الدرس الخامس

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

2973 23
الدرس الخامس

المحرر في الحديث (4)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشَّيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
الله يبارك فيك، حيَّاكَ الله، وحيَّا الله إخواني المشاهدين، وأسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يجعل هذا اللقاء لقاءً نافعًا مباركًا.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من باب "الخلع والتخيير والتمليك" من كتاب "المحرر" لابن عبد الهادي من "بَابُ الخُلْعِ وَالتَّخْييرِ وَالتَّمْلِيكِ".
قال المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابتِ بنِ قيسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابتُ بنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِيْنٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَعَنْهُ: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابتِ بنِ قَيسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَّتهَا حَيْضَةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد -وَقَالَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلًا- وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ- وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ: هَذا حَدِيْثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ)
}.
الحمدُ لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضلِ الأنبياء والمرسلين، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الخُلع فُرقةٌ من فرق النِّكاح، فإنَّ النِّكاح تحصل الفرقة فيه بعددٍ مِنَ الأسباب، منها:
 الخُلع، الذي هو فُرقةٌ بعوضٍ تدفعه المرأة أو يُدفَعُ لها
 الفَسخ: ويكون من قِبَلِ القَضَاء بطلبٍ من المرأة بوجودٍ عيبٍ في الرَّجل.
فالخلع لا يُشتَرط فيه أن يكون هناك عيبٌ في الرَّجل، وتدفع فيه المرأة عوضًا، بينما الفسخ يكون لسببٍ، ويكون مِنْ قِبَل القَضَاء، ولا يكون فيه عِوض.
 اللعان: فمتى تلاعن الزَّوجان حصلت بينهما فُرقَة أبديَّة.
 الطَّلاق: إذ يكون من قِبَلِ الزَّوجِ.
 الموت.
أمَّا التَّخيير: فهو أن يُخيِّر الرَّجلُ زوجته في نفسها، فيقول: إن أردتِّ الطلاق فاختاريه، فهل هذا يُعدُّ في نفسه طلاقًا وفُرقةً؟ أو لا يُعدُّ حتى تختار هي نفسها؟
وأمَّا التَّمليك: أن يُملِّك الزَّوج زوجته أمرها، فيقول: أمركِ بيدكِ؛ فهل يُعدُّ تطليقًا؟ وماذا تملك منه المرأة؟ هل تملك به طلقة واحدة أو ثلاثَ طلقات -على ما سيأتي بيانه من الأحكام.
أورد المؤلِّف في هذا حديث ابن عباس الذي أخرجه الشَّيخان: (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابتِ بنِ قيسٍ)، جميلة بنت عبد الله.
قال: (أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وذلك أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي يتولَّى أَمْرَ القضاء في زمانه، فأتت إليه تطلب القضاء في قضيتها.
قوله: (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابتُ بنُ قَيْسٍ)، وهو زوجها.
قالت: (مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِيْنٍ)، أي: ليس لي عليه ملحوظة، أو سبب يجعلني أستنقصه سواء في خُلقه وتعامله، أو في دينه.
قالت: (وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ)، ليس المراد بالكفر هنا الخروج من دين الإسلام، وإنما المراد به كُفر العشير بجحدِ الزَّوج وعدم القيام بواجبه.
وقد ورد في بعض الرِّوايات أنَّها رأت ثابت بن قيس دميمًا بينَ وسيمين، وقصيرًا بينَ طوالًا، فزهَّدها ذلك فيه.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ؟»، الحديقة: البستان، ويُراد بها المهر الذي دفعه إليها.
وهذا يدل على أنَّ الخلع يُردُّ به المهر، فإن اتَّفقا على المهر السَّابق فلا إشكال في ذلك، وإن اتّفقا على أقل منه فلا إشكال أيضًا، ولكن لو كان الخلع على عوضٍ أكثر من المهر؛ فهل يصح ذلك؟
على قولين لأهل العلم في ذلك، ومنشأه: أنَّ قوله: «أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ؟» هل هو أمر تعلَّقَ بهِ الحُكم، أو كان جوابًا عن سؤال؟
فإنَّ قلنا هو جواب عن سؤال: فحينئذٍ لا يُفهَم منه مفهوم المخالفة، وبالتَّالي يُمكن أن يُرد في عوض الخُلع أكثر من المهر السابق.
وأمَّا إن كان قوله: «أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ؟» لتقرير حُكمٍ جديدٍ؛ فيُفهَم منه أنَّه لا يجوز أن تُطالَب المرأة في الخلع بأكثر من ذلك.
قوله: (قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ»)، كأنَّه هنا لم يلتفت إلى رضا الزَّوج.
ومذهب الأئمة الأربعة: أنَّ الخلع يُشترط فيه رضا الزَّوج، إِلا في رواية عن الإمام أحمد يقول: لا يُشترَط رضا الزَّوج بشرط أن يكون الخلع عند القضاء.
والفتوى وقرار هيئة كبار العلماء عندنا على اعتماد ذلك، أنه لا يُشتَرَط رضا الزَّوج في الخلع متى كان ذلك من قبل القَاضي، ومتى عَجز القَاضي عن التَّوفيق بينهما.
قال: «وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»، أخذ منه الجمهور أنَّ الخلع طلاق، وأنَّه يُحسَب في عدد الطلقات.
وقال أحمد: ليس بطلاق، واستدل على ذلك بقول: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾، ثم قال بعدها في الآية: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة/229]، فهذا خلع، ثم قال في الآية: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾، فذكر الخلع بينَ عدد الطلقات، فلم يحتسب الخلع.
قال أحمد: هذا دليل على أنَّ الخلع فسخٌ وليس بطلاق.
وأمَّا الحديث الذي ذكره المؤلف من حديث ابن عباس: (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابتِ بنِ قَيسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَّتهَا حَيْضَةً).
فقد رواه أبو داود والترمذي، ولكن فيه كلام لأهل العلم، وذلك أنَّ أكثر الرواة رووه عَن عِكرمة مُرسلًا، ولم يُذكر فيه الصَّحابي ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- وبالتالي قالوا: إنَّ الخبر لا يثبت عَن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأمَّا عدَّة المرأة في الخلع:
 فقول الجماهير: تعتد بثلاث حيَض كالمطلَّقات.
 ومنهم من قال: لا تعتدّ إِلَّا بحيضةٍ واحدة، واستدلُّوا بهذا الخبر، لأنَّه فُرقَة وليست بطلاق، والعدة بثلاث حِيَض إنما جاءت في الطلاق في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة:228].
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الخِيَرَةِ؟ فَقَالَتْ: خَيَّرَنا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفَكَانَ طَلَاقًا؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: لَا أُبَالِي أَخَيَّرتُها وَاحِدَةً أَوْ مائَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ)}.
قوله مسروق بن الأجدع: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْه)، فيه سؤال العالمة من النِّساء، وهذا كان مِن وراء الحجاب، وذلك عندما يكون هناك تعارض بينَ مَن لا يدخل على عائشة كمسروق، ورواية من يدخل عليه كعروة؛ تُقدَّم رواية عروة؛ لأنَّه يشاهدها.
قال مسروق: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الخِيَرَةِ؟)، يعني تخيير الزَّوج لزوجته، كأن يقول: اختاريني أو اختاري نفسك؛ فهل يُعتبر هذا طلاقًا؟ أو نقول: إنه لا يقع به الطلاق حتى تختار نفسها؟
وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمً﴾ [الأحزاب:28-29]، فهذا تخيير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد اختار أزواجه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يُحسَب طلاقًا، ولذلك قالت عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها هنا: (أَفَكَانَ طَلَاقًا؟)، يعني: أنَّه لم يكن طلاقًا، فالتَّخيير ليس بطلاق.
فقال مسروق: (لَا أُبَالِي أَخَيَّرتُها وَاحِدَةً أَوْ مائَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي)، فإذا اختارت الزَّوج فحِينئذٍ بطل الخيار، ولا يثبت به طلاق.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيدٍ قَالَ: قُلْتُ لأَيُّوبَ: هَلْ عَلِمْتَ أحَدًا قَالَ فِي: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَنَّهَا ثَلَاثٌ غَيرَ الـحَسَنِ؟ فَقَالَ: لَا، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ غَفْرًا، إِلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلَاثٌ»، فَلَقِيتُ كَثيرًا، فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: نَسِيَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ -وَهَذَا لَفظُهُ وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ» وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَكَى عَنِ البُخَارِيِّ أَنَّه قَالَ: هُوَ مَوْقُوفٌ- وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، وَكَثيرٌ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَغَيرُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ.
وَعَنْ زُرَارَةَ بنِ رَبيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ فِي (أَمْرُكِ بِيَدِكِ): الْقَضَاءُ مَا قَضَيْت. رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي التَّارِيخ)
}.
أورد المؤلف حديث حَمَّادِ بنِ زَيدٍ قَالَ: (قُلْتُ لأَيُّوبَ)، يعني: السِّختياني.
قوله: (هَلْ عَلِمْتَ أحَدًا قَالَ فِي: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَنَّهَا ثَلَاثٌ غَيرَ الـحَسَنِ؟)، أي: أنَّه يقع بها ثلاث تطليقات.
فَقَالَ: (لَ)، يعني: أنَّه لا يقول أحد بذلك.
ثمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ غَفْرً)، كأنَّه يستثني.
قال: (إِلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلَاثٌ»، فَلَقِيتُ كَثيرًا، فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: نَسِيَ)، يعني: أنَّ لفظة (أَمْرُكِ بِيَدِكِ) هي كناية عن الطَّلاق، فإذا كان فيها لفظ أو قرينة أو نيَّة تجعلها للطلاق؛ فحينئذٍ تكون طلاقًا؛ لأنَّ الكنايات تكون حسب النِّيَّة، وفيها قولان لأهل العلم إذا نوى الطَّلاق بها؛ هل تُحسَب بثلاث طلقات أو تُحسَب بطلقة واحدة.
ثُم أورد حديث كَثيرٌ مولى ابن سمُرَة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ثَلَاثٌ»، وهذا لفظٌ مرفوع، وقد وقع اختلاف فيه، فكثير من أهل العلم يُضعِّف هذا الخبر، ويعترضون عليه باعتراضات، منها:
 أنَّه من رواية كَثيرٍ مولى ابن سمُرَة، وقد قال عنه طائفة: إنَّه مجهول، وإن كان قد وثَّقه العجلي وابن حبان وجماعة.
 وأنَّه أُعلَّ بعلَّةٍ أخرى وهي: أنَّ الصَّواب أنَّ هذا الخبر موقوف وليس مرفوعًا للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 وأنَّ هذا الخبر علَّه أهل الحديث، حيث أن كثيرًا هذا لم يثبت من معرفته ما يُوجب قبول روايته، وقول العامَّة بخلاف روايته.
وبالتالي فهذا الخبر فيه ما فيه، ويحتاج إلى تحقق من إسناده.
ثم أورد عَنْ زُرَارَةَ بنِ رَبيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ أنَّه قال فِي (أَمْرُكِ بِيَدِكِ): "الْقَضَاءُ" يعني: نهاية الأمر ونتيجته "مَا قَضَيْت"، أي: ما اختارته الزوجة، فيصبح الأمر في يد الزَّوجة.
وينبغي لنا أن نعلم أنَّ للشَّرع حكمة في جعله الفرقة إمَّا بيدِ الزَّوج، وإما بيد القضاء، لما في ذلك من تأنِّيهم قبل إيقاع الطَّلاق، بخلاف كثير من النِّساء.
وقوله هنا: (الْقَضَاءُ مَا قَضَيْت)، أي: أنَّ لفظة (أَمْرُكِ بِيَدِكِ)، لا يقع بها الطلاق بنفسها.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (كِتَابُ الطَّلَاقِ
عَنْ مُـحَارِبِ بنِ دِثارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ الطَّلَاقُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه وَالطَّبَرَانِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: "إِنَّمَا هُوَ مُحَارِبٌ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْسَلٌ"، وَقَالَ ابْنُ أَبي دَاوُدَ: "هَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ")
}.
الطَّلاق: فُرقةٌ من فُرَق الطَّلاق، تكون في الغالب بلفظٍ من قِبَلِ الزَّوج.
وأورد المؤلف فيه حديث ابن عمر، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ الطَّلَاقُ».
هذا الحديث ورد من طُرق مُتعدِّدَة أكثرها على أنَّه مرسلٌ، لم يُذكر فيه اسم الصَّحابي، ولذلك كان كثير من أهل العلم يتكلَّم في هذا الخبر.
وبعضهم قال: إنَّه قد رُويَ من طُرقٍ متعدِّدَةٍ.
وعلى كلٍّ؛ الحلال لا يوصَف بأنَّه مبغوض عند الله -جلَّ وعَلا- في تقرير كثيرٍ من أهل العلم، وإن كان آخرون أجازوه، واستدلوا عليه بأنَّ البصل مذمومٌ ولكنَّه مباحٌ.
وقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ الطَّلَاقُ»، أي: أنَّ الشَّرع يُريد إبقاء الحياة الزَّوجيَّة لِمَا فيها من السَّكنِ، ولما فيها من المودَّة والرَّحمة، ولِمَا فيها من خيراتٍ عظيمةٍ، وبالتَّالي فالأولى أَلَّا يدخل الإنسان في بابِ الطَّلاق، وأن يتحاشاه ما استطاع إليه سبيلًا، إذ ليستِ العبرةُ بالفُرقَة التي تحصل بالطَّلاق، وإنَّما مَا يترتَّب عليه بعد ذلك من أُمورٍ مُتعلقة بأبناء، أو مُتعلقة بحقوقٍ مُشتركة بينهما، ولذلك يتطلَّع الشَّرع إلى عدم زيادة وجود الطَّلاق.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ مَالكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الْخطابِ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثمَّ لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيْضَ، ثُمَّ َتَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَلمسْلمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ -مولَى آل طَلْحَةَ- عَنْ سَالمٍ، عَنِ ابْنِ عمرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ، فَذَكرَ ذَلِكَ عُمرُ للنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَو حَامِلً». وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو مَعْمرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُمرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بتَطْلِيقَةٍ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ أَحْمدَ بنِ صَالحٍ، عَنْ عبدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُريجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنِ أَيمنَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمرَ -وَأَبُو الزُّبَيرِ يَسْمَعُ- فَقَالَ: كَيفَ ترَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ: طَلَّقَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرٍ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: عَبدُ اللهِ بنُ عُمَر طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ -قَالَ عَبْدُ اللهِ- فَردَّهَا عَلَيَّ وَلمْ يَرَهَا شَيْئًا، وَقَالَ: «إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ» قَالَ ابْنُ عُمرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِي إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1]. رُوَاتُهُ أَثْبَاتٌ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ رَافعٍ، عَنْ عبدِ الرَّزَّاقِ)
}.
ذكر المؤلف هُنا حديث ابن عمر، وهذا الحديث يترتب عليه اعتبار طلاق الحائض وعدم اعتباره، فابن عمر طلَّقَ زوجته وهي حائض، فَنَهَاهُ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك، فدلَّ هذا على أنَّ الطَّلاق في زَمَنِ الحيضِ حَرام ولا يجوز ويأثم به الإنسان.
وهنا أُنبِّه على أنَّ الطلاق لا ينبغي أن يُقال بناء على انفعالٍ وقتيٍّ ولحظي، وإنَّما ينبغي أن يكون بعدَ تفكيرٍ وتأمُّلٍ، وبالتالي لا يوقعه الإنسان إِلَّا في الوقت المحدد شرعًا، وهو بعدَ انتهاء وقت الحيض وقبل الجماع.
إذا طلق الرجل زوجته وهي حائض؛ فهل يُحسَب في عدد الطلقات او لا يُحسَب؟
قالت طوائف كثيرة: إنَّه يُحسَب في عَدد الطلقات.
وقالت طائفة: لا يُحسب، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، وقال بها جماعة من أصحابه، وهو مَذهب الظَّاهريَّة وجماعة.
منشأ الخلاف في هذه المسألة: هذه الواقعة التي ذُكرَت هنا، وهي أنَّ ابن عمر طلق زوجته وهي حائض، فبقيَ التَّردُّد؛ هل أمضى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك الطَّلاق أو أنَّه ألغاه ولم يعتبره ولم يُمضِهْ؟
فهذا هو منشأ الخلاف في هذه المسألة
- فمن قال: إنَّ الطَّلاق لا يقع: قال إنَّ هذا طلاق مُخالفٌ للسُّنَّة، فكيفَ نصحِّحُه! ثم هو مخالف لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1]. وحينئذٍ نعلم أنَّ المسألة فيها خلاف.
قال: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الْخطابِ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ)، فيه اهتمام الأب بحالِ أبنائه، فعمر أبٌ لابن عمر.
ومن الأدلة في هذا الباب: قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌ»، فإنَّ طائفة قالوا: إنَّ الطَّلاق في زمن الحيض ليس عليه أمرنا، فيكونُ مَردودًا.
قال: (فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الْخطابِ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ)، يعني: عن طلاق ابن عمر في زمن الحيض.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَ»، هذا اللفظ استدلَّ به مَن قال باعتبار طلاق الحائض؛ لأنَّ المراجعة ما تكون إلى بعد الطلاق، فدلَّ هذا على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتسبَ الطَّلاق.
ولكنَّ الآخرين أجابوا فقالوا: إنَّه قال: «فَلْيُرَاجِعْهَ»، ولم يقل: "فليرتجعها"، والمراجعة مُفاعلة بين اثنين، فكأنَّه قال: ليصطلح معها لتعود إليه.
قال: «ثمَّ لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيْضَ، ثُمَّ َتَطْهُرَ»، فأجَّل عليه مدَّة الطَّلاق من أجل أنَّه أراد أن تصلُح أحوالهم وتستقيم أمورهم.
وفي هذا دلالة على أنَّه قد يُعاقب الإنسان عُقوبة بسببِ مخالفته.
قال: «ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ»، ظاهره أنَّه لم يعتبر الطَّلاق، ولو أنه اعتبر الطلاق لما ألزمَه بمراجعتها، ولَمَا ألزمه بأن يختار بين التَّطليق والإمساك.
قال: «فَتِلكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ [الطلاق:1].
قال: (وَلمسْلمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ -مولَى آل طَلْحَةَ- عَنْ سَالمٍ، عَنِ ابْنِ عمرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ، فَذَكرَ ذَلِكَ عُمرُ للنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فيه سؤال الأب عن أحوال ابنه وما يتوافق معها من الشَّرع.
فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ»، والأصل في الأوامر أن تكون للوجوب، وبالتَّالي هذا دليل لمن يقول: إنَّه لم يحسب الطلقة؛ لأنَّها لازالت زوجة وفي أحكام الزَّوجات، وبالتَّالي يؤمرُونَ بعودةِ النِّساء إلى بيوتهنَّ.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيُرَاجِعْهَ»، يعني: يعود إليها، وقد تقدَّمَ معنا الخلاف في المراد بهذه اللفظة، هل هي من رجعَةِ النِّكاح، أو من المراجعة.
قال: «ثمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَو حَامِلً»، فيه دلالة على أنَّ طلاق الطَّاهر في زمن ما بعدَ الحيضِ يُعدُّ طلاقًا جائزًا.
وهكذا في الحديث: أنَّ طلاق الحامل جائز وصحيح، ولا يلزم الفرقة.
وجاء في حديث ابن عمر قال: (حُسِبَتْ عَلَيَّ بتَطْلِيقَةٍ)، فكأنه اعتبر طلقة الحائض من ضمنِ أعدادِ الطَّلاق.
قال: (وَرَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ أَحْمدَ بنِ صَالحٍ، عَنْ عبدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُريجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنِ أَيمنَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمرَ -وَأَبُو الزُّبَيرِ يَسْمَعُ)، فيه سؤال العلماء، وضرب الأكباد والأسفار لمقابلتهم لتفصيل الإنسان حياته على وفق ما يُريد ربُّ العزَّةِ والجَلال.
فَقَالَ عبد الرحمن بن أيمن: (كَيفَ ترَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟)، يعني: مع أنَّه مَنهيٌّ عن تطليق المرأة وهي حائض.
فَقَالَ ابن عمر: (طَلَّقَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرٍ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: عَبدُ اللهِ بنُ عُمَر طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِي حَائِضٌ -قَالَ عَبْدُ اللهِ- فَردَّهَا عَلَيَّ)، يعني: ردَّ زوجته عليه.
قال: (وَلمْ يَرَهَا شَيْئً)، أي: لم يحسبها في عددِ الطَّلقات.
وَقَالَ: «إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ»، أي: إذا طهُرَت بعدَ وقت حيضتها؛ لأنَّها تصبح حينئذٍ وقت طلاق سُنَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عُمرَ: (وَقَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِي إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ﴾)، يعني: مُستقبلات العدَّة.
وهنا مسألة: هل عدَّة المطلقة بالأطهار أو بالحيَض؟
قال أبو حنيفة وأحمد: هي بالحِيَض.
وقال مالك والشَّافعي: هي بالأطهار.
فقوله هنا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، يعني: مُستقبلات للعدَّة، وهذا دليل على أنَّ المرأة تعتدّ بالحِيَض.
{أحسن الله إليكم..
كيف نجمع بين قوله: (فَردَّهَا عَلَيَّ وَلمْ يَرَهَا شَيْئً)، وقوله (حُسِبَتْ عَلَيَّ بتَطْلِيقَةٍ)؛ وكلُّها من قول ابن عمر؟}.
هناك منهجان في الجمع:
 الأول: لمَّا قال (حُسِبَتْ عَلَيَّ بتَطْلِيقَةٍ)، قالوا: هذا دليلٌ على احتسابها. وأمَّا قوله: (وَلمْ يَرَهَا شَيْئً)، يعني: لم يرها باتًّة للطلاق كالطَّلاقات الثلاث.
 الثاني: قوله (حُسِبَتْ عَلَيَّ بتَطْلِيقَةٍ)، هذا اجتهاد من ابن عمر أو مَن وراءه.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَرَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَينِ مِنْ خِلَافَةِ عُمرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُم فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَو أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِم، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِم)}.
هذا الخبر في صحيح مسلم، قال: (كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَينِ مِنْ خِلَافَةِ عُمرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً)، يعني: إذا طلَّقَ زوجته ثلاث تطليقات بلفظٍ واحدة؛ فإنَّه لا يُعدُّ إلا طلقة واحدة.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُو)، يعني: أصبح يراهم يُطلِّقونَ بسرعةٍ.
قوله: (فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُم فِيهِ أَنَاةٌ)، أي: يحقُّ لهم أن يتأنَّوْا فيه.
قوله: (فَلَو أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِم)، أي: لو اعتبرناه طلاقًا تامًّا (فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِم)، وأصبح بعدَ ذلك يُفتَى أنَّ مَن طلَّقَ وجته ثلاثًا بلفظٍ واحدٍ فحينئذٍ يُمضَى عليه، وتُعتبَر الطَّلقات الثلاث، وتُحسَب عليه.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ مَحْمُودَ بنَ لَبِيْدٍ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَجُلٍ طلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا؟ فَقَامَ غَضْبَانَ، ثمَّ قَالَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ وَأَنا بَينَ أَظْهُرِكُم» حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا أَقْتُلُهُ؟. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أحَدًا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غَيرَ مَـخْرَمَةَ)}.
مخرمة بن بوكير: من رواة الحديث، صدوقٌ، وروايته من قبيل الحسن.
قال: (عَنْ أَبِيهِ)، كثير من أهل العلم قالوا: إنَّ مخرمة لم يسمع من أبيه.
قال: (سَمِعْتُ)، أي: الأب يقول: سمعتُ (مَحْمُودَ بنَ لَبِيْدٍ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَجُلٍ طلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا؟)، يعني: بلفظٍ واحدٍ.
قال: (فَقَامَ غَضْبَانَ)، غضبان من هذه الكلمة، ممَّا يدلُّ على تحريم جمع الطَّلقات في المحل الواحد.
ثمَّ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ وَأَنا بَينَ أَظْهُرِكُم»، ذلك لأنَّ هذا طلَّقَ زوجتَه ثلاث طلقات، ففوَّتَ على نفسه، وقد أمر الله -جلَّ وعَلا- المؤمنين بأن يُلاحظوا ذلك، فقال: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ﴾ [البقرة/231]، فنهاهم الله -جلَّ وعَلا- عن اتَّخاذ آياتِ الله هُزوًا في ثنايا آيات الطَّلاق.
فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ وَأَنا بَينَ أَظْهُرِكُم»، يعني: أيُطلِّق الواحد منكم زوجته وأنا بينَ أظهركم بدون سببٍ؟!!
قوله: (حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا أَقْتُلُهُ؟)، لِمَا رأى مِن شدَّة تغيُّرِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه.
{شيخنا، أحسنَ الله إليك..
هل يُفرَّق بين التطليق ثلاثًا بلفظٍ واحدةٍ، وبين أن يقولها في مجلسٍ واحدٍ؟}.
الجمهور لا يُفرّقون، فيقولون: إنَّ الجميع يقع به ثلاث طلقات.
وأمَّا مَن يوقع طلقةً واحدةً؛ فالأكثر على التَّفريق بينهما، ففرق بينَ ما إذا قال: "أنت طالق ثلاثًا" هو لم يتكلَّم بالطَّلاق إلا مرَّةً واحدة، بخلاف ما لو قال: "كلكنَّ طالق"، فحينئذٍ يختلف الحكم بين هذا الموطن وذاك.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ)}.
هذا الحديث فيه عبد الرحمن بن حبيب، وتكلَّمَ بعضهم فيه.
وقوله: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ»، أي: تُعتَبر وتُلاحَظ.
قوله: «وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ»، أي: يترتَّب عليها الحكم.
قوله: «النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ»، فإذا نكَحَ أو طلَّقَ، فلا يُقبل منه أن يقول: أمزح! فليس المقام مَقام مزحٍ.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّم». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ)}.
قوله: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَ»، يعني: من الهمِّ والوساوس ونحو ذلك، وفيه دلالة على أنَّ الطَّلاق لا يقع بإضماره في النَّفسِ أو بالتَّردُّدِ فيه، فلا يقع إِلَّا بلفظهِ أو بعملٍ يُؤدِّي إليه.
وقد أخذ جمهور العلماء مِن هذا أنَّ طلاق الكتابةِ من الآصقة فإنَّ طلاقة مُعتبر، وذلك أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ»، والكتابة نوعٌ مِن أَنواع العَمَل.
وفي هذا دليلٌ على أنَّ الطَّلاق المكتوب يقع، ولا يُشتَرط أن يكون مَنطوقًا به.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21] رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَلمسلمٍ: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِيْنٌ يُكَفِّرُهَ)}.
قوله: (إِذا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ)، يعني لو قال لزوجته: "أنتِ عليَّ حرامٌ"، هذه اللفظة موطنُ خلافٍ، وفيها أقوال متعدِّدَةٌ:
 فبعضهم يقول: هذا ظهار، يجب فيه صيام شهرين متتابعين.
 والأكثر على أنه يمين، وله أحكام اليمين.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، حيثُ كان عليه تحريم، ومع ذلك اكتُفيَ فيه بأحكام اليمين، فاعتُبِرَ يمينًا.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه مِنْ رِوَايَةِ عَطاءٍ عَنْهُ، وَرُوَاتُهُ صَادِقُونَ، وَقَدْ أُعِلَّ، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يَصحُ هَذَا الحَدِيثُ وَلَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَ)}.
قوله في هذا الحديث: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَ»، المراد بالخطأ هنا: ما هو خلاف العمد.
والوضع: هو التَّجاوز.
قال: «وَالنِّسْيَانَ»، يعني: ما وقع نسيانًا، كأن يبيع سيارته وينساها.
قال: «وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، أي: ما كانوا مُكرَهينَ عليه مُلزَمينَ بهِ.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا: أَنَّ ابْنةَ الجَوْنِ لـمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَنا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيْمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ)}.
ابنة الجون: هي امرأة عربية كان لأبيها شأن، لمَّا أُدخِلَت على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودنا منها متزوِّجًا لها، قالت: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ)، يعني: ألتجئ وأحتمي به -سبحانه- منكَ.
فقال لها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيْمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ»، في هذا عدد من الأحكام:
 منها: أنَّ الأصل أنَّ الزَّوج هو الذي يدخل على الزَّوجة لا العكس.
 ومنها: أنَّ المرأة يحسُن بها أن تُسلِّمَ نفسها لزوجها.
 ومنها: أنَّه لا يُرغَّبُ في أن تستعيذ المرأة بالله من زوجها.
فقال لها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيْمٍ»، أي: التجأتِ إلى عظيمٍ، وهو ربُّ العزَّة والجَلالِ.
ثم قال لها: «الْحَقِي بِأَهْلِكِ»، وهذا لفظٌ مِن كنايات الطَّلاق.
هل هو كناية صريحة أو كناية خفيَّة؟
محلُّ تردُّدٍ بين العلماء.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ جَابرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي وَهَذَا لَفظُهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلَهُ عِلَّةٌ، وَقَدْ رُويَ منْ حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو والـمِسْوَرِ بنِ مَـخْرَمَةَ وَغَيرِهمَ)}.
قوله في هذا الحديث: «لَا طَلَاقَ»، يعني: لا طلاق صحيح مُعتبرٌ تترتَّبُ عليه آثاره.
قوله: «إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ»، يعني: بعدَ عقدَ نكاحٍ، فلو طلَّقَ امرأةً قبل أن يعقد عليها لم يُعتبَر هذا الطَّلاق ولم يُلتَفت له.
قال: «وَلَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ»، يعني: لا يصح العتق ولا يُعتبَر إلا إذا كان بعدَ مِلكٍ واقعًا على مَن يملكُه.
قال: (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي وَهَذَا لَفظُهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلَهُ عِلَّةٌ)، العلَّة: أنَّه مرَّةً رُويَ من حديث جابر، ومرَّة رُويَ من حديث عبد الله بن عمرو.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيْقَ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَه وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَقَالَ عُثْمَانُ: "لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانٍ طَلَاقٌ"، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "طَلَاقُ الْسَكْرَانِ والـمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بـِجَائِزٍ"، وَقَالَ عَليٌّ: "وَكُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ، إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالْعِتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ")}.
هذا الحديث فيه ذكر قلم التَّكليف، وقد يستدل به أيضًا على قلم الأحكام الوضعيَّة، فقوله: «رُفِعَ الْقَلَمُ»، القلم في حقيقته ما رُفِعَ، أمَّا الذي رُفِعَ هو ترتيب الثَّواب والعِقاب عليه.
قال: «عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ»، فيه أنَّ النَّائم لا يتوجَّه إليه التَّكليف في وقت نومِهِ حتى يستيقظ.
قال: «وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ»، يعني: يبلغ.
قال: «وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيْقَ»، فهذه أحوالٌ ثلاثة لا يؤاخذ الإنسان بما يجري عليه فيها، وبالتَّالي فإنَّ طلاق مَن كان كذلك غيرُ مُعتَبرٌ؛ وإنَّما يقوم وليُّهم مَقامهم فيما يتعلَّق بأمرِ الطَّلاق، أو بأمرِ الفُرقَة.
قال عثمان: "لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانٍ طَلَاقٌ"، أي: لا يُعتَبر طلاقًا؛ لأنَّهم يَهذون بما لا يُريدونَه.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "طَلَاقُ الْسَكْرَانِ والـمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بـِجَائِزٍ".
وَقَالَ عَليٌّ: "وَكُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ، إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ"، يعني: أنَّه لا يقع.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالْعِتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ". ولعلنا نقف على هذا.
{وفي الختامِ نشكركم معالي الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك