الدرس الخامس عشر

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

3599 24
الدرس الخامس عشر

المحرر في الحديث (3)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أُرَحِبُ بكم إخواني وأخواتي المُشاهدين الأَعِزَّاءِ في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، فأهلًا وسهلًا بكم معالي الشيخ}.
الله يحييك، وأرحب بك، وأرحب بإخواني المشاهدين الكرام، وأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يُوفقهم لما يُحب ويرضى، وأن يَجعلهم ممن يعانون على الخيرِ وطلب العِلم والفِقه في الدِّينِ.
{في الدَّرسِ الماضي أنهينا حديث بن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن تُباع السِّلع حيثُ تُبتاع، ونشرعُ في هذا الدَّرس -بإذن الله- مِن حديثِ ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وآخُذُ الدَّنَانِيرَ: آخُذُ هَذِه مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِه مِنْ هَذِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي بَيتِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ، إِنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي وَهَذِه مِنْ هَذِهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقا وَبَيْنَكُما شَيْءٌ». رَوَاهُ أَحْمدُ، وَأَبُو دَاوُد -وَهَذَا لَفظُهُ- وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلمٍ وَلم يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِماكٍ، وَرَوَى دَاوُدُ بنُ أَبي هِنْدٍ هَذَا عَنْ سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ عَن ابنِ عُمرَ مَوْقُوفً)
}.
الحمدُ لله رَبِّ العَالين، والصَّلاة والسَّلام على أفضلِ الأنبياءِ والمُرسلين، أمَّا بعد:
فسبق أن ذكرنا أنَّ الشُّروط في البيعِ تُخالِفُ شُروط البيع، فإنَّ شُروط البيع مَأخوذة من قِبَلِ الشَّرع، بينما الشُّروط في البيع هذه يتفق عليها المتعاقدان، وشُروط البيع محصورة، فلابد أن تكون مَوجودة في جميع عُقودِ البيع، بينما الشُّروط في البيع ليست بمحصورة، وتختلف عُقود البيوع فيها، والشُّروط في البيع على أنواع:
 النَّوع الأول: مَا يكون من مُقتضى العقد: وهذا ثابت، سواء اشترطاه أو لم يَشترطاه، كشرط تسليم المبيع.
 النَّوع الثَّاني: شرطٌ لمصلحةِ العقد: فهذا أيضًا صحيح ثابت وجائز، ويلزم الأخذ به، ومن ذلك اشتراط الأَجَل في تسليم الثَّمن.
 النَّوع الثَّالث: شرطٌ لمصلحةِ العَاقد، وقد اختلف العُلماء فيه، فالجمهور مَنعوا مِنه مُطلقًا، وذهب أحمدُ إلى أنَّه يَصِح مِنه شَرط واحد، لحديث جابر لَمَّا باع جَمَلَه واشترط حملانه إلى المدينة.
والصواب: أن الشُّروط مِن هذا النَّوع جائزة صحيحة، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .

 النَّوع الرَّابع: اشتراط أمرٍ يُخالفُ مُقتضى العقد، فهذا الشَّرط باطل.
والجمهور يقولون: إنه يُبطل العقد.
وأحمد وجماعة قالوا: إنه باطل، ولكنه لا يُبطل العقد، لحديث بريرة.
 النَّوع الخامس: تعليقُ العقدِ بأمرٍ مُستقبلي، كما لو قال: أبيعك هذه السَّيارة إن رضيت أمي.
فالجماهير: يمنعون مِنَ هَذا الشَّرط، وبعضهم يُبطل العقد به.
والصواب: أنَّه شَرطٌ صحيحٌ جائزٌ، وَقَد وَرَدَ مِثله عَن عَددٍ مِنَ الصَّحابة.
النَّوع السَّادس: اشتراط عقدٍ في عقدٍ آخرٍ، وقد حُكيَ الإجماع على بُطلان ما كان كذلك.
وذكر المؤلف هنا حديث ابن عمر-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- وهذا الحديث في إسناده اختلاف، فأكثر الرواة يروونه مَوقوفًا مِن فعل ابن عمر، ورواه سماك بن حرب مَرفوعًا إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسماك بن حرب صدوق، لكنه لا يقبل مخالفة رواية البقيَّة.
فبعض أهل العلم قال: رواية المرفوع لا تخالف رواية الوقف، وإنَّما هي زيادة عليها، ولا يمتنع أن يسمع الرَّاوي حديثًا ثم يقومُ بفعله وتطبيقه. ولعلَّ القول بذلك أصوب.
قال فيه: (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالبَقِيعِ)، البقيع: مَقبرة حول المسجد النَّبوي، وروى بعضهم هذا اللفظ بلفظ النون (النَّقيعِ). وفي هذا جواز بيع الإبل، وجواز أن يكون البيع بِقُربِ المقبرة.
قال: (فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وآخُذُ الدَّرَاهِمَ)، فيه جواز شراء الإبل بالنُّقود مِنَ الدَّنَانِير الذَّهبيَّة، أو الدَّراهم الفِضيَّة.
يبيعه الجمل ويقول: بمائة دينار، ثُمَّ بعد مدَّة يقولون: نُغيِّر من مائة دينار ونجعلها ثمانمائة دِرْهم من الفضة، وفي مَرَّات بالعكس، يبيع بالدَّراهِمِ الفِضيَّة، ويقبض ويأخذ الثَّمن مِن الدَّنانير، وهكذا..، فتوقَّف في هذه المسألة وذهب إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيت حَفصة، وحفصة أخت لابن عمر، وفيه دخول الرَّجل على مَحَارِمِه، فسأل النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: (يَا رَسُولَ اللهِ رُوَيْدَكَ)، يعني: لا تعجل. (أَسْأَلُكَ، إِنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِه مِنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ»)، أي: يجوز ذلك، ولكن هناك شَرط وهو: أن يكون الأخذ بسعر يَومها، وأن يُصفِّيَ ما في ذمَّتهما، بحيث يتفرقان وليس بينهما شيء.
وفي هذا جواز المُصارفَة ببيع الدَّراهم بالدنانير، وفيه جواز الاقتضاء عن دينِ الدَّنانير الذهبية بدراهم الفضة بشرط أن يتفرقا وليس بينهما شيء؛ لأنَّ مَا في الذِّمة يكون بمثابة الحاضر، والآخر يقوم بتسليمه، ومن المعلوم أنَّ الصَّرف يشترط فيه القبض.
قال: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَ»، اشترط أن تكون بسعر اليوم.
قال: «مَا لَمْ تَتَفَرَّقا وَبَيْنَكُما شَيْءٌ»، فإذا تفرقا وليس بينهما شيء فحينئذٍ يصحُّ هذا العقد.
وقد ذكر المؤلف شيئًا مما يتعلق بالبحث في إسناد هذا الكتاب.
{قال -رحمه الله: (وَعَنْ جَابرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهَى عَنِ الـمُحَاقَلَةِ، والـمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنِ الثُّــنْـيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ -وَهَذَا لَفظُهُ- وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)}.
المراد بالـمُحَاقَلَةِ: بيع الحبوب وهي لا زالت في سنابلها، بحيث تُباع بما يُماثلها من جنسها، إن كانت الحبوب حبوب قمح وحنطة فحينئذٍ يُبيعونها بما يُقابلها، فهذه المحاقلة ممنوع منها؛ لأنَّه لا يُجزَم بمقدار مَا سَيَخرج، قد تكبر الحبَّة بعد ذلك.
قال: (نهَى عَنِ الـمُحَاقَلَةِ، والـمُزَابَنَةِ)، المراد بالمزابنة: بيع الرُّطَب على رؤوس النَّخل في مُقابلة التَّمر الذي يُسلَّم في الحال.
لماذا منع الشارع من بيع المزابنة؟
لأننا لا نجزم بوجود التَّساوي، فإنهما وإن تساويا في الحجم إِلَّا أنَّ التَّمر قد ضُغِطَ ورُصَّ، فبالتالي لا يُعلم كَم سيأتي كيله بعد ذلك.
قال: (وَالْمُخَابَرَةِ)، وهو أن يؤجره الأرض ليزرعها، ويكون له جزء مِن ثَمَرةِ هَذه الأرض؛ لأنَّه قَد يَشْتَرِط أن يكون الجزءَ الشَّمالي له والجنوبي للآخر، فحينئذٍ قد يُؤدي ذلك إلى أن يُسلم الجزء الشمالي ويتلف على مُلكِ صاحبه في الجنوب.
قال: (وَعَنِ الثُّــنْـيَ)، المراد بها: الاستثناء، كما لو قال: أبيعك الشَّاة إلا شَحمها، فالاستثناء لابدَّ أن يكونَ مَعلومًا مقداره، ولكن إذا لم تُعلَم مِقدار الثُّنيا فحينئذٍ يكون مِن بابِ بيعِ المجهولِ.

{قال -رحمه الله: (وَعَنِ أَنسِ بنِ مَالكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الـمُحَاقَلَةِ، والـمُخَاضَرَةِ، وَالْمُلَامَسَةِ، والـمُنَابَذَةِ والـمُزَابَنَةِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ)}.
هذا الحديث فيه ذكر عدد من أنواع المنهيات في البيوع.
وننبه هنا إلى أنَّ الأصل في النَّهي أن يكون مُقتضيًا لفساد العقد، قال: (وَعَنِ أَنسِ بنِ مَالكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الـمُحَاقَلَةِ).
قال: (الـمُحَاقَلَةِ)، بيع الحبوب وهي لا زالت في سنبلها -كما تقدم.
قال: (والـمُخَاضَرَةِ)، المراد بها: بيع الثِّمار قبل بدوِّ الصلاح، وسميت بهذا الاسم لأنها لازالت خضراء.
قال: (وَالْمُلَامَسَةِ)، من بيع المجهول، يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بألف.
قال: (والـمُنَابَذَةِ)، الأصل فيها الطَّرح، كأن يقول: أي ثوبٍ طرحته لك يكون لك بعشرة ريالات مثلًا.
قال: (والـمُزَابَنَةِ)، وهو: بيع الرطب بالتَّمر.
والنهي عن هذه الأشياء لوجود الجهالة فيها.
{قال: (وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ». قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟» قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سَمْسارًا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ)}.
قوله: (وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ»)، أي: لا تخرجوا من البلد لتكونوا على أطرافها، فتستقبلوا من يأتي ببضاعة جديدة فتأخذونها منه.
مَا العِلَّة في هَذا؟
أَرَادَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأتي الرُّكبان حتى يصلوا إلى السُّوق فيبيع بضاعتهم في السوق.
قال: «لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ»، أي: لا تستقبلوها في أطراف المدن، والمراد بالركبان: مَن يكون راكبًا على دابَّته لجلبِ ما أرادَ من السِّلَع.
وتلقي الركبان غير الشِّراء منهم، قد تتلقى الرُّكبان ولا تشتري، وقد تتلقاهم وتشتري، هذا التَّلقي فِعل مُغاير لفعل البيع، وبالتَّالي بُطلان التَّلقي لا يعني بُطلان العَقد.
وجاء في الحديث أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أثبتَ الخيار لمن تلق الركبان، قال: «فإذا هبطَ أربابها السوق فهم بالخيار» ، فهذا دليلٌ على أنَّ العقدَ صحَّ، إذ لا يكون الخيار إِلَّا فِي عَقدٍ صحيحٍ.
قال: «وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، أي: لا يكون الحضري وكيلًا للباد في بيع سلعته، فالحاضر هو المقيم في المدن، بخلاف البادي فإنَّه لا يُقيم في المدن، وإنما يُقيمُ في البادية.
قال: (قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ)، على جهة الاستفسار منه (مَا قَوْلُهُ: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟»)، يعني ما معنى هذه الكلمة؟
قال: المراد بهذه الكلمة (قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سَمْسارً).
{أحسن الله إليكم يا شيخ: هل يدخل في هذا كل مَن يريد أن يبيع سلعة وهو لا يعرف السوق، أنه لا يأخذ سمسارًا؟}.
النَّهي هُنا للكراهة، والنَّهي هُنا من أجل أن يهبط أرباب السِّلعة بالسِّلعة في السُّوق فيأخذوا مِنَ الثَّمن فيه بحسبِ ما ييسر الله -جَلَّ وَعَلَا.
{قال -رحمه الله: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تَلَقُّوُا الجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ». رَوَاهُ مُسْلمٌ)}.
قوله: «لَا تَلَقُّوُا الجَلَبَ»، المراد بالجَلَبِ: هُم الرُّكبان، وهو مَن يأتي راكبًا يجلب سلعًا للسوق، فإنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رغَّبَ أن يزدهر السُّوق، وهذا يكون بوفود السِّلَع إليه، فمتى كان هناك تلقٍّ للجَلَبِ فحينئذٍ قد يخسر أصحاب السِّلعة، وبالتَّالي يُخالِف مَقصود الشَّرع في ذلك.
قال: «لَا تَلَقُّوُا الجَلَبَ»، والجلب: البضائع التي يُؤتي بها وتُجلَب.
قال: «فَمَنْ تَلَقَّاهُ»، أي: تلقَّى الجلب.
قوله: «فَاشْتَرَى مِنْهُ»، أي: اشترى من الجَلَبِ، فحينئذٍ «فَإِذا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ»، كأنه صحَّحَ العقدَ، وذلك لأنَّ فِعلَ الشِّراء والبيعِ فِعلٌ مستقلٌ عَن فِعلِ تَلقِّي الرُّكبان، فيُخيَّر بين إمضاءِ العقدِ وبين أن يأخذ الزِّيادة التي يحصل عليها ذلك السِّمسار.
{(وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبادٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا تسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِها. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ)}.
هذا الحديث من حديث أبي هريرة، قال: (نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ)، وهو صاحب المدينة. (لِبادٍ)، أي: صاحب البادية، بحيث يكون الحاضر سمسارًا للبادي، يأتي به إلى الأسواق، أو يبيع سلعته ولم يحضره، فالنَّهي هُنا عَن وكَالةٍ وليس عن البيع.
قال: (وَلَا تَنَاجَشُو)، النَّجَشُ: الزِّيادة في ثمن السلعة ممَّن لا يُريد شراءها، والنَّجشُ محرَّمٌ، وورد في النُّصوص التَّأكيد على تحريمه، وبيان شدَّة التَّحريم في هذا الباب لِمَا فيه من الغِش، ولما فيه مِن أكل أموال النَّاس بالبَاطِل.
قال: (وَلَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ)، أي: إذا كان هناك شخصٌ عنده سلعة، فقام بعرض هذه السلعة بثمنٍ مُعيَّن، فقال: عندي سلعة بخمسين ريالًا، يحرم على غيره أن يأتي ويقول: أنا عندي لك سلعة بخمسةٍ وأربعين؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أن يَبِيع الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ)، ولابدَّ أن يُلاحظ في هذا الباب أنَّ النَّهي هنا عن ذاتِ البيع، خلافًا لِمَا تقدم.
قال: (أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبادٍ)، يعني لا يكون سمسارًا له.
قال: (وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ)، وذلك لِمَا قَصَدَه الشَّارع من اجتماع القُلوب وتآلفها.
قال: (وَلَا تسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَ)، أي: لا تَطلب المرأة طلاق أختها، يأتي الزوج ويخطب امرأة فتقول: أنا لا أتزوج حتى يُطَلِّق زَوجَتَه الأولى؛ فهذا مَنهيٌ عنه.
قال: (لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِه)، أي: لتقوم بإلقاء الأموال، فالإناء ما يوضع فيه الطعام ونحوه، وقوله (لِتَكْفَ)، أي: تُلقي ما في الإناء.
وفي الرواية الأخرى: «لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ الـمُسْلِمِ»، المراد بالسَّومِ: عرض الرغبة في الشراء لسلعة من صاحب السلعة.
قاله: «لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ»، أي: إذا علمتَ أنَّ أخاكَ قد وسَمَ سلعةً فحينئذٍ لا تَسِمْهُ ولا تطلب السلعة بسعرٍ آخرٍ.
{(وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة». رَوَاهُ أَحْمدُ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ- وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ:صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلم يُخَرِّجَاهُ.
وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ: فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَة حُيَيِّ بنِ عَبدِ اللهِ، وَلم يُخَرَّجْ لَهُ فِي الصَّحِيح شَيْءٌ، بَلْ تَكَلَّمَ فِيهِ البُخَارِيُّ وَغيرُ وَاحِدٍ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ)
}..
قوله هنا: (وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَ»)، أي: في المغانم عند قسمَة السَّبي قد يحصل مرَّة أن يُفرَّق بين أمٍّ وولدها.
قال: «فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة»، بحيث لا يُدركهم ولا يَسمعهم، فهذا فيه أنَّ الجزاء مِن جِنسِ العَمل، فلمَّا فرَّقَ بين الوالدة وولدها جازاه بأمرٍ أُخرويٍ بأن يُفَرِّق بينه وبين أحبته يوم القيامة.
{(وَعَنْ عَبدِ الرَّحْمَن بنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَليِّ بنِ أَبي طَالبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَبِيعَ غُلامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِك للنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَدْرِكْهُمَا فَارَتَجِعْهُمَا وَلَا تَبِعْهُمَا إِلَّا جَمِيعً». رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعيدِ بنِ أَبي عَرُوبَةَ، عَنِ الحَكمِ عَنهُ، وَرِجَالُهُ مُخَرَّجٌ لَهُم فِي الصَّحِيحَيْنِ. لَكِنَّ سَعِيدًا لمْ يَسْمَعْ مِنَ الحكَمِ شَيْئًا، قَالَهُ غيرُ وَاحِد مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقدْ رُوِيَ عَنْ زَيدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَشعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ، فَاللهُ أَعْلَمُ)}.
عبد الرحمن بن أبي ليلى مِن عُلماءِ التَّابعين الثِّقات، وقد رَوى الخبر عَن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَبِيعَ غُلامَيْنِ أَخَوَيْنِ)، فيه جواز بيع الأخوين من المماليك مُباشرة.
قال: (فَبِعْتُهُمَ)، أي: بعتُ الغلامين، وفيه جواز بيع المماليك.
قال: (فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَ)، لماذا فرَّق بينهما؟
لأنه باع أحدهما على شخص، وباع الآخر على شخصٍ آخر.
قال: (فَذَكَرْتُ ذَلِك للنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَدْرِكْهُمَ»)، أي: أسرع من أجلِ أن تأتي بهما.
قال: «فَارَتَجِعْهُمَ»، أي: ارتجع هذين المُطَلِّقَين.
قال: «وَلَا تَبِعْهُمَا إِلَّا جَمِيعً»، لابدَّ عند البيع أن تبيع الاثنين معًا، محافظة على هذا المقصود الشَّرعي.
{قال -رحمه الله: (وَعَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: غَلا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، غَلا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الباسِطُ، الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُم يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ». رَوَاهُ أَحْمدُ -وَهَذَا لَفظُهُ- وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَصَحَّحَهُ- وَأَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ.
وَعَنْ سَعيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ». رَوَاهُ مُسْلمٌ)
}.
هذه الأحاديث في الاحتكار، والمراد بالاحتكار: حبس السلعة التي يحتاجها الناس من أجل أن تَقِلَّ في الأسواق فيكثر ثمنها.
وأورد فيه حديث أنس بن مالك، قال: (غَلا السِّعْرُ)، أي: وصلت أسعار الأشياء بالمدينة على عهد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي: أصبحت غاليةً ثمينة.
قوله: (فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، غَلا السِّعْرُ)، أي: ارتفع ارتفاعًا شديدًا.
قوله: (فَسَعِّرْ لَن)، نحنُ نرض حُكمك بوضع السِّعر.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الباسِطُ، الرَّزَّاقُ»، هذه المهن تجمع أصول المهن في ذلك الزمان.
ثم قال: «وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُم يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»، فيه براءة النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{(وَعَنْ سَعيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ». رَوَاهُ مُسْلمٌ)}.
هذا فيه أيضًا النَّهي عن الاحتكار، وقد ورد في حديث آَخر التَّشديد فيه على جهة اللعن.
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيرِ النَّظَرَيْن بَعدَ أَنْ يَحْلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ هَكَذَا، وَلمسْلمٍ: «مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ»، قَالَ البُخَارِيُّ: وَالتَّمْرُ أَكْثَـرُ)}.
قوله هنا: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ»، أي: لا تربطوا أضراعها، فكانوا في الجاهليَّة يأتون بالحيوانات التي تُشرَب ألبانها، فيضعون في الضَّرع حبلًا أوخيطًا من أجل أن يبقى اللبن، حتى إذا شاهده المشتري ظنَّ أنَّ ذلك مَنْتُوجَه يوميًّا.
قال: «فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ»، أي: بعد التَّصرية.
قوله: (فَإِنَّهُ بِخَيرِ النَّظَرَيْن بَعدَ أَنْ يَحْلِبَهَ)، أي: بعد أن يحتلبها ويأخذ منها الحليب، فيختار منهما مَا يَراه أنسب.
قال: «إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ»، وبالتالي لا يُعيد شيئًا بدل اللبن.
قال: «وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وصَاعًا مِنْ تَمْرٍ»؛ لأنَّ المُشتري سبق أن أخذ لبنًا.
{(وَرَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعهَا صَاعًا، وَرَوَاهُ البَرْقَانِيُّ وَزَادَ: مِنْ تَمْرٍ)}.
قوله هنا: (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)، وهو الصَّحابي الجليل الهذلي.
قال: (قَالَ: مَنِ اشْتَرَى)، أي: أي واحدٍ اشترى (شَاةً مُحَفَّلَةً)، المراد بالْمُحَفَّلَة: مَن تُترك ولا ترعى لمدة أيام، فكبر ضرعها. قال: (فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعهَا صَاعً).

{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
هذا الحديث فيه: جواز بيع السلع في الطرقات والأسواق، وفيه جواز بيع كومة الطعام بدون أن تكون مَكيلةً وموزونة، وفيه تفقد الإمام للبضائع في الأسواق.
قوله: («مَا هَذَا يَا صَاحبَ الطَّعَامِ؟». قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ)، كأنَّه يقول: نَزَلَ المطرُ عليها فدخل في سنبلها.
قال: «أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يرَاهُ النَّاسُ؟»، من أجل أن تكون صادقًا فيما تذكره.
قال: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»، هذا فيه تحريم الغِش.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ-، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ بنُ الْقَطَّانِ)}.
قوله هنا: «الْخَرَاجُ». المراد بالخراج: الغلَّة والمنفعة التي تحصل من السلعة المباعة
قال: «بِالضَّمَانِ»، أي: إذا كان المشتري يضمن السلعة فحينئذٍ تكون الغلَّة والخراج للمشتري وليس للبائع.
ويُلاحظ في هذا أنَّه لابد أن يكون سبب الخراج مُباحًا، فلو كان مُحرَّمًا كشربِ خمرٍ ونحوه فحينئذٍ لا يدخل معنا، وإنما يدخل ما كان مِنَ السّلع ُمرتَّبًا مُهيّئًا، ولابد أن يكون سبب التصرف مُباحًا.
لعلنان نقف على هذا، أسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يُوفقنا وإيَّاكم لكلِ خيرٍ، وأن يجعلنا وإيَّاكم مِن الهُداةِ المهتدين، كما أسأله -سبحانه- أن يُصلح أحوال الأمَّة، وأن يَرُدَّهُم إلى دِينه رَدًّا حميدًا، كما أسأله -جَلَّ وَعَلَا- لإخواننا في القناة التَّوفيق لكل خيرٍ، جزاهم الله خير الجزاء، هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

{وفي الختام أشكركم معالي الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وهذه تحيَّة عطرة من فريق البرنامج، ومني أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك