الدرس الرابع

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

7276 18
الدرس الرابع

كتاب التوحيد 3

{بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أهلاً وسهلاً بكم أعزاءنا المشاهدين، في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) نشرح فيها متن (كتاب التوحيد) لإمام الدعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، أهلاً وسهلاً بك فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة المستمعين والمشاهدين، ونسأل الله -جل وعلا- للجميع العلم النافع والعمل الصالح.
{أستأذنكم فضيلة الشيخ في إكمال المتن}.
نعم، تفضل.
{قال المؤلف -رحمنا الله تعالى وإياه-: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ
وَقَوْلُهُ تعالى: وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُول اللَّهِ قال: «قال اللَّهُ تعالى: أَنا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ فِيهِ غَيْرِي؛ تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- مَرْفُوعاً: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ؟ قلنا: بَلَى، قال: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ -يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيّنُ صَلَاتَهُ؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أمَّا بعد، فهذا الباب وهو: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ) هو من أعظم المحرمات، ومن كبائر الذنوب عن الرياء، وهو يقع في القلب، إذًا لا زلنا مع الشيخ -رحمه الله تعالى- وهو يذكر ما يقع في القلوب من أعمال، إمَّا أعمال واجبة كحب الله وعبادته بالحب، وكذلك الخوف، والرجاء، والصبر، والآن يذكر -في هذا الباب- الرياء وتحريمه، والرياء يكون في القلب، ولا يطلع عليه أحد عليه إلا الله -سبحانه وتعالى- ولا يعلم إلا الله هل هذا مراس أو غير مراء.
والرياء خطير جدًا، ومن الذنوب الكبيرة، وجاء الوعيد الشديد فيه في كتاب الله وفي سنة رسوله ، ولهذا قال الشيخ: (بَابُ مَا جَاءَ في الرياء) أي: ما الذي ورد من النصوص والأدلة من الآيات والأحاديث في شأن الرياء، ولا شك أنه ورد شيء كثير في هذا المقام، ولكن الشيخ يذكر ما يحصل به المقصود، وعلى طالب العلم فيما بعد ذلك أن يتوسع كما شاء.
إذا كان الرياء وهو في الظاهر عمل أو عبادة يقصد بها وجه الله تعالى، قد جاء فيه هذا الوعيد الشديد، فما بالك بمن يقصد غير الله في العبادة أصلا، وهذا تنبيه لطالب العلم عند رَدِّه على عباد القبور وأشباههم، فإنَّ هؤلاء يظهرون الانتساب للإسلام، وتجدهم يقررون تحريم الرياء اتباعا لظاهر النصوص، ولا يستطيعون القول بجواز الرياء.
فمن الرد على هؤلاء، أنهم في هذا الشرك الذي يعد من قبيل الشرك الأصغر يعظمونه، ويحذرون منه، ولكن يتركون ما هو أطم وأعظم، كقصد صاحب القبر بنفسه، أو الملائكة الغائبين، أو الأنبياء، أو الصالحين، فهناك من يقصدهم ويهتف بأسمائهم، ويسجد لهم ويدعوهم من دون الله، فيسكت عن هذه الشركيات الكبرى.
وبمعرفة هذه المسألة يظهر صحة الطريقة السلفية السنية المحمدية في التحذير من الشرك الأكبر والأصغر بجميع أنواعه، وبجميع صوره، ويتضح لك فساد الطريقة الْخَلَفية الخرافية الصوفية الشركية، التي تسوغ دعاء الأموات وعبادتهم من دون الله.
ما معنى الرياء؟
الرياء يذكر ويذكر معه السمعة، وقوله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ) أي السمعة، ولكن إذا أطلق الرياء شمل السمعة، فما الفرق بين الرياء والسمعة؟
الرياء مأخوذ من الرؤية، رَاءى، يرائي، مراءة.
والسمعة مأخوذة من، سمع يسمع تسميعًا.
إذًا الرياء يكون في الأشياء المرئية المشاهدة، والسمعة تكون في الأشياء المسموعة ولو لم تكن مرئية، فهذا هو الفرق بين الرياء والسمعة، ولفظ الرياء يشمل: السمعة وفي الحديث: «مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ» ، فهناك من لا يمكن أن يُرى مثلا لكنه يمكن أن يُسمع كيف؟
يكون الإنسان في مكان لا يراه فيه أحد، ولكنه إذا تكلم سمعوا صوته، فيرفع صوته بالقراءة وبالدعاء أو نحو ذلك، حتى يقال عنه: إنه قارئ أو داع.
ما هو الرياء المحرم؟ وما الفرق بينه وبين العبادة التي شرعها الله للمؤمنين؟
الجواب: الرياء ظاهره عبادة، ولكن الدافع له والحامل على فعله هو قصد ثناء الناس، والإنسان في ظاهر الأمر لا يستطيع أن يقول: فلان مرائي أو غير مُراءٍ؛ لأنَّ الله وحده هو من يعلم ما في القلوب، فيجب على المؤمن أن يكون الحامل له والدافع له الذي نهزه ودفعه وحمله هو: طلب رضاء الله -عز وجل-، وطلب ثوابه ورحمته سبحانه، وأمَّا ما يقصد به غير الله -عز وجل- فهذا هابط وذاهب، ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:88]، فبعض الناس يحمله على فعل العبادة طلب ثناء الناس، وطلب الرفعة عندهم، وطلب حمدهم وثنائهم، هذا الذي يجب أن يحذر منه المؤمن. ولكن كيف يحذر منه مؤمن؟
أن يتذكر عظمة الله -سبحانه وتعالى- وأن الله هو العظيم، وأن الله هو الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، ويتذكر أيضًا عجز المخلوقين وفقرهم، وأنهم لا يملكون له لا نفعًا ولا ضرًّا، وأنَّ الرزق أو الخير إذا أراد الله أن يوصله إليه وصل إليه ولو أبى جميع الخلق، ولو أراد الله أن يمنعه منه فلو اجتمع من بأسرها على أن يوصلوا إليه ما وصل، فكيف يتعلق قلبه به!
أيضًا يتذكر أنَّ هؤلاء الذين ظن أنَّ مدحهم وثناءهم ينفعه أنَّ هؤلاء أنفسهم على خطر إن لم يقبلهم الله ويرضى عنهم، فالأمر كله عند الله -سبحانه وتعالى- فلا يلتفت إليهم.
وأيضًا مما يزيل هذا في قلب المؤمن أن يتذكر أوامر الله، ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ [المائدة:6]، فالآمر هو الله -عز وجل-، وأنا مُستجيب لأمر الله.
هذه الأمور -بإذن الله- تزيل عنه هذه الهواجس.
وأيضًا عدم التعلق بالدنيا وزخرفها والإعجاب بها، قال تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [القصص:79-80]، انظر إلى فضل العلم، وقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا﴾ من اللي آتاهم؟ إنه الله، ولهذا فعلى الإنسان ألا يعتر حتى وإن كان عالمًا مؤمنًا، بل عليه أن يقول: هذا من فضل ربي. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص:80]، وفي آخر الآيات قال: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص:83]، وهذا كله مما يساعد المؤمن على تجنب الرياء.
ولقد خاف النبي على الصحابة من الرياء، فهو يخشى على الصالحين أكثر من غيرهم، فالمؤمن يخاف منه، ويخاف مما خوفه الرسول منه، ولا يقول: أنا في مأمن من الرياء، ولهذا كانت حاجة العبد إلى الإخلاص وتصحيح النية دائمة حتى يلقى ربه -عز وجل-، وكان العلماء إذا ألَّفوا الكتب يبدؤون بحديث عمر: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ» ، ولا بأس أن يقصد الإنسان الدنيا، ولكن ما يجعلها هي المعتمد.
قال الله -عز وجل-: ﴿وَابْتَغِ﴾ هنا طلب أي في القلب والعمل، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص:77]، ولا بأس أن يأخذ الإنسان الرزق من بيت المال مكافأة له على الأذان والإمامة أو التدريس أو والفتوى أو على القضاء، أو يأخذ على الأعمال الدينية أجرة من ولي الأمر، أو راتبًا من بيت المال، وكل هذا لا حرج فيه، وقد فعله خير الناس بعد الأنبياء وهم الصحابة، ففرضوا لأبي بكر وعمر، وأيضًا فرض عمر لأصحاب النبي ، وقدم بعضهم على بعض بحسب سابقتهم في الإسلام، وبحسب أعمالهم -رضي الله عنهم-، فهذا كله لا يؤثر.
وكذلك الجهاد في سبيل الله مما ينتج عنه الغنائم والأمور المالية، فهذه لا تؤثر، وإن كانوا قد غنموا فلربما ينقص أجرهم عمن لم يغنم، كما جاء في الحديث، ولكن هذا يبين لك أن هذا لا يؤثر.
ومن ذلك أيضًا قوله : «مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه» ، فذكر أمرين دنيويين وهما: بسط الرزق وطول العمر، والعمل عمل صالح، وهو: «فَلْيَصِلْ رَحِمَه» فإذا كان الرسول يُرغب في صلة الرحم بذكر هذا الأمر الدنيوي، فنقول: لا يضرك أن يقع في قلبك هذا الأمر الدنيوي، ولكن الحامل لك الذي دفعك على العمل هو إيمانك وإسلامك وشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وهو دخولك في هذا الدين العظيم، دين الإسلام. فاحمد الله على هذه النعمة، وقم بأوامر الله راجيًا ثواب الله، راجيًا رضا الله، راجيًا ما عند الله، وبهذا يضعف التعلق بالمخلوقين والنظر إليهم؛ لأنهم لا يقدمون ولا يؤخرون، وكلنا مساكين وفقراء إلى الله، وبالتالي فكلنا نحتاج إليه سبحانه.
ولو نزلت نازلة بهذا الذي ينظر إليه فافتقر مثلا أو مرض أو مات، فما الذي ينفعني إذا ما التفت إليه؟
مثل هذا الأمور تعالج ما يعتلج في القلب من هذه الوساوس والخطرات، والمؤمن يقوم بالعمل أيضا، وهذا شيء مهم جدًا، يعني تجد بعض الناس لا يشهد الجماعة في المسجد؛ بحجة أنه يخاف على نفسه الرياء إن صلى في المسجد! نقول: هذا من فعل الشيطان، ترك العمل لأجل الناس أشد، وهذا ما يريده الشيطان، فلا تترك العمل الصالح لأجل الناس.
كحال من أراد أن يتصدق أو يعتمر أو يحفظ القرآن أو يحضر دروس علم أو يحسن إلى اليتامى والفقراء، فحاف على نفسه الرياء فالتزم بيته خوفًا من الرياء، ففرح الشيطان من تركه للعمل، وخسارة قربه من الله -عز وجل-، والشيطان إنما يريد من العبد أحد أمرين: إمَّا أن يقع العبد في الرياء، وإمَّا أن يترك العمل الصالح بالكلية، فنعوذ بالله من الشيطان، ولذا لا ينبغي أن نستجيب له في إغوائه، سواء بالريا أو بترك العمل الصالح المقرب إلى الله -عز وجل.
أيضًا إذا أحسَّ الإنسان بالنشاط، كمن رأى أهل الخير والصلاح، أو أهل التقوى، كحال ذلك الرجل الذي يصلي في البيت صلاة غير متقنة، ولكنه إذا رأى طلاب العلم أو رأى المصلين في المسجد يجتهدون في العبادة تشجعت نفسه للصلاة فأحسنها، دون أن يبالي أو يرائي، وفي هذا يقول تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف:28]، والصلاة في المسجد في جماعة واجبة على الرجال ومن أعظم منافعها تشجيع المؤمن على الخير، وعلى الأعمال الصالحة، فتره يرى غيره داعيًا فيدعو، ويرى غيره ذاكرًا لله فيذكر، ويرى غيره متنفلاً فيتنفل، وهذا بخلاف ما إذا جلس في بيته زاعمًا خوفه من الرياء.
أيضًا مما جاء في السنة أن الرجل يقوم بالعمل الصالح لا يعلم به أحد، فيدخل عليه من يدخل أثناء عبادته، فيجد المتعبد في صدره انشراحًا، وفي مثل هذا يقول : «تِلكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ» ؛ لأن هذا ليس برياء.
هذه الأمور نبهت عليها؛ لكثرة وقوعها بين الناس، وللاستفادة منها.
قال: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110])
.
هذه الآية العظيمة، وهي آخر آية في سورة الكهف، فيها التنبيه على شرطي قبول العمل، وهما:
الشرط الأول: موافقة الشريعة، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ ، والعمل الصالح لا بد فيه من موافقة السنة، وعدم الابتداع.
الشرط الثاني: الإخلاص، وهو مأخوذ من قوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ، وهذا مقتضى قوله تعالى: ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ ، فالعبادة لله -جل وعلا- لا يصرف منها شيء لغيره.
وقوله: ﴿أَحَدًا﴾ جاءت نكرة في سياق النهي، ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ، وقد قال العلماء: النكرة في سياق النهي أو النفي أو الشرط تعم كل شيء، فيدخل في ذلك ما قد يقع في القلب من قصد المخلوقين، وهو: الرياء.
قال: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُول اللَّهِ قال: «قال اللَّهُ تعالى: أَنا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ فِيهِ غَيْرِي؛ تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
هذا الحديث حديث قدسي، وقد رواه الرسول عن ربه -عز وجل-، وهذا فيه فوائد منها:
براءة الله -عز وجل- من جميع الأعمال التي فيها شرك، فإذا كان الله -عز وجل- يتبرأ من الرياء، فما بالك بما هو أعظم من الرياء! كمن يسجد لصاحب القبر، ويقول: أنا أُقَبِّلُ عتبات. لماذا تقبل عتبات؟ وفعلك هذا هو سجود لغير الله.
أو تراه يقول: أغثني يا فلان، أو اشفع لي عند الله، أو ادعوا الله لي، وكل هذا شرك؛ لأنَّه إنما يخاطب الأموات، أو يخاطب الجن، أو يخاطب الملائكة، وهؤلاء غائبون، ويزعم أنَّ فعله وعمله من محبة الصالحين والتوسل بهم، وقد قال تعالى في الحديث القدسي: «أَنا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ فِيهِ غَيْرِي؛ تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».
وأيضًا يستفاد من الحديث فائدة أخرى، وهي معرفة معنى اسم الله الغني، وأن من مقتضيات ومن معاني اسم الله الغني، أنه غني عن الشرك، فكل عبادة شركية، وكل عبادة أشرك صاحبها فيها مع الله -عز وجل- أحدًا غيره، سواءً شركًا أكبر أو شركًا أصغر، فالله -عز وجل- لا يَقبلها «تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».
أيضًا يستفاد من هذا الحديث في الرد على دعاة عبادة القبور، كيف؟
ماذا يقول أغلب عباد القبور الآن؟
يقولون: من قال: "لا إله إلا الله" فقد كفاه ذلك، حتى وإن صرف العبادة لغير الله، فنقول: هذا ما بين أيدينا كلام الرسول فيما يرويه عن ربه، فإذا قلت: "لا إله إلا الله"، ثم أشركت مع الله غيره؛ فإنَّ الله -عز وجل- يتركك وشركك، وسَمَّىَ هذا الفعل شركًا، فكيف تزعم أنه ليس بشرك، وهي تسمية شرعية دينية من رب العالمين، رواها رسوله الكريم ؟!
كذلك يقول عباد القبور: لا بد لنا حتى نصف العمل بأنه شرك، أن يكون فاعل هذا العمل يعتقد الربوبية في غير الله. كيف نرد عليهم من خلال هذا الحديث؟
نقول: جاء في الحديث: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً»، ولم يقل: "من اعتقد عملاً"، فعلَّق الحكم على الفاعل وعلى الفعل بالشرك بمجرد العمل، وبالتالي لا نحتاج أن نقول: لا بد أن يَعتقد في الْمُشرك به من غير الله أنه رب أو فيه خصائص الربوبية، بل قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ فِيهِ غَيْرِي؛ تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»، فهذه براءة من الله -عز وجل- من هؤلاء المشركين، سواء كان الشرك أكبر فهم كفار، أو كان الشرك أصغر فأعمالهم التي أشركوا فيها مع الله غيره حابطة غير مقبولة، أي: لا يقبلها الله ولا يرضاها -سبحانه وتعالى-.
وفي الحديث الآخر، قال الرسول : «إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ، يقول اللهُ لهم يوم يجازي العبادَ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتُم تراؤونَ في الدنيا، فانظروا هل تجدونَ عندهمْ جزاءً وخيرًا؟» ، نسأل الله العافية والسلامة، وهذه عقوبة أخرى غير إحباط أعمالهم.
قال في الحديث الثاني: (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- مَرْفُوعاً: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ؟ قلنا: بَلَى، قال: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيّنُ صَلَاتَهُ؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ إليه» رَوَاهُ أَحْمَدُ).
هذا الحديث فيه فوائد منها:
أنَّ النبي حريص على أمته، وعلى صحة عباداتهم، وعلى نجاتهم، وعلى أن تكون عباداتهم مقبولة عند الله، ومن حرصه حذرهم مما هو مخوف عليهم. وهذا يبين لك شيئًا تحب به الرسول ؛ لأنَّ الرسول ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة:128]، فهو يريد الأمور التي تنجينا من عذاب الله.
قال : «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ؟» فعلم من هذا الحديث أنَّ أخوف شيء هو المسيح الدجال، ولكن هناك ما هو أخوف منه، وهو ما يتعلق بقلب كل إنسان! ما هو؟ الرياء، والمسمى بالشرك الخفي، وهذا يُبين لك خطر المسيح الدجال، وأنه أعظم فتنة على مَرِّ التاريخ، ولكن فتنة الدجال لا يصادفها إلا من كان حيًا في ذلك الوقت الذي يخرج فيه المسيح الدجال، وخروج المسيح الدجال له علامات، وسمي بالدجال؛ لأنه كذاب كثير الدجل، والمسيح الدجال له صفات منها: أنه أعور العين اليمنى، وأنَّ عينه كأنَّها عنبة طافية، ويكتب الله -عز وجل- على جبينه كلمة كافر، يقرؤها كل مؤمن، سواء كان يقرأ أو لا يقرأ.
والمسيح الدجال خطره عظيم، ولكن أخبرنا النبي أنَّ ثم شيء أخوف منه؛ لأنَّ ذلك الشيء يكون في قلب كل إنسان وربما يقع؛ لأنه يذهب ويجيء، وقد ينساه العبد مع الوقت فيهجم عليه ويخالطه، ومن ثمَّ يدخل في قلبه وهو لا يشعر.
قوله: («قال: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ») يستفاد منه أنَّ الشرك منه ما هو خفي، ومنه ما هو جلي، ويستفاد من الحديث السابق أنَّ الشرك منه ما هو أصغر، ومنه ما هو أكبر.
إذًا التقسيمات العلمية التي ذكرها العلماء، والتي فيها أنَّ الشرك أكبر وأصغر، وخفي وجلي، مأخوذة من النصوص الشرعية، وأن الأكبر مخرج من الملة، وأنَّ الأصغر غير مخرج من الملة؛ لأنه لم يأمرهم بأن يجددوا إسلامهم في الخفي أو في الأصغر.
(قال : «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيّنُ صَلَاتَهُ؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ إليه») هذا رجلٌ يُحسن ويزين صلاته، والمؤمن مأمور بأن يقيم صلاته، وأن يحسنها، وأن يتقنها، والله -عز وجل- أمره بإقام الصلاة، ولكن هذا الغافل الذي وقع في قلبه هذا الشيء -أعاذنا الله وإياكم وجميع إخواننا المسلمين منه- جعله لم يقم بتزيين صلاته وتحسين وإقامتها طاعة لله، ولو كان قد فعل ذلك لَسَلِم، ولكنه من أجل أن نظر إليه رجل في صلاته ومدحه، عمل على تزيينها وتحسينها، فهو ما زينها وحسنها لله، بل لنظر الناس إليه، فتراه يزيد في التسبيح، لِيُشعِرَ من ينظر إلى صلاته باجتهاده وتقواه.
والصواب أنَّ عليه أن يستعيذ بالله من فعله؛ لأنَّ فعله وصفه النبي بأنَّه أشد خطرًا من خطر المسيح الدجال، والمسيح الدجال سيكون في آخر الزمان، وسيقابله أمة عظيمة في آخر الزمان، نسأل الله أن يحفظنا، وأن يهدينا وإخوانا المسلمين، وأن يكفينا شره.
فالشرك الخفي أو الرياء قد يستمر بالقلب حتى الموت، وهو من شرك السرائر، ولذا كان على العبد أن يتعوذ منه، وأن يتقيه.
كيف يتقي العبد هذا الرياء؟
اتقاء الرياء يكون بتجديد النية، فيذكر نفسه أنَّه لا يقوم بهذا العمل أو هذه العبادة لأجل فلان من الناس.
هل من خاف الرياء عليه أن يخفف صلاته ليدحض شيطانه؟
نقول: لا، بل صلِّ طاعة لله، دون تخفيف الصلاة ودون الاعتبار بمن نظر إليك، ولتكن صلاتك طاعة لله، وكما شرع رسول الله ، مستعينًا بالله، ومستعيذًا من الشيطان الرجيم، وإذا جاءك في صلاتك فاتفل عن يسارك ثلاثًا.
وإن كنت خارج الصلاة -تقرأ القرآن- ترفع صوتك لأجل أن تخشع حتى وإن تأثر المستمعون بصوتك؛ لأن هذا مما شرعه الرسول ، وكان النبي يأمر بعض الصحابة فيقرأ عليه القرآن، كأبي موسى الأشعري، قال له : «لو رأيتُني وأنا أستمِعُ قراءَتَك البارحةَ، لقد أُوتيتَ مِزمارًا من مزاميرِ آلِ داودَ» . فقال أبو موسى: "لو علِمتُ لحبَّرتُ تحبيرًا ولشوَّقتُ تشويقًا"، ولم يقل له النبي : هذا رياء، أو أنت عملت العمل لأجلي، بل دلَّ هذا على أنه مشروع، فإذا قرأت القرآن ليتأثر إخوانك من حولك وينتفعون بالقرآن فأنت حينئذ تحسن إليهم.
ولكن إياك أن تكون من يقول: أقرأ القرآن حتى يقال عني: قارئ، أو ماهر، وحتى أشتهر بين الناس. وفرق بين عمل تعمله لأجل أن تنفع نفسك وإخوانك المسلمين المستمعين لك، وبين أن تحب الظهور والبروز، وتريد أن يُثني الناس عليك ويمدحونك!
فإذا فعلت من أجل المدح والثناء فهذا هو الرياء، نسأل الله العافية لنا ولكم وللمسلمين.
{أحسن الله إليك.
قال المؤلف -رحمه الله-: (بَابٌ مِنَ الشِّرْكِ إِرَادَةُ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود:15-16].
وفي الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ. تَعْسَ وَأَنْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا أَنْتَقَشْ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أشْعَث رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ»)
}.
قوله -رحمه الله-: (بَابٌ مِنَ الشِّرْكِ إِرَادَةُ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا)، هذا أخطر من الرياء؛ لأنَّ الإنسان إذا غلبت عليه إرادة الدنيا، وغفل عن الآخرة تمامًا، خالط جميع أعماله إرادة الدنيا.
الرياء قد يخالط عملاً واحدًا أو عملين، ولكن إذا غلب على الإنسان إرادته للدنيا بجميع أعماله -نسأل الله العافية- صار أعظم خطرًا من خطر الرياء؛ لأنَّ إرادته حينئذ تغلب على أكثر أعماله أو كل أعماله، وهذا ينافي كمال التوحيد الواجب على المؤمن الذي يريد الله -عز وجل-، ويريد الدار الآخرة، ويريد رضا الله، ويريد الفوز بثوابه وجنته ونعيمه، والسلامة من النار، والنجاة من النار.
وهذا هو المقصود الأعظم، أسلم لأجل أن يرضى الله عنه، ولأجل أن ينجيه الله من عذاب النار، ولأجل أن يدخله الله الجنة، فإذا قال: لا. أنا أسلمت لأجل الدنيا، حتى يُعصم مالي ودمي، أو لأجل تحسين راتب، أو سكن أو مال، فإذا فعل ذلك لأجل الدنيا فقط دون الآخرة، أي لا يفكر في جنة أو نار أو رضا الله من سخطه، أي لا يفكر إلا بهذه الأمور فقط، وحتى وإن كان مسلمًا صادقًا غير منافق؛ لأن باب النفاق الأكبر أعظم، وهو الذي يشهد "أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله"، ولكنه في حقيقة أمره كاذب غير مصدق بها، هذا هو المنافق وهذا لا نتكلم عنه.
إذًا في هذا الباب يتكلم الشيخ عن رجل يشهد "أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله" وهو صادق ويصلي، ولكنه يفعل العبادات بعضها أو كلها لأجل الدنيا، لأجل أن يحفظ ماله، أو سكنه، أو أولاده، أو شيئًا من الدنيا، وإذا سئل عن الآخرة قال: المهم عندي الدنيا، وفعله هذا باب من الشرك، وهو عظيم جدًا.
قال: (وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود:15-16]).
هذا من الأمور التي حرمتها الشريعة، وطريقة العلاج أنك تعمل، وتسلم، وتقوم بأعمالك طلبًا لرضا الله -عز وجل-، وطلبًا لثوابه، وخوفًا من عقابه.
أنت تؤمن باليوم الآخر فكيف تقول: أنا ما أريد هذه الأشياء ولا أفكر فيها؟ أين إيمانك باليوم الآخر؟ ما هو اليوم الآخر؟
هو يوم القيامة؟ أي أنك ستموت، وبعد الموت تحاسب وستفتن في قبرك، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وقبرك سيكون إمَّا عذابٍ وإمَّا نعيم، وستبعث بعد ذلك، وستحشر إلى أرض المحشر، وستحاسب، كل الخلائق هكذا.
إذًا لا بد من أن نفكر في مثل هذه الأمور، ولا بد أن نطلب من الله -عز وجل- أن يعفو عنا، وأن يغفر لنا، وأن يدخلنا الجنة، وأن ينجينا من النار. فكيف تغفل عن هذا؟ وكيف تقول: أنا لا أهتم بمثل هذه الأمور؟
لا. ما دمت مسلمًا فلابد لك أن تفكر في هذه الأمور، ولذلك كان هذا الكتاب المبارك -كتاب التوحيد- نفعه عظيمًا، وانظر إلى تنبيه المؤلف على أمور قد يغفل عنها طائفة كبيرة من الناس، حتى لا يفوتهم الأجر، ويحوزون بالإثم، نعوذ بالله من ذلك.
إذًا إرادة الإنسان بعمله الدنيا هي أمر خطير جدًا، كما قدمنا على ذلك من أمثلة، ولعل من الأمثلة الواضحة في ذلك أيضًا، أن يقول أحدهم: أنا أصوم لأجل الصحة في البدن، وأصلي لأنَّ الصلاة رياضة، فيها السجود وهذا يساعدني في علاج بعض الأوجاع، وأحج لأنه فيها منافع وفوائد دنيوية.
نقول: لا بد لك أن تقصد بعبادتك الاستجابة لأمر الله، أي: التعبد لله بطاعته، وامتثال أمره بفعل المأمورات، وطلب الثواب ورضا الله، فالله يرضى عمن فعل طاعته، ويغضب على من ترك ما أوجبه.
أيضًا هناك من يبر والديه أو يصل رحمه، ويقول: لا أفعل هذا إلا لأجل أن أجد البر من أولادي، ولا أريد أكثر من هذا، وكثيرًا ما نسمع -مع الأسف- من يقول: أنا أُبِرُّ أبي وأمي؛ لأنَّ البر سلف، وما أبغي من هذا البر لوالدي إلا أن أولادي يبرونني، وأنا بفعلي هذا أتقي العقوق؛ لأن العقوق أيضًا سلف!
فنقول: هذا للأسف أراد بعمله الدنيا، وبالطبع فإنَّ أغلب المسلمين -ولله الحمد- إذا ذُكروا تذكروا، وإذا عُلِّمُوا تَعَلَّمُوا. فماذا نفعل إذا ما سمعنا مثل هذا الكلام من بعض إخواننا وجلسائنا؟ وماذا نقول لهم؟
أنقول لهم: لقد حبطت أعمالكم؟ لا، لا ننفرهم عن الدين ما داموا في عمل صالح، بل نرفع همتهم، ونصحح نياتنا ونياتهم أيضًا؛ لأننا جمعيًا بحاجة إلى ذلك، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة:2]، وكلنا عرضة للخطأ، فنقول لهم: بروا آبائكم طاعة لله -عز وجل- ولا يكون عملكم فقط لأجل الدنيا. فتنشأ في قلب المسلم النية الطيبة بسبب التذكير والتعليم.
ولهذا نقول: ما أعظم نفع هذا الكتاب إذا ما قُرِئَ على الناس وتعلموا ما فيه؛ لأنَّ الله -عز وجل- قال: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود:15].
طيب طلب العلم، وهذا كثير ما يسأل عنه، فيقول: أنا أدرس في الجامعة لأجل أن أحصل الشهادة، والشهادة أحصل بها وظيفة. ما حكم هذا؟
تجد كثيرًا من الناس يقول: أنا أتورع عن هذا؛ لأنني أخشى أن أطلب العلم وهو عبادة! نقول: لا بأس، طلب العلم عمل طيب، ولولا مثل هذه الدراسة في المساجد والمدارس لما وجدنا طلبة العلم الذين يعلمون الناس الخير، ويؤمون الناس في الصلاة ويدرسونهم، ويفتونهم، ويقضون بينهم، وكل هذا لا بد منه.
إذًا ماذا نقول للطالب؟ نقول له: صحح نيتك، وتذكر وأنت تطلب العلم أنك تسير فيما يحبه الله ويرضاه، وإذا تذكرت هذا سلمت من المحظور، وهو الذي يريد فقط الدنيا.
كذلك الذي يؤم الناس في الصلاة، يُصلي بالناس إمامًا، ويعطى راتبًا من الوزارة على إمامته، أو على أذانه، وكذلك الفتوى، وكذلك القضاء، وكذلك الذي يتولى الحسبة سواء كان في الأسواق، أو الحسبة على الأموال، أو الحسبة على المفسدين، أو الحسبة على المخدرات وأهل المخدرات، وكل هذا من الأعمال الصالحة.
طيب هل يأخذ أجرًا عليها؟
نقول: لا حرج، لكن عليه أن يتذكر وهو يعمل هذا العمل أنه على طاعة الله، وأنه يفعل ما يحبه الله -سبحانه وتعالى-.
طيب هل هناك فرق بين المنافق النفاق الأكبر وبين المسلم الذي غفل عن الآخرة؟
نقول: المسلم الذي غفل عن الآخرة يُصحح، والمنافق يُدعى للإيمان وللإسلام.
قوله -جل وعلا-: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ ، وهذا معناه أنَّ الله لا يظلم أحدًا، وهو يجازى كل محسن بإحسانه، حتى من ليس له ثواب في الآخرة كالكافر؛ فإنَّه يعطى من النعم في الدنيا ما يقابل تلك الأعمال الطيبة الذي صنعها وقام بها.
مثال: بعض الكفار مثلا يقوم بأعمال طيبة كبناء مستشفى دون مقابل، أو يحفر بئرًا، أو يبني مدرسة، أو يحسن إلى الناس، أو يُطعم الجوعى، وكل هذا من الأعمال الطيبة، ولكن هل له جزاء في الآخرة على الرغم من كفره؟
نقول: لا جزاء له في الآخرة، بل هو في النار.
وماذا عن عمله الطيب في الدنيا؟
نقول: يُجازى في الدنيا بما أعطاه الله -عز وجل- من النعم، وقوله: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ جاء تقييده في سورة الإسراء، قال تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ [الإسراء:18]، فهذا القيد المذكور في سورة الإسراء يُبين أنه ليس كل كافر أو ليس كل من أراد بعمله الدنيا أنه يعطى ما يتمناه في الدنيا، بل لمن أراد الله -عز وجل- وقدر وشاء.
قال: (وفي الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال : «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ»)، هذه أربعة أمور تُقصد ويحبها الناس، وتتعلق بها القلوب.
الدينار: فيما يتعلق بالأموال من الذهب ونحوه.
والدرهم: فيما يتعلق بالأموال من الفضة ونحوها.
والخميصة: الكساء الجميل الذي له أعلام، فهو من الألبسة الزائدة عن اللباس الضروري، بل هي زينة، فإذا لبسها بعض الناس أعجب بها كثيرًا، قال: هذا عنده خميصة، وليس هو من اللباس الأصلي، بل اللباس الذي فيه ريش وزينة.
الخميلة: هي البسط التي تكون على الفرش، والوسائد، وما يمشي عليها، وبعض الناس بيوتهم ليس فيها بسط، وإنما تراب مثلا أو بلاط مصمت ليس عليه شيء ينعمها ويجملها، هذه الخمائل توضع ويمشي عليها الماشي فيستمتع بها.
انظر كيف تنوعت هذه الأمور ما بين ألبسه، أو الأمتعة في البيت، مثل: الكنب، والمخدات، والزينة، والزخارف، واللوحات في البيوت، والأشياء التي يمشي عليها، والبسط التي تنعم البيت وتجمله. كلها تتعلق بها القلوب، وهناك نوع آخر من الذهب والزينة والدنانير والدراهم، فذكر النبي هذه الأربعة وغيرها يقاس عليها، كما قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران:14] فالعبودية هنا ليس معناها السجود والركوع والدعاء لها، إنما هو تعلق القلب بهذه الأمور الدنيوية حتى يقدمها على ما يحبه الله -عز وجل-، فتراه يفعل الحرام حتى يكسبها ويقع فيها، ويترك الواجب حتى يحصل هذه الأمور.
ماذا يحدث له؟
دعا عليه النبي بالتعاسة، فقال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ»، وهذه علامة على تعلق قلبه بالدنيا، وحتى ولي الأمر، ومن يعطي العطايا، المعول عند هذا العبد التعيس أنه يعطى، فإذا أُعطى رضي ومدح وأثنى، وإذا مُنِعَ سخط وغضب وسب وشتم، هذا أراد بأمره الدنيا.
قال: «تَعْسَ وَأَنْتَكَسَ» هذا دعاء وخير، فهو دعاء من النبي بالتعاسة، وخبر كذلك لأنَّ من كان هذا حاله فهو في شقاء وتعاسة دائمًا، ودائما ما تنتكس عليه أموره. ما معنى تنتكس؟
أي: تنقلب، فيريد أشياء وتقع على ضد ما يريد، يريد السعادة بهذه الأشياء فتصير تعاسة عليه وشقاوة عليه، يريد المال فيكون وبال عليه، والولد يكون تعاسة وشقاء عليه، وهكذا في سائر أموره.
«وَإِذَا شِيكَ» يعني: إذا أصابته الشوكة في يده أو في رجله «فَلَا أَنْتَقَشْ» وهذا دعاء عليه أن الله -عز وجل- لا يزيل عنه العقوبات، نعوذ بالله، وهذا بسبب ماذا؟ بسبب النية الخبيثة، والإرادة الفاسدة.
وبعدما ذكر النبي هذا المثال القبيح، وبين عاقبته الوخيمة، ذكر المثال الطيب العظيم وعاقبته الحميدة، فقال: «طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أشْعَث رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ»، طوبى هي: الجنة، وهذا الرجل ما يهتم بالخميصة، ولا يهتم بالخميلة؛ لأنه مجاهد في سبيل الله، واللبس الحسن لا يهتم به؛ لأنَّه «مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ»، وهو «أشْعَث رَأْسُهُ»؛ لأنَّه مشغول بطاعة الله، وتحقيق مراد الله -جل وعلا-.
ملحظ: ترجيل الرأس ودهن الشعر والمشط أمر محمود، ولكن المقام ليس لبيان المحمود والطيب من غيره، وإنما المقام مقام بيان أنَّ هذا الرجل غير متعلق بالزخرفة، والتجميل، والأناقة، والتنوق الزائد، والعناية بنفسه أكثر من اللازم، والتعلق بهذه الأمور، وإنما هو مشغول بالجد وما ينفعه في آخرته.
قال: «إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ» أي لا يبالي بالمنصب، ولا يقول: اجعلوني في المقدمة، وإنما هو يريد تنفيذ أوامر ولي الأمر، والسمع والطاعة لولاة الأمور، وتحقيق المراد الشرعي.
وقوله : «إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ» هذا يبين أنه مغمور في الناس، أنه ليس من وجوه الناس المعروفين، والذي إذا قدم عرفوه وأذنوا له، بل هو رجل مغمور، «وَإِنْ شَفَعَ» يعني: طلب الشفاعة من أحد كي يساعده «لَمْ يُشَفَّعْ»؛ لأنه غير معروف عند الناس، وغير معروف عند الوجهاء وأصحاب الشأن، وهذا يدل على كمال إخلاصه، وكمال تعلقه بالله -جل وعلا-، وأنه لا يضره أن لا يعرفه الناس، ولا يضره أن لا يعرفه التجار والأمراء والملوك ونحوهم، بل هو رجل صادق مع الله -سبحانه وتعالى- ولا يريد إلا ما عند الله -جل وعلا-.
هذا الذي له الجنة، وله الكرامة، وله السعادة في الدنيا والآخرة، ولهذا وعده النبي بقوله: «طُوبَى»، وهي: الجنة، وهي أيضًا شجرة في الجنة، يقطعها الراكب أكثر من مئة عام ولا ينتهي منها، وهذا يبين فضل هذا المخلص لله مع الله -سبحانه وتعالى-.
ولكن بعض الناس إذا عُرِضَ عليه منصب فيه خير، فتراه يمتنع منه حتى يكون مثل ما جاء في الحديث! وكذلك إذا رزقه الله مال وأكرمه ووسع على نفسه في بيته بوضع الأثاث أو بعض المتاع الجيد، فهل يمتنع من هذا؟ نقول: لا.
أو رجل رزقه الله من دنانير والدراهم أو الملابس الجيدة، فتراه يقول: لا ألبسها حتى أكون مثل الحديث! نقول: لا، ولكن الشأن كله أن لا يتعلق قلبك بها، فلا يكن قلبك مستعبدًا لهذه الأشياء، ومتعلقًا بها، فإذا ذهبت عنك تقطع قلبك حسرات عليها، ونقول: هي متاع ولا ينبغي لقلبك أن يتعلق بها، وإنما إذا أردت شيئًا من ذلك فاطلبه من الله -عز وجل-، فإن تيسر فالحمد لله، وإن لم يتيسر فاستمر على طاعة الله، واستمر على طلب العلم، وعلى نفع الناس، وعلى القيام بأوامر الله، وترك ما حرم الله -عز وجل-.
إذًا ماذا نستفيد من هذا؟
نستفيد أنَّ هذا الدين العظيم -دين الإسلام- لبه وأساسه الإخلاص لله، وموافقة شرعه، وهو توحيد الله -عز وجل-، وإخلاص العبادة له، سواء كنت فقيرًا، أو كنت غنيًا، أو كنت مريضًا، أو كنت سليمًا، أو كنت ذا مال ومتاعـ أو لم يكن عندك أموال ولا أمتعة، فكل هذه الأمور ليست هي المقصود الأساسي، وإنَّما المقصود الأساسي أن تحقق الإخلاص لله، وعبادة الله -عز وجل-، وأن تقوم بحقوقه، وأن تبتعد عمَّا حرم عليك، وأن تُكثر من الاستغفار لجبر ما يحصل من نقص.
هذا هو المقصود الأعظم، الذي يجب أن يكون هو مقصودك، وهو همك العظيم، وهو البحث عن رضا الله -سبحانه وتعالى- وابتغاء وجهه في كل الأعمال التي تفعلها، وكذلك في اجتناب المحرمات التي تتركها.
إذًا هذا الباب (بَابٌ مِنَ الشِّرْكِ إِرَادَةُ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا) فيه تحذير أن يتعلق قلبك بالدنيا، وأن تنسى الآخرة، وليس معنى هذا أن تترك الأعمال الدنيوية، أو الأعمال المباحة، أو تترك ما رزقك الله -عز وجل-، وإنما تستعين بذلك على طاعة الله، ولا يتعلق قلبك بهذه الأمور.
هذا ما يتعلق بهذا الباب العظيم، وفيه تنبيه على أنَّ التعلق بهذه الأمور فيه نوع من أنواع العبودية؛ لأنَّ الرسول سماه: عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، وعبد الخميلة.
وهنا دعوة لإخواننا وأخواتنا الذين يتعلقون بالمظاهر، ويتعلقون بالشكليات، إما يتعلقون بالسيارات والمراكب، أو بعض النساء يتعلقن بالملابس والذهب والحلي أو بالأمتعة كالشنط أو بكذا وكذا. هؤلاء ينبغي لنا ولهم، وينبغي على جميع المسلمين، ألا تأخذ هذه الأمور بشغاف قلوبنا، وألا تُشغلنا عن مرضاة الله وطاعته، فلا نمضي فيها الأوقات، ولا نضيع فيها الأموال، وإنما يكون مقصدنا رضا الله -سبحانه وتعالى- والاجتهاد في طاعته، وفيما يقربنا إليه، وهذا أمر مهم جدا ينبغي أن ننتبه له، ولو أخذنا به لسلمنا من الحسد، وسلمنا من البغضاء والشحناء والعداوات التي تقع بين الناس.
نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، وجزاكم الله عنا خير الجزاء، ورزقنا الله الإخلاص، وأبعد عنا الشرك والنفاق.
والشكر موصول لكم أعزاءنا المشاهدين، على أمل اللقاء بكم في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك