الدرس الثاني

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

7270 18
الدرس الثاني

كتاب التوحيد 3

{بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أهلاً وسهلاً بكم أعزاءنا المشاهدين، في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) نشرع فيه في درسٍ جديدٍ من دروس شرح (كتاب التوحيد) ، يشرحه فضيلة الشيخ/ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، أهلاً وسهلاً بك فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة المستمعين والمشاهدين، ونسأل الله -جل وعلا- للجميع العلم النافع والعمل الصالح.
{أستأذنكم فضيلة الشيخ في إكمال المتن}.
نعم، تفضل.
{قال الإمام -رحمه الله تعالى-: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]، وقَولُهُ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [التوبة:18]، وقُولُهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت:10].
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري -رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: «إِنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ: أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللَّهِ، وَأَنْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ، إِنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ».
وَعَن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهٌ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ. وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ؛ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» رَوَاهُ ابْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِه)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فيقول الشيخ الإمام العالم العلامة المجدد، شيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في كتاب التوحيد: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]) ، وهذا الباب هو تكميل للباب السابق؛ لأنَّ الباب السابق كان يتكلم فيه عن عبادة جليلة في القلب، وهي حب الله -سبحانه وتعالى-، وتقدم أنَّ الحب منه ما هو عبادة متمحضة لا تصرف إلا لله، وهو "حب العبادة"، ومنه ما هو حب لأجل الله وفي الله، ومنه ما هو حب مع الله، وهو أن يحب المشركين حبًا شركيًا، ومنه ما هو حب طبيعي لا يُلام عليه الإنسان إلا إذا وقع في حرام أو ترك واجبًا بسببه.
وهذا الحب يقوم بالقلب، وتظهر آثاره على الجوارح، وهنا في هذا الباب ذكر الخوف، فقال: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ ) يعني أنَّ الخوف يقع في قلوبهم، وهذه طريقة الشيطان أنه يخوف الناس من شره، ويخوف الناس من أمره، وهذا الخوف يقع في القلوب.
ما حكم هذا الخوف؟ وما المراد بهذا الخوف؟ وما الواجب على أهل التوحيد أو أهل الإيمان أو أهل الإسلام؟ هذا هو موضوع هذا الباب.
إذًا الخوف أمر خفي في القلب، كما أنَّ الحب أمر خفي في القلب، وهذه تسمى عبادات القلوب أو أعمال القلوب، ولها شأن عظيم في الشريعة الإسلامية، وجاء ذكرها والتنويه بها في القرآن العظيم، وفي السنة المطهرة، وهي محل إجماع أنها من أجل الأعمال التي تقوم في القلوب، وصرفها لغير الله من أعظم أنواع الشرك، فأعمال القلوب من: الحب والخوف والرجاء، هذه الأمور الثلاثة هي المحركة لجميع تصرفات الإنسان، أي أنَّ الحب والخوف والرجاء هو الذي يحرك الإنسان في جميع التصرفات، وأعظمها الحب.
والخوف يقابله الرجاء، وهذه الأعمال والأحوال التي تقوم في القلوب هي بمثابة بحر كبير، ولا يمكن الإحاطة بالتصورات التي تقوم في القلوب، فالقلوب يكون فيها أمران:
أمر تصور ناتج عن العلم، يعني: يعرف المعلومة ويتخيلها بقلبه، وهذا يسمى: تصورًا، ويكون ناتجًا عن كونه قرأ كذا، فيقوم بقلبه معان، وهذا بخلاف المعنى الثاني الذي يقوم بالقلب، وهو الإرادة والحركة، والحركة لا تعني أنَّ القلب يتحرك، وإنما الحركة شعور قلبي بالميل تجاه شيء أو نفرة منه، هذه الحركة القلبية خفية، لكن لها سلطان على الجوارح، كما قال النبي ﷺ: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ» ، ولهذا يجب العناية بالقلب، وبأعمال القلوب، ومن هذا المنطلق نقرأ الآيات ونتدبر، ونحذر مما حذرنا الله -عز وجل- منه، ونعمل بما أوجبه الله -عز وجل- علينا.
قال: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ) ، هذه الآية في سورة آل عمران جاءت في سياق ما وقع من الهزيمة على أهل الإسلام، والكرب الذي مرَّ على المسلمين من استشهاد عدد من الصحابة، ومن انتصار المشركين يوم أحد، فقال الله -عز وجل- يصف الرسول ﷺ والمؤمنين معه في صبرهم وقوة توكلهم: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:173-175].
أي أنَّ الكفار أرسلوا شخصًا وقال: إن قريشًا قد جمعوا الجموع على حربكم وعلى هزيمتكم مرة أخرى بعد أحد، فاستنفر النبي ﷺ المسلمين إلى حمراء الأسد، وخاف المشركون وذهبوا، وقال النبي ﷺ تلك الكلمة العظيمة: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ، وحسبنا الله يعني: كافينا الله، ونعم الوكيل يعني: نِعمَ من نتوكل عليه، ومن أسماء الله الحسنى "الوكيل"، فذكر الله -سبحانه وتعالى- أنهم انقلبوا ﴿بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ .
فقوله -جل وعلا-: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ يعني: يخوفكم بأوليائه، أو يخوف أولياءه فلا يخاف منه إلا أولياؤه، وكلا المعنين صحيح، فهو يخوفكم بأوليائه حتى يقع في قلوبكم الخوف، والخوف هنا هو الخوف من الكفار والتثبيط عن الجهاد، وإلقاء الرعب في قلوب المؤمنين، ولهذا قال الله: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ، فنفر النبي ﷺ إلى جهادهم وقاتلهم، فَشَرَدَ المشركون وهربوا إلى بلادهم، وهذا يدل على أنَّ النبي ﷺ استجاب لأمر الله، وكذلك الصحابة -رضي الله عنهم-، ولكن ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذا عام وليس في هذه الغزوة، ولذا كان واجبًا على جميع أهل الإيمان أن لا يخافوا من المشركين، وأن لا يخافوا من الشياطين، وأن لا يخافوا من أولياء الشياطين، وأن لا يخافوا من معبوداتهم عندما يقولون مثلا: هبل سيفعل بكم كذا، أو اللات ستفعل بكم كذا، أو الميت الفلاني الولي سيفعل بكم كذا أو سينزل بكم المرض أو العذاب.
لا تخاف؛ لأنك إذا خفت منهم فهذا معناه أنه قد وقع في قلبك نقص عظيم في الإيمان، أو زوال الإيمان، إن كنت قد اعتقدت أنه يؤثر أو أنه يملك الضر والنفع أو أنه عنده قدرة وهكذا، فهذا يكون من الشرك الأكبر. فإذا خاف من الوثن أو خاف من ميت، أو خاف من مخلوق أن يضره فيفعل فيه شيئا لا يقدر عليه إلا الله، أو يفعل شيئًا من غير إرادة الله وتقديره، فهذا كله من الشرك، وهذا الخوف يسمى خوف العبادة، أو خوف السر، أو الخوف الشركي، وهذا يدل -كما قلنا في الحب- إنه أنواع، كذلك الخوف أنواع، فالآية الكريمة وكذلك ما سيأتي من بعض النصوص يدل على أنَّ هناك خوف شركي، وهو خوف السر.
كيف يكون خوف السر؟
خوف السر هو أن يخاف من ميت مُطلقًا، كحال من خاف من ميت إن غضب عليه أن يصيبه بالمرض، أو يخاف إن أغضب الميت أن يصيبه في ماله فيخسره.
بالمناسبة دعاة الخرافة يسقون الناس هذه البدع بطرق خبيثة، أذكر أنهم إذا جاء شهر رجب أو شهر ربيع ينشرون منشورًا يقولون فيه: إن فلانًا رأى الحسين أو رأى زينب أو رأى عبد القادر الجيلاني وقال له: إذا نشرت الرؤيا هذه على ثلاثة عشر شخصًا فسيأتيك مال عظيم، وإذا أهملتها ولم تنشرها كما أهملها فلان فستصاب كما أصيب هو في حادث ومات، أو احترق بيته، أو خسر جميع ماله، ولذا عليك نشرها؛ فينشأ في قلوبهم التعلق بهذا الميت؛ لأنه يظن أنه إذ لم ينشر له فسيتعرض للأذى، وإذا نشر يحفظ من أذيته، وهذا يفعله كثيرًا من دعاة الشرك والخرافة، فالشيء بالشيء يذكر يعني.
قوله: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: لا تصدقوا الخرافات هذه، فهذا ميت كيف تخاف منه ولا تخاف من الحي القيوم -سبحان الله العظيم-.
أيضًا إذا خاف من وثن، والوثن هو: صنم، أو شجر، أو حجر، أو نَصَبْ، أي: عمود، فيظن أنه إن لم يتقرب له فإنه سيصيبه بكذا، وإن لم يرضيه فسيحدث به كذا.
حدثني أحد الإخوة، فقال: في منطقة من المناطق قبل ثلاثين سنة أو أكثر، سمعوا بأن في أحد البراري البعيدة شجرة يأتي إليها بعض الجهال ويعظمونها، ويضعون عندها الذبائح والنذور وما شابه. فيقول: ذهبنا مع إمارة المنطقة، مندوب الإمارة، ومندوب من الهيئة حتى أتينا المكان هذا، فطلبنا منهم أن يدلونا على الشجرة فتهربوا حتى ألزمناهم بالقوة، وبالفعل وجدنا بعض الآثار التي تدل على تعظيم الحال لها، فأتينا بالفأس والمنشار، ونكبر الله -عز وجل- ونزيلها بأمر من الدولة أعزها الله، فإذا بهذا بأحد الجهلاء يختبئ خلف السيارة ويقول: أخشى أن ينزل بي شيء، فهذا الخوف يسمي خوف الشرك؛ لأنَّه خاف من وثن أن ينزل به الضر! أين توحيده لله عز وجل؟! ولهذا نقول: «يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك» .
بعض الناس يظن أن من نطق بـ "لا إله إلا الله" فإنه لا يكفر أبدًا، والصواب أنَّ من نطق بـ "لا إله إلا الله " ثم ناقضها فهي لا تنفعه، بل لا بد أن يثبت عليها، وأن يقوم بحقوقها، وأن يخاف من الله ما يخاف من غيره.
أيضًا من خوف السر أن يخاف من مخلوق أن يفعل ما لا يقدر عليه إلا الله، مثل من يحاف من مخلوق ألا يغفر له ذنوبه، فيقول لن يغفر لي ذنوبي، وغفران الذنوب لا يكزن إلا عند الله تعالى، ولا يكون عند المخلوق، قال تعالى: ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ أو يجعل هذا المخلوق هو المتمكن والمتملك لدخول الجنة والنجاة من النار، كما يقول بعض الخرافيين من الصوفية، يقول: من رآني أو رأى من رآني أو رأى من رأى من رآني لا يدخل النار -قبحهم الله-، فأبو لهب الذي رأى النبي ﷺ سيكون في نار جهنم، فكيف يقول: من رآني لا يدخل النار؟! فهو يجعل الناس يتبعونه ويكثر الناس بهذا الأسلوب حوله. فهؤلاء أعداء الله، هؤلاء شياطين الإنس.
أيضًا من صور شرك العبادة أن يقول: إن هذا يفعل ويتصرف بغير إرادة الله، وبغير قدر الله، فيجعله منازعًا لله، ويجعل الأمر عنده، لا. هذا كله يعد من خوف السر.
ونحن لا نستطيع أن نحكم على الناس إلا من خلال الظاهر فقط، ولا نستطيع أن نقول: إن هذا في قلبه خوف السر أو غيره، وإنما لا نعلم مِنْ قلبه إلا ما نَطَقَ به لسانه أو فعل بجوارحه، وهذا -كما قلنا- في مسألة الحب وفي سائر أعمال القلوب، وهذا النوع من الشرك "خوف السر" مخرج من الملة. هل لنا أن نحكم على هذا أو ذاك؟
الإجابة: لا، ولكن نبين الحكم الشرعي، ونحكم عليه بما أظهر وبما فعل، فإذا ظهر منه ما يدل على خوف الشرك عرفنا هذا، فهذه الأفعال الشركية التي فعلها ناتجة عن هذا الخوف، وهذا شيء معروف عن المشركين وعباد القبور، نسأل الله العافية والسلامة.
ولهذا عبدوا الأموات، وعبدوا غير الله عز وجل.
النوع الثاني من أنواع الخوف، الخوف الطبيعي، وهو لا لوم على الإنسان فيه، مثل أن يخاف الإنسان من أسد مفترس، أو يخاف من النار وهي تلتهب في البيت فيهرب، أو يخاف من ثعبان كبير سام فيهرب منه لئلا يتعرض للسم، قال الله -عز وجل- عن موسى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ﴾ [طه:68]، وقال: ﴿فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ ، هذا الخوف يُعد خوفًا طبيعيًا لا يُلام عليه الإنسان؛ لأنَّه مقتضى الجبلة والطبيعة.
النوع الثالث من أنواع الخوف: الخوف من المخلوقين، ولكنه ليس خوف عبادة، وليس خوف سر، ولكن الخوف الذي يحمله على ترك الواجب أو فعل محرم، مثل أن يأمره رئيسه في العمل ويقول له مثلا: لا تشهد الصلاة مع الجماعة أو أخِّر الصلاة عن وقتها، أو يقول له مثلا: افعل المحرم الفلاني، فيقول: أخاف أن أُفصل من وظيفتي، أو يحرمني من الترقي، ولذا سأجامله. فتراه يفعل الحرام أو يترك الواجب، وهذا الخوف محرم، ولكنه لا يبلغ خوف العبادة.
أيضًا هناك نوع رابع ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في حاشيته وتعليقه على كتاب التوحيد، وهو الخوف الذي هو الجبن والهلع، مثل: من يخاف من تحرك الشجر في الليل إذا سمع صوت الأشجار وقد ضربتها الريح، أو يخاف -كما يقال في المثل- يخاف من ظله إذا مشى في الطريق ورأى ظله، وهذا نوع من الجبن ونقص في النفس، وهذا عليه أن يعالج نفسه، وأن يقوي قلبه ورباطة جأشه، وأن يتوكل على الله، وألا يستسلم لمثل هذا النوع من الأمراض النفسية؛ لأنَّه قد يؤدي به إلى أشياء ضارة له في حياته.
هذا ما يتعلق بأقسام وأنواع الخوف.
أمَّا الآية الكريمة فهي قول الله -عز وجل-: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ، فقوله: ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ ، أي: يخوفكم بأوليائه، أو يخوف أولياءه الذين يستجيبون له.
الآية الثانية، وهي قول الله -عز وجل-: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ فقوله -جل وعلا- في وصف هؤلاء المؤمنين المهتدين: ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [التوبة:18]، دليل على مدح من الله؛ لأنهم لا يخشون أحدًا إلا الله.
وقال الله -عز وجل- في الرسول ﷺ: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ ، فعلامة الإيمان أنه لا يخاف إلا الله -سبحانه وتعالى- فيفرد الله -عز وجل- بالخشية، والخشية أعلى درجات الخوف؛ لأنَّها خوف مع علم ويقين.
الآية الثالثة، وهي قول الله -عز وجل-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ هذا ذنب، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ﴾ هذا مذموم؛ لأنه عند أدنى فتنة يتنازل عن الإيمان إرضاء للناس، ويجعل عذاب الله في الآخرة مثل أذى الناس في الدنيا، فبدلاً من أن يخاف من عذاب الله صار يخاف من أذى الناس، ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ ، بل قدم فتنة الناس واتقاها، فترك فعل ما أوجب الله، أو ارتكب ما حرَّم الله، حتى لا يقول الناس عنه شيئًا، فيتقي فتنة الناس، ولكنه لم يتق عذاب الله، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ فهذا معنى الآية الكريمة.
والواجب على المؤمن أن يراقب الله -سبحانه وتعالى- وأن يخشى الله -عز وجل- وحده لا شريك له، وألا يجعل أذى الناس وفتنة الناس وتسلط الناس عليه، ألا يجعل ذلك سببًا في ترك الواجبات أو فعل المحرمات أو الوقوع في المعاصي والموبقات، بل يصبر، وإذا تعرض لأذى من أحد من الناس فعليه أن يشتكي إلى ولاة الأمر، أو يرفع إلى المحاكم أو إلى الشرطة، وإذا لم يتيسر له ذلك يشكو أمره إلى الله، ويصبر على الدين، فإما أن يأخذ بالأمور على وجهها النظامي والشرعي فيتقي شرهم وأذاهم، وإذا لم يتمكن من هذا لأسباب متعددة؛ فإنه يلجأ إلى الله ويثبت على دين الله -عز وجل- ولا يترك الدين ولا يترك الواجبات لأجل مجرد أذى الناس أو كلامهم أو نحو ذلك.
إذًا ما الشاهد من هذا؟
الشاهد أنه خاف من الناس ولم يخف من الله، خاف من فتنة الناس ولم يخف من عذاب الله، ولهذا -يا إخوتي الكرام- من أنفع ما يكون للمؤمنين والمؤمنات -كبارًا وصغارًا- تذكر الآخرة، وتذكر الجنة والنار، وتذكر أهوال القيامة والإيمان بها، فإنَّ هذا يُقوي قلب المؤمن على الدين، أغلب الناس اليوم هم في غفلة، ولهذا أحثكم وأحث نفسي أننا دائمًا أن نتذكر النصوص الشرعية الواردة في الإيمان باليوم الآخر؛ لأنَّ هذا ركن من أركان الإيمان، ومن لم يؤمن باليوم الآخر فهو كافر، فنتذكر ما ورد في كتاب الله، وفي سنة رسول ﷺ، وهذا يقوي إيماننا بالله، وصبرنا على دين الله، والثبات على الدين.
وإذا تذكر المؤمن الجنة وما أعد الله -عز وجل- فيها من النعيم، وما أعد الله -عز وجل- للمؤمنين الصابرين من الثواب العظيم؛ فإنه يهون عنده أمر الدنيا، وإذا تذكر عذاب الله، وما أعده الله -عز وجل- من العذاب المقيم للكافرين وأهل الكبائر، فإنه أيضًا لا يبالي بأذى الناس وفتنتهم وربما عذابهم.
هذا ما يتعلق بوجه علاقة الآية بالباب؛ لأن الخوف من الناس دفعه إلى تقديم الناس على الله -عز وجل-.
قال: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: «إِنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ: أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللَّهِ، وَأَنْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ، إِنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ») .
اليقين من أعمال القلوب، وعكس اليقين الريب، قال الله -عز وجل- في سورة الحجرات: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات:15]، وفي الحديث قال ﷺ: «فمَن لَقِيتَ مِن وراءِ هذا الحائِطَ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بها قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ» ، إذًا اليقين محله القلب، وهذا اليقين يضعف ويقوى وقد يزول، ويأتيه الريب والشك والكفر، ومن الكفر كفر صاحب الجنتين الذي جاء ذكره في سورة الكهف، ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا﴾ [الكهف:36]، وقوله: ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ﴾ أي إذا كان هناك قيامة! وهذا شكٌ وريبٌ، وهو من الكفر والشرك بالله -عز وجل-، فإذا زال اليقين وصار شاكًا في اليوم الآخر، شاكًا في الله، فهذا حال هذا الكافر الذي قصه الله -عز وجل- علينا في سورة الكهف.
وأمَّا المؤمن فعنده يقين، وما دام أنه أسلم فعنده يقين، ولكن هل هذا اليقين قوي أو ضعيف؟
هذا يختلف، قال ﷺ: «إِنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ» أي: من علامات ضعف اليقين هذه الأمور، وهي: أن ترضي الناس بسخط الله، كيف؟
سخط الله -عز وجل- مثلا في الربا، فإذا فعلت الربا سخط الله عليك. فإذا قال لك ابنك أو أخوك: الربا يأتي لنا بمصالح عديدة، كأموال الفوائد. فإذا وافقت وفعلت ما يرضيهم حتى وإن سخط الله، فهذا معناه: ضعف يقين. هذا مثال، والأمثلة كثيرة.
قال: «وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللَّهِ» ساق الله لك رزقًا من حيث لا تحتسب، فتنسى أن تشكر الله، وتنسى أن تحمد الله، وتجلس وتقول: أنت كذا وأنا كذا وهذا بذكائه، وهذا بحسن تصرفه، وهذا بحسن عقله، نحن آباؤنا كلهم تجار، ونحن ورثنا هذا المال كابرًا عن كابر، ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص:78]، هذا أحمدهم على رزق الله، بدل ما يحمد الله، يحمد هؤلاء المخلوقين على ضعف اليقين.
قال: «وَأَنْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ» يعني: الله -سبحانه وتعالى- ما قدر أن يأتيك هذا الرزق فتتحسر، بعض الناس يتحسر، ويبدأ في شتم هذا، وسب هذا، وأنت السبب، وأنت من قطع رزقنا. يا أخي هذا رزق الله -سبحانه وتعالى-، وإذا لم يقدر الله أن يصلك فلن يصلك، حتى لو حاول الناس كلهم. فكيف أنت تذم هذا وتذم هذا، بل عليك أن ترضى بما قسم الله لك، قل: "رضيت بالله ربا" ومن تمام رضاك بالله ربا أن ترضى بما قسم لك من رزق، فلا تذمهم على ما لم يؤتك الله.
ثم قال: «إِنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ»، هذا المثل من خير الأمثلة، يعني كما جاء في المثل: "لو تسعى سعي الوحوش، فغير رزقك ما تحوش"، يعني: سيأتيك رزقك، ولا يرده كراهية كاره، كيف؟
لو كان كل من حولك كارهون إتيان الرزق لك، والله قدر أن يأتيك؛ فإنه سيأتيك ولو كانوا يبغضونك، ولهذا توكل على الله، ويقينك يكون مع الله سبحانه، وأن توقن بالله ربًا، وأن ترضى بما قسم لك، فإذا فاتك الرزق فلا تحزن، ولا تسب الناس وتشتم وتتحسر، وإذا جاءك الرزق تشكر الذي ساقه لك على أيدي من شاء من خلقه، هذا معنى الحديث، وفيه: قوة اليقين بالله -سبحانه وتعالى-، ولا يفهم منه أنك لا تشكر الناس أيضًا، بل يجدر التنبيه على أن النبي ﷺ قال: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ»، ولكن في نفس الوقت إذا شكرت الناس ما تجعل الرزق منهم استقلالا، بل هم سبب، تشكر الوالدين، تشكر المعلم، تشكر المحسن على إحسانه وتدعو له، وتقول: جزاك الله خيرًا ونحو ذلك، ولكن لا تنس فضل الله، فالأصل من الله -سبحانه وتعالى- وهو الذي سخر هذا وهدى هذا.
{قال: (وَعَن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهٌ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ؛ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» رَوَاهُ ابْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِه) }.
هذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحة وله سبب، وهو أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- لَمَّا تولى الخلافة أرسل إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن اكتبي لي بما سمعتي عن رسول الله ﷺ، فكتبت له هذا الحديث، وهو حديث عظيم جدًا يحتاجه كل مؤمن، ومعاوية وهو خليفة أرسلت له أم المؤمنين عائشة هذا الحديث، وهذا دليل على أن الخليفة والحاكم والملك والقاضي والوزير والأمير والتاجر ورئيس الشركة وكل المسؤولين إذا كان هؤلاء المسؤولون وهم في هذه المناصب يحتاجون هذا الحديث فما بالك بمن دونهم؟ فكل واحد يحتاج هذا الحديث «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهٌ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ».
كيف تلتمس رضا الله؟
أولاً: القصد والنية الصادقة، والعزيمة القوية في طلب تحقيق رضا الله -عز وجل.
كيف تعرف رضا الله؟ نعرف رضا الله بما شرع في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، وليس بالظنون ولا التخمينات، ولا بقول: أنا أحس أن الله راض عني، وإنما رضا الله -عز وجل- أن تفعل ما أمرك الله، وأن تنتهي عما نهاك الله عنه، وأن تفعل ما أمرك به رسوله ﷺ، وأن تنتهي عمَّا نهاك عنه رسوله ﷺ.
قال: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ» ما معنى بسخط الناس؟
يعني: حتى لو سخط الناس، أي: أفعل رضا الله -عز وجل- حتى لو سخط صاحبي هذا أو المجالس لي، أو صديقي، أو العامل عندي، أو نحو ذلك.
مثال ذلك: جاء وقت الصلاة، فالجلساء يريدون الضحك، يريدون الاستئناس مع بعضهم، ويريدون مشاهدة الأفلام مثلا، ولكن جاء وقت الصلاة، هل الصلاة من رضا الله أو ليست من رضا الله؟ هي من رضا الله -سبحانه وتعالى-، وكان النبي إذا أذن قام كأنه لا يعرف أحدًا وذهب للمسجد ﷺ، فالصلاة رضى الله، وهؤلاء رضاهم أن تجلس معهم وأن تترك موضوع الصلاة، فمن قام للصلاة فقد التمس رضا الله بسخط الناس، فتكون النتيجة أن يرضي الله عنه، بل حتى هؤلاء سيرضون عنه، ولو سخطوا عليه في هذه اللحظات الآنية، لكن في العاقبة سيرضون عنه.
وبالعكس قال: «وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ؛ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» وهذا -والله العظيم- حديث عظيم نحتاجه، وعلينا أن نؤدي حق الله ونترك المعاصي، وأن ندفع شرهم أيضًا بالطرق التي شرعها الله، يعني: نكلمهم بالكلام الطيب، يا أيها الجلساء، يا أيها الأصحاب، يا أيها الأقارب، يا أيها كذا وكذا، يعني: نحاول أن نقربهم إلى الخير، وأن نشجعهم على الخير بالطرق التي فيها خير.
وأما أن نجاملهم على حساب الدين، وعلي حساب رضا الله -عز وجل- فنسخط الله لأجلهم، فلا، فنأخذ بالحزم ونجد في أمورنا، ونحزم على أنفسنا، ومع سلوك الأخلاق الطيبة، أي: لا يكون خلقنا من الأخلاق الفظة، ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ ، فنحن نعمل بما أمر الله، ولكن بالحدود الشرعية، يعني لا يلزم أن تقوم للصلاة مثلا وهم جالسون فتضربهم أو تبصق في وجوههم؛ لأن هذا يسبب نُفرة عن الدين، ولكن لك أن تقول لهم مثلا: الصلاة خير لنا ولكم، ثم تقوم مباشرة فيقومون معك -إن شاء الله- ولن تتسبب في غضبهم أو حزنهم أو سخطهم، بل لربما يهتدون بسبب فعلك، ويكون ذلك خيرًا عظيما لك ولهم.
وأمَّا الذي يقول: نصبر قليلا حتى يركع أو حتى نلحق بالركعة الثانية أو ما بعدها، فهؤلاء يلتمسون سخط الله، وعليك أن تتركهم. هذه نصيحتي لإخواني المسلمين عملا بهذا الحديث.
وأمَّا علاقة الحديث بالدرس فواضحة، وهي أنَّ الخوف من المخلوقين، والخوف من سخطهم يحملك حتمًا على ترك الواجب.
النوع الثالث من أنواع الخوف التي سبق ذكرها: خوف محرم، وهو أن يحمله على ترك الواجب أو فعل المحرم إرضاء للناس.
{قال المؤلف -رحمنا الله وإياه-: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ، وقَولُهُ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ الْآيَةُ، وقَولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، وقَولُهُ: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ؛ قالها إِبْرَاهِيمُ ﷺ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقالهَا مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قالوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعَوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً﴾ الآيَةَ. رَوَاهُ البُخَارِيّ)
}.
هذا الباب يتعلق بالتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، وألا يتوكل على غيره، قال -رحمه الله-: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ) ، والتوكل الله -سبحانه وتعالى- عبادة جليلة عظيمة، هي فرض وليست سنة أو مستحبة، فقد فرض الله -عز وجل- على كل مسلم ومسلمة أن يتوكل على الله. لماذا؟ لأنَّ القلب يريد أن يستند على شيء أو يعتمد عليه، فالكافر يستند على أسباب دنيوية معينة ويثق فيها، والمشرك يستند على معبودات باطلة ويتكئ عليها ويفوض أمره إليها، بينما المؤمن الموحد الذي يقول: "لا إله إلا الله" يتوكل على الله الحي القيوم -سبحانه وتعالى-، ولا يتوكل على غيره، فالتوكل تعريفه هو: تفويض في القلب، يعني: يفوض أمره إلى ذلك الذي توكل عليه، فالتوكل الشرعي الإيماني يكون بتفويض القلب إلى الله -سبحانه وتعالى- والثقة به، والاعتماد عليه، مع الأخذ بالأسباب ومباشرتها. ولا بد أن نقول هذا في تعريف التوكل، فالتوكل هو تفويض الأمور إلى الله -سبحانه وتعالى-، واعتماد القلب على الله -سبحانه وتعالى-، مع الثقة به، ومع الأخذ بالأسباب ومباشرتها، فيباشر الأسباب التي أباحها الله أو شرعها، ويعلم أنَّ كل شيء بيد الله -سبحانه وتعالى-، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
فالتوكل على الله -سبحانه وتعالى- ناشئ من إيمان العبد بأن الله -عز وجل- هو الذي يعطي ويمنع، ويرفع ويخفض، ويعز ويذل، ويحيي ويميت، ويدبر الأمر، وهو -جل وعلا- النافع الضار، ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس:107]، فالأمر بيده، والملك ملكه، والحكم حكمه، والخلق خلقه، ونحن عبيد مضطرون إليه، فإذا آمن بالله وأسلم، وشهد أن لا إله إلا الله، وآمن بهذه المعاني؛ وَثِقَ بالله، وتوكل على الله، ورضي بالله -جل وعلا-، وفوض أموره إلى الله -سبحانه وتعالى-.
لكن ما يترك الأسباب، والأسباب نوعان:
أسباب دينية، يعني: كيف يدخل الجنة؟ لا يدخل الجنة إلا المسلم، فلا بد من سبب الإسلام والإيمان، كيف؟
من أعظم أسباب دخول الجنة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وكذلك الأسباب الأخرى التي شرعها الله -عز وجل- من: الدعاء، وكذلك القيام بالواجبات، وترك المحرمات لنيل الجنة والنجاة من النار.
كذلك هناك أسباب دنيوية أو عادية أباحها الله كالدواء، وكأسباب التجارة، وأسباب الزراعة، وأسباب الولد، وأسباب حصول العلم والدراسة إلى آخره.
لكن هذه الأسباب لا يجوز أن يَتوكل عليها، بل عليه أن يتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، قال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فهذا شرط، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة:51]، وقال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم:12]، وقال تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [يونس:84].
التوكل على غير الله أنواع:
الأول: أن يعتقد أنَّ الذي يجلب له الخير ويدفع عنه الضر هو المخلوق، فيخاف منه ويرجوه، وهذا هو التوكل الشركي، كما يتوكل عباد القبور على المقبورين والموتى.
الثاني: أن يتوكل على غير الله مع الاعتماد على ذلك الغير، لكنه يقول: الأمور كلها عند الله، كما يتوكل بعض الناس على التجار أو على الملوك أو على نحوهم كالوزراء، يتوكل عليهم، فيقول: أنا رزقي مربوط بهذا الشخص، فهذا شرك أصغر. لماذا لم نقل هو شرك أكبر؟ لأنه يعتقد أنَّ الله -عز وجل- هو الذي بيده الأمور، وأنه هو الذي يجري هذه الأرزاق، ولكن قلبه اعتمد على هذا المخلوق، وتوجه إليه يجب علينا أن نصحح دائما نياتنا، وألا نلتفت إلى المخلوقات. كيف ذلك؟
نتذكر ضعفهم وعجزهم، نتذكر أنهم قد يموتون، وهذا وحده يكفي، انظر إلى قوله تعالى في سورة الفرقان، فهي تبين لك هذا المعنى، قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58]، سبحانه وتعالى، فالمخلوق يموت، أنا أموت، وأنت تموت، وكل مخلوق يموت. فماذا لو مات المخلوق الذي تتوكل عليه؟ ماذا تصنع أنت وقد هلك إذا كانت حياتك أو رزقك عليه؟
لو كان ذلك لهلكت، ولذلك قال سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ ، وهذا في كل أمور حياتك حتى في الأمور الدينية، وأعظمها الثبات على الدين.
هل يجوز التوكل على عالم أو على إمام من أئمة المسلمين؟
الإجابة: بالطبع لا، فالتوكل لا يكون إلا على الله رب العالمين، ولهذا جاء في الحديث: «اللهمَّ لكَ أسلمتُ، وبكَ آمنتُ، وعليكَ توكلتُ، وإليكَ أنبتُ، وبكَ خاصمتُ، أعوذُ بعزَّتِكَ لا إلهَ إلا أنتَ أن تُضِلَّني، أنت الحيُّ الذي لا تموتُ، والجنُّ والإنسُ يموتونَ» ،
إذًا الثبات على الدين، والعافية من الضلال بيد الله وحده، وأما المخلوقات جميعًا فكلهم يموتون.
النوع الثالث من أنواع التوكل: أن يتوكل على شخص بتنويبه في تجارة أو في بيع، أو في كل ما تدخله النيابة، وهذا جائز، ولكن الأولى أن يسمى: توكيلاً، ولا يسمى: توكلاً.
فتقول: وكلت فلانًا ليس توكلاً عليه؛ لأن التوكل عمل قلبي، ولكن يسمى توكيلا.
قال: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ) إذًا هذا من أَجَل أعمال القلوب، وأجل الأعمال الصالحة التي يحبها الله -سبحانه وتعالى-.
قال: (وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:2]) ، إذًا هؤلاء الخلص من عباد الله، يحبهم الله، ويُثنى عليهم، ومدحهم الله بأنهم لا يتوكلون على ميت، ولا يتوكلون على غائب، ولا يتوكلون على ملك من الملائكة، أو نبي من الأنبياء، وإنما على ربهم يتوكلون.
وهكذا الآية الثالثة، وهي قولة تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ما معنى حسبك الله؟ معناها أنَّ الله كافيك وكافي أتباعك، وأتباعك وهم المؤمنون والصحابة ومن بعدهم، إنما يكفيهم وحسبهم الله. هذا معنى الآية ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ ما معناها؟ أي أنَّ الله كافيه، فمن توكل على الله، فالله -عز وجل- يكفيه كل ما أهمه، سواء نزل به دين أو فقر أو مرض أو غير ذلك.
{قال: (وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ؛ قالها إِبْرَاهِيمُ ﷺ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقالهَا مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قالوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعَوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً﴾ . رَوَاهُ البُخَارِيّ) }.
هذا يُبين لك أنَّ أفضل خلق الله وهما الخليلان: محمد ﷺ أفضل وأكمل الخلق، ثم إبراهيم الخليل، وهؤلاء من أولى العزم من الرسل، فهذا دعاؤهم، لأنَّ بعض الناس الآن يخترع أدعية، ويبحث عن أوراد صوفية، أو أوراد كذا، وتراه يترك طريقة الرسل، ولذلك أنا أقول دائمًا لأهل الإسلام: اكتفوا بأدعية وأذكار القرآن والسنة لِمَا فيهما من الخير والبركة، وإياكم والأوراد المبتدعة.
(«قالها إِبْرَاهِيمُ ﷺ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ») ما قال إن النبي ﷺ لا بد أن يقول غيرها، بل قالها النبي ﷺ.
﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ قالها إبراهيم لَمَّا أُلقى في النار، فجعلها الله بردًا وسلامًا، وكذلك لَمَّا أراد المشركون تخويف النبي ﷺ وصحابته بعد أحد، قال النبي ﷺ وقال المسلمون: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ، فهذه كلمة المؤمن عند الشدائد، إذا اشتد بك المرض، أو اشتد بك الفقر، أو الدَّين، أو طالت عليك الكروب والشدائد، أو تسلط الأعداء عليك إلى آخره، كل هذا تجابهه بالتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، وقول الله: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ مع الأخذ بالأسباب، ولابد أن تأخذ بأسباب السلامة، وأسباب النجاة، وبجميع الأسباب المشروعة مثل: الدواء، الأكل، الشرب، ولبس ما تتقي به البرد، أو البعد عن أهل الشر حتى لا تتعرض لهم فيؤذونك أو يقتلونك، تبتعد عن أسباب الشر جميعًا، وتأخذ بأسباب السلامة، فالأخذ بالأسباب مما يدخل في قول الله -عز وجل-: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال:60]، وقال الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء:71]، وقال النبي ﷺ: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ» . كل هذا من الأخذ بالأسباب.
ولا يجوز للإنسان أن يقول: أنا أترك الأسباب وأتوكل على الله؛ لأنَّ هذا تواكل غير مشروع، وهو باطل.
وما يصنعه بعض الناس حيث يقول: أنا أسافر بدون زاد، بدون طعام أو مال وعلى الله رزقنا، أو يقول: أسافر وأترك أولادي بدون زاد، والله سيرزقهم، هذا غير مشروع، ولا يجوز لك أن تتعرض للمخاطر وتقول: أنا أتوكل على الله؛ لأنَّ بعض الناس يسرع في الطريق سرعة زائدة بسيارته ويقول: أنا متوكل على الله، ويسرع سرعة هائلة جدًا حتى يضر نفسه والآخرين، فنقول: هذا لا يجوز وهو مخالف للتوكل؛ لأنَّ التوكل على الله يكون مع الأخذ بالأسباب، والثقة بالله، وتفويض الأمور إليه، مع الأخذ بالأسباب.
هذا ما تيسر لنا في هذا الدرس، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{أحسن الله إليكم شيخنا، وثبتنا وإياكم على التوحيد، والشكر موصول إليكم أعزاءنا المشاهدين، على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك