يريد الاعتداء عليّ، أو تقول للقاضي: أعذني من شر هذا كذا وكذا، فهذا لا بأس به إذا كان حيًّا حاضرًا وفيما يقدر عليه.
وهذا برهان قوي جدًا، وهو أنك تتأمل في جميع الاستعاذات الواردة، وهناك باب خاص بالاستعاذة مَرَّ معنا، وعرفت من خلاله أنَّ الدعاء، والاستغاثة، والاستعاذة، وكذلك السؤال؛ كل هذه الأمور تصرف لله -عز وجل-، وتصرف للمخلوق فيما يَقدر عليه وهو حي حاضر، فمثلًا لو أنك دعوت مخلوقًا، وقلت له: يا فلان ساعدني على حمل المتاع، كما لو كان معي كتبًا ثقيلة الوزن، فهو قادر على المساعدة، وهو حي حاضر لأنك تناديه وهو أمامك، تراه ويراك، وتطلب منه شيئًا هو يقدر عليه، فما حكم هذا؟ هذا جائز، والاستعاذة نفس الشيء، والاستغاثة والاستعانة كذلك نفس الشيء.
إذًا المحرم والذي يُخرج من ملة الإسلام هو: دعاء الغائب، أو الميت، أو الحاضر الحي فيما لا يقدر عليه إلا الله، كمن يدعوا ويقول: يا ملائكة، يا جبريل، يا جن، أو يقول: يا عيسى بن مريم، وقد رفعه الله إليه، أو كمن يقول: يا فلان من الأولياء، أو يا رسول الله وقد مات، ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر:30]، اللهم صلِّ وسلم عليه.
فالاستغاثة بالغائب، أو الاستغاثة بالميت أو الاستغاثة بالأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله ٌهو شرك أكبر، وكذلك الاستعاذة.
طيب هنا استعاذ بمن؟
استعاذ بالله -عز وجل-، وهذا تحقيق التوحيد.
إذًا هذا ما يتعلق بهذا الحديث.
نستفيد من هذا الحديث عدة فوائد:
- النهي عن سب الريح.
- الإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأى الإنسان ما يكره.
- الإرشاد إلى الريح مأمورة.
- أنها قد تؤمر بخير، وقد تؤمر بشر.
بل قد تكون في مقام واحد خير لبعض العباد وشرٌ لآخرين، فالمؤمن يسأل الله -عز وجل- خيرها؛ لأنه -سبحانه وتعالى- هو من دبرها، ويستعيذ بالله من شرها.
والسب في الجملة ليس من أخلاق المؤمن، لأنَّ الرسول قال: «ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ» ، فالسب ليس من أخلاق المؤمن، ولذا كان على المؤمن أن يَحذر وأن يحفظ لسانه، وأن يتعود الكلام الطيب الذي فيه توكل على الله -سبحانه وتعالى-.
بقي مسألة أو مسألتين نشير إليها:
الأولى: أنَّ الريح لا يمكن أن تستقل بالتصرف، هي مدبرة، فمن جعل الريح مؤثرة بذاتها ومستقلة عن الله -عز وجل- فهذا مشركٌ كافر، وكذلك من جعل الأسباب مستقلة عن الله -عز وجل-، وزعم أنها هي التي تؤثر في الكون، فزعم أنَّ الكواكب أو القمر أو الشمس أو الريح تؤثر بدون قدر الله؛ فهذا مشرك لأنه قد جعل مع الله خالقًا آخر، وهذا شرك في الربوبية، وهذا قد يقع فيه بعض الملاحدة المعاصرين، الذين يجعلون الريح مستقلة، وكأنها تتصرف بدون قدر الله، أو بدون أمر الله -عز وجل-.
وهذا الأمر نُنبه عليه؛ لأنه قد يوجد الآن مع الدراسات وكذا، وغاية ما عند هؤلاء -الذين ينظرون في حركات الرياح- أنهم يصورون الأجواء عن طريق الأقمار الصناعية.
فمثلاً يا شيخ عمر -الله يحفظنا وإياك وجميع إخواننا المشاهدين والمسلمين أجمعين- الآن في شمال الرياض منطقة القصيم، أو حائل مثلًا، أو الجهات الشمالية، جاءت عندهم ريح والهواء شمالي -يعني متجه إلينا-، وجاءت ريح محملة بالغبار، فاتصل متصل من هناك بأخيه، وقال له: نحن الآن في المنطقة الفلانية، والريح تحركت، وأراها متجهة جهتكم، يعني من الشمال إلى الجنوب، أي متجها إلى جهة الرياض، فعلم أهل الرياض من خلال هذا الاتصال الهاتفي.
وأمَّا الآن فالذي يحدث أنهم يصورون الريح بالأقمار الصناعية، فيعرفون حركة الرياح، وأيضًا هناك أبراج يضعونها وحساسات يضعونها في مناطق متفرقة في البلاد وفي العالم كله، ومن خلالها يعرفون اتجاهات الرياح وحركاتها مع التصوير، فيبدؤون يقولون: نتوقع أن الريح تصل إلى هذا المكان؛ لأن سرعة الريح اليوم كذا فتصل في الساعة الفلانية، وهذه طريقتهم، وليس في هذا علم للغيب، وإنما هم يرون أشياء أمامهم، وقد يُخلف الله ظنونهم وتوقعاتهم ولا تقع، وهذا يحدث كثير؛ لأنهم لا يتكلمون عن غيب، وإنما يتكلمون عن شيء مشاهد.
ومثله تمامًا ما في بطن المرأة الحامل، فإذا وصل عمره خمس أو ست شهور ماذا يصنعون؟ يأتون بجهاز تصوير موجات الصوتية، فيصورون ما في البطن، فيقولون: رأينا الذي في البطن ومعه آلة الذكر أو آلة الأنثى، فعرفنا أنَّ هذا ذكرٌ أو أنَّ هذا أنثى، والله -عز وجل- قال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ﴾ [لقمان:34].
هل هم يعلمون الغيب؟ لا، ولكنهم علموا من خلال هذه الأجهزة، وهذا هو الحاصل الآن في مسألة الأجواء، وفي مسألة حركة الرياح، ولكن الذي حركها هو الله -سبحانه وتعالى- وليسوا هم، والذي خلق الجنين وصوره هو الله -سبحانه وتعالى- وليسوا هم، وهذا يعرفه العباد.
إذًا هذه الأمور لا تجعلنا نطغى، لأن بعض الناس أصابها طغيان لَمَّا رأوا حركة الرياح التي فوق السحب عن طريق الأقمار الصناعية، فظنوا أن هذا الشيء الجديد الذي درسوه وعلموه هو بمثابة استقلال للريح، ونقول لهم: لا، حتى لو رأيتم شيئًا فقد خفيت عنكم أشياء، والله -سبحانه وتعالى- هو المحيط بكل شيء، ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة:255].
أيضًا نُذكر في هذا المقام أنه لا يغتر الإنسان بنفسه، ﴿كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق6-7]، فالمؤمن يلجأ إلى الله، ويتواضع لربه -سبحانه وتعالى-، وأمَّا الملاحدة فإن سبب إلحادهم هو طغيان هذه النفوس، نسأل الله العافية والسلامة، والمؤمن رجاع إلى الله -عز وجل-.
بقي معنا مسألة نختم بها هذا الباب: وهي أن السَّبَّ للريح جاء فيه هذا التحريم الشديد، فما بالك بمن يسب الله -عز وجل؟!
لا شكَّ أنَّ سبَّ الله -عز وجل- كفرٌ مخرجٌ من ملة الإسلام، وكذلك سَبَّ رسوله ، وكذلك سبَّ القرآن، وكذلك سبَّ الملائكة، وكذلك سبَّ الأنبياء والرسل، فهذا كله مخرجٌ من ملة الإسلام، نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين العافية والسلامة.
قد يقول قائل: وهذا ما يقع فيه أحد من المسلمين، نقول: بل الآن بعض غُلاة المتصوفة كابن عربي وجماعته يسبون أنبياء الله، وابن عربي هذا من دعاة الإلحاد، وهو من أعظم القائلين بوحدة الوجود، وكتبه مليئة بسب أنبياء الله، ولكنه يدسها دسًا ولا يُظهرها بسهولة.
ولهذا فأنا أتعجب حقيقة أنَّ أقوامًا لا زالوا يروجون لهذا الشخص، ويروجون لكتبه على ما فيها من العدوان، وعلى ما فيها من سبِّ الله -عز وجل- وسَبِّ رسوله ، بل يقول عن الله -عز وجل-: "إنه هو المسمى أبو سعيد الخراز"، فهو يتلاعب ويستهزأ ويتهكم.
وكذلك يقول عن فرعون: "إنه مؤمن كامل الإيمان".
فانظر يسبون الله -عز وجل- ويسبون دينه ورسله، وفي المقابل تراهم يمدحون فرعون وأعداء الرسل، ولهذا ينبغي لأهل الإسلام أن يعرفوا حقيقة الأمر، وأن يعرفوا أنَّ ما عليه ابن عربي في كتبهِ الضالة كـ "الفصوص"، و "الفتوحات المكية"، هو مضاد للقرآن العظيم، وأنَّ كتبه سبٌ لله ولرسوله ، وفيها استهزاء بالقرآن، وهذا له براهين دالة عليه.
وقد ذكر هذه المسألة وقررها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم، وبينوا حقيقة أمره، فنسأل الله العافية والسلامة.
ومن المعاصرين الذين اجتهدوا في هذا، نسأل الله -جلّ وعلا- أن يأجرهم على هذا الجهد، والعمل العلمي الرائع، الدكتور/ دَغَشْ بن شَبيب العَجمي، فقد أخرج رسالة كبيرة طبعت في مجلدين الآن، وَقَدَّمَ لها معالي شيخنا الشيخ/ صالح اللحيدان -رحمه الله، قدم لها مقدمة رائعة، وعنوانها: "ابن عربي وجهود العلماء في الرد عليه وكشفه"، فهذه أنصح حقيقة طلاب العلم بالرجوع إليها، لِمَا فيها من كشف حقيقة هذا المسيء إلى الإسلام وإلى الدين؛ حتى لا يغتر به أحد.
ولأنه صار الآن أناس -مع الأسف- يروجون لهذا الذي يسب الله ورسله بخفاء، ويروجون له ويمدحونه ويدافعون عنه، ويصفونه بالشيخ المعتدل أو كذا، فحقيقة الأمر: إما أنهم يعلمون وهم على نفس طريقته، وهم باطنية زنادقة منافقون، معادون لله ورسوله إذا كانوا يعلمون حقيقة أمره، وإما أنهم جهال، ولذا نحن نقول لهم: ليذهب عنكم الجهل واعرفوا حقيقة الأمر، نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين العافية والسلامة.
{قال المؤلف -رحمنا الله وإياه-: (بَاب قَوْلُ اَللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
وقوله تعالى: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ [الفتح: ٦].
قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى:
فُسِّرَ هَذَا اَلظَّنُّ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ سَيَضْمَحِلُّ، وَفُسِّرَ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ بِقَدَرِ اَللَّهِ وَحِكْمَتِهِ.
فَفُسِّرَ بِإِنْكَارِ الْحِكْمَةِ وَإِنْكَارِ الْقَدَرِ وَإِنْكَارٍ أَنْ يُتِمَّ أَمْرَ رَسُولِهِ وَأَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ.
وَهَذَا هُوَ ظَنُّ اَلسَّوْءِ اَلَّذِي ظَنَّهُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا ظَنُّ اَلسُّوءِ لِأَنَّهُ ظَنُّ غَيْرِ مَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَوَعْدِهِ اَلصَّادِقِ.
فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدِيلُ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ إِدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ مَعَهَا الْحَقُّ أَوْ أَنْكَرَ أَنَّ مَا جَرَى بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَدَرُهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْحَمْدَ، بَلْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَشِيئَةٍ مُجَرَّدَةٍ; فَذَلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنَّارِ.
وَأَكْثَرُ اَلنَّاسِ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ ظَنَّ اَلسَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ وَلَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ اَللَّهَ وَأَسْمَاءَه وَصِفَاتِهِ وَمُوجَبَ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ.
فَلْيَعْتَنِ اَللَّبِيبُ اَلنَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا، وَلْيَتُبْ إِلَى اَللَّهِ، وَلْيَسْتَغْفِرْهُ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ اَلسَّوْءِ.
وَلَوْ فَتَّشْتَ مَنْ فَتَّشْتَّ لَرَأَيْتُ عِنْدَهُ تَعَنُّتًا عَلَى الْقَدَرِ وَمَلَامَةً لَهُ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفَتِّشْ نَفْسَكَ هَلْ أَنْتَ سَالِمٌ؟
فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ وَإِلَّا فَإِنِّي لَا إِخَالُكَ نَاجِيً)
}.
قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: (بَاب قَوْلُ اَللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤])، هذه الآية في سورة آل عمران، وأورد بعدها آية أخرى في سورة الفتح: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ﴾ [الفتح: ٦].
الظن أنواع؛ والظن هو ما يقوم بالقلب تجاه الرب -سبحانه وتعالى-، وهذا الظن ناتج عن الإيمان والعلم، فإذا عُدِم الإيمان كما هو حال الكفار -ما عندهم إيمان-، وعُدم العلم، فماذا تظن أن يقوم بقلوبهم؟
الجواب: يقوم بقلوبهم الظنون الفاسدة تجاه خالقهم، وهذا الذي نهانا الله -عز وجل- عنه.
ما هو حال كفار أهل الأرض اليوم وقبل وبعد؟
حال الكفار أنهم عندهم هذا الظن الباطل، ونحتاج أن نتعرف عليه؛ حتى يحذر منه المسلم، وهذا مقصود الباب.
إذًا كيف يتكون الظن عند الإنسان؟
يتكون من خلال المعلومات، وهل يوجد إيمان أم لا يوجد إيمان؟ علم وتصور وإيمان ويقين وعمل قلبي أيضًا، هذا من خلاله يحدث الظن.
فإذا انعدم الإيمان، وانعدمت الإرادة الصادقة، وانعدم كذلك العلم النافع الذي هو في الوحي -الكتاب والسنة-، أي: انعدم هذا وهذا، ماذا في القلب؟ يكون القلب مظلمًا جدًا، كل واحد من أهل الأرض يعرف أنه مخلوق؛ لأنه يدري أنه قبل مئة سنة ما كان موجودًا، أو حسب عمره ما كان موجودًا، لأنه كان عدمًا، ويعلم أنه بعد مدة سيزول وسيفنى كما زال من قبله، ويعلم أنَّ هناك من خالقه إلا الملاحدة فهم يتظاهرون بالإنكار فقط.
إذًا كل هؤلاء يقرون بالخالق في الجملة، وهذا يُسمى إقرارًا بالربوية. ما موقفهم من هذا الخالق الذي أقروا به؟ هذا هو ما نبهنا الله -عز وجل- عليه في القرآن، فذكر الله -عز وجل- حال المنافقين، وذكر الله حال المشركين في هذه الآيات الكريمة.
قال الشيخ: (بَاب قَوْلُ اَللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤])، هذه الآية في سورة آل عمران.
بالمناسبة -هذا استطراد خارج الدرس- هذه الآية جمعت حروف الهجاء كلها، وهناك آية أخرى كذلك في سورة الفتح جمعت حروف الهجاء كلها، هذه الآية في سورة آل عمران، وتلك التي في سورة الفتح، بينما أطول آية في القرآن وهي آية الديّن، لم تجمع حروف الهجاء كلها.
فهذا الكلام من ربنا -جلّ وعلا- في قوله: (بَاب قَولِ الله تَعَالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤])؛ اشتمل على أمرين:
الأمر الأول: بيان حال المنافقين في غزوة أُحد، ما حالهم؟ ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
الفائدة الثانية في هذه الآية نفسها: أنهم يظنون بالله غير الحق ظن ماذا؟ ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، فعرفنا أنَّ ظن الجاهلية هو غير الحق.
طيب نستفيد باللازم، وهذا يسمى معرفة المعاني من خلال اللازم، أنَّ هناك ظن غير الحق في مقابله الظن الحق، والذي عليه الرسول ، والذي عليه الصحابة هو ظن الحق، والظن يُطلق على الاعتقاد.
إذًا عرفنا من خلال هذه الآية أنَّ هناك ظن عند المنافقين، وهناك ظن في الجاهلية، وهناك ظن عند المؤمنين الصادقين.
ظن المنافق مُشابهٌ لظن الجاهلية، وظن الجاهلية هو غير الحق، فهم لا يظنون بالله الحق أبدًا، وظن المؤمنين هو الظن الحق، يعني: يعتقدون بالله أن هو كل أفعاله خير، وعواقبها كلها حميدة، ويرضون -رضيت بالله ربًا-، مع أنَّ جرحًا قد أصابهم، فقُتل حمزة -رضي الله عنه، وقُتل سبعون من أصحاب النبي شهداء أُحد، وحصل على النبي ما حصل، حتى ظنوا أنه قُتل.
وفي هذه اللحظات الشديدة العصيبة واشتداد الكرب، جاء هذا الأمر عند أناس سقطوا ورسبوا في الاختبار والابتلاء، وأناس ثبتهم الله -عز وجل-، أناس خُذلوا.
وهذا يُبين لنا مسألة -كما يقال خارج الدرس، لكنها مهمة جدًا-، وهي: أن أعظم الهزائم هي التي تصيب القلوب، ولذلك كل الحروب إذا قام الناس يحاربون، فإنهم يحرصون على الترويع، ويحرصون على بث الرعب، فإنَّ القلوب إذا انهزمت، ماذا يحدث؟ يخسر الناس المعركة، إذا انهزمت القلوب وخافت، وصار فيها رعبٌ شديد، وساءت ظنونهم، فإن هذا يُفرق الجمع، ويشتت الأمر.
ولهذا الثبات الذي يثبته الله -عز وجل- به المؤمنين، ورباطة الجأش التي يُنزلها -سبحانه وتعالى-، وليربط على قلوبكم تثبيت الأقدام؛ هذا كله من الله سبحانه وتعالى.
ولهذا نحن نوصي جنودنا -نسأل الله أن يحفظهم، وكل من يحمي البلاد، نسأل الله جلّ وعلا أن يجزيه خير الجزاء، بأن يتذكروا هذه المعاني، وأن يظنوا بالله ظن الحق، ويتوكلوا على الله، وأن لا يخافوا من أعداء الإسلام، ولا يخافوا من أعداء البلاد، فإن الله ناصٌر دينه.
وهذه البلاد، بلاد التوحيد، بلاد السنة، وبلاد الإسلام، وبلاد الحرمين، فحمايتها حمايةٌ لهذه المعاني العظيمة، وقيامٌ بواجب السمع والطاعة لولاة الأمور، والبيعة الشرعية لهم، وهذا مما يجب التذكير به دائمًا، فلا نخاف إلا من الله -سبحانه وتعالى-، ولا نتوكل إلا على الله -سبحانه وتعالى-، ولا نرجو إلا إياه -سبحانه وتعالى-، وهذا المقام مقام مهم جدًا وهو حُسن الظن بالله والتوكل عليه.
قال: (وقوله تعالى: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً﴾ [الفتح: ٦]).
هذه في سورة الفتح، فالله -سبحانه وتعالى- وعد المؤمنين بدخول الجنات، ووعد هؤلاء بالعذاب، ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ [الفتح:6].
إذًا المشرك يعبد غير الله، يعبد قبرًا، يعبد وليًا، يعبد نبيًا، يعبد ملكًا، يعبد جنيًا، يعبد شجرة، يعبد نصبًا، يعبد تمثالا، فهو يعبد غير الله، لا تسأل عن الخواء العظيم في قلبه، ولا تسأل عن التشتت والضياع، وأمَّا من يعبد الله الحي القيوم -سبحانه وتعالى- فهذا قوي الجأش، قوي التوكل، حسن الظن بالله، ما يبالي أبدًا بأعداء الله.
فالله -عز وجل- أخبر عن هذا الشقاء الذي في قلوب هؤلاء المنافقين والمشركين، ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾.
وقوله: (﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾)، يعني: سوف تدور الدوائر عليهم، ويحيق الأمر عليهم والمكر بهم، بسبب ظنهم. إذًا الظن والاعتقاد له أثر على الجوارح، وله أثر في المجتمعات.
ولهذا من هذا المنطلق نقول: أهمية العقيدة السلفية الصحيحة، ونشرها هو من أسباب الثبات، ومن أسباب قوة المؤمنين، ومن أسباب قوة المسلمين، ومن أسباب حفظ الأوطان من أعداء الإسلام، وأما إضعاف العقيدة الإسلامية، وتشتت العقائد، ودخول العقائد الفاسدة فهو من أسباب الهزيمة، وأسباب تفرق الكلمة، وأسباب تسلط الأعداء.
وهذا نستفيده من هذه النصوص؛ لأن الله -عز وجل- قال: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾. إذاً عرفنا أن المؤمنون ليس عليهم دائرة السوء.
قال: (قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: فُسِّرَ هَذَا اَلظَّنُّ) أي: في قوله تعالى: (﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾)، يعني ما معنى الظن غير الحق؟ وما معنى ظن الجاهلية؟ فذكر ثلاثة معاني يجب أن ننتبه لها.
قال: (فُسِّرَ هَذَا اَلظَّنُّ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ)، هذا المعنى الأول.
والثاني: (وَأَنَّ أَمْرَهُ سَيَضْمَحِلُّ)، ما معنى أن أمره سيضمحل؟ أي أن الإسلام سيذهب وينتهي، ولا يعود هناك إسلام.
إذًا الأول: أن الرسول لن ينتصر، ولن ينصر الله الدين، هذا واحد.
الثاني: أن الإسلام سيذهب وسيضمحل ويزول.
الثالث: (وَفُسِّرَ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ بِقَدَرِ اَللَّهِ وَحِكْمَتِهِ)، وهذا يختلف عن الأول والثاني، يقول: الذي جرى هذا ليس بقدر الله، كيف يكون بقدر الله ويحدث هذا الأمر علينا؟
إذًا الأول يسمى: ظن الجاهلية، من ظن أن الرسول لن ينتصر أبدًا، وأن الدين الإسلام سيزول تمامًا.
ولو جاء احترق بيت الآن أو حصلت هزيمة على المسلمين، أو تفرقت الكلمة، قال: هذا ليس بحكمة الله، وليس بقدر الله، كل هذه يسمى ظن الجاهلية، وهذا غير الحق.
قال الشيخ ابن القيم: (فَفُسِّرَ بِإِنْكَارِ الْحِكْمَةِ، وَإِنْكَارِ الْقَدَرِ، وَإِنْكَارٍ أَنْ يُتِمَّ أَمْرَ رَسُولِهِ وَأَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ، وَهَذَا هُوَ ظَنُّ اَلسَّوْءِ اَلَّذِي ظَنَّهُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ).
يعني إذا عندنا عدة جرائم، وهي تعتبر من كبائر الذنوب، أين محلها يا شيخ عمر؟
في القلب، معناها أنَّ الإنسان يُؤاخذ عليها، يعني في النص الآخر قال: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عن أُمَّتي ما وسْوَسَتْ به صُدُورُهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ» .
لكن هناك أمور في القلب مثل: الحسد، رجل يحسد أخاه، أو يحقد عليه، أو قلبه يغلي عليه، هذا حرام، ولا يجوز أن تحقد على أخيك المسلم.
إذًا فيه أمور تقوم في القلب ويكون عليك إثم فيها، ولا يمكن أن يكون في القلب شيء، وإلا ويظهر على فلتات اللسان، وصفحات الوجه.
قال: (فَفُسِّرَ بِإِنْكَارِ الْحِكْمَةِ)، كأن يقول: هذا الذي جرى ليس بحكمة الله. هذا لا يجوز.
أو (وَإِنْكَارِ الْقَدَرِ)، ما هو حكم إنكار القدر؟
إنكار القدر كفر، بعض الناس يؤمن بالقدر، ولكن إذا نزلت به مصيبة، قال: هذا ليس بقدر! نقول: لقد كفر بالقدر في هذه اللحظة، وهذا كثير، ولذلك بعض الناس في النعمة وفي الرخاء أموره إلى ستر، فإذا جاء البلاء انكشف ما في القلوب، ولهذا دائمًا نحن نقول: يا رب ثبتنا، يا رب لا تزغ قلوبنا، ما نستغني عن هذا ولا لحظة حتى نموت، وحتى لو كان الإنسان أعلم العلماء، وأصلح العباد، وأتقى الناس، فهو بحاجة إلى هذا، فما بالك بنا نحن الضعفاء؟! نحن بحاجة إلى كثرة الدعاء، أن يثبتنا الله -عز وجل- ولا يزيغ قلوبنا.
قال الشيخ ابن القيم -هذا طبعًا نقله الشيخ من زاد المعاد، من الفوائد في قصة صلح الحديبية، قال: (وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا ظَنُّ اَلسُّوءِ لِأَنَّهُ ظَنُّ غَيْرِ مَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَوَعْدِهِ اَلصَّادِقِ).
ما الذي يليق بالله سبحانه وتعالى؟ وما الذي يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق؟
الذي يليق بالله -سبحانه وتعالى- أنه كما أخبر وكما أخبر رسوله أنَّ أفعاله كلها صادرة عن حكمة، فهو الحكيم، أليس الله بأحكم الحاكمين؟ فهو -سبحانه- أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، ولا يظلم ربك أحدًا، فكيف تظن بالله أنه يظلم أو أنه كذا؟ هذا لا يليق.
(وَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَوَعْدِهِ اَلصَّادِقِ)، حكمته مرت معنا، وحمده ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2]، فهو المحمود، لكمال صفاته، ولكمال إحسانه على عباده.
فكيف تنسى هذا وتنظر إلى موقف أو موقفين أو مصيبة أو مصيبتين حلت بك، قد قدرها الله عليك لحكم أكبر من عقلك أحيانًا؟!
من أنت حتى تعترض على الله، وتقول: ليس هذا بحكمة! كيف تظن هذا الظن؟
إذا قدر الله -سبحانه وتعالى- شيئًا -نحن نسأل الله دائمًا العافية، نحن ما تمنى البلاء، ولا المرض، ولا الفقر، ولا كذا- ولكن إذا جاء البلاء، ماذا نوصي أنفسنا وإخواننا؟
نوصي بالصبر والرضا، يعني: لا نقول إلا خيرًا في حق ربنا -سبحانه وتعالى-.
قال: (وَوَعْدِهِ اَلصَّادِقِ)، ما هو وعده الصادق؟
أنه ينصر دينه، وينصر رسوله، والله -عز وجل- وعد الرسول، ووعد المؤمنين، فلما وقعت واقعة أُحد ورأى الناسي الهزيمة، والصحابة بعضهم ترك المكان وخرجوا، وتفرقت الكلمة، الناس ما يريدون يذهبون، فظن بعض المنافقين ظن السوء، وقالوا: لن ينصر دينه، وأين وعد الله الصادق؟!
وهذا البلاء قد جاء بعده غزوة الأحزاب، ثم بعده بعدة سنوات فتح مكة، وانتشر الإسلام والحمد لله، ولكن وقت البلاء قد يأتي بعضهم ويقول: كيف؟ وكيف؟ لا، هنا نثبت على الحق، ولا نظن بالله ظن السوء.
قال: (فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدِيلُ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ إِدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ مَعَهَا الْحَقُّ أَوْ أَنْكَرَ)، هذا شرح، (يُدِيلُ الْبَاطِلَ) ما معنى (يُدِيلُ الْبَاطِلَ)؟ يعني: ينصر الباطل، يجعل الدولة للباطل على الحق، تذهب دولة الحق، ويبقى الباطل له دولته، يعني: له ثورته وقوته.
(إِدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ معه)، أي: يزول معها الحق.
(أَوْ أَنْكَرَ أَنَّ مَا جَرَى بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَدَرُهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْحَمْدَ، بَلْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَشِيئَةٍ مُجَرَّدَةٍ)، من يقول هذا؟ بعض المتكلمين من الأشاعرة ومن شابههم، يقولون: ليس هنا حِكم في أفعال الله، وكل ما يفعله الله -عز وجل- لمشيئةٍ مجردة، وليس لأنه يترتب عليه مصالح وحِكم؟ يقول: لا، نحن ننفي الحكم، لماذا ينفون الحِكم؟
لشبهة قامت عندهم، شبهة من شُبه الكلام، ونحذر إخواننا المسلمين من علم الكلام وأهله، ومن شبهاتهم، لا تطلعوا عليها، ولا تقرأوا فيها، واحذروا من كتبهم.
لكن هم من شبهاتهم، يقولون: لو كان لحكمة فمعناه أن الله محتاج إلى هذا، نقول: لا، الله غني عن العالمين، ليس معناها أنه يحتاج، وإنما الحِكم لكمال أفعاله -سبحانه وتعالى-، والله عز وجل غني عن الخلق أجمعين، قال: (بَلْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَشِيئَةٍ مُجَرَّدَةٍ؛ فَذَلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنَّارِ).
قال: (وَأَكْثَرُ اَلنَّاسِ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ ظَنَّ اَلسَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ)، فبعض الناس ينظر إلى داخل نفسه ومن ثم تضطرب نفسه، ويقول: لماذا أنا كذا، وفي غيري كذا! لماذا يعطيك الله كذا؟
هذه ما يتكلم بها، ولو تكلم بها لعرف الناس أنه غلطان، وأنه مخطئ في حق الله عز وجل، فيطبخ قلبه بهذه الأمور.
ولهذا قال الشيخ: (وَأَكْثَرُ اَلنَّاسِ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ ظَنَّ اَلسَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ)، يعني لماذا يعطي فلانًا ولا يعطيني؟ استغفر الله وتب إليه.
قال: (وَلَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ اَللَّهَ وَأَسْمَاءَه وَصِفَاتِهِ وَمُوجَبَ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ)، إذا عرفت أسماء الله، وأن الله -عز وجل- هو الرحمن، الرحيم، الجواد، الكريم، وأنه الحكيم العليم الرحيم، فأحيانًا الله يرحمك وما يعطيك المال رحمةً من الله بك، لا تظن أنَّ وجود المال أو وجود العطايا الفلانية التي في خاطرك أنها تكون سببًا يفرحك
وعندك أمثلة من الناس، لَمَّا جاءهم المال بغوا وما تحملوا، ولهذا نسأل ونقول: هل أكثر الناس حقيقةً يصلحه كثرة المال؟ الجواب: لا، لأن أكثر الناس لا يصبرون أبدًا عند كثرة المال.
قد يقول: أنا أصبر، ثم إذا جاءته الأموال تغير، بينما أكثر الناس عند الفقر يصبرون، فسبحان الله العظيم، وأحيانًا تكون قلة المال رحمةً من الله بك، والإنسان يبحث عن أشياء قد تكون تضره.
قال: (فَلْيَعْتَنِ اَللَّبِيبُ اَلنَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَ)، أي والله، الذي ينصح لنفسه يراجع قلبه ويستغفر ربه.
(وَلْيَتُبْ إِلَى اَللَّهِ، وَلْيَسْتَغْفِرْهُ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ اَلسَّوْءِ)، دائمًا يا إخواني الكرام أذكركم بهذا الذكر العظيم: "رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٌ نبيًا"، إذا رضيت بالله ربا رضيت بكل ما قدره عليك، لكن فيما يتعلق بالمأمور والمنهي اجتهد في طاعة الله والبعد عن المعاصي.
قال: (وَلَوْ فَتَّشْتَ مَنْ فَتَّشْتَّ لَرَأَيْتُ عِنْدَهُ تَعَنُّتًا عَلَى الْقَدَرِ وَمَلَامَةً لَهُ)، يعني يلوم، ما هو براضي.
(وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا; فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ)، بعضهم يحدث عنده قليلة في الأسبوع مرة، ولا في الشهر مرة، وبعضهم مستكثر هذا حاله اليومي نسأل الله العافية والسلامة.
(وَفَتِّشْ نَفْسَكَ هَلْ أَنْتَ سَالِمٌ؟
فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ وَإِلَّا فَإِنِّي لَا إِخَالُكَ نَاجِيً)
، هذا يكون عند المؤمنين، فما بالك بالكافرين، والمشركين، والمنافقين! والله العظيم الأمر عندهم أعظم وأطم، ولهذا نحمد الله على نعمة الإسلام، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على التوحيد والسنة.
قال الشيخ: (فِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: تَفْسِيرُ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ.
اَلثَّانِيَةُ: تَفْسِيرُ آيَةِ الْفَتْحِ.
اَلثَّالِثَةُ: الْإِخْبَارُ بِأَنَّ ذَلِكَ أَنْوَاعٌ لَا تُحْصَرُ)
.
ما هو الأنواع التي لا تحصر؟ ظن الجاهلية، ظن السوء، أنواع كثيرة جدًا.
(اَلرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَا يَسْلَم مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ وَعَرَفَ نَفْسَهُ) كيف عرف نفسه؟ أنه فقير وأنه أعطي فوق ما يستحق، إذا تذكرت أن الله -عز وجل- أعطاك فوق ما تستحق، تذكرت السمع، والبصر، والقلب -الفؤاد-، والأجهزة التي أعطاك الله -عز وجل- إياها في جسمك، .... فتذكر نعم الله -عز وجل- يجعلك تشكره سبحانه، ولا تظن به ظن السوء.
نسأل الله لنا ولكم العافية والسلامة، وأن يُصلح قلوبنا وأعمالنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
{أحسن الله إليكم فضيلة شيخنا، وجزآكم عنا خير الجزاء، والشكر موصول لكم أعزاءنا المشاهدين على أمل اللقاء بكم في حلقةٍ أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك