الدرس السادس

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7533 33
الدرس السادس

أخصر المختصرات 4

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتابة والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، وأسعد الله أيامكم وأوقاتكم بالبركات والخيرات، نرحب بكم في حلقةٍ جديدة من برنامج (جادة المتعلم) ، والذي نتدارس فيه كتاب (أخصر المختصرات) للإمام ابن بلبان الحنبلي الدمشقي -رحمه الله تبارك وتعالى- يصطحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ الدكتور عبد الحكيم بن محمد العجلان.
باسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا المبارك، حياك الله شيخ عبد الحكيم}.
أهلًا وسهلًا، حياك الله، تحيةً طيبةً مُباركة، وحيا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات، في مجلسٍ من مجالس العلم، وفي روضةٍ نرجو -بإذن الله جلّ وعلا- أن تكون من رياض الجنة.
{أحسن الله إليكم.
شيخنا.. ما زال الحديث متصلًا، وتوقفنا عند فصل (باب إحياء الموات) }.
نعم، استعن بالله.
{قال -رحمه الله-: (فصلٌ: وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مُنْفَكَّةً عَنْ اَلِاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكٍ مَعْصُومٍ؛ مَلَكَهَا) }.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، أمَّا بعد، فأسأل الله -جلّ وعلا- لي ولكم الخير والهدى والبر والتقوى، وأن يجعلنا وإياكم في خيرٍ ما بقينا، وأن يحيينا على الإسلام والسنة، وأن يُحيي بنا الإسلام والسنة، وأن يميتنا على ذلك غير مبدلين ولا مغيرين، ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا والمسلمين.
هذا الفصل في (إحياء الموات) ، ولعلكم أن تتأملوا عِظم ما جاءت به هذه الشريعة، وما اشتملت عليه في كل مناحي الحياة، فتقدم معنا في (باب الصلح) ما يتعلق بأحكام الجوار وما يجري فيها، بعد أن ذكروا المصالحة، سواء على إنكار أو إقرار، وتفاصيل الكلام في ذلك.
تأمل أنه جاء معنا ما يتعلق بأحكام المهور وتصاريفها، وأشرنا إلى ذلك إشارةً لطيفة بما لم يسعْف الوقت إلى مزيد تفصيل.
وكذلك مثل هذه المسائل التي هي إحياء الأرض الميتة، وامتلاكها بناءً على ذلك، جاءت الشريعة بالحثِّ على هذا، لِمَا فيها من عمارة الأرض، ولِمَا فيها من حصول الخير على العباد والبلاد.
وكل من أحيا أرضًا ميتة، فطاب ثمرها، وكثر الخير عند الناس، ورخصت الثمار، فهذا استفاد بما نتج عنده من الخير، والناسُ استفادوا برخص الأسعار، وزيادة الخيرات، وعمارة الأسواق، وهكذا أشياء كثيرة.
ولكن لَمَّا كان الأمر ليس على هذا الإطلاق، وإنما يُحتاج فيه إلى مزيد تنظيم وترتيب، جاء الشارع مُرتبًا ومنظمًا له، فالنبي ﷺ من حيث الأصل، قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»[1]، ثم جاء الفقهاء ونظروا فيما جاء في الأدلة، وما جاء في الآثار وعمومات النصوص، فَنَظَمُوا ذلك بما يحصل به مصلحة العباد، ولا يكون فيه مضرةٌ عليهم.
ولذا قال: (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مُنْفَكَّةً عَنْ اَلِاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكٍ مَعْصُومٍ) .
بداية، ما المعنى الاصطلاحي لإحياء الموات؟
الموات هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم، هذا هو مفهوم كلام المؤلف -رحمه الله تعالى-.
كيف منفكة عن الاختصاصات؟
لو أنَّ هذه الأرض أرض فضاء، ولكن جرت عادة الناس اتخاذها مصلى للعيد، فإنَّ فيها اختصاص، ولو كانت هذه الأرض مما لا يَبني فيها الناس مساكنهم، ولا يعتادون أن يتأهلوا فيها بالإفادة منها، ولكنها لا تنفك أن تكون مَكَبَّ زبالاتهم، ففيها اختصاص.
فبناءً على ذلك يقولون: لابد أن لا يكون فيها اختصاص؛ لئلا يحصل بها ضرر، فإذا لم يحصل بها ضرر وكان فيها إحياء، كان فيها خيرٌ للناس وللعباد والبلاد.
(وَمِلْكٍ مَعْصُومٍ) ؛ وكذلك لو كانت الأرض مملوكة، فمن باب أولى أنه لا ينازع مالكها، ولو كان قد تركها، ولا يفتات عليه ما جعل الله -جلّ وعلا- له من التصرف والملك، وبناءً على ذلك يقول الفقهاء -رحمهم الله تعالى-: لا يمكن أن يكون إحياءٌ لأرضٍ ميتة على حساب أنها مملوكةٌ لشخصٍ قد سبق ملكه وعُرف تملكه.
{ثم قال -رحمه الله-: (وَيحصل بحوزها بحائط منيع، أَوْ إجراء مَاء لَا تزرع إلا بِهِ، أَوْ قطع مَاء لَا تزرع مَعَه، أَوْ حفر بِئْر، أَوْ غرس شجر فِيهَا)}.
هذه بيانٌ لكيفية حصول الإحياء في كلٍ بحسبه.
ولكن قبل ذلك أحب أن أنبه إلى أن (وَمِلْكٍ مَعْصُومٍ) يستوي فيه الأمر، بين أن يكون هذا الملك معلومًا، فنقول: هذا الملك لـ "زيد"، أو هذا الملك لـ "سعد"، أو هذا الملك لـ "عبد الله بن محمد بن سليمان"، فهو مِلكٌ معصوم، ولكن هذا قليل أن يكون عليه اعتداءٌ، ولكن يُعرف أن هذا لآل فلان، أو أن هذا لفلانٍ من الناس، لكن منذ زمنٍ بعيدٍ لم يُعثر عليه ولم يوجد.
نقول: كل ذلك لا يمنع أن تكون له مملوكة، وأن تكون يدهُ عليه محفوظة، فلا يجوز أن تُحيا ويفتات عليه فيها، فأكثر ما يكون لو لم يوجد أن تكون أرضَ لُقطة.
أمَّا إذا كانت منفكةً عن الاختصاصات، أو فيها آثار من أملاك قديمة قبل الإسلام، أو أشياء كثيرة، فيقولون: هذه كما لو لم يكن بها ملكٌ، وبناءً على ذلك يصح إحياؤها.
ثم قال: (وَيحصل) ، بما يكون الإحياء؟
ليس كل من جاء وتحجر أرضًا ملكها، وإلا لأفضى ذلك إلى الافتيات على الناس.
لكن هنا أيضًا مسألةٌ مهمة يُحتاج التنبيه إليها: أنَّ الشارع قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، لِمَا ذَكَرنا من أَثَرِ ذلكَ على الناس.
لكن في الأزمنة المتأخرة -في أكثر البلدان- أنه قُيد ذلك:
-      إمَّا تقييدًا مُطلقًا فمنع الإحياء، أو جعلت له ضوابط محدودة عبر مساراتٍ محددة، فنقول في مثل هذه الحال: لَمَّا أذِنَ الشارع أو أَذِنَ الله -جلّ وعلا- للعباد في أن «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، كان ذلك باعتبار أنَّ ذلك هو المصلحة.
فإذا كان ولي الأمر، ومن إليه أمر الناس وسياسة مصالحهم، قد رأى أنَّ في ذلك إضرارًا، أو تضييقًا على الناس، خاصةً مع المدن لَمَّا انفجرت، والناس لَمَّا توسعت في الأملاك، فصارت تتحجر أملاكًا كثيرة، فيُفتات على بيت المال، ويُفتات على حقوق الناس، ويُفتات على ذلك؛ فله أن يقيد ذلك، فلا يكون إلا بشروط أو بوضوح.
ولذلك يقول بعض أهل العلم: إن قول النبي ﷺ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، إنما هو قولٌ باعتباره إمامًا ووليًا لأمر المسلمين، فلا يكون ذلك إلا على هذا النحو.
سواء قلنا بهذا، أو قلنا إنه على الإطلاق تشريعٌ مُطلق، لكنه إذا حصل بعده تقييدٌ لمصلحةٍ ولو خفيةٍ يراها الإمام، فإنه لا يجوز أن يُفتات عليه فيها، وحتى لو ظُن أنه لا مصلحة في ذلك، فإنَّ المصلحة منوطةُ به، وإذا أخلَّ بها فإنه يحاسب، ولكن ليس لأحدٍ أن يفتات عليه في ذلك فيتملك ما لا يجوز له أن يتملك؛ لكونه قد قُيد ذلك ومُنع.
المهم: أننا إذا قلنا بإحياء الأرض الميتة، وكان في ذلك توسعة على الناس، ما الذي يحصل به؟
قال: (بحوزها بحائط منيع) ، الحائط إمَّا أن يكون منيعًا، وإمَّا أن لا يكون منيعًا، فإذا كان على ارتفاع نصف متر أو متر، فإن هذا يتجاوزه الناس ويقفزون عليه ويدخلون، فيقولون: مَنْ فَعَلَ ذلك إن هذا تحجر للتملك، فإذا لم يُكمله ويُتمه فلا يستحقه.
فإذًا مادام قد تَحَجَّرَ شيئًا ليس حائطًا منيعًا، فيجعل له أولوية في ذلك، ولكن لا يملكه إلا أن يكون الحائط منيعًا، فإذا رفعه بحيث لا يستطيع الناس أن يقفزوا ولا يتجاوزنه، ففي مثل هذا يكون قد حصل له ذلك.
هذا إذًا في الأراضي التي يُراد تسويرها والبناء فيها ونحو ذلك، وأمَّا الأراضي التي يُراد زراعتها، فإذا شَقَّ جدولاً مائيًا من النهر، أو من العين، أو من البحيرة، أو نحو ذلك، فهذا إيذانٌ بحصول إحيائها وزرعها، ونحو ذلك، فيقولون: إذا حصل إجراء الماء الذي يحصل به الزراعة.
قال: (لَا تزرع إلا بِهِ) هذا قيدٌ مهم، يعني: لا يمكن أن يُجري جدولاً صغيرًا، ثم يملك أرضًا كبيرة، هذه لا تكفي، لابد أن يكون متسقًا مع ما كان يريد زراعته.
(أَوْ قطع مَاءٍ لَا تزرع مَعَه) ، يعني مثلاً: لو كانت أرضًا مغمورةً بالمياه، لكونها مجاورةً للبحيرة أو للنهر أو نحوه، فإنَّ عادة أهل تلك البلدان أنهم يحجزون الماء عنها حتى تنشف، فيمكن زرعها واستصلاحها، ونحو ذلك، فكذلك أيضًا قطع عنها الماء بحيث يمكن الزراعة فيها والانتفاع بها، هذا طريق أيضًا للانتفاع بها.
(أَوْ حفر بِئْر) ، إذا حُفِرَ بها بئر، فهذا أيضًا يحصل به النفع، ولكنهم يقولون: لابد أن يوصل إلى الماء، إذا لم يوصل إلى الماء فلا فائدة.
ثم إذا حفر هذه البئر فلا تخلو:
-      إما أن تكون بئرًا قديمة، وهي التي يسمونها العادية، فهذه يملك أكثر؛ لأنها في الغالب أنها إذا رمى دلو فيقولون: إنه إذا جره يحتاج إلى مسافةٍ طويلة، فيملك بخمسين ذراع من كل جهة.
-      وأما إذا كانت حديثة، فالغالب أنها لا تحتاج إلا إلى دلو قريب، وبناءً على ذلك لا يملك إلا نصفها.
قال: (أَوْ غرس شجر فِيهَا) ، إذَا غَرَسَ الشجر، فهذا لا شك أنه أقرب ما يكون من الإحياء، ولكنهم يقولون: إنه إذا زرعها فقط، بأن جعل فيها بذرًا دون أن يجري الماء، ولكنه ينتظر ما ينزل عليها من السماء، فلا يكون ذلك فيه إحياء.
{ثم قال -رحمه الله-: (وَمَن سبق إلى طَرِيق وَاسع فَهُوَ أحق بِالْجُلُوسِ فِيهِ مَا بَقِي مَتَاعه مَا لم يضر)}.
الاختصاصات أو الأشاء الأخرى:
-      إما أن يمنحه السلطان.
-      وإما أن يسبق إليه.
فما جرت عادة الناس أنهم يتسابقون، فمن سبق إلى شيءٍ فهو أحق به، فلو كانت مثلًا هذه سوق البلد -أرض فضاء- وجاء شخصٌ في وجه السوق فبسط متاعه ليبيع، فجاء آخر وقال: لا تكن في هذا المكان، وهذا كذا وكذا.. نقول: ليس لك عليه سلطان، حتى ولو كنت لمدةٍ طويلة في أيامٍ مضت كنت تسبق إليه قبله، فليس أحدٌ بأولى من أحد، فمن سبق إلى شيءٍ فهو أحق به.
ولذلك قال المؤلف: (وَمن سبق إلى طَرِيق وَاسع فَهُوَ أحق بِالْجُلُوسِ فِيهِ مَا بَقِي مَتَاعه)، وكذلك مواقف السيارات، فجاء وأوقف سيارته، فليس لأحد أن يقول له: أنت لست من أهل البلد، لأنَّ هذه المواقف لكل من وفد.
وبناءً على ذلك، إذا وقف فيها فاستحق، فإذا خرج فليس له بعد ساعة أن يقول: لا، هذا مكاني لأنَّ سيارتي كانت واقفة فيه قبل ساعة! بل يستوي هو وغيره، ولذلك قال: (مَا بَقِي مَتَاعه) ، أي: ما بقيت سيارته، أو ما بقيت آلته التي يبيعها، ونحو ذلك.
هذا إذًا على سبيل العموم، وكذلك إذا جُعلت على هيئةٍ مخصوصة، مثل: مواقف للعاملين، لا يجوز لأحدٍ أن يفتات عليهم، ولكن هم لا يملكونها، بل هم مختصون بها ما بقيت فيهم هذه الصفة.
أيضًا هذه أماكن لمن يبيعون الحبوب أو الثمار مثلًا، فليس لأحدٍ من أهل الصنائع أو من يبيعون الأواني مثلًا، لا أن يفتات عليهم فيه، فإذًا مخصوصة.
إذًا إما أن يكون ذلك باختصاص شيء مطلق فيتساوى الناس فيه، وإمَّا أن يُجعل لمن هو على صفة، فيستحقونه بقدر ما فيهم من هذه الصفة، وهذه على سبيل الاشتراك كلٌ بحسب سبقه، وبما اختص به.
وكذلك المواقف المخصوصة للمعاقين الآن، فهذه اختصاص وليست ملكًا لهم، ولكن ليس لأحدٍ أن يفتات عليهم فيها، فلو أنَّ شخصًا وقف في موقف المعاقين لكان آثمًا؛ لأنَّ المكان مخصوص أو مختصٌ به من هذه حاله، فمن دخل فيه من غير أهله، كان ظالما وَمُفَوِّتًا على أهل الاختصاص اختصاصهم.
قالوا: (مَا لَمْ يُضِرْ) ، فإذا أَضَرَّ فإنه يدع، مثل الآن المواقف، عادة الناس أنه يقف ساعة، ساعتين، ليلة، أمَّا واحد تركها ليسافر شهرًا، فعادة الناس أنه لا يُسمح، وبناءً على ذلك يكون في ذلك إضرارٌ، فلا يكون أحق بذلك، فيجوز إزالته أو عقابه وتعزيره على ذلك.
{ثم قال -رحمه الله-: (فصلٌ في اَلْجَعَالَةُ) }.
هذا الفصل في اَلْجَعَالَةُ، والجعالة يقال: جَعالة، وجُعالة، وهي أن يجعل إنسانٌ شيئًا معلومًا أو مجهولًا لمن يعمل له عملاً معلومًا أو مجهولًا.
الأعمال مبناها إمَّا على الإجارة، ولكن ليس كل الأشياء تتحقق للناس بالإجارة، فعلى سبيل المثال: إذا ضاعت ساعتي، إذا كانت الساعة مثلًا أريد أو أوصلها إلى داري في مدينةٍ أخرى، فهذا معلوم أنه يمكن أن أستأجر شخصًا فيوصلها عبر هذه الشركات، أو عبر شخص معين يأخذها، فيحرك سيارته إلى ذلك، فيعرف ما يقابل ذلك.
ولكن ليست كل الأشياء على هذا النحو، لو أنَّ هذه الساعة ضاعت، فنحن لا نعلم هذا الوقت الذي سيحتاج، والجهد الذي سيعمل، فلو أننا قلنا: "إجارة"؛ لأدت الإجارة إلى جهالة، والجهالة في العقودِ ممنوعة، وبناءً على ذلك لم يصح.
لكن أيضًا بُدٌ للناس من ذلك، فجاء الشارع فأباح أن يجعل جُعلًا، من لقي ساعتي فله كذا، أو إذا أنت لقيت ساعتي فلك كذا، فأذن فيها، ولأنَّ ذلك فيه نوع جهالة فقد جعل هذا العقد على سبيل الجواز، فَفَرَّقَ بينه وبين الإجارة، لأنَّ الإجارة من دخل فيها لزمه، ولكن هذه لأنَّ فيها شي من الجهالة كان الأمر فيها على السعة، كلٌ له أن يدخل وكلٌ له أن يترك، ولذلك فرقوا بينهما بأنهم قالوا: هذا عقدٌ لازم وهذا عقدُ جائز، أن تلك لا بد من تحديد المدة، وهنا لا تحديد، والعمل معلوم وهنا العمل يمكن أن يكون مجهولًا، وهنا استدلوا بقول الله -جلّ وعلا-: ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف:72]، وذلك لَمَّا أُخذَ صُواع الملك، فهو لم يُعلم، هل سيحتاج إلى شهر للبحث عنه، أو يجده في أول التفاتةٍ له! وبناءً على ذلك كان هذا مما يجوز.
{ثم قال -رحمه الله-: (وَيَجُوزُ جَعَلُ شَيْءٍ مَعْلُومٍ لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلاً وَلَوْ مَجْهُولاً، لَا كَرَدِّ عَبْدٍ وَلُقَطَةٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ؛ اِسْتَحَقَّهُ)}.
 (وَيَجُوزُ) ، إذٌا هو عقد جواز وليس عقد لزوم، وهذا كالإشارة إلى ذلك لئلا يقال: كأنها إجارة، ونحن قدرنا أن الإجارة لابد أن تكون في أمرٍ معلوم، والعقد فيها لازم، فهذا الفرق بينهما: أن هذا عقدٌ جواز، ووسع على الناس فيه.
قال: (وَيَجُوزُ جَعَلُ شَيْءٍ مَعْلُومٍ لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلاً وَلَوْ مَجْهُولاً) ، عبدي هو في رأس هذا الجبل، من ذهب فجاء به، أو سيارتي تعطلت في المكان الفلاني، ومن أتى بها فله كذا، أو إذا أتيت بها أنت فالجعل له فقط، فمنوطٌ به. فإذًا لمن يعمل عملًا معلوماً أو مجهولًا.
ولكن هنا قال: (لِمَنْ يَعْمَلُ) ، والجعالة مخصوصةٌ بمن يعمل لك عملًا، لماذا؟ ما الفرق بينهما؟ الفرق بينهما: أنني لو قلت مثلًا: من استطاع أن يلعب بهذه السكين بحيث لا يحركها ويديرها، ولا يجرح نفسه لا فائدة لي من ذلك، فلو أنني أعطيته على ذلك مائةً أو خمسمائة أو أكثر لم يجز؛ لأن هذا غاية ما فيه، تعريضه للهلكة، وتعريض مالي للتلف بدون فائدة.
والأموال محفوظة ومعصومة، ولا تُبذل إلا في وجهها، ولذلك كان باذلها في غير وجهها يُحجر عليه، فلابد أن يكون العمل لي أن أنتفع به، فيكون هذا المال الذي بذلته في مقابل منفعةٍ لي،
وبناءً على ذلك نصوا على أنها مما يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا.
وقد استثنوا من ذلك: إذا كان لمنفعةً عامة شرعية، مثل: المئذنة، أو الإمامة، أو من يُعلم الناس القرآن، أو نحو ذلك من الأشياء، فيقولون: حتى ولو لم يكن لك، لكن يعود نفعه إليك حقيقةً بالأجر والثواب، فكان ذلك جائزًا أن تدفع فيه المال.
ولذلك كثير من هذه الألعاب التي تُبدل فيها بعض هذه الجوائز، ليست داخلةً في الجعالة، باعتبار أنه لا نفع فيها.
وجق للناس أن الأُنس واللعب بما يدفع عنهم مشقة الأعمال أو الأوقات أو الظروف، ولكنه لا يُبذل فيها المال إلا بحقه.
{ثم قال -رحمه الله-: (فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ؛ اِسْتَحَقَّهُ)}.
مثًل المؤلف قال: (كَرَدِّ عَبْدٍ وَلُقَطَةٍ) ، كما قلنا في الساعة، (وَبِنَاءِ حَائِطٍ) ، فقال: من بنى لي هذا الحائط فله كذا، (فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ) يعني الآن لما قلت أنا: من وجد ساعتي فله مئة، كان هناك من وجدها قبل ذلك، أي: قبل أن أقول أنا، نقول: هو لا يستحق شيئًا؛ لأن الجعالة لم تكن قد أنشأت بعد، فوجدانه لها سابقٌ للجعالة، وواجبٌ عليه ردها، ولئلا يُفضي ذلك إلى تلاعب الناس، فإذا وجد شيئًا أخفاه حتى إذا جعل عليه جُعلا أو عُرض له مال أبدى ذلك وأظهره.
إذًا من وجد شيئًا وجب عليه رده، ومن عرف صاحب المال لزمه أن يرده إليه.
ولكن إذا حصل ذلك بغير قصد، نقول: هو جَعَلَ جُعلاً ولكنك لم تدخل في هذا الجعل؛ لأنَّ وُجدانك له كان قبل علمك بالجعل، وقبل عقد هذا المال، وقبل عقد الجائز، وبناءً على ذلك لا تستحقه، ويُقطع دابر إخفاء الأموال والتلاعب بها.
{ثم قال -رحمه الله-: (وَلِكُلٍّ فَسْخُهَا، فَمِنْ عَامِلٍ لَا شَيْءَ لَهُ، وَمِنْ جَاعِلٍ لِعِامِلٍ أُجْرَةَ عَمَلِهِ)}.
قال: (وَلِكُلٍّ فَسْخُهَا) ؛ لأنها عقد جائز، فـ "الجاعل" له أن يفسخ، و "المجعول له" له أن يترك، فمن عَامِل لا شيء له، فمثلا لو أنه قال: أنا سآتي بالسيارة، ثم لم يفعل، فلا شيء عليه، وهذا بخلاف الإجارة، فالإجارة يلزم أن يفعل، وأمَّا الجعل فغير لازم.
قال: (وَمِنْ جَاعِلٍ) ، لو كان الفسخ من الجاعل فللعاملٍ أجرة عمله، نقول: صحيح من حيث الأصل عقدٌ جائز، ولكن لو ترتب عليه تفويت عمل العامل، فعلى سبيل المثال: هذا العامل ذهب وأركب السيارة وحملها، ثم قال: لا، أنا فسخت العقد، نقول: هذا سيضر به. صحيح هو لم يوصلها إليه، والجعالة منوطةٌ أن يوصلها، فنقول: كأنك في مثل هذا أردت الفرار مما وجب عليك، وبناءً على ذلك قالوا: له أجرة المثل.
فننظر: كم الذي يذهب ويحمل هذه السيارة إلى المكان الفلاني الذي حصل عنده فسخ العقد؟ فإذا قال: خمسمائة ريال فنعطيه الخمسمائة ريال.
ولكن هذا قد يكون فيه ظلم، لماذا؟ لأنه مثلًا لَمَّا رأى أن كل الناس يعتذر عن بذل السيارة، والسيارة في مثل الإجارة، إنما يؤتى بها بخمسمائة ريال، قال: من فعل ذلك فله ألفي ريال، فلما ذهب شخص، هو لن يذهب بالإجارة؛ لأن فيها تعب أو كذا، ولكنه لَمَّا عرف أنها ألفي ريال ذهب، ثم لَمَّا حملها، أراد ذلك أن ينتقل من الجعالة إلى الإجارة، فقال: فسخت وهو له أجرة المثل، فننظر فإذا هي كل الإتيان بها بخمسمائة وهو فعل ثلاثة أرباع العمل، فسيكون له ثلاثمائة وخمسة وسبعين فقط.
فلأجل ذلك قال بعض الفقهاء، وهو قول ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، قال: له قسط الجعالة، وهذا أكثر عدلًا، فننظر فإذا هو فَعَلَ ثلاثة أشياء وأنت جعلت لها ألفين، إذًا له ألف وخمسمائة ريال وهكذا..
{ثم قال -رحمه الله-: (وَإِنْ عَمِلَ غَيْرُ مُعَدٍّ لِأَخْذِ أُجْرَةٍ لِغَيْرِهِ عَمَلاً بِلَا جُعْل، أَوْ مُعَدٌ بِلَا إِذَنٍ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ، إِلَّا فِي تَحْصِيلِ مَتَاعٍ، مِنْ بَحْرٍ أَوْ فَلَاةٍ؛ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَفِي رَقِيقِ دِينَارٌ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا)}.
هذه مسألةٌ مهمة: وهي لو أنَّ شخصًا عمل عملًا وهو غير مُعدٍ لذلك العمل، وأنا سأمثل بمثال للمسألتين جميعًا، أقول: لو أنك الآن في سيارتك، ثم خربت السيارة، فجاء شخص ووجدك متعبًا من حَرِّ شمس الظهيرة ونحوها؛ وربما تكون في أيام صيام، فوقف معك وأصلح السيارة، ثم لَمَّا قلت له: شكرًا وجزاك الله خيرًا، قال: لا، أعطني ألف ريال، فهذا الشخص لم يعقد معك عقدًا، وليس ممن يستعد لمثل هذه الأعمال.
فبناءً على ذلك نقول: ليس له شيء، لأنه لو أوقفته وقلت له: أصلح لي، فهو يستحق باعتبار أنك تعاقدت معه، ولكنه لم يُعقد معه عقد، وليس هو من أهل هذا العمل الذين استعدوا لمثل هذه الأعمال، وبناءً على ذلك نقول: لا.
لكن الحال الثانية: لو واقف فجاءك شخص (مكتوب إصلاح المتعطلين، أو نقل المتعطلين) فوقف، ثم أصلح السيارة، فقال: أعطني الأجرة، نقول: نعم؛ لأنه معد لذلك، ولَمَّا أَذِنتَ له بالعمل؛ كأنك أذنت له بأخذ الأجرة.
فلا يخلو إذًا:
إمَّا أن يكون هذا الشخص لم يؤذن له، مثال: أنا في هذه السيارة، ولَمَّا خربت ذهبت وجلست تحت الظل، فما أن رجعت حتى وجدت شخصًا قد أصلحها من هؤلاء، نقول: ليس لك شيء، لأنني ما أذنت لك.
ولكن لو كنت أَذنت لك فلا يخلو هذا من أحد حالين:
إمَّا أن يكون أُذن له إذنًا مُطلقًا، فيكون له أجرة المثل، فمن يصلح مثل هذا العطل كم يأخذ؟ إذًا فليأخذ أجرة المثل.
وأمَّا إذا كان قد قيل له: أصلحها بخمسمائة، فيستحق الخمسمائة قولًا واحدًا.
وأمَّا غير المعد فإنه يكون متبرعًا إلا أن تعقد له عقدًا، فتقول: أصلحها ولك كذا.
فهذا هو الفرق بينهما، وهي مسائل كثيرة الحصول، ويُحتاج إلى النظر فيها، وأكثر ما تحصل هذا في الذين يحملون الأمتعة، يأتيك مثلًا وقد قفت عند المطار أو في السوق فيأخذ المتاع ويحملها، ثم إذا هذا قال: أعطني، فنقول: حتى ولو كان معدًا لهذا لا يستحق؛ لأنك لم تأذن له، ولكن إذا أذنت له وتركته يأخذ المتاع، ثم لَمَّا وصلت تركته، نقول: أنت كأنك أذنت له فيستحق، وأما إذا لم يكن من أهل الاختصاص في هذا، فلا يستحق إلا باتفاق.
وقد استثنى من ذلك الفقهاء -رحمهم الله تعالى-: (تَحْصِيلِ مَتَاعٍ، مِنْ بَحْرٍ أَوْ فَلَاةٍ؛ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) ، يعني: هو رأى متاعًا يسقط في البحر، فلو تركه فهذا يفضي إلى أنه يفوت على صاحبه، ولو قال: لست بمساعد إلا إذا أخذت أجرة، فإذا وقف ليتفق معه على الأجر فسيفوت، ويهلك ذاك المتاع.
فبناءً على ذلك قالوا: إن هذا فيه مصلحة أن لا تُترك أموال الناس حتى تتلف؛ لأنه لا يمكن الرجوع إليهم في الاتفاق على أجرةٍ، وبناءً على ذلك: من كانت هذه حاله، فإذا كان إنقاذ مالٍ من هلكة في أرض فلاة أو في بحرٍ من سقوط في قاع البحر، فلو أخذها ثم طلب أجرةً، سواءً اتفق أو لم يتفق، وسواء أذنت أو لم تأذن، أو كان ممن استعدَّ لذلك أو لم يستعد؛ فله أجرة مثله؛ لئلا يضيع المال؛ ولأن المصلحة في ذلك غالبةٌ من كل وجه.
قوله: (وَفِي رَقِيقِ) ، يعني: رأى رقيقًا يهلك، أو يريد أن يهرب فحفظه لصاحبه، فيقولون: إن فيه دينار أو اثنا عشر درهم.
لماذا خصوا بالدينار أو اثنا عشر درهم؟
عند الحنابلة هذا مبنيٌ على أصلهم، وهو أنه ما جاء فيه أثر فيعتبرون ما جاء من الأثر عن الصحابة مُقدمًا على الآراء والنظر والقياس، وبناءً على ذلك قالوا: إن فيه أثرٌ وإن كان فيه ضعف، فاعتبرناه مقدمًا على غيره.
{ثم قال -رحمه الله-: (فصلٌ في اَلْلُّقَطَةُ)}.
 أول شيء كأني أرى من نظراتك أنك تعتب عليّ في الاستعجال..
أنت تعرف أن الإخوة أخذوا علينا الإسراع حتى نأتي على جملة الكتاب، فأستبيحكم عذرًا، والشيخ كالوكيل لكم في أن يستأني بنا، ولكن أنى لنا ذلك.
هذا الفصل في اَلْلُّقَطَةُ، لَمَّا كانت الأموال إمَّا أن تحفظ بالوديعة، وإمَّا بالعارية لمن يستعملها وقد مَرَّ هذا، ولكن في بعض الأحوال قد توجد متروكةً أو مخلاة، لا يوجد لها أصحاب، فكذلك جاء الشرع بحفظ هذه الأموال؛ لئلا تهلك في نفسها، ولئلا تهلك على صاحبها.
فبناءً على ذلك جعل فيها من الأحكام ما يُضمن به حفظها من التلف، وردها إلى صاحبها قدر الاستطاعة.
واَلْلُّقَطَةُ قد جاء فيها الحديث، وأذن النبي ﷺ في التقاطها في غير ما حديثٍ في الصحيحين، والإجماع منعقدٌ عليها في الجملة.
واللقطة سواءٌ كل الأموال التي تتمول من ذهب أو فضة أو متاع أو ثياب أو آلات، أو سواها في الجملة، أو كان ذلك من الأشياء التي ليست أموالًا لكنها من الاختصاصات التي ينتفع الناس بها عادةً، وإن لم يجز بيعها كالكلب المعلم عند الحنابلة، والفقهاء على أنه لا يجوز بيعه، ولكن الكلب المعلم يُستفاد منه، وإذا وجد رُد إلى صاحبه.
كذلك جلد الميتة على قولٍ عند الحنابلة أنه لا يجوز بيعه؛ لأنه لا يجوز الانتفاع به إلا في حالٍ خاصة، أو في اليابسات إذا دُبغ، وبناءً على ذلك يقولون: فيه منفعة ولو لم يكن مالًا يباع ويشترى، فيرد إلى صاحبه، وسيأتي تفصيل الأموال التي يمكن التقاطها من التي لا يمكن التقاطها.
{انتقل المصنف -رحمه الله- بقوله: (وَالْلُّقَطَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ اَلنَّاسِ كَرَغِيفٍ وَشِسْعٍ؛ فَيَمْلِكُ بِلَا تَعْرِيفٍ)}.
قال: (وَالْلُّقَطَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) هذا التقسيم فيه إشارةٌ إلى أنَّ كل هذه الأقسام داخلةٌ في جواز اللقطة، لكنها داخلةٌ في بيان حكم ما يلتقط من عدمه؛ لأنه سيأتي أن بعضها لا يُلتقط، ولا يجوز التقاطه.
قال: (مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ اَلنَّاسِ)، أي: الأشياء التافهة، مثل: التمرة، السواك، الأشياء اليسيرة، مثل الريال عندنا، نحن لا نتحدث بدائرةٍ ضيقة فالناس يختلفون.
على كل حال: هذه أشياء تافهة فلا تدخل في أحكام اللقطة من حيث التعريف والأحكام التي سيذكرها، بل يجوز لمن وجدها أن يأخذها، فإن كان يعرف مالكها ردها إلى صاحبه، وإن لم يعرف فله أن ينتفع بها أول أخذه لها.
 لكن ما الذي تتبعه همة أوساط الناس أو نحوه؟
الحقيقة لم يكن فيه تعريفٌ واضح، ولذا قال بعضهم: مردها إلى صفات النفس من البخل أو الكرم أو نحوه، وهذا في الحقيقة بعيد؛ لأن الكريم حتى وإن كان يجود بالأموال الكثيرة، إلا أنه يجود بها في وجهها.
فإذًا المقصود بأوساط الناس هو أن يعود إلى قدراتهم المادية، يعني: ليسوا بالأغنياء غناءً فاحشًا، ولا بالفقراء فقرًا مدقعًا، بل هم أوساط الناس الذين كانت أمورهم على الكفاف والتيسير، فهؤلاء هم الذين يُناط بهم الحُكم في التافه من غيره؛ لأنَّ الفقير فقرًا مدقعًا حتى الأشياء التافهة تهمه، ويحزن لها، ويطلبها، ولا يرضى بفواتها.
والغني غناءً فاحشًا ربما كان الشيء الذي يحزن عليه كثيرٌ من الناس، لا يعبأ به لو ضاع، أو لا يحزن عليه لو فات.
{ثم قال -رحمه الله-: (اَلثَّانِي: اَلضَّوَالُّ اَلَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ اَلسِّبَاعِ، كَخَيْلٍ، وَإِبِلٍ، وَبَقَرٍ، فَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا، وَلَا تُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهَا)}.
إذًا الحكم الأول بالنسبة للأشياء التافهة، كما قال المؤلف: (فَيَمْلِكُ بِلَا تَعْرِيفٍ)، لأول وهلة فيؤخذ، صحيح أنه ليس الأحسن للإنسان أن يأخذها، بل يتصدق بها؛ ليتنزه عن ذلك.
ولكن لو أخذها فإنه يملكه بمجرد أخذها، ولا يحتاج إلى تعريفها، ولا سؤال الناس: لمن هذا؟ لمن هذا؟ فلو أخذها ووضعها في جيبه لكان ذلك جائزًا، وليس آثمًا.
لكن هل يجب عليه إذا وجد صاحبها أن يردها؟
يقول: لا ليس واجبًا، ولكن إن كان يعرف صاحبه لما جاء يأخذها فيعطيه، كأن يراه سقط من فلان لابد أن يرده، لكن لو وجدها فإذا أخذها مَلكه بمجرد الأخذ، فلا يلزم الرد فيه بعد ذلك.
{شيخا أحسن الله إليك، لُقطة مكة، هل مكة لقطة؟}.
خلينا نخلص الأقسام الثلاثة الأصلية.
{(اَلثَّانِي: اَلضَّوَالُّ اَلَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ اَلسِّبَاعِ، كَخَيْلٍ، وَإِبِلٍ، وَبَقَرٍ، فَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا، وَلَا تُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهَا)}.
هذا النوع الثاني من الأموال التي لا تُلتقط، (اَلضَّوَالُّ اَلَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ اَلسِّبَاع) ، قال عنها النبي ﷺ: «ما لكَ ولَهَا؟! معهَا سِقَاؤُهَا ووعائها، تَرِدُ المَاءَ، وتَأْكُلُ الشَّجَرَ»[2]، فبناءً على ذلك هذه لا يمكن التقاطها؛ لأنه هي تحفظ نفسها، ولا تحتاج إلى من يحفظها، وبناءً على ذلك قالوا: لا تلتقط، ومن أخذها كانت يده يد ضمان، وكأنه استولى عليها بغير حق.
وبناءً على ذلك: أول شيء هو آثمٌ، والثاني هو ضامنٌ، ويمكن أن يعزر لو رُفِعَ الأمر إلى القاضي أو السلطان، وهذا من الأشياء التي تمتنع.
وأُلحق بها ما يكون مثل ذلك مثل الأشياء الثقيلة التي لا تُحمل، قالوا: الرحى الكبيرة، أو الحجر الكبير الذي لا يحمله أحد، ولأجل ذلك يوجد عند كثير من الناس أشياء يضعونها في عرض الطريق وهم يحتاجون إليها، ولها قيمةٌ كثيرة، لكن يعرفون أنه لا يستطيع أحد عادةً أن يحملها، ومثل ذلك بعض الآلات التي تترك لأنه لا يستطاع زعزعتها ولا تحريكها إلا بمشقةٍ بالغة، فكذلك.
فإذًا هذه تدخل في مثل ما يمتنع بنفسه، ويحفظ نفسه، وأنها أيضًا لا تحتاج إلى نفقة، ولا يكون فيها فواتٌ أو هلاك، فمن باب أولى لا تلتقط.
فلذلك قال المؤلف -رحمه الله-: (فَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا، وَلَا تُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهَا) ، بل كما قلنا هو ضامن، وهو آثم، ويمكن لحاق التعزير له.
{ثم قال -رحمه الله-: (اَلثَّالِثُ: بَاقِي اَلْأَمْوَالِ كَثَمَنٍ، وَمَتَاعٍ، وَغَنَمٍ، وَفُصْلَانٍ، وَعَجَاجِيلَ؛ فَلِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا أَخَذَهَا)}.
باقي الأموال التي هي دون ذلك مثل: الشاة، النبي ﷺ قال: «هي لكَ أوْ لأخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ»[3].
الثمن مثل: الذهب والفضة، فمن وجده فإنه تتوق إليه النفوس، وأسرع ما تأخذه الأيدي الظالمة، فلأجل ذلك لكي تحفظ على صاحبها، فأنت إذا وجدتها وأنت أمين تحفظها وتؤدي حقها، فتأخذها وتحفظها لصاحبها، وتؤدي حقها على ما سيأتي بآلية التعريف، ونشد الضالة، ونحو ذلك.
فإذًا يقول المؤلف: (كَثَمَنٍ، وَمَتَاعٍ) ، واحد وجد ثياب، وجد جوال، وجد مثلًا بعض الأشياء التي يُلعب بها الصغار أو الأطفال، إلى غير ذلك من أشياء لا حد لها.
(وَغَنَمٍ، وَفُصْلَانٍ) ، فصيل الناقة غير الناقة، فالفصيل صغير وهو أقرب ما يكون إلى الشاة، فلأجل ذلك قالوا من أنه يدخل فيها.
(وَعَجَاجِيلَ) ، العجل الصغير كذلك.
ولهذا انظر إلى زيادة نظر الفقهاء، فهو من حيث الأصل هو داخل في الناقة، داخل في اسم البعير، والنبي ﷺ قال: «ما لكَ ولَهَا؟!»، ولكن لَمَّا نظر الفقهاء إلى المظنة، فإمَّا أن ينظر إلى الاسم، وهو اسمه بعير، وإمَّا أن يُنظر إلى الحقيقة وهو أنه لا يمتنع.
وبناءً على ذلك ألحقوه بما لا يمتنع كالشاة، فهو إلى الشاة أقرب في أنه يمكن أخذه، وتفويته على صاحبه، فكان مما يشرع فيه اللقطة.
(فَلِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا أَخَذَهَا) ، إذًا ليس لازمًا، بل من يعرف من نفسه أنه لا يفتات بها على صاحبها، وأنه يُؤدي الحق في التعريف ونحوه، فإنه يأخذها وإلا فلا يلزمه؛ لأنه يمكن أن يأتي آخر ممن هو يقوم بذلك فيأخذه أو فيفعله.
ربما سألت أو سأل كثيرُ من الناس: فما حال لقطة مكة؟
النبي ﷺ قال: «لَا تَحِلّ إِلَّا لِمُنْشِدٍ»، فبعض أهل العلم يقول: لها خصوصيةٌ في أنها لا تملك على الإطلاق، ولكن قال جمهور أهل العلم: هذا للتأكيد على أهمية نَشدها وإظهارها في مجامع الناس في الحج ونحو ذلك، فالتأكيد عليه، وهي داخلةٌ في عموم اللقطة، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنابلة وغيرهم، فقالوا: إنها كغيرها.
ولذلك لم يخصها المؤلف -رحمه الله تعالى- بحكم، بل أطلق هذه الأموال في جميع الأماكن والأزمان.
{لكن شيخ هل هناك فرق آخر بين مكة اللي هو المسجد الحرام وغيره؟}.
لا، مكة عمومًا كلها سواء في الحرام.
{ثم قال -رحمه الله-: (وَيَجِبُ حِفْظُهَا، وَتَعْرِيفُهَا فِي مَجَامِعِ اَلنَّاسِ، غَيْرِ اَلْمَسْجِدِ حَوْلاً كَامِلاً، فورًا كل يومٍ مرةً أسبوعًا، ثم شهرًا كل أسبوعٍ مرةً، ثم مرةً كل شهرٍ، وَتَمْلَكُ بَعْدَهُ حُكْمًا) }.
(وَيَجِبُ حِفْظُهَا، وَتَعْرِيفُهَا) ، إذًا الملتقط لابد أن يكون فيه الأمران:
-      أن يأمن على نفسه، أن لا يستولي عليها.
-      وقدرته على التعريف والحفظ
وبناءً على ذلك قال: (وَيَجِبُ حِفْظُهَا) ؛ لأنه أمين، ومستأمن، ونائبٌ عن صاحبه بها، قائم مقام في القيام بحقها؛ كل شيءٍ بحسبه فإذا وجد شاةً فأنفق عليها من العلف والسقي ونحو ذلك؛ كان له الجوع إذا نواه وهكذا، ولكنه لا يلزمه أن يحفظها.
وجد ثمار فيقول الفقهاء: إما أن يبيعها ويحفظ ثمنها، وإذا أمكن حفظها بتجفيف أو بتثليج الآن وجعلها في هذه الحافظات فعل، المهم أنه يحفظها بكل شيء.
آلية التعريف: الحقيقة أنَّ الفقهاء ذكروا سمات عُرفت في أوقاتهم، قالوا: (فِي مَجَامِعِ اَلنَّاسِ، غَيْرِ اَلْمَسْجِد) ؛ لأنَّ المساجد لم تبنَ لهذا.
قال: (حَوْلاً كَامِلاً) ، سنةً كاملة، عرفها سنة كما جاء في حديث كعب وغيره، وهو في الصحيح، فهذا هو الأشهر أن الوجوب لسنةٍ لا أكثر من ذلك، وما جاء فيه أكثر فهو محمولٌ على زيادة واستحباب على كلام لأهل العلم في ذلك.
على كل حال: التعريف الذي ذكروه هو ما يمكن حصول العلم بها وانتقالها، لكن الآن الأزمنة اختلفت، فيعرف بحسب ما يوجد من الأحوال التي يمكن الوصول إلى صاحبها إما بتعليق الأوراق، الآن وجدت بعض المنصات التي تُخصص لذلك، يمكن أيضًا الدخول على بعض المجامع الافتراضية وإظهار ذلك، أيضًا إخبار حول ذلك المكان؛ لأنه اتسعت البلدان وتفرقت الأشياء، ولا يمكن أن يختص بمكان واحد مثل البلدان القديمة كان فيها سوقٌ واحد، وكل أهل القرية يفيدون على ذلك، ومن كان خارج أهل هذه القرية يَفيد إلى هذا، فالحقيقة اختلفت.
لكن على كل حال: هذا هو الذي ذكروه، والواجب التعريف بما يتأتى به الوصول إلى صاحبها في كلٍ بحسبه، وهذا مما يحتاج فيه إلى نوعِ تأكيدٍ بما يتأتى به في هذا الزمان الحقيقة، وربما يختلف ذلك باختلاف الأشياء.
على سبيل المثال: يعني يوجد مواقع لبيع الأغنام، فأكثر ما يمكن أن يوجد صاحبها في مثل هذا كالسوق العادي، فإذا أدخل أنه وجد كذلك فهذا طريقةٌ جيدة، إذا كان ذلك أيضًا عبر ما ينتقل من المواقع القريبة التي يمكن أن تصل إليهم، فهذا أيضًا شيءٌ مناسب، أو نحو ذلك.
على كل حال: يمكن أن يقول صعبت من جهة وثقلت من جهةٍ أخرى، فيمكن أيضًا إدخال صورة عن شيءٍ فُقد وجعل ذلك يمكن من كان له حاجة أن يدخل فيبحث فيجدون ذلك قريبًا.
على كل حال: الذي ذكره الفقهاء أنه آلية التعريف إنما يتأتى ذلك بعد حفظها.
قال: (وَيَجِبُ حِفْظُهَا، وَتَعْرِيفُهَا فِي مَجَامِعِ اَلنَّاسِ، غَيْرِ اَلْمَسْجِدِ حَوْلاً كَامِلاً، وَتَمْلَكُ بَعْدَهُ حُكْمًا) ، أنت عندك زيادة ولا لا؟
{وين الزيادة؟}.
ما قلت: ما تحفظ يومًا ثم شهرًا.
{ذكرناها كلها}.
 وين؟ لا ما هي بعندي، اقرأها.
قال -رحمه الله-: (وَيَجِبُ حِفْظُهَا، وَتَعْرِيفُهَا فِي مَجَامِعِ اَلنَّاسِ، غَيْرِ اَلْمَسْجِدِ حَوْلاً كَامِلاً، فورًا كل يومٍ مرةً أسبوعًا، ثم شهرًا كل أسبوعٍ مرةً، ثم مرةً كل شهرٍ، وَتَمْلَكُ بَعْدَهُ حُكْمًا)}.
قرأت وإن كانت ليست في بعض النسخ طريقة التعريف، بأنه في أول أسبوع كل يوم، ثم كل أسبوع، ثم في الشهر مرةً، يعني في إشاعتها في الأسواق أو في أماكن تواجد الناس.
على كل حال: هذا هو الذي ذكروه فيما يليق بهم، وقد ذكرنا ما يناسب ذلك.
ما الذي يترتب على الحال؟
إما أن توجد فانتهينا، فتعطي إلى صاحبها وترد إلى مالكها.
إن لم يوجد ذلك، فما الذي يحصل؟ يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: إنه إذا أدى حقها سنةً كاملةً يعرفها على النحو الذي ذكروه فيما ذكروه، وما تحصل به براءة الذمة فيما جد من اعتبارات الآن في آلية إشاعتها وإظهارها وتعريفها وتبيينها للناس، فإنه بعد العام يمكن أن يملكها حكمًا.
فما معنى كونه ملكها حكمًا؟
يعني أنها في ملكه في الحكم، ولكن لو وجد صاحبها؛ فإنها تُرد إليه، ولذلك قالوا: إنه لو ملكها ثم تصرف فيها، فجاء صاحبها وجب أن تُرد إليه، وجب أن يبذل ما أخذه وتملكه، لكن تملكه أو تصرفه بعد العام تصرفٌ مأذونٌ فيه ليس عليه تبعة، ولا إثم، ولا تعزيرٌ لو طلب ذلك.
قال لماذا أخذ مالي؟ أو لماذا فعل؟ قال: أنا عرفته وفعلت ما وجب عليّ، وتصرفت فيه بما جاز لي، وبناءً على ذلك: لا شيء عليه، ولذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (حُكْمًا) يعني أنه من جهة الضرر لهذا الواجد الذي عرف وفعل، وفي الحقيقة لمالكها، فإن جاء يومًا من الدهر وجب تسليمها إليه، وإن كان قد صرفها، فيجب تسليم مثلها إن كان له مثل، أو قيمتها إن كان قيميًا.
{ثم قال -رحمه الله-: (وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَةِ وِعَائِهَا، وَوِكَائِهَاَ، عِفَاصِهَا، وَقَدْرِهَا، وَجِنْسِهَا، وَصِفَتِهَا)}.
أول وجود لها لا يجوز لها أن يتصرف حتى يُدون هذه الأشياء؛ لأنه إذا جاء صاحبها فلا طريقة إلى معرفة ذلك إلا بأن يصفها، فإذا لم تكن حافظًا لأوصافها فإن ذلك قد يُفوت وجدان صاحبها لها، فلأجل ذلك لو أنك تصرفت فيها قبل حِفظ صفاتها، فكأنك قصدت تفويتها على صاحبها.
فلأجل ذلك قال: (وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا) ، وهذا من القيود التي تدل على إرادة التعريف، ووجدان صاحبها، والبحث عن مالكها، وعدم العبث أو التسلط عليها، فيقول المؤلف: (وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَةِ) .
(وِعَائِهَا) الكيس.
(وَوِكَائِهَاَ) ، ما تربط به.
والعفاص آلية ذلك كيف ضبطت؟
وقدرها وجنسها كم فيها من الأداء؟
جنسها ذهب ولا فضة ولا ثياب من حرير، أو ثياب من كتان، أو غير ذلك من الأشياء، والصفات التي فيها كبيرة، صغيرة، ملونة، غير ملونة... إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة، ومتى جاء ربها فوصفها لزم دفعها إليه، بهذه الطريقة يحصل الدفع إليه.
{قال: (وَمَتَى جَاءَ رَبُّهَا فَوَصْفهَا؛ لَزِمَ دَفْعُهَا إِلَيْه، وَمَنْ أُخِذَ نَعْلُهُ وَنَحْوُهُ وَوَجَدَ غَيْرَهُ مَكَانَهُ؛ فَلَقْطَةٌ)}.
(وَمَتَى جَاءَ رَبُّهَا فَوَصْفهَا) ، إذًا كيفية الرد؟ بأن يصفها ربها، فإذا جاء شخص وقال ضاع لي المال ثم وصفها بأوصاف غيرها لم يلزم إليه، لو جاء شخص وقال والله ضاع لي مال ولا وصف له لا يستحق..
فإذًا لابد أن يصفها، وأن تتوافق هذه الأوصاف فيستحقها، أما ما سوى ذلك فلا يلزم الدفع إليه.
(وَمَنْ أُخِذَ نَعْلُهُ وَنَحْوُهُ وَوَجَدَ غَيْرَهُ مَكَانَهُ؛ فَلَقْطَةٌ) ؛ هذه مسألة مهمة، وتحصل كثيرًا عند أبواب المساجد أو الأماكن التي يجتمع فيها الناس، فأحيانًا يدخل الإنسان فيجد في مكان نعليه نعلًا آخر، فهذا الأمر مترددٌ بين أن الآخذ في ذلك غلط، أو أن الآخذ في ذلك قصد.
فإذا كان قصدًا فهو سارق، وإن كان غلطًا فهذه مال محترمٌ ولقطة، وبناءً على ذلك بعض الفقهاء قال: يُنظر، هل يكون هذه النعل أقل؟ فإذا هو قصد سرقتها وترك هذه، فالفقهاء عند الحنابلة رأوا في ذلك الأحواط في كل حال؛ حتى ولو كانت الأمارات والقرائن دالةٌ على أنه سارقُ وقاصد أخذ نعلك ولا تشابه بينهما، وهذه غالية نفيسة، وهذه رخيصة بخيسة، فلا يعتبر ذلك كله.
هذه النعل التي وجدت هي لقطة، سواء كانت لذلك أو لغيره، سواءُ كان تركها قصدًا أو سواه، وبناءً على ذلك: إذا أخذتها لزمك التعريف وتعلقت بك أحكام اللقطة، ولم يجز لك أن تستبيحها، حتى ولو غلب على ظنك أنَّ صاحبها قد تركها وأخذ تلك، فأخذه لمالك استباحة، وفعل ذلك حرام، ولكن ليس لك أن تفتات عليه، ولا بإخلاله -أن تُخل- بل هذا المال ليس بكل حالٍ يمكن أن يكون لهذا الآخر، وليس في كل حال أن الآخذ قد أخذها على سبيل السرقة والتسلط.
وبناءً على ذلك لزمك التعريف في كل حال، ولم يجز لك الاستفادة منها إلا بأن تأخذ ما أخذته اللُقطة من التعريف والتوضيح إلى سنةٍ كاملة، ما دام أنها ليست من الأموال التافهة.
{أحسن الله إليكم شيخنا، ونفع الله بكم وزادكم الفضل، نكتفي بهذا القدر، وفي اللقاء القادم إن شاء الله نبدأ في مسألة اللقيط بعون الله تعالى، الشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب وحسن المتابعة، أستودعكم الله، ونلتقي بكم في اللقاء القادم، سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
------------------------------------------
[1] أخرجه أبو داود (3073)، والترمذي (1378).
[2] رواه البخاري (2428)، ومسلم (1722).
[3] رواه البخاري (2428)، ومسلم (1722).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك