الدرس الخامس عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7546 33
الدرس الخامس عشر

أخصر المختصرات 4

{الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، حياكم الله مشاهدينا الكرام، في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم)، نصطبكم في شرح كتاب (أخصر المختصرات)، يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الدكتور عبد الحكيم بن محمد العجلان، باسمي واسمكم جميعا نرحب بفضيلة الشيخ.
حياكم الله فضيلة الشيخ}.
أهلا وسهلا حياك الله تحية طيبة مباركة وحيا الله المشاهدين والمشاهدات.
{نستأذنكم شيخنا في البدء}.
استعن بالله، نبدأ.
{قال -رحمه الله-: (وَيَجِبُ بِعَقْدٍ تَسْلِيمُ حُرَّةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا فِي بَيْتِ زَوْجٍ إِنْ طَلَبَهَا, وَلَمْ تَكُنْ شَرَطَتْ دَارَهَا)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يتم علينا وعليكم نعمه، وأن يبلغنا طاعته وأن يجعلنا من أهل مرضاته، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
كنا في الدرس الماضي استهللنا الكلام فيما يتعلق بالفصل الذي عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- لعشرة النساء، وما يكون بين الأزواج من المعاشرة بالمعروف، ومن القيام بالحق، وأداء كل واحد منهما حق صاحبه، وهذا الباب من الأبواب المهمة التي بها قوام الحياة، واستقرار الأيام، وصلاح النفوس، واستقرار البيوت وطمأنينتها، وما يتبع ذلك في الدين والدنيا، وما ينتج عن ذلك من صلاح الولد في قرار الأسر، وتمام المجتمع، وعدم حصول الهفوات والباليات، وما ابتلي الناس بشيء أعظم من فساد ما بين الأزواج، وذهاب استقرار الأسر، وحصول النقيصة فيها.
ولَمَّا كان الأمر كذلك، كان الفقهاء يعنون بهذا وجاءت به السنة، ودلت عليه الأحاديث، وكما قلنا في المجلس الماضي: إنه يلزم كل واحد منهما العشرة بالمعروف، وقد نصت على ذلك غير آية في كتاب الله -جل وعلا- ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، وقوله: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، وحتى في حال الفرقة، فحالهما أكمل من حالهما في الاجتماع، فما يكون من الإحسان أعظم مما يكون من المعروف، وما فرح الشيطان بشيء فرحه باختلاف الأزواج، وحصول الطلاق، والفرقة والبلاء في البيوتات.
ثم من جهة أخرى -أيها الإخوة- هذا الفصل قد عقدت فيه مسائل خاصة، مما تكون بين الزوجين، وتحصل به العفة، ويكون به قضاء الوتر، وإشباع الشهوة، وحصول الانكفاف عن الحرام، والبعد عن الفاحشة، وقد فَصَّل الفقهاء في ذلك أيما تفصيل.
وبالمناسبة، ما أدري إذا ما كنا عرضنا عليه في المجلس الماضي، فأنا أنبه عليه، وإن كان سبق التنبيه، فهنا على سبيل التأكيد لأهميته ذلك
أنه قد يتحدث في مجالس كثيرة أو في هذه الأوقات المتأخرة عما يسمى ثقافة ما يكون بين الرجل والمرأة، وإشاعة ذلك، وما يتعلق به.
فنقول: إنَّ الشرع جاء بذلك على وجه صحيح، وجاء بذلك على الوجه الذي يليق بأهله، ويتعلق بمن احتاج إليه، وهم الأزواج، ولَمَّا كانت العلاقة بين الرجل والمرأة في غير الزواج وملك اليمين محرمة وفاحشة، لم يكن لأحد سوى ذلك أن يدخل في مثل هذه الأمور؛ لأنها تحرك النفوس، وتحمل على الشهوات المحرمة، ويحصل معها ثوران ما لا يمكن أن يحفظ أو يحمل على الخير والهدى.
ولأجل ذلك نقول: هذا شرعنا، جاء بما يليق ويطلب بين الأزواج، على وجه من التفصيل والكمال، على ما يحصل به العفاف، على ما تتم به البيوت، وتسكن به القلوب، وتصلح به الحال.
وأمَّا ما سوى ذلك من نشرها على وجه غير موزون، فلا يُفضي ذلك إلا إلى الوقوع في الحرام، وتعاطي الإثم، والتعرض للفواحش، وتحريك الناس إليها. فالشرع جاء بطريق وسط، وبسبيل قوام المجتمعات وصلاح البيوتات.
إلى أن ابتدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما يكون به عقد الزواج، ولذلك قال: (وَيَجِبُ بِعَقْدٍ تَسْلِيمُ حُرَّةٍ) فإذا عقد على المرأة فإنه يجب تسليمها؛ لأن مقتضى العقد هو حل كل واحد من الزوجين لصاحبه واستمتاع، ولَمَّا كانت البداءة عادة من الرجال، فإنَّ المرأة يكون تسليمها في نفسها في تلك الحال.
ولذلك قال: (وَيَجِبُ بِعَقْدٍ تَسْلِيمُ حُرَّةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا)، وأما إذا لم يوطأ مثلها فلا يجب تسليمها؛ لأنه لا يمكن الاستمتاع بها، ولأجل ذلك لم يتعلق بها مقصود الزواج الذي هو الاستمتاع.
وأما الأمة فسيأتي الكلام عليها بعد ذلك.
قال: (فِي بَيْتِ زَوْجٍ إِنْ طَلَبَهَا)، وأما إذا لم يطلبها، أو أَخَّرَ ذلك إلى حين، فهما على ما اتفقا عليه، لكن لو عقد ثم حصل بينهما أن الزوج يريدها وهي تماطل أو تتأخر، فنقول: ليس لها ذلك؛ لأن عقد الزواج يقتضي أن تسلم نفسها، ويقضي أن تمكن زوجها من دخول بيت الزوجية والاستمتاع بينهما بالمعروف.
قال: (وَلَمْ تَكُنْ شَرَطَتْ دَارَهَا) إذا وجد شرط، فالمسلمون على شروطهم كما مرَّ ذلك بنا في الشروط في النكاح.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله- (وَمَنِ اسْتُمْهِلَ أَمْهَلَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لَا لِعَمَلِ جِهَازٍ)}.
فيكون المال -رحمه الله تعالى- إذا طلبت المرأة المهلة، فإنها تمهل، وهذه المهلة مردها إلى العادة، فما اعتاده الناس من وقت يكفي لأن تهيئ نفسها حتى تأتي إلى بيت زوجها على وجه يليق بتلك الحال وبذلك الدخول ونحوه، فإنها تمهل.
والمؤلف -رحمه الله- عَبَّرَ باليوم واليومين على سبيل أنها هي الغالب التي يحصل بها إمكان التسليم، وإلا فليس كذلك، بل إذا كان الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر، أو اعتاد الناس إلى وقت أطول، فلهم ما اعتادوه، وينبغي له ألا يَحملها على ما لم يعرفوه، وهذا الإمهال على كلامهم فإنه يكون في ذلك واجبًا؛ لأنه لا يتأتى به تهيئة نفسها إلا به.
قال: (لَا لِعَمَلِ جِهَازٍ) أمَّا إذا أرادت أن تتم أمورها ونحو ذلك، فهذا لا يُحتاج إليه، كما يحصل عند كثير من الناس في هذه الأوقات، يحتاجون أحيانا إلى شراء أشياء كثيرة، وإلى تجهيزات متعددة، ربما تأخذ أياما طويلة، وربما تأخذ شهرًا أو أكثر من ذلك.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: لا يكون كذلك، ولكن ما لا بد من أن تهيء نفسها أن يوجد سكن يليق بهم، ويسكنون فيه، أو يُمكنهم أن يلتئموا فيه فكذلك، وإلا فلا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَتَسْلِيمُ أَمَةٍ لَيْلًا فَقَطْ)}.
أمَّا الإماء، وهن المملوكات، إذا زوجت غير سيدها، فهنا يكون لها حالان.
هي من جهة السيد وملك الأمة، له حق عليها، ومن جهة الزوج له حق عليها، ولَمَّا كان عادة السادة أنهم ينتفعون بهم في النهار للاستخدام والعمل، وما يكون تبعًا مما يوكل إليها من تمريض مريض، أو إصلاح بيت، أو تجهيز طعام، أو سوى ذلك.
وأمَّا وقت الليل فهو وقت السكن، ووقت الألفة بين الأزواج ونحو ذلك، فسيدها ما زوجها إلا ليخلي بينها وبين زوجها، فلم يكن له أن يمنع منها زوجها في وقت الليل، فلأجل ذلك قال الفقهاء: إنها تُسَلَّمُ في الليل.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَلِزَوْجٍ اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ كُلَّ وَقْتٍ، مَا لَمْ يَضُرَّهَا، أَوْ يَشْغَلْهَا عَنْ فَرْضٍ)}
قال: (وَلِزَوْجٍ اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ) ما الذي يتعلق به عقد النكاح؟ ما الذي يكون للزوج من زوجته؟ هذا هو الذي بدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- في بيانه، ولما كان مشهور المذهب عند الحنابلة أن عقد النكاح معقود على الاستمتاع، فبناء على ذلك قال: (وَلِزَوْجٍ اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ) لأن هذا هو الذي حصل عليه العقد.
ولذلك قال: (كُلَّ وَقْتٍ، مَا لَمْ يَضُرَّهَا، أَوْ يَشْغَلْهَا عَنْ فَرْضٍ)، فإذا كان فيه ضرر عليها، لزيادة شبق فيه أو نحو ذلك، فلا. لقوله : «لَا ضَرَرٍ وَلَا ضِرَارٍ»، أو شغلها عن فرض من فروض الله -جل وعلا- كصلاة، أو صيام واجب أو نحو ذلك، فلا؛ لأن حق الله -جل وعلا- سابق.
وبناء على ذلك، لا يحول بينها وبين ما فرض الله -جل وعلا- عليها.
وسبق أن ذكرنا أن هذا هو مشهور المذهب عند الحنابلة، أنَّ الذي يجب هو الاستمتاع، وفي الرواية الثانية عند أحمد، وهي التي انتصر له ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وفي النصوص ما يدل على ذلك، أن عقد النكاح أيضا يدخل فيه الخدمة بالمعروف كلٌ بحسبه، فما ألفه أناس في مجتمع من أن الزوجة تلي البيت ترتيبًا وتنظيفًا، أو تلي الطبخ وإعداد الطعام تهيئًا وإصلاحًا، أو ذا وذاك، أو إنما تشرف أيضا على ما يكون عندها من خدم، وما يكون في بيتها من عامل، فكل بحسبه، ومرد ذلك إلى عموم الآية، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، وقوله: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، فبين الله -جل وعلا- أنه بالمعروف، والمعروف هو ما تعارف الناس عليه وألفوه واستقر عندهم، ولم يكن في ذلك إنكار.
ودليل ذلك أيضًا أنَّ النبي كان ربما في خدمة أهله، يعني في الخدمة التي يقوم بها أهله، فيشاركهم ويقوم معهم ويحسن إليهم بذلك، مما يدل على أنها مسئوليتهم، وأسماء -رضي الله عنها- كانت تطعم ناضحا الزبير وفرسه، وتقوم عليه ونحو ذلك. وكذلك فاطمة -رضي الله عنها- كما قلنا في الدرس الماضي، أنها اشتكت مما يكون في شدة عمل البيت ونحوه، وطلبت من النبي مُعينًا وخادمًا، فقال : «ألا أدلكما على خير لكما من الخادم؟» فكل ذلك يدل على ما ذكرنا، أنه ما ألفه الناس كل بحسبه، فإن المرأة تقوم به بالمعروف، فلا يكلفها فوقه.
وعلى سبيل المثال، إذا كانت النساء يألفن الطبخ في البيوتات، وهذا مما تعارفوا عليه، فهي تطبخ، ولكن لو كان هذا الرجل في كل يوم عنده مأدبة، ويجمع أناسًا كثيرين، فهذا فوق المعتاد، فلا يلزمها حينئذ أن تهيئ الطعام كل يوم لهؤلاء النفر الكثيرين، ولو كان مثلا يبيع الطعام، فيطلب منها أن تصلحه ليبيعه، فإن ذلك أيضًا لا يكون واجبًا عليها.
وكما قلنا أيضا: ينبغي فيما يقدر عليه الأزواج إن رجالا أو نساء، أن يقوم كل واحد منهما مع صاحبه بالمعروف، ولا يقل أحدهما للآخر: هذا حق لي، وهذا لا حق لك فيه، وهذا لا يجب، وهذا يجب، فهذه اسمها المحاققة، فالذي ينبغي أن يكون بين الأزواج المواضعة، فتحمل على نفسها ما لا يجب، ويضع عنها بعض ما يلزمها، وكل واحد منهما يقوم مع صاحبه ويحسن إليه.
ولكن إذا وقع نزاع، أو حصل شيئا من الاختلاف، فعند ذلك يُبين لهما ما يجب على كل واحد منهما، سواء كان ذلك مرده إلى المفتي إذا طلبوا فتوى ورضت بذلك نفوسهم، أو اشتد النزاع بينهم واحتاجوا إلى القاضي ليقضي فيما يلزم كل واحد منهما.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَالسَّفَرُ بِحُرَّةٍ مَا لَمْ تَكُنْ شَرَطَتْ بَلَدَهَا)}.
قبل أن ننتقل لقول المؤلف (وَالسَّفَرُ بِحُرَّةٍ مَا لَمْ تَكُنْ شَرَطَتْ بَلَدَهَا)، نقول:
لَمَّا ذكرنا قول المؤلف -رحمه الله-: (استمتاع بزوجة) يعني: أنَّ كل ما يتأتى به الاستمتاع المباح فذلك جائز للزوج، ما دام أنه يكون في محله، فإذا كان جماعًا في قُبُلٍ؛ فإنها تُمكنه كيفما كان، أي إذا آتاها من قبلها أو من خلفها ‘ذا كان يضعه في موضعه الذي هو مسلك الذكر.
أيضا مثل هذه المسائل في الحقيقة ربما يُستحي من ذكر التفاصيل فيها، ولكن لَمَّا تأججت الشهوات وقام سوقها، فإنه ينبغي للأزواج والزوجات إشباع كل واحد منهما صاحبة، وعدم استحيائه منه، وإعطائه ما يطيب به قلبه، وتصفو به نفسه، وينقضي به وطره، ويذهب عنهما ما تتطلع إليه مما لا يتحصل في ظنه إلا بحرام، فإن الله جعل له الحلال، فليكن في ذلك قضاء وطره كيفما كان.
وكما قلنا: ينبغي أن تتفقه النساء في ذلك، وأن تتفنن وهي في ذلك تطلب الأجر من الله -جل وعلا-. ومثوبة، وكذلك الأزواج في حق الزوجات من التطيب ومن التعطر ومن التجمل، ومما يكون من إشباع غريزة المرأة، بكل ما أوتي من مقدمات وقُبَلٍ وغيرها، وكذلك ما يكون بين الأزواج من تمتع إذا كانت في حال حيض ما الذي يجوز؟ وما الذي لا يجوز؟ ونحو ذلك.
كل هذا ينبغي أن يكون، ثم أيضا ينبغي أن يكون بين الأزواج من حسن العشرة، وطيب النفس، ما تستقيم به حياتهم، وهذا أمر يجب أن يستقر في النفوس، وأن تستقيم عليه البيوت، وبيان ذلك أنَّ النبي كان إذا خرج إلى الصلاة قَبَّلَ زوجته، وكان يكون صائما فيقبل زوجته، وهذه أحوال عبادة، وأخص ما تكون في العبادة، فهذه فيها وضوء الذي هو مباعد لطلب الشهوة، وما يتبع ذلك من تحرك شهوته، أو خروج خارج أو نحوه.
وكذلك الصيام يدع طعامه وشرابه وشهوته، فالصائم ممنوع من الشهوة.
إذًا ما حال هذه القبلة؟ حال هذه القبلة حال أخرى، وهي ما يحصل من بث المودة، وحصول المحبة، وكمال المشاعر، وهي التي يسميها الناس بعبارة غير عربية -رومانسية- أو سواها، فما جاء في الشرع أتم، وما عرف في كتاب الله أكمل، وما طلب فيه سنة النبي أطيب للنفوس وأهنأ.
ولذلك كان النبي وهو في معتكفه، لربما أخرج رأسه لزوجه فتمشط شعره، كل ذلك يحصل لتمام الأنس، وكان النبي يغتسل مع زوجه، فيغترفان وتقول: دع لي، ويقول: دعي لي، وكل ذلك من أنس الزوج بزوجته، وهذا ينبغي أن يُعود كل واحد منهما صاحبه على ذلك، وأن يتنامى معهم حتى يكبرا فيه، فيكون ذلك هو سنة حياتهم وسبيل أيامهم، وبذلك يكون تمام هنائهم.
ولو أنَّ الواحد كلما خرج من بيته قَبَّلَ، وكلما دحل قَبَّلَ، وكلما جلس إلى زوجه أمسك بيدها، وبث مشاعره إليها، فإنَّ ذلك يكون أتم لحياتهما، وأسعد لأيامهما، وأصلح لأولادهما؛ لأن مثل هذه المشاعر تنتقل إلى الأولاد، ويحسون بهناء العيش، وحب الزوجين، وحصول السكن والمودة بينهما.
يقول المؤلف -رحمه الله-: (وَالسَّفَرُ بِحُرَّةٍ مَا لَمْ تَكُنْ شَرَطَتْ بَلَدَهَا)}.
إذا زُوجت المرأة فتزوجت زوجها، وإذا استقر في بلد فهي معه، وإذا انتقل إلى أخرى فهي أيضًا معه، إلا أن يكون ثم شرط ألا تخرج من بلدها، أو ألا تغادر بلدا فيها أبويها، فيوفي لها بالشرط.
وأمَّا من حيث الأصل، فهي تبع لزوجها، وتنتقل معه حيث انتقل، وتذهب معه حيث ذهب.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ وَنَجَاسَةٍ، وَأَخْذِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ مِنْ شَعَرٍ وَغَيْرِهِ)}.
(وَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ)؛ لأنه لا يجوز للرجل أن يأتي زوجته حتى تتطهر، ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾، والطهر وهو انقطاع دمها شيء، وحصول الطهارة منها تمام ذلك وكماله، ولا يجوز للرجل أن يأتي زوجته قبل أن تتطهر وتغتسل، فلما كان ذلك هو سبيل استمتاعه بزوجه الذي هو حق له، وواجب عليها، لزمها أن تفعله، ولذلك جاء في الحديث: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تجب باتت تلعنها الملائكة حتى تصبح».
وأيضًا من جهة الحيض فهو مما تتقزز منه النفوس، فإذا تطهرت وتنقت وأذهبت ما كان من أثر ذلك، كان ذلك أقبل لزوجها وأنعم لهما.
قال: (وَجَنَابَةٍ) والجنابة ربما يكون فيها رائحة تشم، وأثر ربما يدرك ولو في بعض الأحوال، ومثل ذلك: (وَنَجَاسَةٍ) والنجاسة قذر، ومحكوم عليه في الشرع بالمباعدة، فهو أيضا تعافه النفس طبعا، وجاء الشرع بمباعدته دليلا ونصًا، ولأجل ذلك كان هذا ألزم في تخلص المرأة منه.
وكذلك الرجل يجب ألا يكون فيه شيء من ذلك، فلو كان فيه أثر دم أو نحو ذلك، أو انصبغ فيه بول فلا يجوز، لا للرجل ولا للمرأة، لأنه لا يتأتى استمتاع كل واحد منهما بصاحبه إلا بذاك.
(وَأَخْذِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ مِنْ شَعَرٍ وَغَيْرِهِ) لأن النبي قال للآتي من سفر: «إذا دخلْتَ ليلًا، فلا تدخلْ على أهلِك؛ حتى تستَحِدَّ المُغِيبَةُ، وتمتشطَ الشَّعِثةُ» يعني تزيل ما كان حول قبلها من شعر ونحوه، وهذا أيضا من التهيؤ.
وجاء عن الصحابة أنه يكون على الرجل من ذلك ما يكون على المرأة، ولذلك جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: إني لأحب أن أتجمل لامرأتي كما أحب أن تتجمل لي"، وأيضا دلت على ذلك دلائل كثيرة، وعمومات النصوص وظواهرها دالة على هذا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَيَلْزَمُهُ الْوَطْءُ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً -إِنْ قَدَرَ)}.
قوله: (وَيَلْزَمُهُ الْوَطْءُ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ قَدَرَ) هذا هو القدر اللازم، وإذا زاد أو كذا، فهما على ما يتفقان عليه، أو على ما يألف الرجل امرأته فيما يكون بينهما.
ولكن لو قدر أنه لا يأتيها فلا أقل من أن يأتيها كل أربعة أشهر. لماذا كل أربعة أشهر؟
قال الحنابلة: هذا هو الذي جُعل حدًا لمن حلف ألا يقرب زوجته، قال تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فلمَّا جعل الله -جل وعلا- ذلك حدًا لمن حلف ألا يأتي زوجته، إمَّا أن يرجع وإمَّا أن يطلق، فإننا جعلنا ذلك أيضًا أقرب ما يكون إلى الحد الشرعي، في ألا يهجر الرجل امرأته مدة أكثر من ذلك.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَمَبِيتٌ بِطَلَبٍ عِنْدَ حُرَّةٍ لَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ، وَأَمَةٍ مِنْ كُلِّ سَبْعٍ)}.
هذا شروع من المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما يتعلق بالقسم بين الزوجات، فيبين المؤلف -رحمه الله تعالى- أن الزوجات إمَّا أن يكن إماءٍ أو حرائر، فإذا كانت زوجاته حرائر؛ فإنه يبيت عند كل واحدة منهن ليلة من أربع.
فعلى سبيل المثال، إذا كان عنده زوجة واحدة، فإنه يبت عندها ليلة، وله أن ينفرد عند الحنابلة ثلاث ليالٍ، كما لو كان عنده أربع.
وإذا كان عنده زوجتان، فإنه يعطي هذه ليلة وهذه ليلة، ثم له أن ينفرد في نفسه ليلتان.
وإذا كان عنده ثلاث، فإذا أتى هذه وهذه وهذه، فله أن ينفرد ليلة، فلا يكون عند واحدة منهم، ولكن لو كان عنده أربع نساء؛ فإنه يجب عليه أن يأتي كل واحدة ليلة، ولم يبق له شيء ينفرد فيه بنفسه، هذا هو مشهور المذهب عند الحنابلة، وإن كان هذا خلاف قول الفقهاء: إنما يكون ليلة من أربع إذا كان عنده أربع، وإلا فإنه يكن عندها كل ليلة.
وأما إذا كانت زوجته أمة، فإنه سيكون عندها ليلة من سبع، وهذا هو مشهور المذهب والرواية الثانية: ليلة من ثمان؛ لأن الأمة على النصف من الحرة.
لماذا قال الحنابلة ليلة من سبع؟ لأنهم يفترضون أن عنده أمة وثلاثة حرائر، فالحرائر بالنسبة للأمة لهم الضعف؛ لأن الأمة على النفس من الحرة، في العقوبة وفيما لها من الحق، فيبيت عند هذه ليلتين وعند هذه ليلتين وعند هذه ليلتين، وعند هذه ليلة، فتكون ليلة من سبع ليال، وهذا هو الواجب فيما يتعلق بحق الزوجة على زوجها.
القسم هو الذي يجب عليه، وما سوى ذلك من النفقة والكسوة وغيرها، فهذا سيأتينا، وأشير إليه إشارة، أنَّ النفقة ليس فيها قسم، وليس فيها تساوٍ، بل النفقة والكسوة كل امرأة بحسبها، فلو كان عنده إحداهما فقيرة والأخرى غنية، فسيلزمه في الغنية نفقة متوسطة؛ لأن الحنابلة يرون أن النفقة باجتماعهما، فإذا كان غنيا وهي فقيرة فينفق عليها نفقة متوسطة، وإذا كان فقيرا وهي فقيرة، فينفق عليها نفقة الفقراء.
وأمَّا إذا كان غنيا وهي غنية فسينفق عليها نفقة الأغنياء، وإذا كان فقيرا وهي غنية فسيلزمه نفقة المتوسطين، ومثل ذلك الكسوة.
وأمَّا ما سوى ذلك، فالمشهور في المذهب عند الحنابلة أنه لا يلزمه فيه تسوية، فلو أهدى لهذه زيادة، أو أعطى هذه من عنده شيء فإن له ذلك، ما دام أنه يؤدي قسمها، ويعطيها نفقتها الواجبة، ويقوم عليها بكسوتها اللازمة، فلا يلزمه بعد ذلك شيئا سواه، وله أن يفاضل بينهما فيما سوى ذلك، على مشهور المذهب عند الحنابلة.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَإِنْ سَافَرَ فَوْقَ نِصْفِ سَنَةٍ وَطَلَبَتْ قُدُومَهُ رَاسَلَهُ حَاكِمٌ، فَإِنْ أَبَى بِلَا عُذْرٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا)}.
إذا كان في حال السفر؛ فإنه ينتظر ستة أشهر؛ لأن المرأة لا تصبر أكثر من ذلك، والحنابلة في هذا ذهبوا إلى ما جاء عن عمر -رضي الله عنه-، فإنه كان يسير في طرق المدينة ليلا، فسمع امرأة تنشد أبيات شعر وتقول:

تطاوَلَ هَذَا الليلُ وَاسْوَدَّ جانِبُهْ ... وَأَرَّقَنِي أَلَّا خليلَ ألاعِبُهْ
فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ أَنِّي أراقبهْ ... لحرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ

فكانت في تقوى لله -جل وعلا- وهي بمثابة هذه الأبيات تجاهد نفسها ألا تقع في فاحشة، أو ألا يستذلها الشيطان في معصية. فما كان من عمر -رضي الله تعالى عنه- أن سمعها، فسأل عن زوجها، فقالوا: إنه في غزوة كذا، فأمر به فرجع، ثم أمر ألا يبقى أحد أكثر من ستة أشهر، وكان قد سأل حفصة -رضي الله عنها- فقال: كمْ تصبر المرأة على فراق زوجها؟
فقالت: ستة أشهر، فجعل ذلك حدًا، وذهب إلى هذا الحنابلة، في أنهم يذهبون إلى ما جاء عن الصحابة، فكيف في مثل هذه القضية التي تشتهر، فيكون لها من الشهرة، وربما وصلت إلى أن يوافق على أولئك الصحابة، فتكون كالإجماع السكوتي.
ولكن هنا يقول: (وَطَلَبَتْ قُدُومَهُ) وهذا ظاهر، ولكن هل يلزم مراسلة الحاكم له؟ هذا هو غالب ولكنه ليس بلازم حتى عند الحنابلة، وما دام أنه لم يأت ولا عذر له؛ كما لو كلمته وقال: لن آتي، وليس بالضرورة إن الحاكم هو الذي يرسل له أو يتصل عليه أو كذا.
المهم إذا لم يرجع وليس له عذر، فإن للمرأة أن تطلب الفسخ في تلك الحال، ولذلك قال: (فَإِنْ أَبَى بِلَا عُذْرٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا) متى يحصل التفريق؟ إذا غاب ستة أشهر ولم يأت ولا عذر له، فإنه يمكن للحاكم أن يفرق بينهما إذا طلبت ذلك. ولكن إذا قالت: أصبر، فهي على مع استقرت عليه ورغبت فيه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ فَلَا فَسْخَ لِذَلِكَ بِحَالٍ)}.
أمَّا إذا لم يعلم خبره، أو كان له عذر كما لو كان مسجونًا أو مريضا يتداوى، أو نحو ذلك، فلا فسخ من حيث الاستحقاق، ولكن للمرأة إذا تضررت من طول مكث، وليس لها قدرة على الصبر، فلها أن ترفع إلى ذلك إلى الحاكم وتطلب الفسخ، فإن رأى فيما طلبت وجاهة فيحكم لها دفعًا للضرر الواقع عليها، وتحصيلا للمصلحة العظمي لذلك.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَحَرُمَ جَمْعُ زَوْجَتَيْهِ بِمَسْكَنٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَرْضَيَا)}.
هذا ما يتعلق بالسكن لكل واحدة، وهنا ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أنه يحرم أن يجمع (زَوْجَتَيْهِ بِمَسْكَنٍ وَاحِدٍ)، وهنا عندنا ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يجمعهما في غرفة واحدة، فهذا لا يجوز إجماعًا، ولا يقول أحد به لِمَا يترتب على ذلك من شدة غيرة كل واحدة منهما، وما يترتب على ذلك أيضا من انكشاف العورات، فإنه إذا أتى هذه فهذه ليس لها أن ترى عورة تلك المرأة، ولا أن تطلع على ما يكون بينهما.
الحال الثانية التي تقابلها، وهي لا إشكال فيها، وهو أن يكون لكل واحدة منهما سكن مستقر مستقل بمنافعه، كأن يكون لهذه بيت وهذه بيت، فهذا لا إشكال فيه. وشَرَطَ الفقهاء أن يكون مسكن مثلهما، ولكن قال المؤلف: لو كان هذا يمكن أن يكون حال مثلهما.
الحالة الثالثة: وهي أن يكون لكل واحد منهما غرفة، أو كما يقال: بيت يعني سكن غرفة تستقر فيها، ويجمعهما حائط واحد، فهل يكون ذلك صحيحا؟ وهل يدخل فيما ذكره المؤلف هنا أم لا؟
هذا يتفرع إلى فرعين، أو إلى جهتين، إما أن يكون في كل غرفة من الغرف منافعها، مكان خلاء، مكان طبخ، محل خروج ودخول، وهما مجموعان في حائط واحد، فهذه عند جماهير أهل العلم جائزة، ولكن إذا كانت لها غرفة واحدة، وهذه لها غرفة واحدة، ولكن يشتركان في منافع البيت، فظاهر الحنابلة أن ذلك كاف، إذا كان هذا مسكن مثلهم.
وإن كان في أكثر كلام الفقهاء -رحمهم الله تعالى- أن ذلك يُمنع منه، وهذا ليس ببعيد، لِمَا يُفضي من اشتراكهم من حصول الغيرة وثوران ما يكون بين النساء من الحسد، وما يتبع ذلك من الخصومة، وربما اشتد أو زاد على ذلك في أذية كل واحدة منهما للأخرى، فلأجل ذلك لو قيل: إنه على أقل الأحوال أن سيكون لكل واحدة مسكنها بمنافعها، ولو كان لهما حائط واحد، فيمكن أن يكون ذلك صحيحا، مع اعتبار أنه لا بد أن يكون السكن مما يليق بهما.
فلو فعل ذلك شخص، ولكن هذا ليس مسكن مثلهم، أو ليس مسكن مثلها، فنقول: لا يجوز لها، ولكن لو كان مسكن مثلهم فإن كانا يستقلان في منافع الغرف، فلا إشكال في قول أما إذا كان يجتمعان فعلى قول الحنابلة: إنه يجوز، وعلى قول الفقهاء إن ذلك لا يجوز.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ)}.
قوله: (وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ)؛ لأنها محبوسة عليه في بيته، ولا تخرج إلا بإذنه، وجاء بذلك الحديث عن النبي ، وبناء على ذلك ليس للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولأنه من جهة المعنى قالوا: إن هذا يفوت حقه، فهو الذي لزمه النفقة، وهو الذي لزمته الكسوة، وهو الذي لزمه السكن، وهذا مقابل ما يستحقه عليها من استمتاعه بها، وقيام كل واحد منهما بما عليه بالمعروف للآخر، فكان خروجها بغير إذنه تفويت لِمَا له عليها، ولأجل ذلك كان الصواب أن لا تخرج المرأة إلا بإذنه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَعَلَى غَيْرِ طِفْلٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ زَوْجَاتٍ فِي الْقَسْمِ لَا فِي وَطْءٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا إِذَا قَامَ بِالْوَاجِبِ)}.
قوله: (وَعَلَى غَيْرِ طِفْلٍ) لو كان شخصًا متزوجا أكثر من امرأة يلزمه العدل بينهما، بين الزوجتين أن كانتا اثنتين، أو العدل بين الزوجات إن كنَّ ثلاثة أو أربعة، ولا يجوز له أن يبيت عند هذه ليلتين وعند هذه ليلة إلا أن ترضى النساء بذلك.
فإذا وهبت امرأة ليلتها لزوجها، أو وهبته لبعض ضرائرها فهي على ما وهبت، فإن وهبته لزوجها كان له أن يضعها حيث يشاء، إما ثابتًا أو متنقلا، يعني: مرة عند هذه يزيدها ليلة، ثم يزيد هذه ليلة.
وإن كانت هي وهبتها لإحدى زوجاته، فيكون لها ليلتان، وللأخرى ليلة، وللرابعة ليلة، فيبيت عند هذه ليلتين، ويبيت عند هذه ليلة، ويبيت عند هذه ليلة، ويسقط حق تلك التي وهبت ليلتها للثانية أو للأولى أو للثالثة أيا منهم.
قال: (وَعَلَى غَيْرِ طِفْلٍ) وأمَّا لو افترض أنَّ طفلا زُوِّجَ أكثر من زوجة، فإنه لا يلزمه القسم؛ لأنَّ حقيقة القسم حصول الإمتاع، وهو غير مكلف، ولا يكون منه وطأ، فلا يلزمه في ذلك شيء.
قال: (لَا فِي وَطْءٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كما قلنا قبل قليل: الوطء لا قسم فيه؛ لأن الوطء مبناه على الشهوة، والشهوة مبناها على ما يستقر في النفس من نشوة أو خلافه، وهذا لا يملكه الإنسان، فربما تتحرك شهوته لهذه، وربما لا تتحرك شهوته إلى الثانية أو الثالثة، وهكذا، «هذا قسمي فيما أملك، فلا تلومني فيما لا أملك»، وهو ما يكون من الميل، وما يتبع ذلك من الوطء ونحوه.
قال: (والكسوة) كما قلنا: الكسوة والنفقة محلهما سيأتي قريبا في أبواب النفقات والكسوة، وأن مردهما إلى حال الزوجين في المشهور من المذهب عند الحنابلة، وعند جماعة من أهل العلم أنه بحسب الأجل.
وبناء على ذلك نقول: إذا فاوت الزوج بين زوجاته بحسب نفقتهم، أو بحسب ما يستحقون من كسوة، على ما قرر الفقهاء، فليس في ذلك إخلال بالعدل، ولا ظلم لإحداهما، ولا تجاوز لِمَا أمر الله به.
ويفهم من هذا أنَّ ما أمر الله -عز وجل- به من العدل هو متعلق بالقسم كما ذكرناه، وقيامه لكل واحدة منهما بما يلزمه لها من النفقة، والكسوة، والسكن، الملائم لكل واحدة.
قبل ما ننتقل نقول: القسم من حيث الأصل يوم ويوم، هل يمكن أن ينتقل منه؟ لو أراد أن يجعل لهذه يومين وهذه يومين وهذه يومين. يقول الفقهاء: إن هذا هو الأصل، وما سوى ذلك يكون بالاتفاق، فإذا وافقت النساء على ذلك كان له، وإذا أراد أن يجعلها يوم ويوم فهذا هو الأصل، وأما إذا أراد أن يجعلها أسبوعا متابعة، يقولون: هذا إذا وافقت كل واحدة منهم.
أو مشاهرة، أي: كل شهر عند واحدة. يقولون: فإذا اتفقوا كل سنة عند واحدة فهذا له الحق فيه، ولكن لا شك أن هذا قد يكون في المدد الطويلة ما يفوت حق المرأة، وما قد يفوت مع ذلك من عدم أنسها بزوجها، أو ما يحصل عندها من شوق أو رغبة قد لا تتأتى لها في الوقت أو الحين الذي ترغب فيه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَعِمَادُهُ اللَّيْلُ إِلَّا فِي حَارِسٍ وَنَحْوِهِ فَالنَّهَارُ)}.
قوله: (وَعِمَادُهُ اللَّيْلُ) لأنه لا يتصور أن نقول للزوج: هذا يومها، يعني: تجلس عندها من الصباح إلى المساء، لأنه لو جلس بين هؤلاء الزوجات يوميًا من الصباح للمساء فلن يكسب عيشًا، ولن يبحث عن رزق، ولذا كان لا بد له أن يخرج إلى واجباته شرعية، من: صلاة، صلة أرحام، قضاء واجبات مثل: زيارة مريض، أو من عمل يحتاج إليه. ولذلك كان محل القسم هو الليل.
والنبي حتى وإن كان عند واحدة من زوجاته إلا أنه ربما دار على نسائه بعد العصر، فسلم عليهن، وآنس بهن ونحو ذلك. إذا هو عماده في الليل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (إِلَّا فِي حَارِسٍ وَنَحْوِهِ فَالنَّهَارُ)، أي: إلا من كان عمله في الليل، وكان في ذلك الوقت إنما هم في العسس ومن في حكمهم، كمن يقومون على حفظ الأمن في الليل.
ولكن الآن مع تطور الحياة، وجدت أعمال كثيرة تنتاب أصحابها في الليل، فبناء على ذلك من كان عمله ليلا ورزقه في غير النهار، فإن محل القسم هو في النهار وهكذا، ومن كان على سبيل التقلب أو التغير، أياما يكون في النهار، وأياما يكون في الليل، فأيضا قسمه بحسب ذلك، فما كان يعمل في نهاره فيكون قسمه بالليل، وما كان يعمل في ليل فيكون قسمه بالنهار.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَزَوْجَةٌ أَمَةٌ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرَّةِ، وَمُبَعَّضَةٌ بِالْحِسَابِ)
الأمة على النصف من الحرة كما ذكرنا لكم قبل قليل، وأيضا فيما لها من أشياء من كسوة غيرها، فلها بقدر ذلك.
قال: (وَمُبَعَّضَةٌ بِالْحِسَابِ) إذا كانت (مبعضة)، والمبعضة هي التي بعضها حر وبعضها أمة، فيقولون: إنها بحسب ما فيها من حرية، وما فيها من أمة، فلو افترضنا أنَّ نصفها حر ونصفها أمة، فمعنى ذلك: أنه سيعطي إحداهما يومين، والأخرى يومين، والثالثة يومين، ثم الأمة يوم، وباق لها نصف يوم، فإذا جاء المرة الثانية قسم يومين لهذه، ويومين لهذه، ويومين لهذه، وهكذا، فيكون بعضها حر، وبعضها أمة فيقسم لها بحسب ذلك.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَإِنْ أَبَتِ الْمَبِيتَ مَعَهُ أَوْ السَّفَرَ، أَوْ سَافَرَتْ فِي حَاجَتِهَا، سَقَطَ قَسْمُهَا وَنَفَقَتُهَا)}.
قوله: (وَإِنْ أَبَتِ الْمَبِيتَ مَعَهُ) فهي ناشز، وسيأتي أحكامها، فقد فوتت الحق، ومبنى حقوقها على المعاوضة، فما تؤديه من حقها لزوجها، وحبسها نفسها لزوجها، تستحق به ما يقابل ذلك من نفقة وكسوة وسواها، فإذا أبت فاتت، أو سافرت كذلك، فلو سافرت سواء كان السفر بإذنه أو كان بغير إذنه، فإن سفرها يُفوت حقه عليها، فلأجل ذلك لم يكن له أن يقوم بما لها من نفقة أو كسوة أو نحو ذلك، سواء كان السفر في حاجتها أو في نزهة أو في سواها.
قال: (سَقَطَ قَسْمُهَا وَنَفَقَتُهَا) على ما ذكر المؤلف من إطلاق ذلك، حتى ولو كان بإذنه. وكل هذا الكلام إذا كان بينهما اختلاف، وأما إذا رغب أن يعطيها، وهذا هو الذي ينبغي، فإن الزوج يكون لها من الإحسان إلى زوجته شيء كثير، ولو لم يكن منها إحسان في ذلك، وإذا أحسن إليها، فإنه يطلب في ذلك رضا الله، واستمالة قلبها، واستقرار بيته، فإنه ينفق عليها ويحسن إليها ونحو ذلك.
لكن لو حصل بينهما نفرة أو خصومة نقول: لا يلزمه، وليس معنى هذا أن نقوم ليس لأحد أن يعطي زوجته إذا سافرت. لا، وكثير من الأشياء، يعني: ليس على الزوج مثلا أن يسافر بزوجته، فيقتطع لها مبلغا لتركب الطائرة أو القطار أو سواه، وأن يحجز لها مكان تسكن فيه، وما يتبع ذلك، فكل هذه غير واجبات، ولكنه أيضا يجد منها من قيام على ولده، وإحسانها إلى أهله، وأشياء كثيرة ربما لا تجب عليها، فكل يحسن إلى صاحبه.
وأما إذا حصل بينهما شيء من الاختلاف، فالمرد إلى ما ذكره العلماء، وفصله الفقهاء، بحسب ما جاء في الأدلة، واستنبط من النصوص.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، أَوْ ثَيِّبًا أَقَامَ ثَلَاثًا ثُمَّ دَارَ)}.
يعني أن هذا مما يستثنى مما تقدم، فإن الرجل إذا ابتدأ زوج بكر وعنده زوجات سابقات، فإنه لا يلزمه أن يبقى عندها يوم ثم يرجع إلى الأخريات، وذلك لِمَا جاء في حديث أم سلمة «من السنة إذا تزوج الرجل بكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج ثيبا أقام عندها ثلاثا». وقال لها: إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي، يعني: إن زدتك أكثر من ثلاثة أيام فسأقضي حقهن، وهذا يدل على أنه يُقضى حق المرأة إذا فات، ويقابل ذلك أيضا لو سافر الرجل ومعه إحدى زوجاته، فهو إذا أراد أن يسافر يقرع بينهم، كما كان النبي يفعل، خاصة إذا كان ذلك لحاجته.
فإذا أقرع وخرجت واحدة وذهبت معه فجلس معها عشرة أيام، فنقول: في هذه الحالة هو لا يلزمه السفر بالباقيات مثلها، ولكنه يلزمه إذا رجع أن يقضي لهن العشرة أيام التي بقيها مع تلك في السفر، وهي الأوقات التي بقي معها في السفر وليس في الطريق، فلا يحسبون طريق الذهاب ولا العودة؛ لأنه طريق وليس بسكن. هذا من جهة ما يجب لها.
طيب إذا كان قد سافر للنزهة، يعني: ليس لقضاء حاجته، نقول: إذا قلنا: لا يلزم للرجل أن يعدل بين زوجاته فيما زاد عن النفقة الواجبة، فلا يلزم إذا سافر بهذه أن يسافر بهذه، ولكنه يلزمه قطعا إذا بقي مع هذه أيامًا، فإذا عاد أن يبقى مع تلك، ولكن مثل ما قلنا: ينبغي للأزواج أن يحسنوا إلى الزوجات، وأن يقوموا بحقهن، وأن لا يحدثوا بينهن نفرة، أو يظهروا تفاضلا، فيذهب عليه السكن في بيوتاته، والأنس بنسائه، فيحسن إليهن قدر استطاعته.
{شكر الله فضيلا لكم فضيلة الشيخ}.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
{والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على متابعتكم، ونلقاكم -بإذن الله- في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك