الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

7272 18
الدرس الحادي عشر

كتاب التوحيد 3

{بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين، أهلًا وسهلًا بكم أعزاءنا المشاهدين في حلقة جديدة من شرح (كتاب التوحيد) يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، نرحب وإياكم بفضيلة الشيخ.}
 أهلًا وسهلًا، حياكم الله وحيا الله الإخوة.
{نستأذنكم في قراءة المتن}.
على بركة الله تعالى.
 {قال المؤلف -رحمنا الله وإياه-: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180].
ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "﴿يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائهِ﴾ : يُشْرِكونَ". وَعَنْهُ:" سَمُّوا اللّاتَ مِنْ الْإله، وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ".
وَعَنِ الْأَعْمَشِ: "يُدْخِلُونَ فِيها مَا لَيْسَ مِنْهَا")
}.
 بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فيقول الشيخ الإمام المجدد شيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد، الذي هو حقُ الله على العبيد: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180]) ، وهذا الباب عقده المصنف -رحمه الله تعالى-؛ ليبين أنَّ من توحيد الله: الإيمان بأسمائه -جل وعلا-، ودعاء الله بها، فهو يتضمن تقرير توحيد الألوهية، وتقرير توحيد الأسماء والصفات، وفي هذا الباب يؤكد على هذين النوعين من أنواع التوحيد:
توحيد الألوهية، وهو دعاء الله -عز وجل- بهذه الأسماء الحسنى.
وتوحيد الأسماء والصفات يكون بالإيمان والإقرار بها، واعتقاد ما دلَّت عليه من المعاني، والعمل بمقتضى ذلك.
 وأسماء الله -جل وعلا- وصفها الله -سبحانه وتعالى- بأنها الحسنى، كما في هذه الآية في سورة الأعراف، وكذلك في آخر سورة الحشر، وكذلك أوصافه -جل وعلا- كلها أوصاف كمال، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها عُليا، قال تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ .
وكذلك أفعاله -جل وعلا- كلها أفعال كمال، لا نقصَ فيها بوجهٍ من الوجوه، والواجب على كل مسلمٍ ومسلمةٍ الإيمان بأسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، التي أضافها إلى نفسه، من غير تمثيل ولا تكييف، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
فالتمثيل هو أن يقول: إنَّ سمع الله مثل سمع المخلوق، أو يقول: المخلوق يسمع مثل سمع الله.
والتكييف هو التخيل لصفات الله بعقله وفكره، وهذا باطل، ولا يمكن للعقول أن تُحيط بالله -جل وعلا-، ولا تحيط بأسمائه وصفاته؛ لأن العقول أقل وأحقر وأذل من أن تحيط بالله، كما قال تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ .
والتحريف هو تغيير معاني النصوص من كتاب الله وسنة رسوله بالابتداع فيها، وبإضافة أقوال وتفسيرها بالتفسيرات الباطلة.
والتعطيل هو إنكارها وجحدها، قال السلف -رحمهم الله- في آيات الصفات: أَمرّوها كما جاءت من غير كيف، يعني: لا تقل كيف؟ ولا تتخيل الكيف بعقلك، ولا تكيفها بعقلك، أمرّوها كما جاءت، فهي واضحة المعاني؛ لأنها باللسان العربي المبين، فهي ألفاظ دالة على معانٍ، تُؤمن بها وتقر بها كما جاءت، فلا تمثل الله بخلقه، ولا تتخيل كيفيتها بعقلك، ولا تعطلها أو تنكرها، ولا تحرف النصوص.
المقصود: أنَّ هذا بابٌ عظيم من أبواب الإيمان، وهو أن يقوم بالقلب الإيمان التام بأسماء الله وصفاته، وهذا يُوجب التعلق به، واللجوء إليه، والتوكل عليه، والانطراح بين يديه، والاستغاثة به، إلى آخر ما يقوم به العبد من أنواع العبودية.
إذًا، تضمّن هذا الباب فائدة مُهمة جدًا، وهي: الرد على عُباد القبور والأولياء الذين يستغيثون بهم، ويستغيثون بالجن، ويستغيثون بالغائبين من الملائكة وغيرهم، فهؤلاء ماذا يقولون في أدعيتهم؟ هل تجدهم يقولون: يا الله، يا سميع، يا عليم، يا بصير؟ لا، بل تجد أحدهم يقول: يا جيلاني، والثاني يقول: يا عيدروس، والثالث يقول: يا زينب، والرابع يقول: يا حسين، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
ولذا كان الواجب على أهل الإسلام التبرؤ من هذا الشرك الذي عليه بعض المشركين ممن ينتسبون إلى هذه الأمة، فالواجب البراءة من هذا الشرك، وأن يُخص الله -عز وجل- بالدعاء، ولا يُدعى غيره، ولو كان دعاء غيره مما يحبه الله لأمرنا الله به، قال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ لو كان هذا شيئًا محبوبًا؛ لجعله مشروعًا بالكتاب والسنة، بل هذا أعظم الباطل وأعظم الكفر، وهو دعاء غير الله -عز وجل-.
وأخبث الأقوال هو من يُسوغ هذا الشرك الأكبر، ويزينه في قلوب العامة، ويهونه في نفوسهم، بل إنَّ بعضهم يبحث عن الحجج الواهية والمكذوبة ليقرر هذا النوع من أنواع الشرك الأكبر، فهما طريقان لا ثالثَ لهما:
طريق أهل التوحيد الذي عليه الرسول والصحابة، قال تعالى في وصفهم: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم﴾ فنستفيد منها ثلاث فوائد:
أولاً: الاستغاثة بالله لا بغيره.
ثانيًا: فاستجاب لكم، وهذه تدل على أنهم دعوا فهذه عبادة، وهي من أمور الألوهية، وأفعال العباد لله -عز وجل- لا تُصرف لغيره، ولا يكفي الإقرار بأن الله الخالق ومن ثم ينجو الإنسان، بل لابُد أن تكون أفعاله على التوحيد العملي، الطلبي، الإرادي، توحيد الألوهية، أي أفعال العباد تكون لله، يتقرب بها لله.
ثالثًا: قول ﴿أَنِّي مُمِدُّكُم﴾ فالمدد منه سبحانه لعباده، وليس الذي يمد العباد هم الأولياء أو الأقطاب أو الأوتاد، كما يقول الأفّاكون الكذابون المفترون على الله وعلى كتابه وعلى دينه، فليحذر أهل الإسلام من هؤلاء؛ فطريق النبي هو التوحيد، وإخلاص العبادة لله، ودعاء الله بأسمائه وصفاته.
انظر إلى كل الأدعية الثابتة في السنة، بل الأدعية التي وردت في القرآن، هل تجد فيها توسلات شركية؟ هل تجد فيها توسلات بدعية؟
لا والله، ونأخذ على هذا ثلاثة أمثلة من كتاب الله -عز وجل-، وثلاثة أمثلة من سنة رسول الله ، والبقية أنت تعرفها أيها المشاهد والمستمع الكريم.
أمَّا من كتاب الله -عز وجل- فانظر إلى الأدعية في آخر آية من سورة البقرة، وكذلك الأدعية في آخر سورة آل عمران، وكذلك الأدعية الواردة في صفة عباد الرحمن.
فآخر آيتين من سورة البقرة، قال تعالى فيها: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ فيها توسل بربوبية الله لهم، وفيها قوله: ﴿أَنتَ مَوْلَانَا﴾ فالله -عز وجل- هو مولى المؤمنين، وهذه هي الولاية الخاصة، فيها النصرة والتأييد والحفظ.
طيب ننظر إلى سورة آل عمران في صفة الأبرار: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ يعني تأملها جيدًا، كل جملة تراها دليلًا على ما نقول، ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا﴾ ، يعني: خلق السماوات والأرض، ﴿سُبْحَانَكَ﴾ ، أي: تنزيهًا لك، ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .
﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ فَآمَنَّا هذا توسل بماذا؟ توسل بالعمل الصالح، ما هو العمل؟ ﴿فَآمَنَّا﴾ ، ما هو العمل هنا؟ الإيمان، سمعنا الرسول ينادي للإسلام فآمنا ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران:193]، وإنك لا تُخلف الميعاد هذا توسل بصفة الله -عز وجل-، ولهذا جاء في بعض هذه الأدعية الخامسة، قال: (ربنا ربنا ربنا) خمس مرات، قال: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم﴾ ما قال الله -عز وجل-إنهم قالوا يا ملائكة، يا جبريل، يا إسرافيل، يا ميكائيل، ولا قال الله -عز وجل- عنهم إنهم قالوا: يا إبراهيم، يا رسول الله، يا محمد، ولا قال الله -عز وجل- عنهم إنهم قالوا: يا أولياء الله، هذا طريق القرآن كله توحيد أما هؤلاء دعاة الشرك، فطريقهم شرك أكبر مخرجًا من ملة الإسلام، فاحذروه وحذروا منه المسلمين.
آخر "سورة الفرقان": ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ ماذا دعوا؟ ﴿رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ في آخر الآية ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ .
انظر للأدعية في "سورة الأنبياء"، بماذا دعا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ انظر للأدعية التي ذكرها الله -عز وجل- عن موسى الكريم، وعن إبراهيم الخليل، وعن عيسى، وعن غيرهم من أنبياء الله -عليهم الصلاة السلام-.
انظر للأدعية التي ذكرها الله عن المؤمنين في "سورة المؤمنون" إلى آخره ما تجد هذه الأشياء الشركية.
فيا من أراد نجاة نفسه! يا من تقول إنك أسلمت لله، يا من تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أنصحك لوجه الله اترك هذه الشركيات، وأقبل على كتاب الله ستجد الحق المبين، الحق الواضح الذي هو مثل الشمس، واحذر من أهل الشرك، ودعاة الشرك والخرافة، والله إنهم يدلونك على نار جهنم.
وأمَّا من السنة فنأخذ -كما قلنا- ثلاثة أمثلة:
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أبو بكر الصديق -أفضل هذه الأمة، لرسول الله : "عَلِّمْنِي يا رَسولَ اللهِ، دُعَاءً أَدْعُو به في صَلَاتِي" من الْمُعلِم؟
المعلم هو رسول الله . من الْمُعَلَّم؟ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، يعني هذا أعلى ما يكون من مقامات الإيمان، ولذا نقول: لا ينبغي لرجل أو شيخ طريقة ويقول: أنا أدّعى الولاية، خذوا هذا الذكر، وخذوا كذا وكذا.
بل اطرح عنك هذه الأشياء، واطرحها أي: اتركها، وتبرأ منها، وعليك بالكتاب والسنة وهما يكفيانك.
 فقال الرسول : «قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ»[1].
السؤال هنا جاء في أمرين، ما هما؟ «فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي»، لكن قبل هذا السؤال وبعده جاءت التوسلات التي يحبها الله -عز وجل-، وفيها الاعتراف بالذنب «إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي»، وهذا يدل على توحيد الألوهية، «إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا».
والثالث: «ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ» هذه صفة الله -عز وجل- فهو توسل لله بصفته.
«فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ» هذه استجابة لقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
 نأخذُ دعاءً ثانيًا من سنة النبي ، يقول عبد الله بن عباس في صفة صلاة الليل التي صلاها مع النبي ، وذلك لَمَّا بات عند خالته ميمونة، قال: فكبّر فقال: «اللَّهمَّ لَكَ الحمدُ أنتَ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ قيُّومُ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ نور السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ ، أنتَ الحقُّ، وقولُكَ الحقُّ، ووعدك حقٌّ، والجنَّةُ حقٌّ، والنَّارُ حقٌّ، والنَّبيُّونَ حقٌّ، ومحمَّدٌ حقٌّ، اللَّهمَّ لَكَ أسلمتُ، وبِكَ آمنتُ، وعليْكَ توَكَّلتُ، وإليْكَ أنَبتُ، وبِكَ خاصَمتُ، وإليْكَ حاكمتُ، فاغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلَنتُ، أنتَ إلَهي لاَ إلَهَ إلَّا أنتَ»[2]، ثم (جاء الطلب الآن) ، وهو: «فاغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ».
انظر كيف أن هذه التوسلات بأسماء الله وصفاته، هذا هو المشروع للمؤمن، «فاغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلَنتُ، أنتَ إلَهي لاَ إلَهَ إلَّا أنتَ»، هذا مثالٌ ثانٍ».
 نأخذ مثالًا ثالثًا ونختم به الأمثلة؛ لأن كل الأدعية النبوية -في الحقيقة- على هذا النحو، ولكن لأجل أن يكون طالب العلم، والمستمع والمشاهد، عنده حجة يذكرها.
يقول النبي ، كما روى البخاري من حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: «سيِّدُ الاستغفارِ أنْ يقولَ العبدُ: اللَّهمَّ أنتَ ربِّي وأنا عبدُكَ لا إلهَ إلَّا أنتَ خلَقْتَني وأنا عبدُكَ أصبَحْتُ على عهدِكَ ووَعْدِكَ ما استطَعْتُ أعوذُ بكَ مِن شرِّ ما صنَعْتُ وأبوءُ لكَ بنعمتِكَ علَيَّ وأبوءُ لكَ بذُنوبي فاغفِرْ لي إنَّه لا يغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ»[3].
 وأنا أدعوك أيها المشاهد، وأيها المستمع، أن تستمع لهذه الألفاظ، وأن تكررها على قلبك، وأن تتعلم منها كيف يكون التوسل بأسماء الله وصفاته؟ هذا هو المشروع للمؤمن، وقارن بين هذا الطريق القرآني النبوي السني الذي هو قائم على توحيد وإخلاص لله والتعظيم له، وبين طريق أهل الشرك الذي هو مبني على "يا ولي، يا نبي، يا ملك، يا جني، يا فلان"، وهذا يؤدي بصاحبه إلى نار جهنم، ﴿إِنَّه يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة:72]، وهذا أعظم ما يكون من العبادة، فلا تصرفها لغيره سبحانه، وإن كنت تعتقد أنه سبحانه رب وخالق ورازق فما ينفعك هذا إذا صرفت العبادة لغيره، حتى ولو قلت: إن الله هو الخالق فهذا لا يكفيك، بل يجب أن تكون هذه العبادة لله وحده، وصرفها لغيره شرك يحبط الأعمال؛ ﴿لَئِنْ ‌أَشْرَكْتَ ‌لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر:65،]، ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:88]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ .
 ثم نسأل سؤالًا مهمًا جدًا، لماذا هم يتوجهون لواحد ميت؟ الناس يبحثون عن مصالحهم وعندهم نوع عقل وفهم، فإذا طلبت الماء قالوا لك: المكان الفلاني يباع فيه الناء فتذهب وتشتري، لأنك تدرك المصلحة.
طيب من يخاطب ميتًا بينه وبينه مفازة، فهو حي وذاك المدعو من دون الله ميت!
فلو قلت لمن يريد مخاطبة آخر: خاطبه من وراء الجدران، يرد عليك ويقول: كيف يسمعني من خلف هذا الجدار؟
فكيف إذا ما مات صار يسمعهم من وراء الفيافي والقفار والبحور! من أبعد مكان في الدنيا صار يسمعهم، ما هذا؟! هل هذا إلا افتراء وكذب؟ هل هذا إلا إيغال في الغلو في هؤلاء؟ فماذا صاروا يصفونهم؟ صاروا يصفونهم بأنهم يسمعون، يقول: "أنا لو دعوته وأنا في البر أو في البحر؛ سمعني" لماذا؟ يقول: لِمَا له من كرامة، فهو ولي، وهو كذا! فأعطوه صفةً لا تليق إلا بالله -جلّ وعلا-.
ويزعمون أنَّ الميت يسمع ويرى، ثم هو يجيب، وبعضهم يقول: إذا رآك فلان الولي، أو إذا رآك من رأه إلى خمسة أجيالٍ فلا تدخل النار، ما هذا؟
فجعلوا في هؤلاء الولاية، وبعضهم كذاب مفتر، يأكل أموال الناس بالباطل، وبعض هؤلاء الناس الذين يدّعون فيهم الولاية وهم أنفسهم فجار فُساق، وبعضهم كفار يشهدون عليهم بأنهم لا يصلون، وأنهم يتعرون، وأنهم يفعلون الفواحش، ثم يقولون: هؤلاء أولياء!
انظر في "سورة الشورى" وأختم بها هذا المعنى، وهو مهم جدًا، قال تعالى: ﴿أمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ، ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ انظر الأوصاف الآن، وعدّ معي كم وصفًا وصف الله -سبحانه وتعالى-؟ قال تعالى: ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الشورى:10-11]، أربعة عشر وصفًا ، أوصاف ربنا، ومن ضمنها ليس كمثل شيء، يعني هذا الذي تدعونه ليس مثل الله، بل هو عاجز لا يسمع، ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ ﴾ فأي شيءٍ أوضح من هذا؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
رب العالمين وصف دعائه الذي يُدعى أليس الله -عز وجل- هو الذي يُدعى؟ فماذا قال؟ ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾ ، له ماذا؟ دعوة الحق، ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ ، ما قال يعتقدون، قال ماذا؟ يدعون يعني أعمال صرفوها لغير الله هذا فيه الرد على من زعم أن الإقرار بالربوية يكفي، حكم الله على من صرف هذه الأفعال بماذا؟ ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ﴾ واحد يجعل كذا والماء تحت في النهر ﴿لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ سماهم ماذا؟
سماهم كافرين بدعائهم غير الله، هذا أوضح ما يكون، فدعاء الله هو الحق سبحانه، ودعاء غيره هو الباطل ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ ، كفّر الله -عز وجل- من دعا غيره بالصراحة هذه والوضوح في مواضع، ولكن في موضعين اثنين سماهم كفارًا، هذا الموضع في "سورة الرعد"، والموضع الآخر في "سورة المؤمنون" ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ﴾ ماذا قال؟ ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ فسمى من دعا غيره كافرًا، هذا التعليق على هذه الآية الكريمة.
طيب ما معنى الإلحاد في أسماء الله جل وعلا؟
﴿وَذَرُوا الَّذِينَ﴾ يعني: اتركوا ﴿يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ ذكر العلماء أن الإلحاد في اللغة هو الميل، والميل هذا من جهة اللغة، ومنه سُمي اللحد لحدًا؛ لأن القبر على نوعين إما شق في الوسط، وإما لحد يكون في جهة القبلة مائل للوسط، فلما صار مائلًا سُمي لحدًا، فهذا من جهة اللغة.
وأما من جهة المعنى الشرعي للإلحاد: فهو الميل عن الحق وعن الواجب، فكل كافر ملحد، وكل من مال عن الحق ملحد، قال -جل وعلا- في المعتدي في الحرم: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ولكن الإلحاد في أسماء الله -جل وعلا- ذكر العلماء مثل ابن عباس، قال: "﴿يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائهِ﴾ : يُشْرِكونَ"، يعني: يعبدون غيره، ويهتفون بأسماء اللات والعزى، ويستغيثون بهم، ويعتقدون فيهم ما لا يليق إلا بالله، وهذا من أعظم الشرك، وهذا هو شرك العالم المنتشر، ولهذا أبطله بمثل قوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ، وقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ، ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ، ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ﴾ ونحوها.
المعنى الثاني: (وَعَنْهُ) أي: عن ابن عباس، ("سَمُّوا اللّاتَ مِنْ الْإله، وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ") إذًا هذا المعنى الثاني من معاني الإلحاد، أنهم أطلقوا أسماءً على معبوداتهم، وقد اشتقوا هذه الأسماء من أسماء الله -عز وجل-.
المعنى الثالث من الإلحاد: (وَعَنِ الْأَعْمَشِ: "يُدْخِلُونَ فِيها مَا لَيْسَ مِنْهَا") يعني: يسمون الله -عز وجل- بما لم يسمِ به نفسه، كقول كفرة الفلاسفة عن الله -سبحانه وتعالى- يسمونه: (علة فاعلة) ، أو كما يقول كفرة النصارى: إن الله -عز وجل- هو (الأب) ، فيسمون الله بما لم يسمِ به نفسه.
 وأيضًا من الإلحاد في أسماء الله -عز وجل- تعطيلها وإنكارها، كقول غلاة الجهمية: معنى السميع ليس أنه يسمع، وليس له من هذا الاسم أي معنى، وإنما المعنى أن غيره هو السميع، يعني: يخلُق غيره سميعًا، فسمى نفسه السميع، وإلا هو ليس اسمه السميع على قول غلاة الجهمية؛ فأنكروا الأسماء كما أنكروا الصفات، وهذا من معاني الإلحاد.
طيب ما الواجب على المؤمن؟
أن يُحذّر من ذلك، قال تعالى: ﴿وَذَرُوا﴾ هذا أمرٌ لكل المؤمنين وكل المسلمين، ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ ، وقد ذكر الله -عز وجل- ﴿الَّذِينَ يُلْحِدُونَ﴾ في موضعين: الأول يلحدون في آيات الله، والثاني: يلحدون في أسمائه، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ .
الموضع الثاني: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ وعرفنا أنواع الإلحاد، ويبقى معنا إذا تركنا طريقهم وتبرأنا منهم ما الواجب علينا؟
الواجب علينا أن نؤمن بأسماء الله، وأن ندعو الله بها، وأن نؤمن بما تضمنته من الصفات، وأن نعتقد أن ذلك حق، وأن نعظّم الله-سبحانه وتعالى.
ولذلك قال الرسول : «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»[4] هل معناها أنها محصورة في التسعة وتسعين؟
الإجابة: لا، لأن أسماء الله أكثر من ذلك؛ لأنه قال: «اللهمّ إني أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علمته أحدًا من خلقِك أو استأثرت به في علمِ الغيبِ عندك، أن تجعلَ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حزني وذهابَ همّي وغمّي»[5] إذًا هناك أسماءً استأثر الله بها لنفسه.
وهل الأسماء الموجودة في القرآن والسنة عددها لا يتجاوز تسعة وتسعين؟
الجواب: لا، بل هي أكثر كما هو ظاهر بالتتبع، ولكن المراد أنَّ من هذه الأسماء تسعة وتسعون إذا أحصيتها دخلت الجنة، فهذا فيه حث لك أيها المؤمن على أن تتدبر أسماء الله. وأين تتدبرها؟ في القرآن وفي سنة الرسول ، وفي كلام الصحابة- رضي الله عنهم- في تفسيرهم لهذه الأسماء الحسنى، وكلام التابعين -رحمهم الله-.
فما معنى إحصاء هذه الأسماء؟ حفظها، هذا قولٌ لبعض أهل العلم، والتعقل لمعانيها وفهم معانيها، وكذلك دعاء الله بها، وسؤال بها، وكذلك أن يعمل بمقتضى ذلك، فالله -عز وجل- رحيم وغفور، فيسأل العبد الله المغفرة، ويسأل الله الرحمة، والله الحليم، والله الجواد، يعني: يرجو من الله -سبحانه وتعالى- مقتضى هذه المعاني.
كذلك يقف عند حدود الله، فإن الله -عز وجل- عزيز، والله -عز وجل- جبار، والله شديد العقاب، وذو انتقام؛ فيخاف من ذلك، فيجمع بين الخوف والرجا، ويتولد في القلب المؤمن ويكبُر فيه تعظيم الله- سبحانه وتعالى-، وهذا مقام الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه. كيف تراه في الدنيا؟
نقول: لا يمكن أن يُرى الله -عز وجل- في الدنيا، وإنما يُرى في الدار الآخرة، وإنما كان المعنى بتذكرك لأسمائه وعظمته وجلاله، فإذا شهدت هذه الأسماء بالعبودية وقمت بعبودية الله -عز وجل- بمقتضى هذه الأسماء، ورجوت الله، وأحببته، وخفت منه، وعظمته، وأجللته، فماذا يحدث في قلبك؟
يحدث في قلبك التعظيم لله -عز وجل- والتعلق به، وطلب ثوابه، وتتوكل عليه، وترجو فضله، وتعرف أنه لا مانع لِمَا أعطى، ولا مُعطيَ لِمَا منع، وأنّ الأمر بيده، وأنه هو الرب -جل جلاله- المتصرف في هذه الأكوان، والذي بيده مقاليد كل شيء، وهو الذي كما وصف نفسه "يرفع ويخفض ويعز ويذل ويدبر الأمر"، فإذا كان الأمر هكذا فلا يمكن أن يتوجه القلب إلى غيره، ولا يمكن أن يتوكل على غيره، ولم يُلتفت إلا إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهذا مقام عظيم، ينشأ من الإيمان بأسماء الله وصفاته، نسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم وإخواننا المسلمين على هذا الطريق، الذي هو الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العُلا.
{أحسن الله إليك.
 قال المؤلف -رحمنا الله وإياه-: (بَابُ لَا يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ.
فِي الصَّحِيحِ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ؛ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانَ، فقَالَ النَّبِيُّ : «لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ»)
}.
قال المؤلف - رحمه الله تعالى-: (بابُ لا يٌقَالُ: السَّلامُ عَلَى الله) ، هذا من تعليم النبي المسلمين الأدب الذي يجب أن يكون مع الله -سبحانه وتعالى-، وقد كان أصحاب النبي قبل أن يبلغهم بهذا، كانوا إذا جلسوا في التشهد يعظّمون الله وذلك قبل أن يعلمهم التحيات، فبعد ذلك علّمهم التحيات، وهو التشهد الأول كما يعلّمهم السورة من القرآن، يعني حتى الحرف لا يُسمح بتغييره ولا تبديله، كما يعلمهم السورة من القرآن؛ ولهذا أنا أنصح كل مسلم الآن أن يُراجع هذا اللفظ كما قاله الرسول ، ويجلس مع أهله: والد أو والده أو أخ أو أخت أو زوجة أو ولد، ويراجع معهم التحيات، والتشهد الأول؛ لأن الرسول كان يعلمهم إياه، كما يعلمهم السورة من القرآن.
المقصود: أنه قبل هذا التعليم كان الصحابة يعظمون الله، وكانوا يقولون: (السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانَ) ، السلام على رسول الله، السلام على أبي بكر، السلام على عمر، السلام على جبريل، وهكذا، يكثرون من ذكر الأسماء لبعض الصالحين، فقال النبي : («لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ») ، هذا يُوهم، لأسباب:
أولًا: الله -عز وجل- من أسمائه السلام، («فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ») .
ثانيًا: أنّ الطلب، وهو الدعاء لَمَّا تقول: (السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ) ، يعني: أدعو الله أن الله يسلم الله، معناه يوهم هذا أن الله -عز وجل- فيه نقص، ويحتاج إلى من يدعو له بالسلامة، وهذا معنى باطلٌ، وهذا معنى فاسد.
ولهذا نهاهم الرسول ؛ لأن هذا يوهم أن الله محتاج إلى دعاء كي يسلم، والله -عز وجل- غني عن العالمين، والله -عز وجل- هو القوي العزيز، والله هو السلام، وهو الذي يسّلم غيره، وكل الخلائق بحاجة إليه، وأمَّا هو فهو غني عن جميع الخلائق، لا يحتاج إلى دعائهم، ولا يحتاج إلى تسليمهم، ولا يليق بالله الغني القوي الكامل من كل وجه أن يقال في حقه: "إن العباد يدعون له بالسلامة" إنما الذي يحتاج السلامة هو المخلوق.
وأمَّا الخالق فهو الكامل من كل وجهٍ، ولهذا لا يحتاج إلى مثل هذا، بل هذا باطلٌ، ولهذا نهاهم الرسول ، («فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ») ، ومعنى ذلك أن الله هو السالم المنزّه عن كل نقصٍ وعيب، وموصوف بكل كمال وجلال -سبحانه وتعالى-.
قال: («لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ») ، ثم علمهم التحيات، قال: («وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَاتُ لِلِه») .
انظر إلى الفرق بين قول: (السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ) وهذا منهيٌ عنه، وما يجوز، وانظر إلى اللفظ الثاني وهو الشرعي، (التحياتُ) وهي جمع تحية، وهي الدعوات والتبريكات، وكل العبادات وكل ما يعظّم به، فهو حق لله -جل وعلا-.
والعباد يحيي بعضهم بعضًا، ولكن التحية بما يناسب المخلوق، ولكن أعظم ما يكون من التحيات العظيمات فهي لله -عز وجل-.
(«التَّحيَاتُ لِلِهِ وَالصَّلَوَاتُ والطيبات») يعني: الدعوات والصلوات، هذه التي نصليها، (والطيبات) يعني: الكلمات الطيبات، كل هذا لله -عز وجل-، فهو مستحقٌ لها، وهو الذي يستحق أن يُعبد، وهو الذي يستحق أن يُحمد ويُشكر ويُثنى عليه.
قال: «السَّلامُ عليكَ أيُّها النَّبيُّ ورحمةُ اللَّهِ وبرَكاتُهُ» هذا فيه دعاء للنبي وهو مخلوق، ولا شك أنه أكملُ الخلق، ولكن هذا الدعاء مشروع، ولهذا ندعو للنبي .
قال الشيخ في أحد كتبه: "والذي يُدعى له، لا يُدعى معه" هذا تنبيهٌ لطيفٌ "فالذي يُدعى له" يعني: النبي علمنا أن ندعو له .
قال: "والذي يُدعى له لا يُدعى معه".
قال: «السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللَّهِ الصَّالحينَ»، هنا قال : «فإنَّكُمْ إذَا قُلتُمُوهَا أصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ في السَّمَاءِ والأرْضِ»، يعني: ما يحتاج تعددون: جبريل وميكائيل وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهكذا، بل يكفي أن تقول: «وعلى عبادِ اللَّهِ الصَّالحينَ، فقد أصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ في السَّمَاءِ والأرْضِ»، أي: الملائكة، والمؤمنون من الإنس، وكذلك من الجن.
 هذا هو المشروع للمؤمن، ولذلك علّمهم النبي ، ونهاهم عن لفظٍ يُوهم باطلًا، وعلّمهم لفظًا حقًا، لا يُوهم باطلًا.
 طيب أنا أسأل سؤالا، إذا كان قول بعض الصحابة قبل التعليم: (السَّلامُ علَى اللَّهِ من عباده) نُهي عنه، فما بالك بمن يدعو غير الله؟
لا شك أن النبي لو قُدِّر أنَّ أحدًا يدعو غير الله من الصحابة، لنهاهُ عن ذلك أشدَّ النهي، ولبيّن له أنَّ هذا من الكفر والشرك، لا شك في هذا ولا ريب.
فانظر وقس على هذا بقية النواهي التي وردت، يعني: لَمَّا قال رجلٌ: مَا شَاءَ اللهُ وشئتَ، قال : «أجعلتَني للهِ ندًّا؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وحدَه»[6] واجمع معها بقية ما ورد حتى تعرف أنَّ من جلس يستغيث بالأموات أنه أعظم من يحاد الله ورسوله .
 {أحسن الله إليك.
 قال المؤلف -رحمنا الله وإياه-: (بَابُ قَوْلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ.
وفِي الصَّحِيحِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُول اللَّهِ قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسَأَلَة؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ».
وَلِمُسْلِمٍ: «وَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاه»)
}.
 قال المؤلف- رحمه الله- تعالى: (بَابُ قَوْلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ) يعني: أنَّ هذا القول منهيٌ عنه ولا يجوز للمسلم؛ لأنَّ الرسول نهى المسلمون عن ذلك، فقال : «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسَأَلَة؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ».
وَلِمُسْلِمٍ: «وَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاه») ، هذا الحديث عن النبي يُبين لنا مسألةً مهمةً، وهي وجوب ضبطِ الألفاظ في الأدعية، وحتى يسّلم المؤمن من الغلط في هذه المقامات عليه أن يتمسّك بأدعية الكتاب والسنة، فإن هذا من أسباب سلامته من الغلط في الأدعية.
ثانيًا: لماذا نهى الرسول عن قول: («اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ») ؟
الجواب: ذُكر في الرواية أنَّ السبب الأول قوله: («لِيَعْزِمِ الْمَسَأَلَة») يعني: بعض الناس يدعو وهو متردد، يظن أنَّ هذا الشيء صعبًا وشديدًا، ولا يقدر الله -عز وجل- عليه، أو ربما يقدر أو لا يقدر، ومثل هذا الظن لا يجوز، وهو اعتقادٌ فاسدٌ.
(«فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ») يعني: بعض الناس يقول: أنا فقير الآن لو دعوت الله -عز وجل- بكذا كيف يحصل لي هذا الشيء الصعب؟ إذًا اللهم ارزقني كذا إن شئت يا الله، يعني: حتى لا يُثقل على الله بزعمه!
لا يا مسلم، ما يجوز لك هذا الشيء، ونعوذ بالله من ذلك.
السبب الثاني: أن بعض الناس يُظهر الغنى عن الله، كأنه يقول: إن أعطيتني فبها ونعمت!
والمؤمن يدعو ربه دعاء المحتاج والمفتقر، ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ ، ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ ، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ ، ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ .
إذًا ادعوا الله -عز وجل- بصدق، وهذا النوع -أي: الذي يدعو ولا يعزم ويتردد وكأنه مستغنٍ- يشبهه من دعا الله وكان قلبه غافلا ساهيًا لاهيًا، يعني: يدعو وهو لا يفكر بما يدعوه. هذا يشبهه في بعض الوجوه.
والذي ينبغي للمؤمن أن يدعو الله وهو حاضر القلب في دعائه، جاهد نفسه على ذلك.
إذًا السبب الأول: أنَّ بعض الناس يتعاظم الشيء.
والسبب الثاني: أنه متردد، ويظهر الاستغناء عن الله.
السبب الثالث: أنه يظن أن فوق الله أحد يُكرهه؛ ولهذا قال : («فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ») ، كل أهل الدنيا من أولهم لأخرهم لا يملكون لأنفسهم فضلًا عن غيرهم نفعًا ولا ضرًا، ولا يملكون لا الموت ولا الحياة، ولا الغنى ولا الفقر، ولا الصحة ولا المرض، ولا تظن أنَّ أحدًا يتعقّب الله -سبحانه وتعالى-؛ ولهذا قال: («فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ») فالله -عز وجل- هو القوي القهار الجبار، لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، والمؤمن وهو يدعو يعظم الرغبة، ولا يدعو وهو مستغن وغير متجه بصدق إلى الله، بل يصدق مع الله، ويعظم الرغبة، وينكسر بين يدي الله، ويكثر اللجوء؛ لأن بعض الناس يقول: أنا دعوت ما استُجيب لي، هذا يُسمى في الشريعة وفي السنة "الاستعجال"، قال : «يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ» قِيلَ: يا رَسولَ اللهِ، ما الاستِعجالُ؟ قال: «يقولُ: قَدْ دَعَوْتُ وقدْ دَعَوْتُ، فلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لي، فَيَسْتَحْسِرُ عندَ ذلك، ويَدَعُ الدُّعاءَ»[7]، وهذا منهيٌ عنه، فأنت ما دمت تدعو فيُستجاب لك: إما أن يصرف عنك من الشر مثلها، وإما أن تُعطى من الخير مثلها، وإمَّا أن يُدّخر لك في الآخرة من الأجر مثلها.
قد تُعجّل لك دعوتك وتُستجابُ لك، وقد يدخر لك ما مثلها في الآخرة، وقد يصرف عنك من الشر مثلها، قال الصحابة: يا رسول الله إذًا نكثر، قال: «اللَّهُ أَكثَرُ»[8].
فالمؤمن يسأل ربه -عز وجل-، ويلجأ إلى الله، ويسأل سؤال راغب، راج، واثق بالله، لا يتردد ولا يشك في قدرة الله -عز وجل- ولكن لو تأخرت الإجابة فليعلم أن لذلك أسبابًا، ولكن يستمر على الدعاء، فقد يكون أحيانًا من الخير للعبد أنت تُؤخر إجابته، وقد يكون من الخير للعبد أن يُمنع شيئًا أو يُعطى شيئًا، هذا كله بحكمة الله -سبحانه وتعالى-، ولهذا ننبه الإخوة الكرام، وننبه عموم إخواننا المسلمين، أن بعضهم إذا جاء يدعو لأخيه يقول: "اللهم اغفر لأخي، وفقك الله إن شاء الله، الله يرضى عليك إن شاء الله"، فنقول: لا يا أخي الكريم هذا غلط، هذا نهى عنه الرسول ، وإذا دعوت لأخيك الكريم، قل: "الله يرضى عليك، الله يغفر لك، الله يوفقك"، ولا تقل: إن شاء الله.
قل: الله يوفقك آمين، اللهم استجب، ونحو ذلك، اللهم ارحم أخي، اللهم اشفِ أخي.
وأما إذا جاء عنده قال: "الله يشفيك إن شاء الله" لا يا أخي، بل قل: "الله يشفيك، اللهم اشفه" ولا تقل: "إن شاء الله" لأن هذا منهيٌ عنه، هذا نهى عنه الرسول ، لأنَّ قولك: "إن شاء الله" إما أن يكون نوع تردد، وإما أنك ترى هذا الشيء عظيمًا قد يقع وقد لا يقع، ولكن الله على كل شيء قدير، وأن الله لا مكره له.
فإذًا قل: اللهم اشفه، اللهم اشفه «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أذْهِب البَأسَ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفاؤكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقماً»[9].
هنا يأتي سؤال: لماذا جاء في الحديث «لا بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ»[10]؟
الجواب: هذا طلب من الله -عز وجل- أن يكون طهورًا إن شاء الله، فالله -عز وجلّ- هو الذي له المشيئة، ولكن هذا ليس من باب الدعاء في هذا المقام، وإنما هو من باب الخبر، أي أنَّ هذه الأمراض بمشيئة الله تكون طهورًا للعبد، وهذه الأمراض تكون كفارات تطهر العبد من الذنوب، وعلينا أن نعمل بقول النبي : «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ».
وفي هذا في هذا الحديث أن القلوب تتجه إلى الله سبحانه "اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم اهدني" ولكن ما جاء في هذه الأحاديث أن تتجه القلوب إلى الأموات، ولا إلى الرسل، ولا إلى الأنبياء، ولا إلى الملائكة.
إذًا كل هذا في مقام الدعاء يُعلم النبي المسلمين فيه الأدب الواجب عليهم، والواجب عليهم بضبط الألفاظ، وحماية المسلم من أن يقول أي لفظ فيه محظور شرعي.
وبهذا نكون انتهينا من التعليق على هذا الباب.
يقول الشيخ في مسائل:
(الْأُولَى: اَلنَّهْيُ عَنْ اَلِاسْتِثْنَاءِ فِي اَلدُّعَاءِ) إذا قال العلماء: (اَلِاسْتِثْنَاءِ) فإنما هو قول: "إن شاء الله"
(اَلثَّانِيَةُ: بَيَانُ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ) ، سبق أنها إما نقص في العزيمة أي العلة (ليعزم المسألة) أو ظنّ أن فوق الله أحدًا، قال: («فَإِنَّ اَللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ») ، أو ظنّ أن هذا عظيمٌ على الله وهذا باطل، («فَإِنَّ اَللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ») ، وفي هذا نهي المسلمين عن اللفظ ودلالتهم على ما هو الواجب عليهم.
إذًا بيان الحق، والنهي عن لفظ مكروهٍ أو محرم، كما سبق معنا في الباب السابق لا تقول: («السَّلامُ علَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِه، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَاتُ لِلِه») ، وهكذا ينبغي لنا إذا نبهنا المسلمين وحذرنا من ألفاظ باطلة أن ندلهم على الألفاظ المشروعة الصحيحة السليمة.
{أحسن الله إليكم، وجزاكم الله خيرًا، على أمل اللقاء بكم في حلقة أُخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-----------------------------
[1] رواه البخاري (834) .
[2] أخرجه البخاري (7499) ، ومسلم (769) .
[3]  أخرجه البخاري (6323) .
[4] رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) .
[5] أخرجه أحمد (3712) واللفظ له، وابن حبان (972) ، والطبراني (10/210) (10352) .
[6] تخريج المسند لشاكر
[7] أخرجه البخاري (6340) ، ومسلم (2735) .
[8] أخرجه أحمد (11133) ، والبخاري في ((الأدب المفرد) ) (710) واللفظ له، وأبو يعلى (1019) .
[9] متفق عليه.
[10] رواه البخاري (7470).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك