الدرس الحادي والعشرون

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

3014 23
الدرس الحادي والعشرون

المحرر في الحديث (4)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشَّيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري. فأهلًا وسهلًا بكم معالي الشَّيخ}.
حيَّاكَ الله، وأهلًا وسهلًا، أرحبُ بك، وأرحبُ بإخواني المشاهدين الكرام، وأسأل الله -جلَّ وعلا- أن يجعل هذا اللقاء لقاءً نافعًا مباركًا.
{اللهم آمين..
نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من (حديث أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ»)}.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أمَّا بعد،،
فلازلنا في سياق الأحاديث التي ذكرها المؤلف في كتاب الجامع في آخر كتاب المحرر من الأحاديث التي انفرد بروايتها الإمام مسلم -رحمه الله تعالى.
قوله: «لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقَ»، أي: أنَّ الله -جلَّ وعلا- في إيصال كل حق لصاحبه يوم القيامة.
وقوله: «لَتُؤَدَّنَّ» مبنية للمجهول، وقوله: «الْحُقُوقَ» نائب فاعل.
قوله: «إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أي: إلى أصحاب الحقوق.
قوله: «حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ» أي: التي ليس لها قُرون.
قوله: «مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ» أي: التي نطحتها في الدُّنيا، وهذا لعُموم عدل الله -جَلَّ وَعَلا، وفيه تحذير من الظلم وأَمْرٌ بالاحتياط فيما يتعلق بحقوق الآخرين.
{( وَعَنْ أَبي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وتَعَاهَدْ جِيْرَانَكَ».
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً وَلَو أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»)
}
قوله في الحديث الأول: «إِذا طَبَخْتَ مَرَقَةً»، المرقة: ماءٌ يُوضعُ فيه شيئٌ من الخضار أو من اللحم.
قال: «فَأَكْثِرْ مَاءَهَ»، أي: أكثر من وضع الماء في تلك المرقة من أجل أن يتمكن من الانتفاع والشرب بها خلقٌ كثير.
«وتَعَاهَدْ جِيْرَانَكَ»، أي: أرسل إليهم من تلك المرقة التي كَثُرَ ماؤُها، وفي هذا:
- استحباب الصدقة والهدية.
- الترغيب في القيام بحق الجار.
- حق الجار يكون فيما يَحتاج إليه الجار، وقد يختلف ما بين زمانٍ وآخر.
ففي زمان قد يكون احتياجه للقمة يأكلها، وفي زمان آخر قد يكون احتياجه لأشياء أُخر.
وقوله في الحديث الآخر: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئ»، أي: لا تستنقص من الفعل الجميل ولو كان قليلاً؛ فإن الجميل ولو كان قليلا له تأثيرٌ عظيم، وفيه الترغيب في فِعل الخير ولو كان يَسيرًا.
وقد جاء في حديثٍ آخر قوله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» ، وذَكَرَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم: مَنِيحَةَ العَنْز ، أي: يقوم بتمكين جاره من حَلْبِ شاته أو عَنْزِه من أجل أن يأخذ حَلِيبها.
قال: «وَلَو أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»، كلمة «لَو» هُنا ليست على الجِهة المذمومة، وإنَّما فيها التَّرغيب في فِعْلٍ في المستقبل، وإنَّما التي تُذَمُّ هي ما كان مُتَعَلِّقًا بالماضي على جهة التَّأسُف والتَّحَسُّر عليه كما تقدم.
وفيه تذكير بحق الإخوة الإيمانية فيما بين النَّاس، وفيه التَّرغيب في بشاشة الوجه وانطلاقه، فإنَّه مَتى كان الوجه مُنْطَلِقًا شَرح صُدُور مَن يُقابله.
قال المؤلف -رحمه الله: {(وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عيله وسلم- يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ»)}.
هذا الحديثُ فيه عُموم قَدَرِ الله -جَلَّ وَعَلا، وأنَّ قَدَرَ الله نافذ، وأنَّه لا يَترُكُ شيئًا من أحوال الخلق، وبالتالي يجب على الإنسان أن يُؤمِنَ بِقَضاءِ الله وقَدَرِه، وأن يَصبر على ما يكون مِنَ الأقدار المؤلمة.
وفي هذا بيانُ أنَّ السموات والأرضين مخلوقة كائنةٌ بعد أن لم تَكُن.
وفي هذا أيضًا بيانُ أنَّ العَرش مخلوقٌ وأنَّه وُجِدَ قبل خلق السموات والأرضين.

{سؤال: هذا الحديث بيَّنَ أنَّ الكتابة حدثت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وفي حديث ابن مسعود قبل أربعة أشهر، فكيف نجمع؟}
جاء في حديث ابن مسعود أنَّ مقادير الإنسان تكتب بعد أربعة أشهر، أي هذا يتعلق بالشخص الذي سيولد بعد أن يتكون في بطن أمه في أربعة أشهر يكتب ما يتعلق به هو، بينما هذه مقادير جميع الخلائق، (إنسان – حيوان – جماد – سير الهواء – البحار وما يكون فيها من أمواج، وما يكون فيها من غرق، .... إلى غير ذلك مما يكون من أنواع الخلق، وليس هذا قاصرًا على ما في هذا الكوكب، بل في جميع الكواكب وفي جميع الأفلاك).
ثُم الكتب الذي جاء في حديث ابن مسعود هو أخذ من كتاب القدر العام لما يتعلق بذلك الشخص.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدَىً، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثامُ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثامِهِم شَيْئ»)
قوله: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدَىً» فيه فضيلة الدعوة إلى الله، والدعوة إلى الله لا يُشترط أن تكون بمحاضرة أو بخطبة جمعة، فكل دعوة وإرشادٍ إلى الخير ولو بكلمة أو تسجيل أو إشارة فإنها تدخل في هذا اللفظ.
وجاء في فضل الدعوة إلى الله نصوصٌ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]، وفي هذا أنَّ الْمُبتَدئ بالخير الذي يُقتدى به فيه؛ يكون له مثل أُجور مَن تبعه؛ لأنه قد دعا الناس إلى الله بفعله، وفيه أنَّ الدَّاعي إلى الله يَحوز أُجورًا مُماثلة لأُجور مَن تبعه.
قوله: «لَا يُنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئ»، أي: أَخْذهُ من هذه الأجور «لَا يُنْقُصُ» من أُحور العاملين شيئًا، فهم ينالون أجورًا كاملة، وهو ينال أجرًا كاملاً.
قوله: «وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ»، أي: إلى طريق سُوء مخالف للحق.
قوله: «كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ»، أي: على الدَّاعي.
«مِثْلُ آثامُ مَنْ تَبِعَهُ»، الدَّعوة إلى الضَّلالة قد تكون بنشر شُبهة، وقد تكون بنشر فعلٍ مُنكَرٍ، أو بتصويرِ مقطعٍ سيءٍ يَقْتَدي الآخرون به، أو بإظهار مظهرٍ وسُلوك مخالفٍ لشرع الله ومخالف لدينه.
مثال: تأتي امرأةٌ فتتبرج فيُقتَدى بها؛ فيكون عليها مِثل إثم مَنْ تَبرج.
وقد تأتي امرأةٌ فتدعو الناس إلى الخير والعفة والتستر فيتبعونها ويسيرون معها فيكون لها مثلُ أجورهم، وهكذا في كلِ عملٍ صالح، كصدقة أو إحسانٍ إلى الآخرين أو صلاة أو زكاة أو صيام أو حج.

قوله: «لَا يُنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثامِهِم شَيْئ»، أي: لا يُنقص كتابة الإثم على الدَّاعي الأول من آثام الفاعلين للإثم شيئًا.
وبعضهم روى: «لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئً»

{قال المؤلف -رحمه الله: (وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيِهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَينَهُم، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»)}
هذا الحديث من الأحاديث التي تُرشدُ إلى مكارم الأخلاق، وترشد إلى الأفعال الجميلة، وأول ما يدعو له هذا الحديث هو تنفيس الكروبات عن الآخرين، والتنفيس قد يكون بموعظةٍ وكلام يشرح صدر الإنسان ويزيل ما في صدره من الهموم، وقد يكون بإبعاد مشكلة ونزاع يكون فيما بين الآخرين، وقد يكون بالوقوف معه في ضائقته، وقد يكون بأداء عمل يجعله يتمكن من آداء مَهامه ومسؤولياته، وكُربُ الدنيا كثيرة.
قوله: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَ» أصلها من النَّفَس، كأنَّه جعل فيه هواءً يُوَسِّعه ويُزيل ما فيه مِنَ الضَّيق والكربة.
قال: «نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»؛ لأنَّ في يوم القيامة من الكُرب الشيء العظيم، وفي هذا بيان أنَّ الجزاء من جنس العمل؛ لأنَّه لَمَّا نَفَّسَ عنه كُربة من كرُب الدُّنيا نَفَّسَ الله عنه كُربة مِن كُرب يوم القيامةِ، وتلك الكُرب أعظم وأشدُّ.
قال: «وَمَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ» المعسر هو من كان في ضائقةٍ ماليةٍ وعليه دُيون، والتيسير إمَّا بإنظاره وتأجيله، وإمَّا بإبرائه ومُسامحته، وإمَّا بمساعدته على سداد دينه.
قوله: «يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، أي: جعل الله حياته يسيرةً سهلة، وقال تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ﴾ [الليل:4-11].
ثُمَّ رَغَّبَ في فضيلةٍ أُخرى، وهي الستر على الآخرين، وعدم إظهار مَعايبهم وذُنُوبهم، فقال: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، أي: غَطَّى ما عنده من العيوب والذنوب؛ «سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، ابن آدم خطاء ويحتاج إلى أن يَستر الله عليه، فمن ستر على الآخرين ستر اللهُ عليه، وفي هذا تحريم السباب، وتحريم الغيبة، والقدح في الآخرين؛ لأنَّ هذه الأفعال تتنافى مع مبدأ التَّستر الذي جاء به الشَّرع.
وبعض العُلماء استثنى من هذا ما كان على جِهة التعزير، وإن كان الأولى التَّخفيف من ذلك ما استطعنا إليه سبيلا، وذلك من أجل الكتم على معايب الآخرين، وبالتالي لا يُقتدى بهم فيها.
ثُمَّ قال في بيانِ خصلة أُخرى: «وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيِهِ»، أي أنَّ الله يتولى شأنُ العبد ويُعِينه ويُقويه على آداء مهامه متى ما كان العبد يقوم في حوائج إخوانه؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل.
ثم قال: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ»، وفي هذا الترغيب في طلب العلم، والترغيب في بذل الأسباب الموصلة إليه، وسلوك الطريق كناية عن بذل الأسباب في التعلم.
وقوله: «يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَ» هذه نكرة في سياق الشرط، فالأصل أنَّها تشمل جميع العلوم، ولكنَّ خطاب الشَّارع يُفَسَّر باصطلاحه هو، وبالتالي يُفَسَّر هذا اللفظ عند جماهير العلماء بأنَّ المراد به العلم الشَّرعي، والذي يكون فقهًا في الدين ومعرفة بالكتاب والسُّنَّة.
السؤال الخامس
ذهب جماهير أهل العلم إلى أنَّ قوله: «يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَ» يُقصد به العِلم الدنيوي دون الشرعي.
خطأ
https://www.youtube.com/embed/wlQryqOd2bA

وقوله: «سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ»، أي: يسَّره عليه، وهداه لِأَن يفعل أعمالاً صالحة تكون من أسباب دخوله للجنة.
ثم قال: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، قد يكونُ المراد به المسجد، وقد يكون المراد به كُلُّ ما كان وقفًا لله، مثل: المدارس والجامعات، وقد يكون المراد به جميع المواطن والمحال فإنَّها مُلكٌ لله -جَلَّ وَعَلا – ولو كانت مملوكة لابن آدم.
«وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ»، فيه فضيلة الاجتماع على طلب العلم؛ ليشجع النَّاسُ بعضهم بعضهم الآخر على ذلك.
قوله: «يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ»، أي: يقرأونه ويشرحونه، ويصوب بعضهم بعضًا في قِراءته.
قوله: «وَيَتَدَارَسُونَهُ بَينَهُم»، أي: يتفهمونه، ويتأملون معانيه، ويُعيدونه ويكررون قراءته.
قوله: «إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ»، أي: إَّلا كان ثوابهم أن تنزل عليهم السكينة، وهي الطُمأنينة، وفيها سُكون النَّفس وسُكونُ القلب، بحيث لا يجزع الإنسان عندما يُصاب بالأقدار المؤلمة، ولا يتسخط من أقدار الله -جَلَّ وَعَلا- ولايُسارع في الَّردِّ والاستجابة لما قد يُقلقه، بل يتأمل فيه، ويفكر فيه حتى يتأكد أنَّ استجابته سائرة على مُقتضى شرع الله وأمره.
قوله: «وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ»، أي: غَطَّتهُم مِن كُلِّ مكان، ورحمة الله -جَلَّ وَعَلا- أمرٌ عظيم.
قوله: «وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ»، أي: جاءت على أطرافهم تستمع الذكر وتُعِينهُم عليه.
قوله: «وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»، أي: يذكر الله هؤلاء الذين يجتمعون لقراءة القرآن، وتلاوة القُرآن لا تقتصر على مجرد قراءة لفظه، بل تأمُّلُ مَعانيه، والنَّظرُ في تفاسيره، ومعرفة أحكامه، وكُلُّها ممَّا يدخل في دراسة القرآن، ولذلك فإنَّ الفقه والعقيدة وشُروح الحديث ممَّا يدخل في تدارس القرآن.
السؤال السادس:
الأجر المترتب على قوله: «يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ» يقتصر على قراءة لفظ القرآن فقط.
خطأ
https://www.youtube.com/embed/jQBmNHlGnjg

قوله: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ»، أي: من لم يكن له عمل كثير ترتفع به درجته؛ فحينئذ لم ينتفع بنسبه، ولذا قال: «لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشُّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَ»)}.
في هذا الحديث إثبات صفة الرِّضا لله -جل وعلا، وفيه أنَّ العمل القليل قد يترتب عليه الثَّواب الجزيل؛ فالحمد بعد الشُّرب والأكل كان من أسباب رضا الله -جل وعلا.
وفي الحديث فضلُ حمد الله عند نُزول النِّعم بالعبد، وأنَّه ينبغي للعبد أن يُكثر من الحمد لله -عز وجلا- خصوصًا عند نُزُولِ النِّعم.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَعَنْ سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ»)}.
في هذا الحديث إثبات صفة المحبة لله -جلَّ وَعلا، وفيه فضيلة التقوى وعِظم أجرها، وأنَّها من أسباب محبة الله للعبد.
وقوله: «الْغَنِيَّ»، يعني: غير الْمُحتاج لغيره بحيث يَكتفي بنفسه، وقيل: إنَّ الغني هو كثير المال.
وقوله: «الْخَفِيَّ»، يعني: مَن لا يُظهر عبادته وطاعته للآخرين، بل يدعو الله بِخُفْية، ويُكثِرُ مِنْ نَوَافل العبادات خُفيةً، وفيه فضل خَفاءِ بعض الطاعات إذا لم يكن من إظهارها تحقيق مَقصودٍ شَرعي.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَعَن عِيَاضِ بنِ حمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُم مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا:
كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدَاً حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُم، وَإِنَّهُم أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَـتْهُم عَنْ دِينِهِم، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِم مَا أَحْلَلْتُ لَهُم، وَأَمَرَتْهُم أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَاناً.
وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْـتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابَاً لَا يَغْسِلُهُ المَاءُ، تَقْرَؤُهُ قَائِمَاً وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشَاً، فَقُلْتُ: رَبِّ إِذَاً يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً.
قَالَ: استَخْرِجْهُم كَمَا أَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُم نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقُ عَلَيْكَ، وَابْـعَثْ جَيْشَاً نَبْعَثُ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ.
قَالَ: وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيْقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيْفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ.
قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيْفُ الَّذِي لا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيْكُمْ تَبَعَاً، لا يَبْتَغُونَ أَهْلاً وَلا مَالاً، وَالخَائِنُ الَّذِي لا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ -وَإِنْ دَقَّ- إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ»
، وَذَكَرَ البُخْلَ أَو الكَذِبَ، وَالشَّنْظِيْرُ: الفَحَّاشُ، وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ اللهَ تَعَالى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»)
}.
هذا حديثٌ أخرجه مسلم، وهو حديثٌ عظيم النفع والفوائد، وهو كثير المعاني، ولكن قبل أن أدخل في بيان أحكامه وفوائده أُشير إلى أنَّه ينبغي بالإنسان أن يجعل له مُعَلِّمًا يُدَرِّسُه؛ ليكونَ بذلكَ آَمِنًا من اللحنِ في قراءته، وآَمِنًا من الفَهم السيء، وآمِنًا من تنزيل الكلام على غيرِ الْمُرادِ مِنه، ولذلك لو التفت إلى بعض الألفاظ المذكورة في هذا الخبر، وتأملتَّ في قراءة بعضهم لوجدتها مُخالفة لأصل دين الإسلام.
فمثلا: لو قال: وَحَرَّمتُ عليهم ما أحللت لهم، لكان كلامًا مُتناقضًا يؤدي إلى أمورٍ مُخالفة إلى أُصًول الشريعة، وهكذا في اللفظة التي بعدها «وَأَمَرَتْهُم وَأَمَرَتْهُم أَنْ يُشْرِكُوا بِي»، فإذا قرأها الإنسان ("وَأَمرْتُهُم" أَنْ يُشْرِكُوا بِي)؛ لكان هذا مُخالًفا لأصل دين الإسلام.
قوله: (قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ)، فيه: الاستفادة من الخطبة سواء كانت جمعة أو غيرها.
قوله: «أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُم مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَ»، فيه أنَّ الجهل صفة أساسية في الإنسان، وأنَّه لا يرفعها إلَّا العلم والتَّعلم، والعلم يكون بمراجعة النُّصوص، ولا يجوز للإنسان أن يقول: بل أرجع إلى عقلي؛ لأنَّ الرجوع إلى العقل المُجرد هو سببٌ من أسباب الجهل، وإلا لما كان هناك حاجة لنزول الكتب ولا لإرسال الرُّسُل، ومن ذا يُعلِّم النَّاس أن صلاة الظُّهر أربع ركعات وأنَّ صلاة المغرب ثلاثُ ركعات، وأنَّ صلاةَ الفجر ركعتان إلَّا بتعلم العلوم، ومن أَمَرَ النَّاس بمراجعة عقولهم فقد أضلهم.
قوله: «كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدَاً حَلَالٌ»، يعني: مَن تَمَلَّكَ مالاً بطريقٍ مشروع حَلَّ له الانتفاع به.
ثم قال: «وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُم»، أي: مائلين من الشِّرك إلى التَّوحيد، وهذا الْمُراد به الفِطرة التي يقول فيها النَّبي -صلى الله عليه وسلم: «كُلّ موْلودٍ يُولدُ على الفِطرَة» .
قوله: «وَإِنَّهُم أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَـتْهُم عَنْ دِينِهِم»، أي: حَرَّفَتهم عن الفطرة، وفيه دلالة على أنَّ الفطرة هي دين الإسلام.
قال: «وَحَرَّمَتْ» أي: هذه الشيطان. «عَلَيْهِم مَا أَحْلَلْتُ لَهُم» فأصبحوا يستبيحون المحرمات، ويرون أنَّها من الْمُباحات.
قال: «وَأَمَرَتْهُم» أي أنَّ هذه الشياطين أمرتهم «أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَان»؛ فيصرف شيئًا من حُقوق الله لغيره، عبادةً أو طاعةً في أمرٍ ممَّا يختص الله به.
قال: «وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ»، أي: تفقدهُم وَعَرَفَ أحوالهم «فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ»، أي: غضب عليهم، وما ذاك إلَّا لسوء حالهم، ولمخالفتهم طريقة ما جاء به أنبياء الله عليهم السلام.
قال: «إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»، أي: كانوا على دينِ أنبيائهم السابقين، لم يُبدِّلوا فيه ولم يُحرِّفو فيه.
ثم قال ربُّ العزَّةِ والجلال: «إِنَّمَا بَعَثْـتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ»، أي: أختبرك، هل تنفذ أمر الله، وتدعو عباد الله لدخول دار الجنة، أو أنَّك تتركهم؟
«وَأَبْتَلِيَ بِكَ»، أي: أختبرهم بك، هل يُصَدِّقونك؟ وهل يطيعونك؟ وهل يقتصرون في عباداتهم على ما جئت به؟ وهل ينتهون عمَّا نهيتهم عنه أو لا؟
قال: «وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابَ»، هذا الكتاب هو القرآن العظيم. «وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابَاً لَا يَغْسِلُهُ المَاءُ»، أي: أنَّ النَّاس يحفظونه وبالتالي فغسل أبدانهم بالماء لا يُزيل هذا القُرآن. «تَقْرَؤُهُ قَائِمَاً وَيَقْظَانَ».
قال: «وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشَ»، أي: أخبره أنَّه سيفعل ذلك بهم، وذلك أنَّه سينزل بهم العقوبات، وقد حصل ذلك في المعارك التي جاءت بينه وبينهم، والتَّحريق ليس المراد به التحريق بالنار، وذلك لِمَا وَرَدَ في الأحاديث أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّهُ لا ينْبَغِي أنْ يُعَذِّب بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ» ، كما أنَّ هذا ليس على جهة الأمر، وإنَّما على جهة الخبر، فيخبره الله بأنَّه سيفعل ذلك، وإلَّا فلا شَكَّ أنَّ دعوة الناس إلى الحق واستجابتهم له أولى من عقوبتهم.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «فَقُلْتُ: رَبِّ»، يعني: يا ربي. «إِذَاً يَثْلَغُوا رَأْسِي»، أي: يشقوه ويكسروه ويضربوه حتى يكون فيه الجروح الشديدة.
قال: «فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً»، أي: كيف أُنزل بهم العقوبات وهُم المقتدرون القائمون الذين عندهم القوة؟!
قَالَ: «استَخْرِجْهُم كَمَا أَخْرَجُوكَ»، أي: كما أنهم أبعدوك عن بلدك فاستخرجهم وأزلهم من مثل هذه البلدان.
قَالَ: «وَاغْزُهُم نُغْزِكَ»، أي: قُم بمقاتلتهم، والمشاهد من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قاتل على سبيل المقابلة والجزاء، وقاتل لإزالة القوة الظالمة الجائرة التي تمنع الناس من الدخول في دين الله -جلَّ وعلا.
قَالَ: «وَأَنْفِقْ»، أي: ابذل من المال، «فَسَنُنْفِقُ عَلَيْكَ»، فمن أعطى في سبل الخيرات فإنَّ الله يتفضل عليه بالخلف كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ:39]
قَالَ: «وَابْـعَثْ جَيْشَ»، يعني: لمقاتلة الأعداء الذين يُقاتلونك. «نَبْعَثُ خَمْسَةً مِثْلَهُ»، أي: نبعث خمسة جيوش يُناصرون الجيش الأول.
قَالَ: «وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ»، أي: من لم يستجب لدعوتك، وليس المراد به جميع المعاصي، وإنَّما المُراد به الإعراض عن دعوة النُّبوة.

ثم قال: «وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ»، أي: أنَّ أهل الجنة على ثلاثة أصناف.
«ذُو سُلْطَانٍ»، يعني: صاحب ولاية، «مُقْسِطٌ»، أي: عادل. «مُتَصَدِّقٌ»، أي: يبذل في سُبُل الخيرات، «مُوَفَّقٌ» أي: أنَّ الله يُرشده على ما يعود عليه بالخير، ويعود على الناس بالنفع.
وفي هذا دلالة على أنَّ عمل الولاية عملٌ عظيم، وأنَّ القائمين عليها لهم أُجورٌ كثيرة، وثوابٌ جزيل، متى صلُحت نياتُهم، وقصدوا بأعمالهم الله والدَّار الآخرة.
وأمَّا الثاني من أهل الجنة: فـ «وَرَجُلٌ رَحِيمٌ»، أي: يرحمُ عباد الله ويُشفق عليهم. «رَقِيْقُ القَلْبِ»، أي: أنَّه يتأثر بمعرفة أحوالهم. «لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ».
وأمَّا الثالث من أهل الجنة: فـ «وَعَفِيْفٌ»، أي: لا يقتحم المعاصي والفواحش، «مُتَعَفِّفٌ»، أي: أنَّه لا يتطلع إلى أموال الآخرين. «ذُو عِيَالٍ»، أي: عنده أسباب تجعله يُنفق النفقات الكثيرة ومع ذلك فهو عَفِيْفٌ مُتَعَفِّفٌ.

ثم ذكر أهل النَّار، وبين أنهم خمسة أصناف، فأولهم:
«الضَّعِيْفُ»، أي: الذي ليس لديه قوة.
«لا زَبْرَ لَهُ»، أي: لا عائق عنده يمنعه من الإقدام على المعاصي والذنوب.
«الَّذِينَ هُمْ فِيْكُمْ تَبَعَ»، أي: يتبعون غيرهم.
«لا يَبْتَغُونَ أَهْلاً وَلا مَال»، أي: ليس لهم مقاصد، فهذا الضعيف الذي لا عقل له، وليس له مقصد، وليس له أهل،ـ وليس له مال، وإنَّما يتبع من يسير في طريق السوء والشر ويقتدي به ويُحرضه عليه.
وأمَّا الصنف الثاني: «وَالخَائِنُ»، أي: الذي يخون فيبطن سوء التعامل ويظهر حُسن التعامل، والخائن يستولي على أموال الاخرين وهو مُظهرٌ أنَّه مُحسنٌ إليهم.
قال: «وَالخَائِنُ الَّذِي لا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ -وَإِنْ دَقَّ- إِلَّا خَانَهُ»، أي: متى ما ظهر له أي نوع من أنواع الطمع طمع، وأخذ حقوق الاخرين، وخان من ائتمنه، ومن وضعه في حق الأمانة.
وأمَّا الصنف الثالث: فـ «رَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ»، أي:يريد أن يستولي على أموال، ويريد أن يستولي على أهلك.
وأمَّا الصنف الرَّابع: فـ «البخيل أو الكذاب»، فهذان الصنفان ليستا من صفات أهل الإيمان والجنة.
وأمَّا الصنف الخامس: فـ «الشَّنْظِيْرُ: الفَحَّاشُ»، والفَحَّاش أي: كثير الفُحش الذي يُقدم على الفواحش سواءً بفرجه أو بلسانه.
ثم قال: (وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ اللهَ تَعَالى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُو»، أي: ليخضع بعضكم لبعض ولا يتكبر بعضكم على بعض بحيث لا يحتقر الآخرين ولا يجحد حقوقهم).
قال: «حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»، أي: لا يِتَرفع أحدٌ من النَّاس على غيره.
قال: «وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»، أي لا يتجاوز الحقوق المشروعة له، فهذا الحديث عظيم النفع كثير الفوائد.
بارك الله فيكم، ووفَّقكُم الله للخيرِ، وجعلنا الله وإيَّاكم مِن الهداة المهتدي، هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وفي الختامِ نشكركم معالي الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك