الدرس الثاني عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7528 33
الدرس الثاني عشر

أخصر المختصرات 4

{الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، حياكم الله مشاهدينا الكرام، في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) ، نصطحبكم في شرح كتاب (أخصر المختصرات) ، يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الدكتور عبد الحكيم بن محمد العجلان، باسمي واسمكم جميعا نرحب بفضيلة الشيخ.
حياكم الله فضيلة الشيخ}.
حياك الله، وحيا الله المشاهدين جميعًا.
{نستأذنكم شيخنا في البدء}.
استعن بالله، نبدأ.
{قال -رحمه الله-: (وَالْكَفَاءَةُ شَرْطٌ لِلُزُومِهِ، فَيَحْرُمُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بِرِضَاهَا) }.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يُتم علينا وعليكم نعمه، وأن يبلغنا طاعته، وأن يجعلنا من أهل مرضاته، وأن يغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين.
أيها الطلاب والطالبات، كنا في المجلس الماضي انتهينا بما يتعلق بـ (شروط النكاح) ، وقد ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الشروط، وبين ما يتعلق بها في تعيين الزوجين، ورضاهما، والولي، والشهادة في النكاح، إلى أنَّ قال: (وَالْكَفَاءَةُ شَرْطٌ لِلُزُومِهِ) هي إشارة من المؤلف -رحمه الله- إلى ما يتعلق بالكفاءة في النكاح، والكفاءة في النكاح يراد بها المساواة والمماثلة، وهي عند أهل العلم تعتبر في جانب الزوج، فهو الذي تعتبر أن يكون كفؤا للمرأة، ولا تعتبر في جانب الزوجة، فلو كانت الزوجة أقل من الزوج، فإن النكاح لا يدخل في اعتبار الكفاءة في أنها شرط للزوم النكاح.
إذًا الكفاءة معتبرة في الرجل دون المرأة. ما الذي يعتبر في الكفاءة؟ ومتى يقال: إن هذا الرجل مكافئًا لهذه المرأة أو غير مكافئ لها؟ يقولون: إذا تم في ذلك خمسة أشياء:
أولها: الديانة، فلا يكون الفاسق كفئاً للمرأة الدينة التي عُرفت بصلاحها وورعها، فلا بد أن يكون الزوج مثلها، وأن يكون في درجتها، وأن يكون متقيًا لله -جل وعلا-.
والثاني: قالوا الصنعة، فأرباب الصناعات الدنيئة التي تزري بأصحابها لا يكون لمن كانت امرأة ذات منصب، ولها منزلتها، وتعتبر رفيعة في قومها، وفي أهلها.
والثالث: اليسار، فقالوا: إذا كان الزوج مُعسرا وهم أهل يسار وسعة في الحال، فإنه لا يكون كفئاً لها.
والرابع: الحرية، فإذا كان هو عبد وهي حرة، فلا يكون مكافئا لها، ولذلك في قصة بريرة مع مُغيث، فكانت بريرة أَمَةً، وكان زوجها "مغيث" عبدًا، فأعتقت عائشة بريرة -رضي الله تعالى عنه- فخيرها النبي فاختارت نفسها، يعني: ما صار كفئاً لها، فاختارت الفراق في ذلك، فجاء مغيث إلى النبي وطلب منه أن يشفع له عندها، فعرض عليها النبي ذلك، فقالت: "تَأْمُرُنِي؟ قالَ: «إنَّما أنَا أشْفَعُ»، قالَتْ: لا حَاجَةَ لي فِيهِ" ، فكان مغيثًا -رضي الله تعالى- يتتبعها في الأسواق وهو يبكي من حبه لها وإعراضها عنه. فكان النبي يقول للعباس: «يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، ومِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا».
والخامس: النسب، قالوا: فغير العربي لا يكون كفئاً للعربية.
وقالوا: هذه الخصال الخمس شرط في النكاح، ولكنها للزوم، يعني: النكاح يصح، ولكنه غير لازم، فإذا اعترضت المرأة أو اعترض وليها، فإنَّ النكاح في ذلك يفسخ.
بخصوص ما يتعلق بالحرية مع العبد، فهذا بإجماع أهل العلم، وما يتعلق أيضًا بأهل الفسق والمجون، كأهل المخدرات والخمور ونحوها، ليس كفئاً للدينة، وهذا ظاهر عندهم، ولكن ربما في الصنعة وفيما يتعلق باليسار وسواه، فهناك أمر آخر فيه.
ويبقى ما يتعلق بالعربي مع العجمي، هل يكون كفئاً لها أو لا يكون كفئاً لها؟
الكلام في ذلك كثير جدا، وما ذكره فقهاء الحنابلة -رحمهم الله تعالى- أصله ما جاء في الآثار عن الصحابة، وأيان ما قلنا فإن ذلك من حيث الأصل له أصل، ومن حيث الاعتبار بكلام الفقهاء فإن له اعتبارًا، فلا ينبغي الدخول في مثل هذه الأمور، لأسباب:
أولا: لِمَا له من الأصل والمعنى، حتى ولو قيل: إنه مرجوح؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث أن النبي زَوَّج خيار النساء من قريش لبعض الموالي، كما في قصة أسامة بن زيد وغيره.
إذًا حتى ولو قلنا بصحة ذلك في السنة، إلا أنه لَمَّا كان يترتب على ذلك نشوب خلافات، وما يلحق ذلك مما هو أعظم من هذا، فربما يعظم ذلك عند بعض أهل البوادي أو نحوهم، وربما يلحق بهذا فعل مشين، أو جريمة، أو تحصل بسببها قطيعة، فللناس في ذلك غنية، ولهم فيما اعتبروه أصل، فلا ينبغي أن يجنح الناس إلى ما يحصل به لغط كثير، وبلاء كبير، والناس في سعة من الأمر قبل أن يدخلوا في مثل هذه الأمور.
على كل حال الفقهاء اعتبروا الكفاءة، واعتبروها شرطًا للزوم لا للصحة، بمعنى أنَّ النكاح يصح ولكنه لا يلزم، فلمن طَلَبَ الفسخ أن يُفسخ.
والفرق بين الشروط الأولى أنه إذا فقد شرط من هذه الشروط لم يصح النكاح، وأما شرط الكفاءة عندهم أنه إذا لم تتحقق الكفاءة فالنكاح صحيح، لكن يمكن أن يفسخ، ولمن اعترض أن يحل العقد بعد صحته كما قلنا.
وبعض الحنابلة ربما شددوا فيه، وجعلوا الكفاءة شرط صحة كما في الشروط السابقة.
ثم يقول: (فَيَحْرُمُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بِرِضَاهَا) يعني: كما قلنا: إن متعلق الحكم أن الكفاءة تكون في الرجل، بمعنى أن المرأة لو زُوجت بالكفء فالحمد لله، ولو انتقضت الكفاءة في حق الزوج، فإما أن ترضى المرأة ويرضى أولياؤها، فالأمر على رضاهما والنكاح مثل ما قلنا صحيح، ولازم بموافقتهم على ذلك.
أما إذا كان غير كفء، ولكن رضيت ولم يرض أولياؤها، فإنَّ لمن لم يرض أن يطلب الفسخ؛ لأن العار يلحقهم في ذلك، وكذلك من باب أولى إذا لم ترض هي، فإذا لم ترض فإنَّ حقها أوجب، وحقها أسبق، وبناء على ذلك في هذه الحالة فللقاضي أن يفسخ النكاح في مثل هذا.
ولَمَّا كانت هذه في محل الكلام والخلاف وتباين الآراء، فإنه لا ينفسخ بمجرد الطلب، بل لا بد من أن يرتفع إلى القاضي، وأن يحكم القاضي بفسخه من عدمه، والنظر في ذلك إلى أهل القضاء ومن يلونه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (الْمُحَرَّمَاتُ فِي النِّكَاحِ.
وَيَحْرُمُ أَبَدًا أمٌ، وَجَدَّةٌ وَإِنْ عَلَتْ، وَبِنْتٌ، وَبِنْتُ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَتْ، وَأُخْتٌ مُطْلَقًا، وَبِنْتُهَا، وَبِنْتُ وَلَدِهَا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَبِنْتُ كُلِّ أَخٍ، وَبِنْتُهَا، وَبِنْتُ وَلَدِهَا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ مُطْلَقًا)
}.
هذا الفصل عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- في المحرمات في النكاح؛ ولأن النكاح من حيث الأصل يصح بكل أحد، لكن كيف فيه محرمات، فإذا عد المحرمة تبين من يحل له، فلما كان المحرم هو القليل حصره الفقهاء -رحمهم الله تعالى-؛ ليبقى الباقي على إطلاقه.
فابتدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- بالمحرمات تحريمًا أبديًا، فجعلهن سبعًا كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ الأخت﴾ [النساء:23]، فالأم وإن علت، يعني: أمٌ، وأمُّ أمٍّ، وأمُّ أبٍ، وأم أب أبٍ، وأمُّ أمُّ أُم أبٍ، وأم أبي الأبي، وأم أبي أم، وهكذا. كيفما كانت أمًّا وارتفعت، فإنها تكون محرمة فلا يجوز للإنسان أن ينكح أمه، أو أم أمه وهكذا.
قال: (وَجَدَّةٌ وَإِنْ عَلَتْ) فهاتان محرمتان ظاهر تحريمهما.
(وَبِنْتٌ، وَبِنْتُ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَتْ) يعني: بنت الإنسان، أو بنت ابنه، أو بنت ابن ابنه، أو بنت ابن ابن ابنه، أو بنت بنته، أو بنت ابنه، أو بنت ابن بنته، أو بنت ابن ابنه، أو بنت ابن بنت ابنه، وهكذا كلهن يدخلن في التحريم.
قال: (وَأُخْتٌ مُطْلَقًا) يقصد المؤلف -رحمه الله تعالى- بذلك، سواء كانت أختا شقيقة أو أختا لأب أو أختا لأم، فإنهن داخلات في التحريم، فلا يجوز للإنسان أن ينكح واحدة من هؤلاء.
قال: (وَبِنْتُهَا، وَبِنْتُ وَلَدِهَا) بنت الأخت، وبنت ابنها، ونحو ذلك، فكلهن داخلات في هذا، بنت ابن ابن أختك، أو بنت بنت أختك، وهكذا وإن نزلن، كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى-.
قال: (وَبِنْتُ كُلِّ أَخٍ، وَبِنْتُهَا، وَبِنْتُ وَلَدِهَا وَإِنْ سَفَلَتْ) سواء كان أخا شقيقا، أو أخا لأب، أو أخا لأم، فبناته محرمات، أو بنات أبنائه، بنت ابن ابن أخ، بنت ابن بنت أخيه، وهكذا من الجهتين، فما دامت أنها بنتًا لأخيه من أي وجه كان، فهو محرم عليه نكاحها.
قال: (وَعَمَّةٌ) العمة سواء كانت أخت أبيه، أو عمته أخت جده، التي هي عمة أبيه، أو عمته التي هي عمة جدته، التي هي أخت أبي جده، وهكذا.
ومثل ذلك الخالة (وَخَالَةٌ مُطْلَقًا) فالخالة محرم نكاحها، سواء خالته التي هي أخت أمه، أو كانت خالته التي هي خالت أمه، أخت جدته، أو كانت خالة جدته التي هي أخت أم أمه. وهكذا. فعلي كل حال، كل هؤلاء داخلات في اسم الخالة، فهن داخلات في التحريم لِمَا جاء في سورة النساء على ما ذكرنا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَيَحْرُمُ بِرَضَاعٍ مَا يَحْرُمُ بِنَسَبٍ) }.
لا يزال المؤلف -رحمه الله تعالى- في المحرمات تحريمًا أبديًا، وذكرنا أنَّ المحرمات تحريمًا أبديًا أولهن المحرمات بالنسب "سبع"، ثم المحرمات بالرضاعة، والمحرمات بالرضاعة مثل: المحرمات بالنسب، فبنته من الرضاع، وأمه من الرضاع، وجدته من الرضاع، وعمته من الرضاع، وخالته من الرضاع، وبنت أخيه من الرضاع، وبنت أخته من الرضاع، وأخته من الرضاع، وهكذا داخلات في التحريم؛ لأنَّ النبي في حديث عائشة قال: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَب» .
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَيَحْرُمُ بِعَقْدٍ حَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ عَلَوْنَ) }.
قوله: (وَيَحْرُمُ بِعَقْدٍ حَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ) إذًا هنا دخول في المحرمات بالمصاهرة، أي: بعقد النكاح، فحلائل الأباء محرمات، فكل من تزوجها أباك فحرام عليك نكاحها، سواء تزوجها أبوك، أو تزوجها أبو أبيك، أو جد أبيك، أو جد جدك، فكلهن محرمات؛ لكونها تدخل في اسم زوجة الأب، وزوجة الأب تحرم على الإنسان أن يتزوجها.
ومثل لو كانت زوجة للابن، فلو كان ابنه قد تزوج امرأة، فلا يجوز له أن يتزوجها، ولا ابن ابنه وهكذا، وسواء كان أبوه من الرضاع، أو كان أبوه من النسب، فما دام أنه تزوجها ابنه من نسب أو رضاع فإنها داخلة في التحريم، ومتعلق بها هذا الحكم.
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ عَلَوْنَ) أي: لا يجوز له أن يتزوج أم زوجته، ولا أمُّ أمِّ زوجته، ولا أمُّ أبي زوجته، ولا أمُّ أم أبي أبي زوجته، ولا أم أم أم أم أبي زوجته وهكذا.
وكيفما كان من الجهتين، كلهن قد حرمن عليه، ولذلك قال: (بِعَقْدٍ) ، يعني: بمجرد أن يعقد فقد دخل هؤلاء المتقدمات في التحريم، فلا يجوز له حتى ولو لم يدخل بها أبوه، فما دام أن أباه تزوجها وعقد عليها، حتى ولو لم يدخل بها، فإنه ليس له أن يتزوجها، ولا أن يتزوج أمها، ومثل ذلك لو كان ابنه هكذا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَبِدُخُولٍ رَبِيبَةٌ وَبِنْتُهَا وَبِنْتُ وَلَدِهَا، وَإِنْ سَفَلَتْ) }
الربيبة هي بنت الزوجة، فبنت الزوجة لا يجوز للإنسان أن ينكحها، ولكن بشرط أن يكون دخل بأمها. إذًا هذه من المحرمات بالمصاهرة، ولكن هنا مختلف عن المتقدمات الثلاث بأنها مشروط فيها أن يكون قد دخل بزوجته، فإذا دخل بزوجته فتحرم عليه بنتها، كونها ربيبة يعني: متربية في حضنه، وهذا الوصف وصف أغلبي، بمعنى: أنه ولو لم يكن قد رآها من قبل، حتى ولو لم تدخل على أمها منذ تزوجها، فما دامت أنها بنت زوجته فهي محرمة عليه، وسواء كانت بنت زوجته التي تزوجها بعد زوج سابق لها بنت منه، أو أنها بنت زوجته التي طلقها ثم تزوجت فولد لها بنت، فإنَّ هذه البنت تعتبر بنت زوجته، وهي داخلة في اسم الربيبة، فتكون محرمة، وكذلك لو كانت بنت الزوجة، أو كانت بنت بنتها، أو بنت ابن بنتها، فإنها تدخل في ذلك.
وعلى هذا فما دامت أنها بنت للربيبة صلبية، أو بنت ابنها، أو بنت بنتها؛ فإنها داخلة في ذلك، ولا يجوز لك أن تتزوجها بشرط أن تكون قد دخلت بأمها.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَإِلَى أَمَدٍ أُخْتُ مُعْتَدَّتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ، وَزَانِيَةٌ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) }.
قال: (وَإِلَى أَمَدٍ) يعني: هذا يُقابل القسم الأول، قهو انتهى الآن من القسم الأول، أي المحرمات تحريمًا أبديًا.
انتقل المؤلف -رحمه الله- إلى المحرمات تحريما أمديًا، يعني إلى وقتٍ ينتهي، فيمكن أن تحل له بعد ذلك، فبدأ في عدهن فقال: (أُخْتُ مُعْتَدَّتِهِ) ، فلو أنَّ شخصا طلق امرأة، وهي في عدة منه، فليس له أن يتزوج أختها؛ لأنه لا يجوز الجمع بين الأختين، فلما كانت وقت العدة مكملة لعقد النكاح وتابعة له، اعتبرت كما لو كانت قد بقيت على الزوجية، وبناء على ذلك لا يجوز له أن يتزوج أختها إلا أن تنتهي عدتها.
قال: (أو زوجته) كذلك لو كانت أخت زوجته، فما دام مزوجا بها؛ فإنه لا يجوز له أن يتزوج أختها، فإذا طلقها وانتهت عدتها فله أن يتزوجها.
إذًا أخت زوجته محرمة ولكن تحريمها ليس تحريمًا أبديًا، وإنما هي محرمة ما دام أنَّ أختها في عصمته، وليس له أن يجمع بينهما
قال أهل العلم: الجمع بين المرأة وأختها مما يحصل به قطيعة بينهما، فلأجل ذلك منع من أن يتزوج الرجل أخت زوجته؛ لئلا يقع بينهما من القطيعة، وينبت بينهما من المنازعة التي جُبلت عليها النساء في الغيرة، وحصول المناكفة للضرة، وما يتبع ذلك.
ثم قال المؤلف -رحمه الله-: (وَزَانِيَةٌ حَتَّى تَتُوبَ) ؛ لأن الله -جل وعلا- قال: ﴿وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ [النور:3]، وبناء على ذلك قالوا: لا بد من توبتها حتى تُنكح.
كيف تحصل توبتها؟
تحصل توبتها عند الحنابلة بأن يظهر منها التوبة، قالوا: وأن تُراود وتختبر ثم تمتنع، ولكن هذا في الحقيقة فيه شيء من الصعوبة، وإن كان ذلك قد جاء عن بعض السلف، ولكن ربما يكون في هذا فتنة للمراود أو لها، ولأجل ذلك ينبغي أن لا يكون كذلك، ولكن إذا صلحت سيرتها، وإذا عرف ذلك ببعدها عن أماكن الخنا التي كانت قد اعتادتها، وإذا اختلفت في سمتها، وفيما اعتادته من طريقة كلامها، ومثل ذلك يعرف عموما عند جملة الناس. فإذا ظهر منها أمارات التوبة، وابتعدت عن محال الفتنة والشر، قد يكون ذلك كافيًا في العلم بتوبتها، وإظهارها العزم على عدم الرجوع إليها، وظهور منها مقدمات الصلاح والاستقامة، وما يتبع ذلك.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَمُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ بِشَرْطِهِ) }.
المرأة التي طلقها الرجل ثلاثا، فإنه لا يحل له أن ينكحها بإجماع أهل العلم، حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها، أي: بعد الثالثة ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة:230].
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (بشرطه) يعني: أن ينكحها زوج غيره وأن يطأها؛ لأنَّ ذلك وارد في السنة، كما في حديث عبد الرحمن بن الزبير، فإنه اشترط وقال: «لا حتَّى تذوقي عُسَيلتَهُ ويذوقَ عُسَيلتَكِ» ، وذلك لَمَّا أرادت أن ترجع إلى زوجها الأول، فدل ذلك على أن المطلقة ثلاثًا محرمة إلى أمد، وهو حصول نكاح وحصول وطئ في ذلك النكاح، فلو أراد أن يتزوجها قبل أن تتزوج لم يكن له ذلك، ولو أراد أن يتزوجها بعد أن تزوجت ولكنَّ زوجها لم يطأها في النكاح الذي تزوجها فيه، لم يحل له ذلك، فإذا حصل الأمران، النكاح والوطء ثم طلقت؛ جاز لزوجها الأول أن يتزوجها بعد ذلك بعقد جديد.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَمَسْلِمَةٌ عَلَى كَافِرٍ، وَكَافِرَةٌ عَلَى مُسْلِمٍ إِلَّا حُرَّةً كِتَابِيَّةً) }.
كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى- أن من المحرمات إلى أمد مسلمة على كافر، فلا يجوز للمسلمة أن ينكحها كافر بحال من الأحوال؛ لأن الزوج له ولاية على الزوجة، وإذا كان الزوج كافرًا، فيعني ذلك أن يكون له ولاية على المسلمة؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلمة.
(وَكَافِرَةٌ عَلَى مُسْلِمٍ) لأنَّ المسلم لا يجوز له أن يتزوج الكافرة، فلو كانت وثنية أو بوذية أو ملحدة أو نحو ذلك، فليس لمسلم أن يتزوجها، ﴿وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة:221].
قال: (إِلَّا حُرَّةً كِتَابِيَّةً) فاستثني من ذلك ما استثناه الدليل، وما جاء به النص، فللمسلم أن يتزوج الحرة الكتابية، كما أباح الله ذلك في كتابه، فيجوز للمسلم أن يتزوج الحرة الكتابية بشرط، أن تكون عفيفة، كما جاءت بذلك الآية في قول الله -جل وعلا-: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة:5].
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَعَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ، مَا لَمْ يَخَفْ عَنَتَ عُزُوبَةٍ لِحَاجَةِ مُتْعَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ، وَيَعْجِزُ عَنْ طَوْلِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ) }.
قال: (وَعَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ) يعني: ليس للحر المسلم أن يتزوج أمة مسلمة، وهذا التحريم تحريمًا أمديًا، فإذا عتقت جاز له أن يتزوجها وأن ينكحها.
ثم بعد ذلك بين -رحمه الله تعالى- أحوالا يجوز فيها للحر المسلم أن يتزوج أمة. فقال: (مَا لَمْ يَخَفْ عَنَتَ عُزُوبَةٍ) فإذا كان يخاف على نفسه، وهو لا يقدر على طول الحرة. فإذا وجد هذان الشرطان، عدم قدرته على مهر الحرة، وخاف على نفسه من المشقة وعنت العزوبة؛ فإنَّ له أن يتزوج الأمة المسلمة، وذلك أن الأمة إذا تزوجها الحر يُفضي إلى أن أولادها منه يكونون عبيدًا وإماءً، والإنسان لا يتسبب لأولاده في الرق، ولذا لا يجوز له أن يتزوج الأمة إلا إذا خاف على نفسه، فإذا خاف على نفسه ولم يقدر على طول الحرة؛ جاز له أن يتزوج الأمة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ﴾ [النساء:25].
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَعَلَى عَبْدٍ سَيِّدَتُهُ وَعَلَى سَيِّدٍ أَمَتُهُ وَأَمَةُ وَلَدِهِ) }.
ليس للعبد أن ينكح سيدته. لماذا؟ لأنَّ السيدة لها ولاية على العبد، والزوج له ولاية على الزوجة، فهنا يكون فيه تضاد بين ما جعل الله -جل وعلا- لهذه السيدة من الولاية على العبد، وهذا العبد على سيدته، فلما كان بينهما تضاد مٌنِعَ بإجماع أهل العلم أن ينكح العبد المؤمن سيدته، ولكن لو أعتقته فأراد أن يتزوجها فله ذلك، ولكن في حال عبوديته لا، وذلك لتضاد هذه الأحكام فيما بينهما.
قال: (وَعَلَى سَيِّدٍ أَمَتُهُ) . السيد لا يتزوج أمته. لماذا؟ لأن له ملك، والملك أقوى من النكاح، ويبيح له ما يبيح النكاح وزيادة، وبناء على ذلك لا يحتاج إلى نكاحها.
قال: (وأمة ولده) كذلك لو كان للإنسان أمة، فلا يجوز لوالده أن يتزوجها، لماذا؟ لأن الأب يملك ما ملك ابنه، «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»، وبناء على ذلك للأب أن يتملكها، وأن يتمتع بها بعد ذلك بشرطه عند الفقهاء. فلمَّا كان كذلك؛ فإنه لا يحتاج إلى أن يتزوجها.
قال: (وَعَلَى حُرَّةٍ قِنُّ وَلَدِهَا) . كذلك لو كانت المرأة حرة، ولولدها عبد، فإن عبد ولدها ليس له أن يتزوجها، لِمَا ذكرنا أيضا من أنَّ لها شبهة في ولدها، وما ملك ولدها داخل في ملكها بوجه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَمَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا بِعَقْدٍ حَرُمَ بِمِلْكِ يَمِينٍ إِلَّا أَمَةً كِتَابِيَّةً) }.
قال: (وَمَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا بِعَقْدٍ حَرُمَ بِمِلْكِ يَمِينٍ) كما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أن الشخص لا يجمع بين المرأة وأختها بعقد، وكذلك في ملك اليمين، فليس له أن يستمتع بهما في حال واحدة، فإذا كان يستمتع بأحد أختين ملكهما؛ فإنه ليس له أن يتسرى بالثانية أبدًا. لماذا؟ لأنها لو كان زوجة لم يجز له أن يدخل بأختها، فكذلك إذا كانت أمة ليس له أن يتمتع بأختها حتى ينقلها عن ملكه، ويخرجها من ذلك، وبعد ذلك له أن يتمتع بأختها.
إذًا ما ثبت بالعقد كذلك يثبت مثله في ملك اليمين في حل الاستمتاع من عدمه.
قال: (إِلَّا أَمَةً كِتَابِيَّةً) . فلا يجوز نكاح الأمة الكتابية على ما ذكرنا، لكن يجوز نكاح الحرة الكتابية لمجيء ذلك بالنص في الآية.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (شُرُوطُ النِّكَاحِ.
فصل، وَالشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ:
صَحِيحٌ، كَشَرْطِ زِيَادَةٍ فِي مَهْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ فَلَهَا الْفَسْخُ.
وَفَاسِدٌ يُبْطِلُ الْعَقْدَ)
}.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وَالشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ) إذًا هذا الفصل عقده في الشروط النكاح، وكما قلنا: إن شروط البيع والشروط في البيع بينهما اختلاف، فكذلك هنا الشروط النكاح والشروط في النكاح بينهما اختلاف، وإن كان الفقهاء على ما تذكرون قالوا: إن الشروط في البيع إنما تكون في أثناء العقد لا قبله، ولكنه في عقد النكاح يقولون: ولو اشترط بعضهما على الآخر قبل العقد، فإن ذلك يعتبر كما لو اشترطه في العقد، وبناء على ذلك لو أن شخصا مثلا في أثناء ما يجري بينهما من المراجعة في الكلام، قالوا: نريدها أن تبقى في وظيفتها، ثم لما جاء العقد لم يدونوا ذلك، فهل يكون هذا بمثابة الشرط اللازم تنفيذه؟
نقول: إذا قلنا إن محل الشرط هو العقد، فمعنى ذلك أنه لم يذكر في العقد، وبناء على ذلك لم يكن لازما.
وأما إذا قلنا إن محل الشرط في النكاح هو وقت العقد وقبله، فبناء على ذلك يكون هذا شرط داخل في العقد لازم له؛ لأنه ذكر قبل العقد وإن لم يذكر فيه، فتندرج فيه أحكام الشرط في النكاح، وهذا فرق بين ما ذُكِرَ هنا وما ذكر في الشرط في البيع، وقد ذكرنا تفاصيل كلام هناك.
على كل حال، بدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- بالشروط الصحيحة. فقال: (شرط صَحِيحٌ، كَشَرْطِ زِيَادَةٍ فِي مَهْرِهَا) يعني: لو كان مهر مثلها عادة مئة ألف، فقالت: لا أتزوج إلا بمائتي ألف. أو مائتي ألف وسيارة، أو بيت في الرياض وبيت في مكة، وهكذا. فإذا اشترطت زيادة في مهرها أو مصلحة لها كما لو اشترطت مثلا أن يوجد عندها خادمان، أو أن تذهب إلى أهلها كل أسبوع، أو نحو ذلك، فلها ما اشترطت.
ما الذي يترتب على ذلك؟
قال المؤلف -رحمه الله-: (فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ فَلَهَا الْفَسْخُ) }.
هل يجب عليه الوفاء أو لا يجب عليه الوفاء؟ كأنه يقول هنا: لا يجب عليه الوفاء، وذلك لأن لها أن تفسخ، فإذا لم يف كان لها الفسخ، وبناء على ذلك لا يجب عليه، ولكن ربما ذكر عن بعض الفقهاء كابن تيمية -رحمه الله- قال: إن الوفاء بشروط من أعظم ما يجب، ومما جاءت به الشريعة، «إنَّ أحقَّ الشروطِ أن تُوفوا به، ما اسْتحْلَلْتُم به الفروجَ» ، وقوله: «والمسلمونَ على شروطِهم إلَّا شرطًا حرَّم حلالًا أو أحلَّ حرامًا» فيقول: إنَّ ذلك واجب، ولكنه لو لم يفعل، فيكون فاعلا للحرام، ولكن فعله للحرام لا يُفوت حق الزوجة، وبناء على ذلك يكون لها الاختيار في البقاء على عقد النكاح أو طلب الفسخ فيه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَفَاسِدٌ يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءٍ:
نِكَاحُ الشِّغَارِ وَالْمُحَلِّلِ، وَالْمُتْعَةِ، وَالْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى)
}.
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الفاسد الذي يفسد عقد النكاح، وهنا ابتدأ المؤلف في الشرط الفاسد الذي يبطل معه عقد النكاح، فيقول: (نِكَاحُ الشِّغَارِ) وهو من أنكحة أهل الجاهلية، وهو كما جاء في حديث ابن عمر وغيره، أن يزوج الرجل موليته، على أن يزوجه الآخر موليته، ولا مهر بينهما. فهذا نكاح الشغار، وسمي شغارًا من الشغور، وهو الخلو. قالوا: تشبيهًا له؛ لأنه إذا أراد أن يبول رفع رجله، وكان ذلك خلو رجله ورفعها.
على كل حال، هذا نكاح من أنكحه أهل الجاهلية، وهو مما جاء الشرع بتحريمه، والحكم ببطلانه، ولكن الكلام الذي يتعلق بذلك، هل سبب بطلان نكاح الشغار خلوه من المهر أو ما فيه من التعليق؟
لأهل العلم في ذلك كلام طويل، وتفصيلات كثيرة، ومن أحسن من ذكر في ذلك من التعليل، وما جمع شتات هذه المسائل وأقاويل الفقهاء هو ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وأشار إليه ابن القيم -رحمه الله- فيما يحسن سبكه في كتابته، وفيما ينقله عن شيخه ابن تيمية، وعلى كل حال سواء قلنا أن ما في هذا العقد من التعليق وهو أنه علق نكاح هذه على نكاح هذه، أو كان ما فيه من خلو المهر.
فإن قال قائل: طيب أنتم تقولون خلو المهر أو التعليق وتنسون ما فيه من المتاجرة، فهذا يقول: لا أزوجك ابنتي حتى تزوجني ابنتك، فيتزوجان وكل يتمتع على حساب ابنته.
نقول: هذا ليس متروكا في الشرع، بل هذا الأمر جاء الشرع باعتباره في غير ما تعليق؛ لأنه طلب أن يكون كفئا، وأن يكون عدلا، وأن يكون رشيدا عارفا بمصلحة المرأة، يعرف الأحسن والأتم لها، وبناء على ذلك كون الفقهاء -رحمهم الله تعالى- يقولون: إن خلوه من المهر أو ما فيه التعليق أو كونه من أنكحه أهل الجلية أو يجمع بين كل هذا، فلا يعني هذا أن الشرع لم يأت بتعظيم أمر المرأة، وعدم تفويت مصلحتها، أو رميها فيمن لا يحسن القيام بحقها، أو من ليس كفئا لها، فكل ذلك قد اعتبر، حتى في غير نكاح الشغار، والكلام في اعتبار الولي، وما فيه من الشروط، وما ينظر فيه من الكفء سابق لذلك، فلا اعتراض على ما جاء في الشرع، ولا إشكال على ما ذكره الفقهاء -رحمهم الله تعالى-.
قال: (ونكاح المحلل) نكاح المحلل من أعظم الأنكحة التي جاء الشرع بتحريمها، «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟» ، كما جاء ذلك في الحديث، فإذا التحليل هو أن يأتي شخص إلى مُطلقة رجل أخر ثلاثا، وهي لا تحل لأن ترجع إلى زوجها حتى تنكح زوجًا آخر، فيأتي هذا بقصد تحليلها لزوجها الأول، سواء كان ذلك بتواطؤ منهما أو ذلك منه، حتى ولو كان من الزوج الثاني؛ لأنه قال: (إلا نكاح رغبة) فلابد من أن يكون نكاح رغبة وإقبال، لا نماح تحليل وإرادة إرجاعها إلى زوجها الأول، فلما نهى الشارع عن ذلك، ولعن فاعل ذلك؛ دل على تحريمه، فإذا وجدت نية التحليل، سواء كانت في العقد أو كانت في القصد، فإنها داخلة في ذلك.
قالوا: ماذا لو كانت النية من المرأة؟ يعني: لَمَّا أقبل عليها هذا الرجل قبلته رجاء أن تعود إلى زوجها الأول.
فنقول: إن النكاح ليس بعصمتها أصالة، وبناء على ذلك محل الحرمة إنما هو في الزوج الذي يقبل، والذي يعقد، والذي يدخل فيه بهذه النية، وهو الذي يُطلق له أمر انتهاء النكاح، وبناء على ذلك فهو الذي يدخل في التحريم لا غير، وإن كان لبعض أهل العلم كلام في أن المرأة إذا قصدت ذلك دخلت فيه.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الثالث من الشروط الفاسدة، وهو نكاح المتعة، ونكاح المتعة هو أن يجعل للنكاح أمدًا ينتهي إليه، فيتزوجها شهرًا أو أسبوعا أو سنة، ففي هذا نكاح يراد به الاستمتاع والانتهاء، وهذا خلاف حقيقة النكاح، فحقيقة النكاح في الشرع هو الاستقرار والاستمرار والبقاء، وما يحصل تبعا لذلك من السكن والمودة، ولا يتأتى بنكاح المتعة، فنكاح المتعة مما أجمع أهل العلم على حرمته، وجاءت النصوص بذلك، فلا يجوز نكاح المتعة إجماعا عند أهل العلم -رحمهم الله تعالى-.
طيب النكاح بنية الطلاق هل يدخل في المتعة أم لا؟
هذا عند فقهاء الحنابلة ألحقوه بنكاح المتعة، وهو له اعتبار بهذا من جهة أنَّ النكاح بنية الطلاق هو إرادة انتهاء عقد النكاح، ولكن الفرق بينه وبين نكاح المتعة أنَّ نكاح المتعة جعل حدًا، فلو أراد أحدهما أن يتجاوز هذا الحد فليس له، أي: ليس له ولا لها؛ لأنهما اتفقا على انتهائه.
أمَّا النية فهي أخف من هذه الجهة، ولكنهم قالوا: إنهما يتفقان في أنه يريد انتهاء العقد ولا يريد بقاءه، ويريد المتعة بالمرأة ولا يريد الاستقرار والاستمرار معها، وإن كان عند الفقهاء قول آخر.
وقال جمع من أهل العلم: إن النكاح بنية الطلاق لا يدخل في ذلك، فإن قال قائل: وهذه أهم مسألة ينبغي أن نتنبه لها، وهي: يقولون: أنت في نكاح التحليل تقولون: لو نوى التحليل لم يجز له، فإذا قلتم إنه نوى الطلاق لم يجز له، فنقول: بينهما فرق، وذلك أن نية التحليل نية أمر محرم جاء الشرع بتحريمه، والوعيد فيه، قال : «لَعَنَ اللهُ الْمُحِلَّ والْمُحَلَّلَ لَهُ» ، فهو نوى أمرًا محرمًا، وأما نية الطلاق فالطلاق جائز وإن كان مكروها، «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، فإذا هو نوى أمرًا جائزًا، ولأجل ذلك قالوا: إنه يختلف عن نكاح المتعة فلا يدخل فيه، ولأنه ربما تزوجها على أنه يريد فراقها ثم يكتب الله بينهما من المودة والعشرة ما يراقبه فيها ويبقى معها وتستقر حياتهما على حال طيبة فيها.
وعلى كل حال، مهما قلنا من أنه يمكن تجويز النكاح بنية الطلاق، فإنَّ ذلك إذا وقع على وجهه، مستكملا لشروطه، خاليا مما يكون فيه من الخديعة، أو المكر، كما يكون فيه بعض إخفاء لنفسه، أو إرادة سهولة التنصل من ذلك، لا يبين عن مقامه، ولا من هو ونحو ذلك، فهنا لا يدخل فيما ذكرنا، ونحن نتكلم عن المسألة من حيث أصلها، ولكن ممارسات الناس في النكاح بنية الطلاق، لا شك أن أكثرها مما يدخل فيه الخلل، ويلحق بالإنسان التبعة، وربما صار في حكم المحرم، وربما وصل إلى ما يماثل المتعة أو يقاربها.
فلأجل ذلك ينبغي أن يكون الأمر على وضوح، فإذًا محل الكلام أنَّ المتعة محرمة، والنص جاء بذلك، والنكاح بنية الطلاق قيل بهذا، وربما شدد فيه بعض مشايخنا، وأنه ملحق بتابع لنكاح المتعة، وقيل: بإجازته، وبينا الفرق في ذلك.
وأيًا ما قيل في التجويز فإنما ذلك على أصل هذه المسألة، وأما ممارسات الناس في هذا، وسلوكيات كثير منهم، فإنها لا تنفك من الخديعة واللعب والتلاعب والتحايل على الشرع، ويمكن أن يدخل كثير منها في المحرم لا محالة.
قال: (والمعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى) يقولون: إن النكاح إنما فيه التدليس، فإذا علق فإن هذا يكون فيه نوع غرر، ولا مجال لأن يكون عقد النكاح كذلك.
فإذا قال: زوجتك -إن شاء الله- فهذه لا غضاضة فيها؛ لأن -إن شاء الله- وإن كان ظاهرها التعليق لكن حقيقتها طلب البركة من الله -جل وعلا-، وأن الأمور كلها بمشيئة الله -جل وعلا-.
ولكن لو علق وقال: إن جئتني بكذا فزوجتك فلانة، أو إن جاء فلان زوجتك فلانة، أو ذلك، فهذا يُفضي إلى أن يكون الأمر معلقًا، فلا ندري إن كانت مزوجة أو غير مزوجة، وعقد النكاح لِمَا فيه من الحرمة، ولما يحاط به من سياج الاهتمام من الشارع؛ فإنه لا ينبغي أن يكون معرضا لمثل هذا التعليق الذي يكون مترددا بين أمرين، فلأجل ذلك قالوا: إنه ممنوع وغير صحيح، ولا يعتبر نكاحا قائمًا، بل هو شرط باطل، يُبطل النكاح.
{أحسن الله إليكم}.
هل انتهى الوقت؟
{نعم}
أسأل الله لنا لكم التوفيق والسداد.
{والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على حسن استماعكم، ونلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك